أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فريد العليبي - موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة















المزيد.....

موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 2585 - 2009 / 3 / 14 - 09:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يرصد أبو الوليد قضيّة خلافية يعدّ القول الفلسفيّ والقول الدينيّ بشأنها على طرفي نقيض، وهي قضية "الإمامة الكبرى"، حيث يعترض صراحة على منع بعض الشرائع المرأة من تولّي تلك المهمّة قائلا: "طالما أنّ بعض النساء ينشأن وهنّ على جانب كبير من الفطنة والعقل، فإنه من غير المحال أن نجد بينهنّ حكيمات وحاكمات وما شابه ذلك. وإن كان هناك من يعتقد أنّ هذا النوع من النساء نادر الحصول، لا سيما وأنّ بعض الشرائع ترفض أن تقرّ للنساء بالإمامة أي الإمامة العظمى، بينما نجد شرائع أخرى على خلاف ذلك ما دام وجود مثل هؤلاء النسوة بينهم أمرا ليس بالمحال" ابن رشد، تلخيص السياسة، نقل العبيدي والذهبي، ص 125. والمصرّح به هنا على قدر كبير من الوضوح، فالمرأة يمكن أن تكون حكيمة (فيلسوفة) كما يمكن أن تكون حاكمة فتتقلّد مهمّة الإمامة الكبرى.
ويذهب العبيدي والذهبي في التعليق على هذه الفقرة، إلى القول بأنّ الشرائع الجاري الحديث عنها إنما تحيل في مستوى أوّل على الديانة اليهودية التي تحرّم على النساء تولّي الإمامة، بينما تحيل في مستوى ثان على أفلاطون الذي يقرّها، وهما يأخذان برأي روزنتال بخصوص الدلالة الأولى وهي الّتي تهمّنا على علاّّتها، حيث يقول متحدّثا عن ابن رشد:" وهو إنما يشير إلى الشريعة الموسوية فيما يتعلق برئاسة الكهانة " روزنتال، أنظر ما قاله في الهامش رقم 1 الوارد بالصفحة نفسها من المصدر سابق الذكر. " ولا نعرف ما هي المبرّرات التي جعلت روزنتال، ومن بعده المعرّبين، يذهبون هذا المذهب في فهم دلالة "الشرائع"، لماذا يستحضرون الدين اليهوديّ فقط والحال أنّ الدين الإسلاميّ يمكن أن يكون معنيّا كذلك بحديث ابن رشد، خاصّة وأنّ فيلسوفنا منخرط أساسا وهو يلخّص الجمهورية في عملية تأصيل النصّ الأفلاطونيّ في التربية العربية، مثلما تدلّل عليه الأمثلة الكثيرة التي أوردها والتي هي بنت التاريخ والثقافة العربيين ؟! لأجل هذا فإننا سنركّز في تحليل هذه المسألة ومناقشتها على تمثّل أبي الوليد لها في علاقة بالشريعة الإسلامية وأفلاطون بشكل خاصّ.




إذا ما أخذنا "الإمامة" في دلالتها الدينية البحتة، ونعني كوظيفة مرتبطة بطقوس يؤدّيها المؤمنون ضمن الحقل الإسلامي على وجه التحديد، فإننا نتبيّن أنّ أبا الوليد كان مدركا أنّ جمهرة "علماء" المسلمين ترفضها، وأنّ الحديث المتواتر بشأنها يقوم على تحريمها يقول في ذلك :"اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤمّ الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء فأجاز ذلك الشافعي، ومنع ذلك مالك وشذّ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق. وإنما اتفق الجمهور على منعها أن تؤمّ الرجال لأنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الأوّل ولأنّه أيضا لمّا كانت سنّتهنّ في الصلاة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهن التقدّم عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام :" أخّروهن حيث أخّرهنّ الله" ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، دار القلم، الطبعة الأولى بيروت/لبنان، 1988، ص 148-149، فموقفه صريح هنا أيضا، فهو لا يقرّ من زاوية الشريعة حقّ المرأة في إمامة الرجال جريا منه على ما يراه أغلب الفقهاء، هذا إذا أخذنا "الإمامة" في معناها الدينيّ الطقوسيّ الضيّق، رغم كوننا لا نرى أنه كان يقصد هذا المعنى في الفقرة المشار إليها من كتابه تلخيص السياسة وإنما كان يقصد الإمامة بمعناها السياسي.




وإذا ما ذهبنا إلى هذا المعنى الثاني فلا نخاله أيضا إلا مدركا لتحريم الشريعة الإسلامية تولّي المرأة الرئاسة (الخلاقة أو الإمامة الكبرى)، وهو الفقيه العارف بأصول الدين وأحكامه، فالحديث واضح "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" والآية صريحة كذلك "الرجال قوّامون على النساء" الخ... غير إنه فلسفيا يريد أن يقول لنا أنّ النساء يصلحن لتولّي الرئاسة وإنتاج الحكمة ولا تعوزهنّ الفطنة ولا ينقصهنّ العقل لتحقيق ذلك وإذا كانت الأديان لا ترى هذا الرأي فإن الفلسفة (أفلاطون/ابن رشد) تقرّه وتشرّعه. وبذلك فنحن أمام مفارقة بيّنة، فأبو الوليد الذي لا يقرّ شرعيا للمرأة الحقّ في إمامة الرجال في المسجد، يقرّ لها فلسفيا الحق في تولّي مهمّة الحكم في المدينة.




لقد سكت ابن رشد عمدا عن منطوق المقدّس الإسلاميّ في استبعاده المرأة من تلك الوظائف مع بعض التلميح عند الحديث عن "بعض الشرائع"، وما كان بإمكانه أن يفعل أكثر في ظلّ سلطة إيمانية نصّية سائدة، وإننا لنلمس لديه في علاقته بذلك نزوعا تحرّريا يهدم أركان الذهنية الرائجة، إذ كان حريصا على "أن ينأى بنفسه عن آراء قومه التقليدية". Charles E. Butterworth، Philosophy، Ethics and virtuous rule، p38




ويلفت محمد عابد الجابري في كتابه "المثقفون في الحضارة العربية" النظر إلى خصوصية الموقف الرشدي بشأن المساواة بين الجنسين، ولكن مع بعض التحفّظ، لنقرأ ما يقوله :"ومن المسائل التي لفتت انتباه الباحثين المعاصرين في فكر ابن رشد إنصافه للمرأة وعدم استبعاده أن يكون من النساء فلاسفة وحكّام. وإذا كان كثير من الكتاب المعاصرين يقدّمون هذا الموقف وكأنّه صادر عن ابن رشد صدورا مستقلا، فإنّ الإخلاص للحقيقة يقتضي أن نقول إنّ ابن رشد إنما كان يشرح فكرة أفلاطون في الموضوع، والذي يجب أن نسجّله له هو عدم اعتراضه على هذه الفكرة بل ومسايرته لأفلاطون مع التنبيه إلى موقف الشرع الإسلامي من المسألة". الجابري، المثقفون في الحضارة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت 1995، ص 141.




صحيح أن رأي ابن رشد قد تبلور في علاقة بالنص الذي يلخصه ولكننا سنغمطه حقه لو قلنا مع الجابري إنه كان فقط بصدد شرح وجهة نظر أفلاطون. حيث نعثر ضمن مقاربته للمسألة على عناصر الجدّة والعمق وبالتالي الإضافة، ويبدو أنّ الجابري قد تجاوز حكمه المتحفّظ ذاك إلى حكم آخر أكثر دقّة وإنصافا بعد اطّلاعه على النص الرشدي معرّبا، حيث كتب في مقدمته التحليلية لمختصر كتاب السياسة قائلا : "وعندما طرح أفلاطون مسألة ما إذا كان من الواجب أن تشارك النساء الرجال مهامّ حفظ المدينة فيكون منهنّ جنديات ومسيرات ورئيسات، أم إنه من الأفضل جعل مهمّتهن مقصورة على الإنجاب وتدبير البيت الخ ... تدخل ابن رشد ليبدي رأيه" ابن رشد، مختصر كتاب السياسة، انظر المقدمة التحليلية بقلم الجابري، ص 61/624 فأبو الوليد كما هو مشار إليه هنا يتدخل في مجرى النص الذي يلخصه ويبدي رأيه الخاص، ولا يكتفي بمجرد الشرح ومسايرة مواقف أفلاطون.




ويوجز الجابري موقف ابن رشد في أطروحات أربع، تتعلق الأولى بما هو مبدئي حيث نجد إقرارا بوحدة في الطبيعة بين النساء والرجال، وتحيل الثانية على ما هو عملي حيث يؤكد أبو الوليد أن الرجل والمرأة سواسية في ممارسة التفلسف والرئاسة والحرب وإن كان هناك اختلاف في تأدية بعض الأنشطة، وتشير الثالثة إلى استبعاد بعض الشرائع المرأة من أن تكون حاكمة، أما الرابعة فتتعلق بوضعية النساء في المجتمع العربي وفي الأندلس بشكل خاص، وبعد عرضه لرأي فيلسوف قرطبة يخلص الجابري إلى القول : "فعلا موقف ابن رشد هنا بين بنفسه" م ن، ص 63. ، متجاوزا بذلك تأكيده السابق أن ابن رشد يشرح ويساير فقط رأي أفلاطون ، إذ يتعلق الحال هنا بموقف متكامل لا تعوزه عناصر الاستقلالية التي تتجلى أمامنا من خلال إهمال أبي الوليد لبعض جوانب الطرح الأفلاطوني بخصوص المرأة، وانكبابه على وضع النساء في عصره وربطه بين الفقر المتفشي في المدن واستبعاد المرأة من العمل.




أما قول الجابري الذي أوردناه آنفا من أنّ ابن رشد كان ينبّه إلى موقف الشرع الإسلاميّ من قضية المرأة في نفس الوقت الذي كان يقدم لنا فيه رأي أفلاطون، فهذا ما لا نجده في تلخيص الجمهورية الذي على العكس من ذلك يسكت تماما عما تقوله الشريعة خاصّة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحرجة مثل إمكانية تولّي المرأة الحكم، وشيوعية النساء والأطفال، مع تلميح خفيّ فقط للإسلام واستبعاده تقلّد النساء الإمامة الكبرى وهو ما ذكرناه سابقا.




إننا نرى أنّ ابن رشد وهو يعرض لقضية المرأة وغيرها من القضايا يتّجه رأسا صوب المعيش، معتمدا القول الفلسفي لكي يوجّه من خلاله إلى واقع عصره سهام نقده. أما النصوص المقدسة فيتركها وشأنها، والملاحظ أنه يواجه النظرة الدونية للمرأة بنظره عقلية نقدية لا تتوانى عن إقرار إمكانية تولّي المرأة دفة الحكم في المدينة، كما تجدر الإشارة إلى أنه، في مسائل خلافية بينه وبين أصحاب النظرة الإيمانية النصية، كان كثيرا ما يعمد إلى العودة إلى النص الديني فيؤوّله بما يتفق ورؤيته، غير أننا نراه هنا يلزم الصمت إزاءه وقد يفسّر ذلك بإدراكه أن ما تقول به الشريعة وما تقول به الفلسفة بهذا الخصوص على طرفي نقيض.



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن رشد : ليس للمرأة حق الإمامة في المسجد بينما لها حق رئاسة ...
- للتاريخ صهوته و صهيله


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...
- شاهد.. آلاف الطائرات المسيرة تضيء سماء سيول بعرض مذهل
- نائب وزير الدفاع البولندي سابقا يدعو إلى انشاء حقول ألغام عل ...
- قطر ترد على اتهامها بدعم المظاهرات المناهضة لإسرائيل في الجا ...
- الجيش الجزائري يعلن القضاء على -أبو ضحى- (صور)
- الولايات المتحدة.. مؤيدون لإسرائيل يحاولون الاشتباك مع الطلب ...
- زيلينسكي يكشف أسس اتفاقية أمنية ثنائية تتم صياغتها مع واشنطن ...
- فيديو جديد لاغتنام الجيش الروسي أسلحة غربية بينها كاسحة -أبر ...
- قلق غربي يتصاعد.. توسع رقعة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين
- لقطات جوية لآثار أعاصير مدمرة سوت أحياء مدينة أمريكية بالأرض ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فريد العليبي - موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة