|
منير العوادي سلاما !
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 20:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
رحل منير العوداي يوم 3 أوت 2011 عن عالمنا ، في ظروف غامضة ، فقد توفي فجأة و ربما كان ضحية أخرى من ضحايا تدهور الحالة الأمنية ، التي أصبح فيها القتل مثل شربة ماء . كان منير مناضلا ثوريا عرفته ساحات الكفاح الطبقي في الحركتين الطلابية و النقابية و فضلا عن هذا كان مثقفا مولعا بمتابعة ما يُكتب ، و لا اذكر يوما التقيته فيه دون كتاب يتأبطه أو جريدة مهمة يتصفحها . و قد مكنته سعة اطلاعه من أن يكون أرشيفا متنقلا يحتوى على أدق تفاصيل اليسار الجديد في تونس ، يحدثك عن منظمة آفاق و المجموعة الماركسية الليينينية التونسية GMLT و الشعلة و العامل التونسي و مجموعات صغيرة أخرى مثل كفاح و الحقيقة و غير ذلك من المنظمات و الحلقات و تفرعاتها اللاحقة ، كما لو كان عضوا عاملا فيها جميعها . و كنت أنا المقيم في الجنوب التونسي ، إذا ما أردت معرفة ما يدور في سراديب الحياة السياسية في تونس العاصمة ، التقيه في مقهى من مقاهي ضاحية باردو ، فيقدم لى ما لا طاقة للآخرين بتقديمه . كان منير مسكونا بهاجس كتابة ما يعرفه ، و لكنه كان في كل مرة يراجع نفسه و يؤجل عمل يومه إلى غده ، لورود تفاصيل جديدة أو لغياب وثيقة أو انتظار لقاء شخص له معلومة مفيدة ، و قد أثر ذلك سلبا على انجاز تلك المهمة ، رغم إلحاحي الشديد عليه بضرورة الكتابة و التركيز على الأهم ضمن المسائل التي يود الكتابة فيها ، فقد كان مهوسا بالتفاصيل و الجزئيات ، يحفظ السنين و الشهور ، و أحيانا الأيام و الساعات ، و الأمكنة و الأشخاص . سمعت عنه قبل أن التقيه فغداة الانتفاضة العمالية الكبرى التي عرفتها تونس في جانفي 1978 كنا منشغلين بتنظيم الطلبة و التلاميذ ، و سمعت عن منير التلميذ الذي قدم مقترحا لتأسيس اتحاد وطني للتلاميذ ، وكيف بدأ بتجميع بعض زملائه من حوله في معاهد تونس العاصمة لهذا الغرض ، ثم تعرفت عليه بعد ذلك طالبا بكلية الآداب بمنوبة ، و كان مناضلا مهموما بحب الشعب و الوطن و الطبقة العاملة و فقراء الفلاحين ، لا يتواني عن التضحية بوقته و جهده متى تطلب الأمر ذلك ، و كان عند حديثه عن الشهيد فاضل ساسي كأنما يتحدث عن قديس من قديسي الثورات . عايش منير تجربة الوطنيين الديمقراطيين في تونس بأغلب تفاصيلها ، حلوها و مرها ، ورغم تشظي المجموعة الأم إلى فصائل و كيانات يصعب أحيانا التعرف عليها و متابعة أحوالها و أخبارها ، فإنه بقي مدافعا لا يلين عما كان يعتبره باستمرار بيته : " الخط الوطني الديمقراطي " . لقد كان متماهيا في كينونته مع " الخط " لا بالمعنى الفكري و السياسي فقط و إنما بالمعنى السيكولوجي أيضا ، كان يسكن الخط و الخط يسكنه معتبرا إياه المبتدأ و الخبر، و ربما هذا ما يفسر نقده الشديد للحلقات التي انشقت عنه دون التوقف عن استثمار شرعيته النضالية ، فذاك ما كان يثير حفيظته . و عند تناوله للمرجعية النظرية للوطنيين الديمقراطيين كان أبرز ما ينبه إليه أن ضياع البوصلة السياسية لدى أغلب الحلقات الوطنية الديمقراطية من بين أسبابه الفقر النظري و التنكر للقادة الخمس، الذين كان منير شديد الوفاء لهم و نعني ماركس و انجلس و لينين و ستالين و ماو تسي تونغ ، و من هنا كان تشبثه بالأطروحات الأساسية التي على قاعدتها بُني الخط الوطني الديمقراطي . آخر مرة التقيته كانت خلال اعتصام القصبة الأول ، كانت علامات الإرهاق بادية عليه ، و كالعادة كانت بعض الكتب بين يديه ، بعينان تشعان بالفرح و بالحلم و الأمل وبجسد منهك بثقل تجارب قاسية استقبل منير انتفاضة 17 ديسمبر ، هذا ما ارتسم في ذاكرتي بعد ذلك اللقاء ، لم أجده يومها على الحال التي عهدت ان ألقاه عليها ، كان متوترا و علمت بعد ذلك أنه عانى منذ مدة من إرهاق أجبره على الانقطاع عن عمله كمدرس لمادة الفلسفة لبعض الوقت . و اليوم و أنا أودعه فإنه بقدر الفرح الذي شعرت به عندما رأيته يكتب في الحوار المتمدن عن الحركة الطلابية و اليسار و مسألة الفلاحين و طبيعة المجتمع ، بقدر ما أشعر بالحزن لأن خزائن أفكاره وأبواب أرشيفه ظلت في معظمها مقفلة ، و هو ما يمثل خسارة كبرى للوطن و الشعب .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !
-
مصر : الدم و الحرية أبناء عم !
-
عرس الدم التونسي
-
ماذا يحدث في كلية الآداب بالقيروان / تونس ؟
-
الفلسفة والتاريخ
-
رسائل ماركس وأنجلس حول الديانة الإسلامية
-
رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإس
...
-
اعلام النقابة الأساسية لأساتذة كلية الآداب و العلوم الانساني
...
-
معروف الرصافي ............ شيوعيا !!!
-
الماركسية و الداروينية
-
علمنة التفكير
-
موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة
-
ابن رشد : ليس للمرأة حق الإمامة في المسجد بينما لها حق رئاسة
...
-
للتاريخ صهوته و صهيله
المزيد.....
-
سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي
...
-
مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي
...
-
بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
-
النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
-
نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
-
الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار
...
-
ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
-
بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن
...
-
روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
-
أطعمة تضر المفاصل
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|