الحصير هو الحل !

محمد المراكشي

الحوار المتمدن-العدد: 3350 - 2011 / 4 / 29 - 20:33
المحور: كتابات ساخرة
    

والله مريحة جلسة الحصير ،و نومة الحصير ! وقد اشتقنا كثيرا لبساطة الحصير أيام زمان حيث كنت أستلقي مرتاح البال خاوي الوفاض ! أجمل اللحظات التي أحسها مثل الكثير هي تلك التي أجلس فيها على حصير بدوي عند زيارتي قريبا في البادية !
وقد حدث أن وصف لي الدكتور يوما النوم على الحصير المصنوع من الدوم ! لكني لم أعثر عليه إلا بشق الأنفس ،فقد غزت حصائر البلاستيك المقرفة و الباردة محلات بيع الأفرشة،ويكاد لا يخلو بيت من هذا الغزو الفظيع !
و العهدة على الطبيب حين قال: إن النوم على الأرض ،مفترشا حصيرا عاديا أفضل لعظام عمودك الفقري ! و لا أخفي أن هناك ما هو أروع و أجمل ،حيث تحس نبض قلبك الكادح المسكين و هو لا يمل الدق ! وتنبهت أني لم أسمع نبضات قلبي منذ مدة طويلة،و في اليوم الموالي أغرمت ! كما تنبهت أن نومي أروع و أريح ،إذ لم أحلم نهائيا بالحلم الذي استوطنني و آرقني و جعل حياتي ليلا جحيما لا يحتمل ! لم أحلم بتسونامي الذي يهز كراسي المنزل و أرائكه ويقلب الدار راسا على عقب !
لا أعرف لماذا يتحدث الناس في بلادنا عن الحصير و كأنه نوع من الجرب ! مع أن له فوائد كثيرة .. إنه يساعد على تسوية فقرات العمود الفقري ،ويقضي على الأحلام المرعبة،ويداوي الاكتئاب إذ بمجرد التمدد عليه تنام و ترتاح من الحياة الكئيبة !
وهو يساعد في التأمل ،إذ لا أعتقد أن الفارابي أو ابن حزم أو بن رشد كانوا من هواة سلفات شراء الأرائك التي تتحفنا بها شركات الموبيليا ! ثم إنه يساعد على الإحساس بالرطوبة في حر الصيف لإقترابك الشديد من بطن الأرض البعيد عن الشمس ،ويدفئك في الشتاء البارد الذي لا تنفع معه أكاذيب قلب السرير على جهته الشتوية ! وإذا أردت أن تأخذ خلوتك في هذا الزمن الذي يعج بالكلام الفارغ ،وتهرب من ثقال الناس على خاطرك ،ما عليك إلا أخذ مكان على حصيرك ،فتجد أن كل مجالسيك يتأوهون ويقولون ان الطبيب نصحهم بعدم افتراش الأرض !!
منه تتعلم التواضع ،ويعلم الآخرين النزول إليك ! وفيه تتنسم حرية جسدك ،وتحس بالأمل وأنت لا تستطيع الانتهاء من عد الثقوب في سقفك ! ومنه ترى العالم من أسفل إلى أعلى وكأنه جاذبية نقيضة ! حتى أنه يخيل إليك أن نيوتن لو كان قد تمدد على حصير مغربي أصيل لسقط هو على التفاحة التي على الشجرة !
ثم إن الحصير بلدي ،غير مستورد نهائيا ،وأنت تساهم في اقتصاد الحرفيين المساكين الذين تحول أغلبهم إلى باعة للسجائر بالتقسيط ! و لأنه صنع محلي ، فإنه لا يخشى منه إطلاقا !إذ ليست له أعراض جانبية ،ولايمكنه الإضرار بعظامك !
وهو ليس كالكرسي الذي يحتاج لنجار كلما تأوهت إحدى أرجله !وإن استلقت بك رجل غاضبة فإنك حتما ستعد رضوضك أو أسنانك في الأرض !
الحصير ثقافة و انتماء ..لذلك أظن أن الجالس على الحصير هو أقرب الناس لأرض الواقع و أبعدهم عن السقوط !

#محمد_المراكشي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات