أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز















المزيد.....


الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز


عقيل الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3441 - 2011 / 7 / 29 - 15:57
المحور: مقابلات و حوارات
    


في حوار مع الـ (البينة الجديدة ):
الدكتور عقيل الناصري يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز

حاوره / كاظم غيلان
للأكاديمي عقيل الناصري اهتمامات متعددة تتصل بالتاريخ العراقي المعاصر .. الرجل عرف باعتداله ونظرته الثاقبة حيال الكثير من القضايا التاريخية .. (البينة الجديدة) توجهت اليه بمجموعة من الاسئلة المتعلقة بثورة 14 تموز وكعادته كانت اجاباته من النمط الذي يترك اثرا في المتلقي فلا يملك الا التفاعل معها عبر ما تبثه في منظومته المعرفية من معلومات وحقائق مستقاة من مواردها التي ينقلها الباحث والمؤرخ الناصري بشكل حصيف وموثق..
***أولاً: هناك من يستبعد حصول تدخلات إقليمية مهدت للإنقلاب على حكومة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم .. فما هي وجهة نظرك بهذا الصدد؟
**لا يعرف الحق بالرجال ولكن يقاس الرجال بالحق في البدء علينا التأكيد على أن ثورة 14 تموز قد غيرت من معادلة الصراع الدولي أبان فترة الحرب الباردة.. كما أن العراق أمسى قطب هذا الصراع في المنطقة.. ما أخاف كل الأقطار المجاورة، نظرا للتداخل الجدلي لكل من : ماهية القوى الطبقية التي قادت فعل التغيير؛ ولبرنامجية صيرورة التغيير العضوي؛ وأفقها المستقبلي. إن ما حققته الثورة في ربيعها القصير سواءً من حيث العمق لأبعاد الحياة أو/و النتائج الاجتصادية السياسية التي تجسدت في الواقع المتحرك، أو/و درجة شمولية التغيير للقوى الاجتماعية وعلى الأخص المنتجة والطبقات الفقيرة ، أو/و نمطية وسلوكية إدارة الصراع الاجتماعي السياسي الداخلي والإقليمي والدولي. كل هذه العوامل جعلت من العراق محور كبير للصراع السياسي.
ومن الحقائق الملفتة للنظر ، تشكل ثلاثة محاور خارجية هدفت جميعها إلى قلب نظام الحكم في المرحلة التموزية/القاسمية، وهي :
-المحور الإقليمي غير العربي والمتمثل بأنظمة حكم دول حلف بغداد السابق ومنها بالأخص تركيا وإيران؛
-المحور العربي وبالأخص العربية المتحدة والأردن والكويت؛
-المحور الدولي والذي ضم المراكز الرأسمالية المهمة كبريطانيا والولايات المتحدة.
ويمكننا أن نضيف إليها قوتين أخريين هما :
-المتضررين من الثورة أو تعمق مسيرتها؛
- شركات النفط الاحتكارية العالمية .
لقد تدخلت هذه القوى، بهذه الدرجة أو تلك، وحاولت الضغط على نظام الحكم الجديد بكل الأساليب وشتى الوسائل وشجعت القوى المتضررة للوثوب إلى السلطة بالفعل الانقلابي العسكري المغامر. لذا فقد كان هناك فعل انقلابي أو محاولة انقلابية كل 42 يوماً، إذ بلغت هذه المحاولات 39 خلال 54 شهراً. وقد كتب رئيس الولايات المتحدة ( ايزنهاور) في مذكراته: ( في صبيحة 14 تموز1958 تلقيت بصدمة أنباء الانقلاب في بغداد ضد النظام الملكي الهاشمي. هذه هي البلاد التي كنا نعتمد عليها بكل ثقلنا في أن تكون الحصن الحصين للاستقرار والتقدم في المنطقة، إذا لم يلق تحوّل الأحداث بهذه الصورة المعتمة، الرد الشديد من جانبنا فقد يؤدي إلى إزالة كل النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ... ). لقد اثر هذا التغيير الجوهري على مجمل مسارات السياسة الدولية وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، سواءً ما يخص العلاقة بين المتناقضين الرئيسيين وهما المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي؛ كذلك على التنافس بين الولايات المتحدة وبريطانيا للهيمنة على المنطقة؛ كما أثر على واقع المصالح للدول الإقليمية وأجندتها السياسية.
وعلى ضوء هذه المعطيات التي تصل حد الحقائق المطلقة، فقد ساهمت الدول الإقليمية في تأجيج الصراع الاجتماعي/ السياسي بين القوى المؤيدة للثورة والمناهضة لها، بل أن بعضها تدخل بصورة مباشرة بمد الانقلابيين بالمال والسلاح ، لنا من ناصر خير دليل وهذا ما اعترف به نفسه أثناء مباحثات الوحدة الثلاثية عام 1963 بعد الرحيل القسري للثورة على يد المخططين الأمريكان والمنفذين من حزب البعث وحركة القومين العرب قبيل تصادم المصالح بينهما. كما اعترف بذلك بعض قادة البعث وما مقولة { جئنا بقطار أمريكي} لعلي صالح السعدي وتأييد هاني الفكيكي لها وكذلك طالب شبيب وغيرهم إلا دليل على مساهمة دول الجوار والعالم الرأسمالي في هذه اللعبة القذرة. كذلك الحال في إيران عندما ساعدت الإقطاعيين الكرد الذين هبوا ضد قانون الإصلاح الزراعي وقطعت المياه عن الأراضي العراقية النابعة من أراضيها.. وهذا ما أشارت إليه الكثير من الدراسات الموضوعية لتلك المرحلة. وللعلم أن أول طائرة عسكرية قصفت وزارة الدفاع جاءت من وراء الحدود وعلى الأغلب من الأردن. أما الكويت فقد مدت الانقلابيين بالمال والمساندة المادية والمعنوية وكانت هناك محطة سرية تبث منها عن مخابئ الشيوعيين والقاسمين لقتلهم. كما أعترف بالتدخل الأمريكي الكثير من موظفي وكالة المخابرات الأمريكية بمساهمتهم بالانقلاب الدموي .. حتى قيل أن رئيس محطة الوكالة في بغداد وليم ليكلاند، شوهد في باب الإذاعة عندما جاءوا بقاسم ورفاقه العسكريين .لقد فصلت هذا الموضوع في كتابي (542 صفحة) عبد الكريم قاسم في يومه الأخير.. والذي أعد طبعته الثانية المنقحة والموسعة.
*** كتب الكثير عن ثورة الرابع عشر من تموز 1958، وهناك من حاول الطعن بهويتها، ما دوافع تلك التوجهات؟
** للإجابة على هذا السؤال علينا تحليل مواقف هؤلاء من هذا التغيير الجذري الذي أمسى ، كما أعتقد، بمثابة أول صيرورة حداثوية في تاريخ الثقافة العراقية ، كما كان نقلة نوعية للأنماط الاقتصادية المتوائمة مع العصر وروحه، كما هو محاولة أولى جدية لعقد اجتماعي جديد بين السلطة والمكونات الاجتماعية للمجتمع العراقي بحيث يعكس الماهية الحقيقية للمجتمع المتعدد من حيث التركيبة الاجتماعية والدينية والأثنية, فهذا التغيير كان بمثابة نمطا جديدا من إدارة السلطة السياسية تمثل في انها { ثورة الفئات الوسطى} وهو التعبير الموضوعي للتوازنات الطبقية التي كانت سائدة آنذاك ، كما أنه صيرورة عراقية تفاعلت جدلياً وعبرت عن الجوهر (العام) لظاهرة إقليمية لحركة ثورية أعم وأشمل تناولت بلدان الشرق الأوسط عامة والمشرق العربي خاصةً ، إذ كانت الأسباب الحقيقية لهذا التغيير الجذري أعمق جذوراَ من الأسباب الظاهرة لها وبالتالي كان وليد قوىً داخلية متأصلة في بنية المجتمع العراقي وفي صلب نظام الحكم، طالما لا يمكن أن تقوم في أي بلد حركة تغيير ثورية بوحي من الخارج ما لم يكن في البلاد استعداد لتقبل الأفكار الثورية.. لذا لم تكن الحركة مدينة لأية قوة خارجية عربية كانت أو غير عربية، إقليمية أو دولية.. وهذا ما ميزها عن الانقلابات العسكرية التي عجت في المنطقة، كما أن هذا التغيير كان يمثل رؤية وطنية عامة عكست مصالح ورؤى قطاعات واسعة من المجتمع العراقي وقواه السياسية في فهمها لماهية الدولة والمجتمع والعلاقة بينهما. وقد تجسد كل هذا في عمق التحولات السياسية الاجتصادية الثقافية والتي سبق لهذه القوى السياسية قد عبرت عنها في نضالها مع سلطة الحكم الملكي.
وتأسيسا على ذلك يمكننا اعتبار هذا التغيير أحد أهم المفاصل التاريخية، إن لم يكن أبرزها لعراق القرن العشرين وكانت مفاجئة كاملة في زمنيتها وتوقيتها وفي مديات تفاصيلها، لذا مثلت انقطاعاً تاريخياً اقتضته الضرورة الموضوعية لسيرورة التطور الارتقائي وصيرورة مساراتها وتوجهها العام.. وعلى المستوى الذاتي العام مَثّلَ هذا التغيير الجذري نقله نوعية في الوعي الاجتماعي بتجلياته : الفلسفية والجمالية والسياسية والحقوقية وحتى الدينية. إن هذه الرؤية لما حدث وما خُطط له لعراق المستقبل قد:
-دشنت سياقاً تاريخيا يختلف جذريا عما سبقه من نواحي القضايا التي تبنها ؛
- القوى المحركة لها؛
-الأفق التاريخي لمشروعها التحرري.
وعلى ضوء ذلك نشب وظهر بقوة صراع المصالح والمشاريع والرؤى بين القوى الاجتماعية المستفيدة والمتضررة داخلياً وإقليمياً ودولياً.. ليعبر عن ذاته في السجالات المعرفية والصراعات في كل البناء الفوقي.. والذي اتخذ في بعض المفاصل صراعا عنفياً تناحرياً عبثياً إذا ما قرأنه بالمنطق المعاصر. وكلما تحددت رؤية السلطة للقادم انشقت القوى المؤيدة للثورة، بفعل رؤية المصالح المعبر عنها، وحدثت التنافس اللا سلمي بل والصراع الدموي بين هذه المكونات، وعلى ضوء ذلك فقد تغيرت الاصطفافات الطبقية .. لأن قوى الماضي كانت تخاف على مصالحها بل وحتى على ذاتها المجتمعية، لذا بذلت المستحيل من أجل إعادة الماضي بشكل آخر غير الذي عبرت عنه ثورة تموز. كانت الساحة البحثية والدراسات المختلفة تنظر للحدث من زوايا فلسفية متباينة بل بعضها متناقضة، ومن مناهج مختلفة مستخدمين أدوات بحث غير موحدة.. وأخيرا ذاتوية الباحث في قربه من الثورة أو بعده عنها ونزوعه الاستعجالي لبلوغ مأرب ليس له علاقة بالواقع أو في نظراته وقربه من فهم جدلية التطور وقوانينها وسننها.
*** لم يزل اللغط قائما بين مصطلحي الثورة والانقلاب بخصوص حدث الرابع عشر من تموز لاسيما الطابع الذي اتسمت به طبيعة القيادة التي مهدت لها وأعني – حركة الضباط الأحرار- فما رأيكم بهذا الاشكال؟
** في البدء وقبل الإجابة عن هذا السؤال المهم والملتبس، أو بالأحرى المستخدم بصورة مبوصلة ذو غائية متعمدة حسب فلسفة المتبني لمفهوم الثورة أو الانقلاب.. هذا من جهة ومن جهة ثانية لابد من الإشارة لأجل فك الاشتباك بين المفهومين وإستخدامهما العلمي لحل مثل هذه العقدة المفاهيمية. وهنا أيضاً علينا القول إن الحكم على ماهية ما حدث يتطلب منا معرفة وتحديد مضامين التغيرات التي حدثت في المجتمع في أعقاب هذه الصيرورة والتي تمثلت ، بصورة علمية مكثفة ، في:
-استلام السلطة من قبل طبقات وقوى اجتماعية جديدة وطرد طبقات من مسرح التأثير على القرار المركزي للدولة ( طبقة الإقطاع، وفئة البرجوازية الكمبرادورية، وبعض من الفئات التقليدية) ؛
-أحدثت صيرورة التغيير الجذري تغييرات في المواقع الاجتماعية الاقتصادية السياسية للطبقات والفئات الاجتماعية، كقوى محركة لفعل هذه الصيرورة في حراكها الدائم؛ -تغيير الطبيعة المادية للقاعدة الاقتصادية وأولويات أنماطها وعلاقاتها والقضايا المتبناة؛
- الأفق التاريخي للمشروع النهضوي لبرنامجية الثورة؛
-الثورة الثقافية وتغيير الماهيات الفلسفية للبناء الفوقي وتوجهاتها العملية.
لقد مهدت هذه الظروف وتلك التغييرات العضوية ليرتقي هذا التغيير الجذري، الذي نفذته إحدى فئات الطبقة الوسطى ( الانتلجنسيا العسكرية)، بذاته ومضمونه إلى مفهوم الثورة وابتعد عن كونه مجرد انقلاب عسكري فوقي غَيّرَ نخبة الحكم بآخرين. إن مفهوم الثورة الذي هو ظاهرة لتحول أساسي وجذري في الحياة العامة، باعتبارها انقطاع لاستمرار وضع قائم وقيام عهد جديدة مرتبط بمعيار التغييرات في أغلب مناحي الحياة. بمعنى أنها نقلة نوعية لبنية النظام الاجتماعي وتدشين نسق تاريخي يختلف جذرياً عما سبقه من نواحي القضايا التي تبنتها القوى المحركة لها، ضمن الأفق التاريخي لمشروعها التحرري. لقد تمثلت هذه في الجوانب الأرؤسية وما يتفرع عنها من قبيل: إنهاء الحكم الملكي ومعه التبعية السياسية والاقتصادية للاستعمار البريطاني؛ واستكمال عناصر السيادة والاستقلال، تقليص العلاقات الإقطاعية وتحرير الثروة النفطية؛ بناء نظام سياسي تمثيلي يتبنى الديمقراطية وحل القضية القومية (للأكراد والاثنيات الأخرى)، أما قوى الثورة فضمت الجناح العسكري ، كقوة منفذة لفعل التغيير، والجناح المدني الذي ضم أحزاباً علمانية من برجوازية وطنية وشيوعية وقومية ،أما أفقها التاريخي فقد توافر على خلطة من أهداف بدت مترابطة في وقتها، حيث اقترن إتباع سياسة الحياد الايجابي وبالتقارب مع المعسكر الاشتراكي وإقامة حكومة وطنية وتدشين تعددية سياسية مع مفهوم كاريزماتي للقيادة السياسية.
هذه المحصلة تجعلنا نؤكد على أن هذا التغيير كان ثورة والتي هي بمعنى آخر: نقطة تحول في الحياة الاجتماعية تدل على الإطاحة بما عفا عليه الزمن وإقامة نظام اجتماعي تقدمي المنزع . هذا المفهوم يختلف عن الانقلاب الذي هو: التغيير الداخلي الفوقي بالقوة لقمة النخبة الحاكمة. بمعنى إن هنالك حراك اجتماعي نشيط ومستمر للقوى الاجتماعية الحية، من جهة واستمرارية التغيير مقابل الحدث الوحيد. لذا كانت ثورة 14 تموز تدشينا لثورة عظيمة وهي الوحيدة في العالم العربي في القرن المنصرم كما يصفها المستشرق مكسيم رودنسون .
***علاقة الشهيد عبد الكريم قاسم بالاحزاب العراقية بعد نجاح الثورة سادها الكثير من التأويل والتشويه، كيف تنظر لطبيعة تلك العلاقات وما أبرز الاخطاء التي تخللتها؟
**من خلال دراستي لسيرة الزعيم قاسم وتتبعي لرؤيته السياسية من جهة ومن خلال ما تم شرحه من قبل الكثيرين من المقربين إليه من جهة ثانية، ومن ممارسته للسلطة وإدارة الصراع الطبقي .. يمكنني القول أنه لعب بشكل متميز الدور العضوي الوسيط للعلاقات المتبادلة بين الطبقات الاجتماعية وتحجيم صراع المصالح بين الأحزاب السياسية العراقية التي تصارعت فيما بينها بعد انفراط عقد جبهة الإتحاد الوطني.
من جهة ثانية كان قاسم أسير مطالب الأحزاب الوطنية المعارضة، ولو تصفحنا مشروعه للعراق فنرى أنه تجسيد لنظرات هذه الأحزاب في مختلف شؤون الحياة المجتمعية على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية ورؤاها الاقتصادية. كما نؤكد أنه كان قريباً من الأحزاب السياسية التي تنطلق من أولوية عراقية العراق ، لذا فقد نسج، منذ عمله على تحقيق غائيته، معها علاقات كفاحية تصب في صالح كل الأطراف، فعلى سبيل المثال نراه يشارك كل من الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي في تصوراته ويناقشهما بما كان يسمح له الظرف الأمني والاحترازي. لذا وَسّطَ الحزب الشيوعي العراقي في جس نبض كل من الاتحاد السوفيتي السابق والصين الشعبية في مساندة الثورة. كما وسّط الحزب الوطني الديمقراطي في معرفة موقف مصر الناصرية من الثورة في العراق . كما انه طلب منهما تهيئة الشارع المساند للثورة، كذلك في صياغة التوجهات السياسية الاقتصادية لعراق ما بعد الثورة.. وطلب مشاركة الحزب الوطني الديمقراطي في الوزارة الأولى.. في حين لم يشرك الحزب الشيوعي في السلطة خوفا من ردود الفعل الدولية.. وقيل أن هذا الموقف قد اقترن بموافقة قيادة الحزب على عدم الاشتراك في الوزارة الأولى. وقد أثبتت الأحداث صحة هذا التوقع، خاصة إذا علمنا أن الحكومة البريطانية قد عممت على سفاراتها في دول المنطقة بالاستعلام عن وجود وزير أو أية شخصية شيوعية في قوام السلطة الجديدة، بغية اتخاذ ذلك حجة لاحتلال العراق وقد مهدت إلى ذلك من خلال إرسال جيوشها إلى الأردن يوم 16 تموز. من زاوية ثانية يشير محمد حديد في مذكراته إلى أن قاسم كان الأقرب من كل العسكريين ميالا إلى منح العمل للأحزاب السياسية بصورة عامة. لكن طبيعة الصراع الذي نشب بين هذه الأحزاب وانقسام المجتمع العراقي بين مؤيدين للثورة ومعارضين لها، مما ألهب الأوضاع السياسية وأدى بها إلى التحارب المبوصل وغير المبرر لا علمياً ولا جمالياً بل ولا حتى سياسياً. وكل هذه الأحزاب بدون استثناء، وبدرجات متفاوتة نسبياً، ساهمت بفقدان ثورة 14 تموز، بل وحتى قاسم نفسه ساهم هو الأخر في هذا الضياع وخاصة من خلال طاقمه المحيط به من العسكريين والمدنيين. لكنه حاول في السنة الأخيرة من حكمه من إعادة الاعتبار للمؤسسة الحزبية وحاول تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل مختلف الاتجاهات السياسية بما فيها حزب البعث ، وهذا ما اعترف به طالب شبيب في مذكراته، والحزب الشيوعي في قراءته للوضع السياسي عام 1962. أبى البعثيون المساهمة في مثل هذه الحكومة التي كان من المزمع أن تطرح مسودة الدستور الدائم للمناقشة الشعبية، وتشرف على الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في حزيران من عام 1963 ليفتتح البرلمان في 14 تموز.
لقد رفض قاسم تأسيس حزب خاص به، وكثيراً ما ألح عليه المقربون منه والمتزلفين أيضاً ، لكنه كان يصر على عدم الأخذ بذلك، بغية عدم التدخل في الحياة الحزبية العامة، وهذا نابع من إحساسه بأنه يمثل الشعب بكل قواه. وهذا يعتبر من نظراته الضيقة وعدم فهم أوالية ( ميكانيزم) النظام الذي أسس له والعواقب التي نجمت عن ذلك. لقد تبنت بعض الأحزاب وخاصة من التيار القومي ( حزب البعث وحركة القوميين العرب) الفعل الانقلابي، ما يدلل على خلل وظيفي كبير لدى هذه الأحزاب سواءً في خطابها السياسي ذي العناوين النضالية الكبيرة أو في بنيتها العقائدية أو في هيكليتها التنظيمية الخالية من البعد الديمقراطي والنافية للتنوع في الآراء والمانعة من الجدل الداخلي حول القضايا المصيرية، ما أفقدها القدرة على التكييف مع الواقع المخالف، أو الاتفاق على قواعد عمل لممارسة اللعبة السياسية ضمن الإقرار بالآخر المعارض ما أوقعها جميعاً في النرجسية التي تمثلت في الطاعة المطلقة للقادة الذين يختصرون قواعد الحزب ومثله خاتمة المطاف، في شخص سكرتيره ، كشكل متطور من العلاقة الأبوية البطريكية، المقترنة باليقينية المركزة لعقيدة الحزب وبالتالي نمذجة مثالية للسلوك الاجتماعي للعضو الحزبي. وتمثلت النرجسية أيضاً في وحدانية التمثيل ، وهي بهذا قد ألغت دورها الجماهيري كوسيط بين الرأي العام والسلطة وكحلقة وصل بين ممارسة الحكم وتطلعات المجتمع.
*** انحياز الزعيم عبد الكريم قاسم للشرائح الفقيرة في المجتمع العراقي، هل كانت نابعة من انحداره الطبقي أم أن هناك توجهات اعتمدها لكسب أكبر قاعدة شعبية له؟
** تنطلق نظرتي إلى هذا السؤال من فهم الجوانب التاريخية واستيعاب مدخلاتها ومخرجاتها، وهي لا تخلو من الصعوبة التي تنجم من ضرورة أن الفهم لا ينفصل عن الإقامة في التاريخ وصنعه والذي هو في الوقت نفسه صنع الإنسان لنفسه، طالما أن التاريخ هو حصيلة تداخل الذاتي بالموضوعي، المرغوب بالمفروض، والخيالي بالواقعي، وعليه فقد تعددت زوايا مقاربته. ومن هذه الزاوية إن الإنسان لا يصبح ذاتاً إلا في التاريخ وفي المجتمع، ولهذا السبب فهو ليس فرداً مجردا، وإنما هو موجود اجتماعي كل قدراته وإمكانياته تشكلها الممارسة الواعية والعضوية الفعالة. بمعنى أخر إن الفرد ليس ( أنا) معزولة لكونها مشروطة بشروط مادية واجتماعية. وعليه فإن مواهب الفرد وجملة السجايا الملازمة له وصفاته الذهنية وتركيبته السيكولوجية سيكون لها أثر بالغ في مجرى الأحداث وعواقبها المنوطة بالشروط الاجتماعية. وقدرة هذا الفرد/ القائد على الاستجابة للضرورة التاريخية، وهذا بدوره يتطلب أن تكون موهبته وقدرته أفضل ملائمة من أي أمر اخر للحاجات الاجتماعية لعصر معين؛ كما يتطلب أن لا يسد النظام الاجتماعي العام الطريق أمام شخص يملك المواهب الضرورية والنافعة في ذلك الزمن المعين.
وتأسيساً على ذلك رصدت جملة من العوامل تكاثفت فيما بينها جدلياً لتخلق من قاسم قائداً فذاً استجاب للضرورة التاريخية وامتلك المواهب الكاملة التي أهلته لقيادة فعل التغيير الجذري وتأسيس النظام الجمهوري.. ليعتمد على قاعدة اجتماعية مَثَّلَ الفقراء والكادحين في المدينة والريف والطبقات الفقيرة وذوي الدخول الواطئة وبعض من فئات الطبقة الوسطى. كان تلبية قاسم لاحتياجات هذه الفئات إنما هو استجابة للضرورة الاجتماعية ، نظرا لما يلعبه هؤلاء من دور كبير في عملية الإنتاج الاجتماعي من جهة ومن خلال إن الحكومات الملكية بصورة كاملة لم تعي أهمية ودور هؤلاء وما يلعبونه في الانتفاضات الشعبية والحراك المطلبي العام وفي ديمومة الاستقرار الاجتماعي والسياسي. لقد وعى قاسم هذه المسألة الفلسفية منذ بواكير تكون شخصيته السياسية عندما بدأ يتتلمذ على يدي رواد الفكر المساواتي ( جماعة حسين الرحال) وبالأخص منهم الأديب مصطفى علي، فكانت هذه التلمذة وتلك القراءات الفكرية، وما كانت تطرحه الحركة الوطنية المعارضة من رؤى سياسية لواقع العراق والخروج من التخلف المزمن.. كلها عوامل دفعت بالشاب قاسم إلى تبني هذه المواضيع والتأثر فيها. وقد تعمقت هذه المسألة لديه بعد أن عمل معلماً لسنة تعليمية واحدة في قضاء الشامية، حيث أطلع على حياة الفلاحين ومدى الجور الذي كانوا يلاقونه في خضم عملية نزع ملكية الأرض وتسجيلها كملكية خاصة لرئيس العشيرة بدلا من العشيرة. وعند النظر في المؤثرات على شخصية الفرد سنرصد العديد منها، متغيرات العائلة؛ جماعة الصحبة، الطبقة الاجتماعية؛ تأثيرات المدرسة؛ البيئة الحضرية؛ التواصل الجمعي؛ الدين وأخيرا التنشئة السياسية. وعليه فقد عاشت عائلة قاسم حياة غير ميسورة إن لم تكن عسيرة،



#عقيل_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجواهري وتموز
- ثورة 14 تموز ومسألة العنف
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز (2-2)
- حوار مع الباحث الأكاديمي عقيل الناصري حول ثورة 14 تموز
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (6-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (5-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (4-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (3-6)
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963´- سباق المسافات الطويلة : ( ...
- من خفايا انقلاب شباط الدموي 1963 (1-6)
- في جذور الظاهرة الانقلابية في الجمهورية الأولى (تموز1958- شب ...
- تهنئة الى الحوار المتمدّن
- في جذور الظاهرة الانقلابية في الجمهورية الأولى (تموز1958- شب ...
- في جذور الظاهرة الانقلابية في الجمهورية الأولى (تموز1958- شب ...
- في جذور الظاهرة الانقلابية في الجمهورية الأولى (تموز1958- شب ...
- في الظروف العامة لتأسيس الدولة العراقية واختيار فيصل الأول ( ...
- في الظروف العامة لتأسيس الدولة العراقية واختيار فيصل الأول ( ...
- في الظروف العامة لتأسيس الدولة العراقية واختيار فيصل الأول ( ...
- في الظروف العامة لتأسيس الدولة العراقية واختيار فيصل الأول ( ...
- في الظروف العامة لتأسيس الدولة العراقية واختيار فيصل الأول ( ...


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عقيل الناصري - الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز