أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - جدلية الضعف والقوة















المزيد.....



جدلية الضعف والقوة


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3313 - 2011 / 3 / 22 - 20:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بفعل العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات والطفرة الرقمية الديجيتيل وتكنولوجيا الإعلام برزت ظاهرة العنف على نحو واسع، عابرة للحدود والأوطان، متجاوزة الهويات والجنسيات، قافزة فوق الأديان والقوميات، تتساوى فيها المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة، والدول الصناعية مع الدول النامية، والشمال الغني مع الجنوب الفقير، وسواءً كان العنف فردياً أو جماعياً، أي ما يقوم به الأشخاص أو ما تقوم به المؤسسات أو الحكومات.
وارتبط استخدام العنف إلى حدود كبيرة بالحروب والنزاعات المسلحة الدولية والإقليمية والمحلية، أو ما أصطلح على تسميتها بالحروب الأهلية، وإذا كان العالم منذ نشأته وحتى اليوم لم يستطع أن يلغي الحروب والنزاعات المسلحة واستخدامات العنف المختلفة من وجوده، فقد حاول ساعياً إلى تلطيف شأن الحروب والتخفيف من أثارها وتنظيم إدارتها ووضع قواعد وأنظمة واتفاقيات دولية لتحسين شروط المقاتلين وإنشاء ضوابط قانونية ينبغي مراعاتها للتقليل من معاناة الضحايا، سواءً في الحروب البرية أو البحرية أو الجوية أو من خلال سير العمليات العسكرية أو ما بعدها بخصوص حال المدنيين وحقوقهم الإنسانية، و هو ما عرف بالقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقيات لاهاي لعام 1899 و1907 وفيما بعد الحرب العالمية الثانية، لاسيما صدور ميثاق الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو في 24 حزيران / يونيو 1945 واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977، الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، والثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.
ولأن العنف لا يمكن القضاء عليه كليّاً كما يقول التاريخ البشري مثلما هو استخدام القوة، فإن جميع القواعد والقوانين الوطنية والدولية على هذا الصعيد سعت للحد من تأثيراته السلبية ووضع الضوابط التي من شأن مخالفتها تعرّض الأشخاص أو الدولة أو الجهة المعنية للمساءلة، وهو ما ذهبت إليه القوانين الجنائية التي حددت جزاءات جرّاء ممارسة العنف على نحو غير مشروع وبالضد من القواعد القانونية النافذة.
ولعل المنابع اللغوية والإعلامية للعنف في حياتنا المعاصرة تتطلب كمدخل لهذه المقالة التوقف عند تعريف العنف لغة واصطلاحاً، ثم البحث في خلفيات العنف نفسياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقانونياً، للوصول إلى تناول أنواع العنف وتصنيفاته، لنناقش بعدها مسألة الوصول إلى الحق باللاعنف، أو تحقيق الهدف بالسلم والإصرار عليه في مواجهة العنف.
تعريف العنف لغوياً: عنف – عنفاً وعنافة به وعليه: أي لم يرفق به.
والعنف: يعني الشدة والقسوة، وهو ضد الرفق ويُقال «أخذوا يخرجون عَنَفاً عَنَفاً» أي أولاً فأولاً.
وعنّف فلاناً، أي لامه ووبخه بالتقريع، وعنّفه، أي أخذه بشدّة ولم يرفق به فهو عنيف، وأعنّف فلاناً، أي أخذه بشدة ولم يرفق به. واعتنف الرجل الأمر، أي أخذه بعنف وبشدة.
وأما العنف اصطلاحاً: فقد نجده يختلف باختلاف التخصصات، ومن الصعب علينا تحديد مصطلحاً موحداً للعنف بعيداً عن المعايير الأخلاقية والسياسية:
فلدى علماء النفس والاجتماع يختلف تعريف العنف عنه لدى علماء السياسة والقانون وعلم الإجرام والانثربولوجي، لذا فهو مقرون بالوضعية والظروف المحيطة به.
ويُعرف مصطلح العنف من الناحية النفسية بأنه: «السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن، تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدنياً كالضرب والقتل والتكسير والتدمير للممتلكات واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره».
وتشير الموسوعة العلمية (Universals) إلى أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف فرد أو جماعة ضد فرد أو أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً و هو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
بينما يؤكد قاموس راندوم هاوس (Hause dictionary Random) أن مفهوم العنف يتضمن ثلاث مفاهيم فرعية هي: الشدة والإيذاء والقوة المادية.
وأما العنف السياسي فيعرفه تيد هندريش ( (Ted Honderichبأنه اللجوء إلى القوة لجوءًا كبيراً أو مدمراً ضد الأفراد أو الأشياء، لجوءًا إلى قوة يحظرها القانون، موجهاً لإحداث تغيير في السياسة وفي نظام الحكم أو في أشخاصه. في حين أن العنف الاقتصادي يعني الضغوط التي تمارسها الطبقات المالكة والحاكمة بشكل عام ضد المحرومين والكادحين وأصحاب الدخول المحدودة سواءً من خلال قوانين وأنظمة أو عبر الأسواق والأسعار والتحكم في الإنتاج والأجور، وهذا العنف يقع على الأفراد والشركات والمؤسسات، لاسيما إذا كانت الجهات المتحكمة تمتلك قدرات اقتصادية ومالية وقانونية كبيرة بحيث تبسط سلطانها وأخلاقها على المجتمع وتتحكم بموارده وثرواته الاقتصادية.
في القرن التاسع عشر تمّ تحديد مصطلح العنف من الناحية السياسية، في إشارة إلى التطورات التي شهدتها أوروبا ودولها القومية الناشئة، بوصفه فعلاً أو ظاهرة ترمي إلى إحداث خلل في البنى التي تنظم مجتمعاً ما، مما ينجم عنه تهديد الحقوق والواجبات التي يتوفر عليها الأفراد طالما أنهم ينتمون إلى شرعية نظام تلك الدولة.
وفي التشريعات الجنائية يُعرّف العنف: كل مساس بسلامة جسم المجني عليه، من شأنه إلحاق الإيذاء به والتعدّي عليه،سواءً كان بدنياً أو نفسياً.
من الناحية القانونية يُعرّف مصطلح العنف بأنه: سلوك يصدره الفرد بهدف إلحاق الأذى أو الضرر بفرد آخر يحاول أن يتجنب هذا الإيذاء سواءً كان بدنياً أو لفظياً تم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مادياً أو معنوياً، أو أفصح عن نفسه في صورة الغضب أو العداوة التي توجه إلى المعتدى عليه وبالتالي يعاقب عليه القانون في كل دولة حسب نسبته وحجمه وأثره، وسواءً كان هذا العنف ضد الغير فرداً أو مؤسسة أو دولة متمثلة في أحد مرافقها وقطاعاتها.
ومن الممكن تعريف العنف بأنه: الإيذاء باليد أو باللسان، أو بالفعل أو بالكلام، وسواءً كان هذا العنف مادياً (فيزيائياً) أو معنوياً (نفسياً)، ولا فرق في ذلك بين أن يكون فعل العنف والإيذاء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي. وهو سلوك إيذائي، قوامه إنكار الآخر كقيمة متماثلة للأنا أو للنْحن، كقيمة تستحق الحياة والاحترام، ومن مرتكزه استبعاد الآخر ورفضه.
والعنف هو واقعة اجتماعية تاريخية، يقوم بها الفرد وحده أو الجماعة (الحكومة) باستخدام اليد أو اللسان بشكل عنيف تجاه فرد آخر، أو هو موجه من قبل جماعة متسلطة، إذ تقوم مجموعة بشرية، ذات خصائص مشتركة، باستخدام العنف والقوة، وسيلةً من وسائل تحقيق تطلعاتها الخاصة، وذلك بغياب الديمقراطية والعدالة والمساواة.
وهذا ينطبق على تعريف موسوعة الجريمة والعدالة للعنف بأنه كل صور السلوك؛ سواءً كانت فعلية أو تهديدية التي ينتج عنها - أو قد ينتج عنها - تدمير وتحطيم للممتلكات أو إلحاق الأذى أو الموت بالفرد أو الجماعة والمجتمع.
ويعرّفه (لوكا) في مؤلفه (آليات منطق العنف)، بأنه (مفهوم يدل على انفجار القوة التي تعتدي بطريقة مباشرة على الأشخاص وأمتعتهم، سواءً كانوا أفراداً أو جماعات، من أجل السيطرة عليهم عن طريق القتل أو التحطيم أو الإخضاع أو الهزيمة).
ويختلف تعريف العنف حسب وجهات النظر بما يخدم فكر وأهداف الجهة الصادرة عنها أو المتضررة إلا أن اللفظ قد أخذ تعريفات اصطلاحية مرتبطة بالتخصصات المختلفة ومعبرة عن انتماءات وأبعاد سياسية ونفسية وقانونية وتوجهات فكرية يغلب عليها الطابع المدني للدولة الحديثة، فلم يعد هناك مبررات لعنف مشروع وآخر غير مشروع، وعنف عادل، وعنف ظالم، لا سيما إذا اعتمدنا لغة القانون القائم على الحق في ردّ العنف.
إن استخدام العنف والقوة في العلاقات الاجتماعية، تحت أي مسوّغ كان هو أمر مرفوض ومذموم، ويُعد انتهاكاً صريحاً للنواميس الاجتماعية، التي حددت نمط التعاطي والتعامل في العلاقات الإنسانية؛ لأن العنف سلاح مدمّر إذْ أن تداعياته المتعددة وموجباته غير المبررة لا تتوقف عند ضحاياه فحسب، بل تشمل حتى القائمين عليه ممن يلتجؤن إلى ممارسته، وتخلق ردود فعل يمكن أن تسمم الحياة العامة.
والعنف مهما كان له رد فعل، فهو عنف مضاد باستثناء المقاومة باللاعنف، وبالتالي فإن العنف سيؤدي بالمجتمع للنزوع نحو الصراع والتقاتل وتتحول كل العلاقات إلى علاقات تناحرية وتصارعية، وهذا بدوره يدفع نحو التجييش والاستقطاب والتناحر.
ويقسَّم العنف في الأدبيات المعاصرة إلى عدة أقسام أو أنواع، فالعنف كأسلوب في التفاهم يقوم على فرض الرأي بالقوة، والبطش، واستخدام الوسائل المادية لتصفية الخصم أو العدو، أو حجب حقه في التعبير والحوار..
ومن أنواع العنف:
العنف ضد المرأة، العنف ضد الطفل، العنف السياسي، العنف الأسري، العنف الجسدي، العنف النفسي، وهناك عنف الإنسان ضد الطبيعة؛ وعنف الإنسان ضد نفسه بواسطة الطبيعة؛ عنف الطبيعة ضد نفسها وضد الناس؛ عنف الأغنياء ضد الأغنياء؛ وعنف الأغنياء ضد الفقراء (عنف المتخمين ضد المحرومين والمالكين ضد من لا يملكون) وهو أساس الصراع الاجتماعي، وعنف الفقراء ضد الأغنياء؛ وأحياناً هناك عنف الفقراء ضد بعضهم بعضاً؛ وعنف ليس له من غرض سوى العنف.
كما يقسّم العنف إلى أقسام مختلفة حسب الأسلوب المتبع ومنها :
العنف المعنوي: وهو الذي يحدث ضرراً غير مباشر، فيكون ضرراً سيكولوجياً متعلقاً بالشعور الذاتي (الأمن، الطمأنينة، الكرامة، الاعتبار، التوازن).
العنف اللفظي أو الشفوي: هو الذي يكون بالتهديد وباستخدام العنف دون استخدام العنف فعلياً وغالباً ما يسبق العنف البدني الحقيقي هذا التهديد ولكن لا يشترط تلازمهما في كل الأحوال ويتمثل في السب والتوبيخ.
العنف البدني: غالباً ما يكون ذا طبيعة بدائية مثل العضّ والبصق ويمكن أن يتضمن بطبيعة الحال جرائم القتل والضرب والمشاجرة والتعدي على الآخرين، كما يشمل أنواع التعذيب الجسدي المختلفة، ابتداءً من حجب الحرية إلى ممارسة التعذيب بالوسائل البدائية أو بوسائل التكنولوجيا الحديثة التي وصلت إلى الإيهام بالغرق.
العنف التلقائي: هو الذي يعبر فيه الفرد عن إحباط يعاني منه، ويكون مصحوباً بعلامات التوتر.
العنف المادي: هو ذلك الذي يحدث ضرراً مباشراً على متلقي هذا العنف فيصاب فيزيائياً في البدن.
العنف الجماعي: هو وسيلة للتأثر أو الانفعال أو هو شكل من أشكال التمرد، فالعنف الجماعي هو رد فعل ضد مطالب وطموحات لم يتم إشباعها، وهو الشغب الذي يحدث أثناء ظروف معينة، وهو العنف الذي يمكن أن تستخدمه الحكومة أو جماعات مسلحة ضد انتفاضة شعبية أو احتجاجات سلمية، أو جماعات قومية أو عرقية أو دينية. وفي إطار القانون الدولي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان يطلق على العنف الجماعي مصطلح "العقوبات الجماعية" وهو ما يتم استخدامه بالانتهاكات السافرة والصارخة التي تصل إلى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وغيرها، وغيرها ، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم ، مثلما هي جريمة التعذيب أيضاً بموجب الاتفاقية الدولية لمنع التعذيب لعام 1984 .
العنف الفردي: يُرتكب من خلال أفراد ذو حالات خاصة وفي ظل ظروف معينة غائية لتحقيق هدف أو مطلب أو حاجة أو في سبيل تحقيق تغيير في وضع ما أو بغية الإخضاع لشيء ما وينقسم الأفراد الذين يميلون إلى هذا السلوك لثلاث فئات هي:
فئة المتطرفين: وهم الذين يكون العنف لديهم منهجاً وسلوكاً لتحقيق أهدافهم.
فئة المتسلطين: وهم الأشخاص المعجبين بالسلطة الذين يسعون لتحقيق الهدف مهما كان السبيل ومن ضمنهم يكون الانتحاري الذي يشعر بالنشوة لإقباله على الموت دون تفكير.
فئة الأنانيين: وهم الذين لا يرون الآخر إلاّ من خلال اللذة في تخويفهم وترويعهم وهو ما يطلق عليهم عالم النفس الكبير سيجموند فرويد الساديين، الذين تتحدّ غريزتهم الجنسية مع الرغبة في التدمير موجهة ضد الآخر، وعكسهم المازوخيين الذين تتحدّ غريزتهم ورغباتهم في التدمير موجهة نحو الذات..
وتأتي صعوبة موضوع العنف من كونه لصيق بالحياة، ولما يرافقه من عوامل قد تأتي كمقدمات أو أن تليه كنتائج، فالعنف مرافق للكراهية والرغبة في الانتقام والتدمير، ومن المفارقات العجيبة أن العنف مرافق أيضاً لحالات الحب بل وملتصق بها وهو ينجم عن الغيرة "ومن الحب ما قتل"، وكما هو متواجد في كل حركات الاستغلال والاستبعاد والاستعمار، فهو متواجدٌ أيضاً في قلب حركات التحرر والانعتاق، التي قد تلجأ إلى العنف دون ضوابط قانونية لتبرر لنفسها بعض الأعمال العنفية غير المبررة أو المشروعة.
إن مسألة العنف، تثير ارتباكاً كبيراً في منظومة العلاقات الإنسانية أياً كان مستواها أو درجة حدتها. كما أنها حالة تُخرج الناس، سواء مسّهم العنف أو لم يمسّهم، عن المألوف بردود أفعال غير مألوفة أحياناً. إن العنف يحيط نفسه دائماً بكثير من الألغاز والمبهمات، مهما كان ادعاء العارفين بطبيعته. وهنا يُطرح السؤال المحيّر: لماذا لا تستطيع المجتمعات أو الفئات أو الأشخاص تجنب العنف أو تفادي الوقوع في حبائله وهي تعلم أن أضرار العنف كثيرة، وجراحه عميقة، وقد لا تضمد بسرعة؟
وإذا ما قبلنا بأن العنف ينغرس، عميقاً، في الطبيعة الإنسانية وفي ظل صراعات المصالح، يصبح السؤال عندها كيف يمكن أن نتخلص من العنف أو نحدّ من غلوائه؟ أو كيف يمكن أن نقنن من آثاره؟ كيف يمكن أن نصل من خلال الفهم والتحليل إلى الأسباب المؤدية لهذا النوع أو ذاك من العنف، علماً بأن الأساليب التي قد تُستعمل في معالجة ظاهرة العنف، هذا النوع أو ذاك من العنف، قد تكون صائبة، وقد تكون مبتسرة بهذا النصيب أو ذاك، وقد تكون غير صائبة تماماً. ولهذا يكون البحث على أنسب وأنجح السبل، في هدوء واتزان، هو سبيل النجاح والتبصر والتعقل والحكمة، لاسيما بالتوقف عند أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والقومية، خصوصاً أوضاع الفقر والتخلف والأمية والتمييز والحضّ على استخدام العنف، أو في حالات الهيمنة والاستتباع أو منع أو التقليل من حرية التعبير والحق في الاعتقاد والتنظيم والمشاركة، فضلاً عن غياب مبادئ المساواة.
والعنف لا يكون دائماً غير مشروع بل إن الذي يحدد مشروعيته من عدمها هو الدافع، فعلى سبيل المثال أن العنف الذي يُمارسه المُسْـتَعِمر يُخالف العنف الذي يقوم به المُسْـَتعْمَر، لأن عنف الأول يريد به السيطرة على المُسْـتَعْمَر ونهب خيراته وثرواته، أما عنف الثاني فهو كرد فعل على عنف الأول أي أنه بعد استنفاذ جميع شروط الدفاع عن النفس، لم يبق سوى الرد بالمثل، ويريد به الحفاظ على حياته ووجوده، ونستطيع أن نطلق على هذين النوعين، العنف السلبي الذي يتجه إلى تدمير حياة الآخر، والعنف الإيجابي الذي يتجه إلى الحفاظ على حياة الأنا الضعيفة، ومن ذلك رؤية «فرانز فانون» في عملية إزالة الاستعمار بأنها ليست عملية قومية من حيث الشكل فقط، بل هي عملية عنيفة من حيث الموضوع، فالاستعمار في نظره مرادف للعنف السياسي والعسكري والثقافي والنفساني، ومن ثم فلا يمكن أن يَـقضي عليه إلا عنف مماثل ومعاكس في جميع المجالات.
ويتولد العنف عن طريق جدل القوة والضعف، فالقوي يريد السيطرة على من هو دونه باستخدام الوسائل المتاحة قانونياً ومادياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً "بصورة شرعية" أو غير شرعية، وذلك بهدف إرغامه على التسليم بتفوقه وسيادته، وهو ما كان الغرب يستخدمه ضد الشعوب المستعمرة للاستحواذ على خيراتها ومواردها.
وفي هذه الحالة فإن لغة الصراع الوحيدة هي العنف، فيلجأ الذي يملك القوة إلى استعمال هذه اللغة بغية حيازة المزيد من المكتسبات، وهذه الصورة من العنف تكون على مستوى الفرد أو الجماعة؛ كما في حالة العنف الذي تمارسه الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانفرادها بالقوة وقيادة العالم ضد الدول الضعيفة كالعراق وأفغانستان حيث يمثل هذا صورة العنف الجماعي"العقوبات الجماعية سواءً بالحصار أو الحرب" وعلى مستوى الدولة مثلما هو عنف إسرائيل وإرهابها ضد الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية منذ أكثر من 62 عاماً. أما على مستوى الفرد فيكون العنف ضد المرأة أو العنف الأسري سواء كان مادياً أو معنوياً وهذا العنف هو نتاج شعور الرجل بالقوة، والنظر إلى المرأة نظرة دونية واحتقار وضعف، الذي له أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والدينية أحياناً.
هناك موّلد آخر يؤدي إلى ظهور العنف واستشرائه بصورة رهيبة، ويتمثل في جدلية الأنا والأخر، أو الـ "نحن" والـ "هم" ذلك أن من يريد أن يسيطر و"يتسيد" يحاول "تنظيم عالم ينقسم انقساماً ثنائياً" كما يقول "فرانز فانون"، هذا الانقسام يؤدي إلى ظهور بيئة عنيفة يتجاذبها طرفا الصراع والغلبة للأقوى، لذلك كان سيجموند فرويد يرى بأن السلم العالمي لن يتحقق في ظل الفرقة والانقسام، والسبيل الوحيد هو الاتحاد حيث يقول "إنه لا يمكن كسر العنف إلاّ بالاتحاد لأن في الاتحاد قوة"، ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن العنف في بدايته قد يكون نتاج فكرة، وليس عبارة عن سلوك عنيف فقط تقوم به جماعة ضد جماعة أخرى، فالاستعمار الغربي لدول أفريقيا وأسيا وأمريكا كان تحت مسوّغ تحضير أو تمدين المجتمعات بإخراجها من دائرة البداوة والتخلف إلى المدنية والتطور.
وهناك دواعي أخرى لميلاد العنف وهو الإحباط النفسي، بمعنى عندما يكون هناك عائق بين الفرد ورغباته فإن ذلك الفرد يحاول أن يعبئ أكبر قدر من طاقاته، فإذا استمرت التعبئة دون أن يرافقها نجاح فإنها تميل إلى التعبير عن نفسها بسلوك تدميري، أي أن العنف في بعض الأحيان يتجه إلى تدمير ما هو خارجي إذا كان يمتلك القدرة على ذلك كتدمير ممتلكات الغير مثلا، أما إذا كان عاجزاً عن إلحاق الضرر بالأخر فإن سلوكه التدميري سيتجه نحو الداخل أي ضد ذاته كالانتحار، وهي ما يدعوها "فرويد" بالقوى التدميرية أو العدوانية، وهذه القوى التدميرية كما يقول "إميل دوركايم" إن لم توجه نحو المحيط الخارجي فإنها ترتد نحو الداخل سواء على صعيد الفرد أو الجماعة.
إذن، العنف ظاهرة شائعة في عالمنا، وهو أمر ما يزال العالم يعاني منه على الرغم من إدانته أخلاقياً وتشريعياً، ولكنه واقع موجود، لا يمكن إنكاره أو تجاهله، فهو يمارس في كل لحظة من قبل فرد قوي أو مجموعة قوية ضد فرد ضعيف أو مجموعة ضعيفة، وهو لا يستتبع بالضرورة حالة العداوة، وأقله التعنيف الكلامي، وأكثره العنف الجسدي مقروناً بالإهانة، وأسبابه لا تكاد تنحصر في دائرة محددة، فهو موجود ومتوقع حدوثه من الآخرين، سواء الذين تربطنا بهم علاقات أسرية، أو وظيفية، أو حزبية، أو علاقات مواطنة، أو دينية أو عنصرية أو طائفية أو عشائرية أو الذين لا تربطنا بهم أية علاقة، كل ما في الأمر إننا لا نستطيع أن نحدد لحظة وقوع العنف فقط.
لا تبدأ مشكلتنا كبشر، في أننا لا نعتقد بالعنف، أو لا نتوقع حدوثه، ولكن مشكلتنا تبدأ لحظة التعامل مع العنف؛ علينا في البدء أن نكون واقعيين، وعلينا أن نعترف بان العنف جزء من علاقاتنا أو لنقل هو الجزء السيئ من علاقتنا، ولكن لا يجب أن تنحصر خياراتنا للمطالبة بحقوقنا المترتبة على استخدام العنف في أمرين فقط؛ إما الاعتداء أو الاستسلام. لأن كلا الخيارين - وهما أكثر الخيارات شيوعاً واعتماداً لدى أطراف العنف - لا يوفران – تكتيكياً - قيم التعايش السلمي، ولا يولدان – استراتيجياً - حياة آمنة ومستقرة للمجتمع. وهذا يعني أننا يجب أن لا نذعن كلياً إلى فكرة الانتقام أو فكرة الاستسلام، ولا يجب أن نقبل بهما على أساس أنهما نتاج علاقات إنسانية حتمية.
إن الاعتراف بوجود عنف بشري متزايد لا يعني إعطاء شرعية وجود أو تبرير السلوك العدواني، ولكن تجاهله وإنكاره أو تكفير أثاره وطمسها، لا يعني إننا تخلصنا من العنف، ولا يعني إننا لن نواجه العنف في دائرة علاقاتنا. ونرى أن بعض المدافعين عن اللاعنف ممن لا يقبلون بالعنف المضاد ولا يرتضون لغة الاستسلام أو "المسالمة" قالوا بخيار اللاعنف الروحي المتضمن إحداث تغيير في سلوك المعتدى عليه أو المعتدى عليهم، مما يؤثر إيجابياً على سلوك المعتدي ويدعون إلى احترام أو إلى محبة أعدائهم. وهذا النوع هو الأكثر قرباً من البعد المثالي في فهم اللاعنف، ويُجادل أنصار هذا الأسلوب بأنه من غير المنطقي أساساً أن يُستخدم العنف لتأسيس مجتمع مسالم، وهذا ملاحظ في موعظة الجبل التي ألقاها المسيح: "أحبوا أعداءكم"، أو محبة الخير لكل المخلوقات، أو اللاعنف تجاه أي كائن، في البوذية. إن لمحبة الأعداء أو احترامهم تبريره العملي البراغماتي، فالفصل بين الفعل وبين الفاعل يترك الباب مشرعاً أمام الفاعل ليغير سلوكه ويتراجع عن أفعاله أو قناعاته.
وقد أشرت في كتابي «فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي» إلى أن غاندي كان يؤمن باللاعنف وبواسطته استطاع هزيمة أكبر إمبراطورية في عصره (بريطانيا العظمى)، فهذا الرجل الأعزل نصف العاري، بنمط حياته البسيط، وبعلاقته الحميمة بشعبه، استطاع أن يثبت للعالم أن إحدى وسائل المقاومة هي اللاعنف والتسامح والقدرة على إنجاز مشروع التحرير واستعادة السيادة والحقوق، بالمقاومة السلمية. وكان غاندي يُردّد: لو كان هناك بديل أفضل من التسامح لاخترته ولكني والحالة هذه لا أجد أفضل منه!! ولم يكتفِ غاندي بالحديث عن اللاعنف، بل أظهر كيف أن المقاومة السلمية يمكنها أن تواجه وتتحدى من خلال سلاح المقاومة والإضراب عن الطعام والاحتجاج والاعتصام والتسامح!؟
وقد قال مارتن لوثر كينغ: "اللاعنف لا يعني تجنب العنف المادي مع الآخرين، بل أيضاً العنف الروحي الداخلي. إنك لا ترفض إطلاق الرصاص على شخص آخر فقط، بل ترفض أن تكرهه أيضاً". وقال عبد الغفار خان "سأقدم لكم سلاحاً فريداً لا تقدر الشرطة ولا الجيش علي الوقوف ضده. إنه سلاح النبي، لكن لا علم لكم به. هذا السلاح هو الصبر والاستقامة. ولا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع الوقوف ضده".
ويرى أتباع النظرية الغاندية في نبذ العنف أن خيار التحاور لفهم الحقيقة يجب أن يسبق أي رد فعل تجاه العنف، فغاندي يعتبر أن الحقيقة متعددة الأوجه ولا يمكن لشخص واحد أن يفهمها بشكل متكامل. الجميع إذن يملكون أجزاء من الحقيقة حسب اعتقاده، وكلهم يحتاجون إلى الأجزاء التي يملكها الآخرون وبالتالي السعي نحو الحقيقة الأكبر. ولعل ذلك ما دعاه إلى الإكبار من شأن الحوار مع الأعداء والمخالفين في الرأي، من أجل فهم الدوافع. ومن أجل أن يستمع إليك الآخرون، يجب أن تتحلى بالقدرة على الإصغاء، وفي هذا المنهج اللاعنفي عند غاندي يكون البحث عن الساتيا (الحقيقة) أمراً مركزياً يبعد شبح العنف والعنف المضاد ويخلق التسامح والهدوء.ولا يعني نبذ العنف نبذ الحق والرضوخ للأمر الواقع، بل هو الاستمرار في السعي لإحقاق الحق دون الحاجة إلى اعتماد الأساليب العنفية التي لابد وأن تكون مسيجة بأطنان الليترات من الدماء المهدورة.
ولعل هذا يتطلب دراسة وتطوير الرؤى المعرفية للمجتمع والثقافة، لاسيما في العالم العربي وبالأخص مع ظاهرة العنف في أوساط الشباب، وذلك بتقديم ما هو إنساني على ما سواه من أفكار وأيدلوجيات وفلسفات وتفسيرات دينية، وكفالة أخلاقيات التضامن الاجتماعي في التعامل مع البشر والبيئة والعلم، حيث ما تزال مجتمعاتنا تضجّ بالصراعات الطائفية والإثنية والقبلية مثلما تعاني من البطالة والفقر وانتشار المخدرات.
وعندما نتحدث عن الفقر ونحن نقصد أيضاً فقرنا المعرفي في التعامل مع ظواهر العنف ومستجدات العلوم الاجتماعية والنفسية وأبعادهما الإنسانية في إطار الفهم العصري للمفاهيم مثل دولة القانون والمواطنة والانتماء والهوية وحقوق الإنسان والعددية الثقافية والتنوع الديني واللغوي والقومي والسلالي.
ويمكن للتربية التعليم أن يلعبا دوراً مهماً في رفع الوعي الحقوقي والحس الإنساني، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر بالمناهج وأساليب التدريس مثلما يحتاج أيضاً إلى تراكم معرفي وبنك للمعلومات لدراسة ظاهرة العنف بكل تفرعاتها وتأثيراتها على الصحة العامة والنفسية والتثقيف بأضرارها الحالية والمستقبلية.
ولمواجهة هذه الظاهرة فإن العرب بحاجة للانتقال من المعلومة إلى المعلوماتية ومن هذه الأخيرة إلى المعرفة سواءً لصانع القرار أو للجهات والمؤسسات التي تتعاطى مع ظواهر العنف لكي تصبح ثقافة الأمن الإنساني هي السائدة بدلاً من ثقافة الخوف.
لقد آن الأوان لتخطيط مدني طويل الأمد للتصدي لظاهرة العنف أساسه إلى كل ما تقدم رافعتان: الأولى تعزيز الوعي، والثانية تعميق الإحساس والفعل بعملية التضامن الاجتماعي بحيث يشعر أي فرد في المجتمع وإذا كبّرنا هذه الصورة أية دولة في المجتمع الدولي، أن العنف سيكون خطراً عليه وعليها، من أجل وذلك لقيام نظام أكثر إنسانية وعدلاً على المستوى الوطني والعالمي، الأمر الذي يتطلب تكافؤ للفرص وعدالة اجتماعية وترويج معرفي من خلال قنوات أكاديمية وتربوية وقانونية فضلاً عن دور إعلامي تسهم فيه تكنولوجيا الإعلام والاتصال والمواصلات لتقليص ظاهرة العنف ومخاطرها المتشعبة والعابرة للحدود والقارات في عصر العولمة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - النموذج- العراقي وعدوى التغيير!
- سبع رسائل لاستهداف المسيحيين
- الموجة الثالثة للتغيير
- الانتفاضة العراقية: استعصاءٌ أم استثناء؟
- تناقضات المجتمع المدني ومفارقاته
- رسالة من منصور الكيخيا إلى المثقفين العرب
- -اشكالية الهوية والمواطنة في العراق-
- مستقبل الحوار العربي- الصيني!
- لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!
- تونس- مصر: أسئلة ما بعد الانتفاضة!
- ثقافة السلام
- كوابح المجتمع المدني
- عواصف التغيير الديمقراطي: أي خريطة طريق؟
- أخشى من إجهاض الانتفاضة التونسية
- العولمة: ربّ ضارة نافعة!
- خطاب القوة والتطرف معكوساً
- منولوج جو بايدن!
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - جدلية الضعف والقوة