أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - العولمة: ربّ ضارة نافعة!















المزيد.....

العولمة: ربّ ضارة نافعة!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3281 - 2011 / 2 / 18 - 17:06
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لم تترك العولمة مجالا إلاّ ودسّت أنفها فيه، لدرجة بات كل شيء معولما سواء اتفقنا وتكيّفنا معها أو عارضناها ورفضناها، لكننا لا يمكن أن نتملّص من نتائج التعاطي معها ومن استحقاقاتها. فقد دخلت حياتنا بكل مساحاتها ومساماتها، ومن أبسط الأشياء حتى أرقاها، خصوصا في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام وتدفق المعلومات والطفرة الرقمية الديجيتل .
واكتسبت التنمية في ظلّ العولمة بُعدا جديدا ومهما، لا على المستوى المحلي فحسب، بل على صعيد نظام العلاقات الدولية، السياسية منها والاقتصادية، أيضا، خصوصا ما رافق مفهومها من تطور وجدّة، فبعد أن كان المفهوم الدارج للتنمية حتى الثمانينيات يُقصد منه النمو الاقتصادي والتراكم الذي يمكن أن يحدثه في الميدان الاقتصادي وعلى مستوى رأس المال، فإن المفهوم الحديث شمل التنمية الشاملة بجميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية، خصوصا بُعدها الإنساني، تلك التي لا تنحصر بنمو رأس المال الاقتصادي فحسب، بل ترتبط برأسمال البشر وبالسياسات الاجتماعية التي تشمل عموم السكان أيضا. ولعل المفهوم الجديد للتنمية يتطلّب إعادة نظر في مجمل السياسات السائدة، ولا سيما في البلدان النامية، التي لا تزال أسيرة الاستتباع الخارجي وسياسة الهيمنة للدول الكبرى، الأمر الذي بحاجة إلى تعزيز دور الدولة وتنشيط دور قطاع عام شفاف ومسؤول مع تأكيد جدواه الفاعلة، مثلما يتطلب علاقات شراكة مع القطاع الخاص، ومساهمة أنشط مع جانب مؤسسات المجتمع المدني في العمل التنموي وفي تحديد السياسات، خصوصا للأولويات والأهداف والفئات التي تتوخّاها، ومثل هذا التطور بحاجة أيضا إلى إصلاح المؤسسات الدولية لكي تكون قادرة على تقديم العون بنزاهة من خلال معرفتها بسبل ومستلزمات التنمية بشكلها الشامل. بعد نحو عشر سنوات على صدور إعلان الأمم المتحدة حول الحق في التنمية في العام 1986 انعقد في كوبنهاجن (الدانمارك) القمة العالمية للتنمية الاجتماعية في آذار (مارس) 1995. وسجّلت القمة انعطافا في الفكر التنموي الدولي، خصوصا عندما أعلن 117 رئيس دولة وحكومة التزامهم بـ خلق تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية تتيح للمجموعات البشرية جميعها الاستفادة منها. كما جاء في إعلان القمة وبرنامج العمل التأكيد على تحقيق العدل والإنصاف والمشاركة.
وبغضّ النظر عن مساوئ العولمة فقد ازداد تأثير مؤسسات المجتمع المدني، وأخذت تلعب دورا منشودا، ولا سيما في عملية التنمية، ويمكن ملاحظة التأثير الإيجابي لمؤسسات المجتمع المدني عبر ثلاثة أطر، هي: الخدمات (التي تمنحها) والشراكة (التي تنشدها) والعمل التعبوي (الوطني والقومي الذي تقوم به لتحريك المواطنين)، لا يهم في ذلك إنْ كانت هذه المنظمات دفاعية أو حقوقية، مختصة في قضايا المرأة أو الفئات المهمشة أو معنّية بقضايا الفقر أو غيرها؛ ذلك أن أساس مؤسسات المجتمع المدني ينبع من الفكرة التي تقوم على المبادرة الذاتية للأفراد، بقناعاتهم واتّحادهم، وبالقدرة على التأثير في محيطهم السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو القانوني، خصوصا عندما تكون هذه المؤسسات مستقلة عن القطاعين الحكومي والخاص، ومتميّزة عنها، الأمر الذي أخذ بعضهم يطلق عليها القطاع الثالث أو القطاع المستقل أو القطاع التطوعي أو غيره من التسميات.وإذا كان ما يميّز مؤسسات المجتمع المدني في الغرب أنها أصبحت قوة ضغط على الحكومات لاتخاذ القرارات، ولا سيما في بعض الميادين، حتى باتت الحكومات لا تتخذ أيا من القوانين أو القرارات دون الرجوع للمجتمع المدني، كما أن البرلمانات لا تشرّعها دون الرجوع إلى مؤسسات المجتمع المدني أيضا، والاستماع إلى آرائها وملاحظاتها في هذا الخصوص، فإن البلدان النامية لا تزال تطمح للاعتراف بها أولا ومن ثم سماع رأيها فيما يتعلق بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها ثانيا، ناهيكم عن تعزيز كياناتها المستقلة ثالثا.
تقوم فلسفة المجتمع المدني على استكمال دور الحكومات والجهات الرسمية في تقديم البرامج، والسعي لحل المشكلات القائمة، والقيام بمبادرات ذاتية وتقديم مقترحات والكشف عن الطاقات الكامنة لدى الأفراد لتوظيف خبرتهم النوعية وتنظيمها على نحو يتّسق مع خطط التنمية والاستفادة من القدرات الذاتية للأفراد لوضعها في خدمة المجتمع، وتقديم تصوّرات مستقبلية، وذلك من خلال العمل التطوعي للنهوض بالمجتمع إلى مستوى الطموحات والأهداف التي تنشدها الدولة والمجتمع.
إذاً يمكن القول ربّ ضارة نافعة ، فإذا كانت العولمة بوجهها المتوحش ظاهرة سلبية على التطور الدولي، فإن المظهر الإيجابي فيها يكمن في وجود المجتمع المدني كظاهرة موضوعية بغضّ النظر عن مساوئها، حيث برز دوره على نحو كبير واستثنائي، ولا سيما في أبعاده المختلفة، على الرغم من سلبية بعضها، إلاّ أن ثمة شيئا إيجابيا، وله تأثيرات ملموسة وجوهرية على المجتمع المدني، من جهة أخرى.لقد كان تأسيس المجتمع المدني العالمي إحدى هذه الظواهر الإيجابية، ولا سيما من خلال تعزيز سبل الاتصال والتواصل بين مؤسسات المجتمع المدني على المستوى العالمي، خصوصا في ظل الثورة المعلوماتية وآلياتها، التي تعد العمود الفقري للعولمة، وتتواصل مؤسسات المجتمع المدني من خلال تدفق المعارف والمعلومات وتأسيس شبكات دولية وإقليمية تعنى بقضايا: الفقر والمرأة والطفولة والبيئة وحقوق الإنسان، وقد لعبت هذه المنظمات دورا بارزا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحقوقي والبيئي والصحي وغيرها.كما أسهمت هذه التطورات في عولمة قوانين الجمعيات والمنظمات الخاصة بالمجتمع المدني على المستوى العالمي، وذلك بتحديد مسطرة أو مدوّنة تأخذ المشتركات الأساسية والتطلعات والأهداف العامة، مع مراعاة الخصوصية الوطنية والثقافية للمجتمعات والشعوب المختلفة. وقد صاغ البنك الدولي بعض القواعد لتكون مرشدا للعمل، أو دليلا في سنّ التشريعات القانونية ومبادئ وقواعد التأسيس، والعلاقة بينها وبين الدولة والمجتمع، ولا سيما الفئات المستهدفة والتمويل وغيرها.
كما أسهمت التطورات في صياغة القيم الثقافية المشتركة والمبادئ الإنسانية التي تجسّدها على المستوى العالمي، وهي قيم مدنية تؤكد احترام التعددية والتنوّع والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية، وما يرتبط بذلك من قبول الرأي الآخر فضلا عن قيم السلام والتسامح والحوار، ويمكن القول إن ثمة مشتركات ثقافية، مدنية، وإنسانية أصبحت قاسما موّحدا لمؤسسات المجتمع المدني، في دول الشمال ودول الجنوب، في البلدان الصناعية، الغنية، المتقدمة، وفي البلدان النامية، الفقيرة، والمتخلّفة، كما أن لغتها الحقوقية أصبحت متقاربة.
وإذا كانت العولمة قد فرضت هيمنة على الدول والشعوب المُستضعَفة ونوعا مكثفا من إملاء الإرادة من جانب القوى الكبرى، بحكم دورها السياسي والعسكري والاقتصادي، فإن المجتمع المدني في الدول النامية اندفع باتجاه الاستفادة من قوانين العولمة من خلال تعميم القيم العالمية حول عمليات الإصلاح والتطور والديمقراطية والدفاع عن الحريات والحقوق، التي تشكّل جوهر رسالة المجتمع المدني وأساس تحرّكه، وذلك بالاستفادة موضوعيا من الظروف والأوضاع التي خلّفتها العولمة، بغض النظر عن جوانبها السيئة.وأصبح للمجتمع المدني دور مهم في عملية التنمية لا يمكن تجاهله أو إغفاله؛ لأن مفهوم التنمية المستدامة ذات البعد الإنساني لا تقوم إلاّ بمشاركة المجتمع المدني ومساهمته في عملية التنمية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقانوني وغيرها. وبرز في ظل العولمة منظمات مناهضة للعولمة، أسهم فيها بفاعلية المجتمع المدني دفاعا عن العدالة الاجتماعية، ولا سيما في إطار مكافحة الفقر والتزام قضايا المهمشين من خلال تقديم مقترحات وبرامج على هذا الصعيد.
وبغضّ النظر عمّا تريده العولمة فإن المجتمع المدني أصبح قوة ضغط تعبّر عن الرأي العام المحلي مرتبطا بالرأي العام العالمي إزاء قضايا كثيرة ذات اهتمام مشترك، مثلما هي شراكته مع شبكات ومنظمات عالمية رديفة، لتشكيل قوة ضغط كبرى على الصعيد العالمي، برزت خلال رفض الحصار على العراق وبعد احتلاله وكذلك في الدفاع عن حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولا سيما حقه في تقرير مصيره، وضد العدوان الإسرائيلي المتكرر عليه وعلى البلدان العربية.
وإذا كانت ثمة مخاطر تهدد البلدان النامية في ظل العولمة، التي لا يمكن دفع شرورها بالكامل، فلا بدّ من سبل للتخفيف من تأثيراتها السلبية واللاإنسانية، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. ومثلما هناك مخاطر وتحدّيات، كذلك هنالك بعض الفرص التي أوجدتها، خصوصا فيما يتعلق بعولمة الثقافة وعولمة حقوق الإنسان، وهي فرص يمكن للمجتمع المدني أن يستغلها، إذا تسلّح بالوعي وبرؤية مهنية مستقلة غير خاضعة للتمويل الأجنبي والأجندات الخارجية، وبعيدة أيضا عن الصراعات الأيديولوجية.
إن مجتمعا مدنيا على أساس المواطنة والمساواة والتعاقدية والتطوعية ويسعى لتفعيل حق المشاركة، يمكن أن يسهم في عملية التنمية المستدامة بحيث يصبح قوة اقتراح وشراكة مع الدولة والقطاع الخاص، ولعل ذلك من مفارقات العولمة!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب القوة والتطرف معكوساً
- منولوج جو بايدن!
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية
- قراءة تأويلية عن حضارة وادي الرافدين لكتاب متميّز
- ماذا بعد استهداف مسيحيي العراق؟
- صورة تونس النمطية: مقايضة السياسة بالاقتصاد!
- مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!
- حقوق الانسان في الوطن العربي:المنظمة العربية لحقوق الانسان ف ...
- الأمن الغذائي .. الحق في الطعام!
- بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟
- ساحل العاج دولة برئيسين
- حرب باردة في خليج ساخن
- الاستفتاء السوداني: بين الديناميكية والسكونية !
- بعد 50 عاماً مصير -حق- تقرير المصير
- العمل العربي المشترك: أي دور للمجتمع المدني؟
- استفتاء أم استثناء؟
- الحداثة وما بعدها !
- رمزية القرار 1514 و«متحفية» الكولونيالية!


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الحسين شعبان - العولمة: ربّ ضارة نافعة!