أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء















المزيد.....

إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3331 - 2011 / 4 / 9 - 01:03
المحور: الادب والفن
    


إشكالية الأداء التمثيلي في مسرح أحمد شوقي
د. أبو الحسن سلام
يقع الممثل في الإرنان – وهو خفوت صوت موسيقى مشاعر الشخصية الدرامية أمام علو النبر الصوتي لموسيقى الشعر في المسرح الشعري التقليدي ، المحتفي بالقافية، والتزام تفعيلة البحر الواحد في وحدة أبياتها ، تبعا لنهج الخليل بن أحمد الفراهيدى . وفي مسرحنا الشعري الذي سار على ذلك المسار ؛ برزت مسرحيات أحمد شوقي الشعرية ( مجنون ليلى – مصرع كليوباترا- قمبيز- على بك الكبير – الست هدى – عنترة - البخيلة ) فضلا على مسرحية شعرية إضافية كانت مجهولة وقام بنشرها د. محمد صبري .
وفي هذا المقال نتعرض لإشكالية الأداء التمثيلي في عرض مسرحية ( مجنون ليلى) - مناجاة قيس لجبل التوباد – نموذجا – ولعل أولى المشكلات التي يصطدم بها أداء الممثل عند تصديه لدوره في المسرحية الشعرية من ذلك النوع هي مشكلة تجاوز ما يعرف بالإرنان وهو كما قلنا علو صوت موسيقى الملفوظ الشعري على صوت موسيقى المشاعر؛ بخاصة في المسرحية المقفّاة.
وإذا كانت هذه المشكلة قائمة في الديالوج الدرامي ( الحوارية الثنائية ) إلاّ أنها غير ذات وزن إرناني في المونولوج أو في المناجاة. ، حالة دفع مخرج العرض بهذا اللون من التعبير المنفرد إلى أحد الملحنين ليعيد إنتاجه في ثوب غنائي درامي ، كما في المونولوج الذي يستعيد فيه قيس ذكريات طفولته في الجبل مع ليلى . وفي هذا الإطار لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب عددا من المستويات الحوارية في مسرحية ( مجنون ليلى) منها ما كان حوارا من نوع التريالوج ( الحوار الثلاثي، كما في موقف ليلى وقيس والمهدي) ومنها ما كان ثنائيا "ديالوج" كما في حواريته مع ليلي ومنها ما كان مناجاة ( بوحا منفردا، هو نتيجة ما تمخض عنه الصراع بين صوت مشاعره وصوت عقله ، كما في لحن سجا الليل ) ومنها ما كان مونولوجا ( حديثا فرديا بين صوتين للشخصية أحدهما هو صوت مشاعره والآخر صوت عقله ، كما في لحن جبل التوباد ) وهو اللحن الذي يشتبك فيه وعي الشخصية مع مشاعرها في موقف بوح محمول على صوتين للشخصية نفسها يكاشف كل منهما الآخر غناء يجسد لنا الحالة النفسية للشخصية منطلقا من الحالة الاجتماعية والحالة الجسمية العمرية
المتدرجة بالعلاقة بين العاشقين . وهو بوح تشتبك فيه معاناة قيس وعذابات الفراق مع اجترار ذكرى حب مستحيل محبب الاستحالة مستلذ العذابات من كلا الطرفين – بتعبير محي الدين بن عربي – حب لا يصيب طرفيه إلاّ بالالتياع. وهو استرجاع يعيد إنتاج مراحل العلاقة بين العاشقين محمولا على بوح طرفها الذكورى مقارنا بين ما في الذاكرة من صور سعادة باهتة الملامح وما في الواقع المعيش من صور الشقاء؛ موزعا ما بين مشاعره وعقله؛ بين ما يريد وما يستطيع أو إرادته وعدم استطاعته في تحقيقها . وما بين هذه وتلك يقع متحيرا فاقدا لها أو متشككا في إمكان تحققها. وهنا يتأرجح بوحه بين خطاب مشاعره وخطاب فهمه وإدراكه لغياب الشرط الموضوعي الذي بدونه لا تتحقق له ما يريد من اتصال قطعت أوصاله الوجدانية بمدى العادات والتقاليد البدوية ، وخطاب مناجاته للساكن الثبت المتجمد ، إدراكا منه لعدمية قرع الطبول طالما لا وجود لمن يصغي – وتلك دلالة توجيه الخطاب للجبل ، كمحاولة لأنسنته ، بعد أن استحالت عليه اختراق مسامع البشر في بيئته الصحراوية . وهنا نكون أمام مقولة النص المسرحي حيث ( العادات والتقاليد تقتل الحب في ثقافة العربي المحافظ ) وهو الأمر الذي رأيناه يتغير في حياة المجتمعات العربية المعاصرة ، فيما عارض به شوقي شعراء معاصرين منهم صلاح عبد الصبور في رائعته ( ليلى والمجنون) إذ أصبحت الخيانة والشبق الجنسي الصريح هو الذي يقتل الحب ، بينما جعل أنس داوود مقتلة الحب في عصرنا على يد الزوجة ، التي لا تكف عن الإلحاح على زوجها – حبيبها قبل الزواج- ليلبي احتياج البيت المعيشية ، أصبحت الحالة الاقتصادية إذن هي قاتلة الحب !!
ولئن صيغت مسرحيتا عبد الصبور وأنس بشعر التفعيلة ، فقد خرجتا بعيدا عن إشكالية بحثنا هنا ، فمسرحيتنا موضوع البحث يتأرجح الرأي النقدي حول نسبتها الفنية مابين رأي د. طه حسين الذي قال فيها وفي غيرها من مسرح شوقي: ( غنى شوقي أكثر مما مثّل) ، وقال د. محمد مندور: ( مسرح شوقي أقرب للغناء الأوبرالي) ووجد من يعارضهما ، حيث يقول د. شوقي ضيف :
( غنى شوقي ومثّل). ومع تقديرنا لتلك الآراء النقدية الرائدة في حياتنا الأدبية ، نقول إن مسألة الإرنان في أداء الممثل لأدوار مسرحية في المسرحيات الشعرية التقليدية ( تبعا لنظرية الخليل بن أحمد ) يمكن التغلب عليها إذا راعى الممثل تقطيع الجمل الحوارية تقطيعا خاضعا للمعاني المتعددة التي يتضمنها البيت الشعري ، بمعنى أن يعمل أسلوب الوقف المعلق والوقف التام تبعا لحاجة التعبير عن المعنى ، بعيدا عن أسلوب تقطيع صدر البيت والوقوف عند ثم البدء في عجز البيت والوقوف عنده ، فالمطلوب إذن هو تفعيل حالات التعبير عن معان منها ما هو تام مكتف بذاته ومنها ما هو معنى لا يكتمل إلا بمعنى آخر تال له ، معنى مكمل لمعنى سابق له كأن تقول كليوباترا لوصيفاتها وخدمها:
" البدار البدار يا وصفائـي ووصيفاتي البدار البدارا
قيصر هو الآمر الناهي على القصر فليكن له ما أشارا "
فمن المؤكد أن البيت الأول لا يعطى المعنى الذي تريده كليوباترا ، إلا باتصاله بالمعنى في البيت الثاني ، وهو مقيد بتلبية الخدم لأمر الملكة بالمثول بين يديها،

المناجاة و التعويض بالإضافة إلى الكتلة:
لاشك أن المناجاة هي حالة تعبير عن الضعف ، واعتراف بالانكسار ، وهي حالة يشتد فيها الحنين إلى التماسك والانكفاء على الذات ، واللوذ إلى حصانة تقوي من حالة الضعف الإنساني ، بالاستئناس إلى قوة أكبر . وعندما لا يجدها الشخص بين أقرانه المقربين ؛ يلجأ إلى كائن من جنس آخر ، غالبا ما يكون من عالم الحيوان أو عالم الجماد ، وقد عنى المسرح منذ القدم بتصوير مثل تلك الحالات ، ففي المسرحية الكوميدية الإغريقية ( برلمان النساء ) لأرستوفانيس ،
تلجأ البطلة ( براكساجورة : فتاة الميدان أي المظاهرات) إلى مصباح صغير في يدها وهي خارجة في غبشة الفجر من دارها متسحبة من وراء زوجها عضو البرلمان لتوقظ حلفائها من النساء الثائرات على سياسات النظام الذكوري ، في طريقهن للآستيلاء على الساحة التي هي مكان اجتماع أعضاء البرلمان وعمل إنقلاب ضد حكم الرجال ، لا تجد من يؤنس وحدتها سوى القنديل المضيء الذي بين يديها . وفي مسرحية (عنترة) لشوقي تستشعر ( عبلة) الوحدة ، وتخاطب ( البعير) معبرة عن غيرتها على حبيبها "عنترة " لإحساسها بنقص للتعاطف والحنان ، وفي مسرحية عبد الرحمن الشرقاوي ( الحسين ثائرا) يلتحم الحسين بقبر جده مناجيا ، مستأنسا بعد أن قتل والي الكوفة مبعوثه تلبية لنداء أهلها بضرورة مقدم الحسين لمناصرته ضد يزيد بن معاوية الذي أخذ أبه البيعة له بحد السيف. فما كان التحامه بقبر الرسول ( جده) إلا كتلة بشرية ضعيفة أضافت نفسها إلى كتلة أكبر لها قدسية ، من هنا استمد من قدسية قبر الرسول قوة تعينه على تعويض حالة الضعف ؛ ووسيلة تعويض عما فقد. وفي مسرحيتنا هذه ، يلجأ قيس إلى جبل التوباد مستضعفا ليضيف إلى نفسه شعورا بالقوة والضخامة المعنوبة، أما من حيث الشكل فبتعبير الفنانين التشكيليين هو إضافة كتلة أصغر إلى كتلة أضخم لتقوى الأصغر بالأكبر أو الأضخم .

التحليل التمثيلي الأدائي للدور:
ينقسم المونولوج إلى خمس مراحل أساسية تتمثل في :
الحالة الأولى: حالة التعريف بالنفس:

جبل التوبـاد حيّاك الحيـا وسقا الله صبانـا ورعـا
فيك ناغينا الهوى في مهده ورضعناه فكـنت المرضعا
وعلى سفحك عشنا زمنـا ورعينـا غنم الأهـل معا
وحدونا الشمس في مفرقها وبكـرنا فسبقنا المطلعـا

ففي مستهل قدوم فيس بين يدي موضع بكائياته يبادر المكان / الجبل صديق صباه مع ليلى ، عرّاب عشقهما السرمدي بأربعة أبيات ، اختص أولها بتحية واجبة للصديق القديم / الجديد ، معترفا بفضله على حبهما ، وحنّوه عليهما ، وحفظه لسر غشقهما منذ نعومة أظفارهما ، مسترجعا أمامه ترتيلة الذكرى ، تسرية عن النفس ، باطمئنان الابن إلى دفء حضن أمه ، تعويضا عن حرمانه من دفء شريك مسيرة العشق .
يلقي قيس التحية على الجبل ، وهذا مطابق لعادة مجتمعية ، حيث يلقي القادم التحية على الساكن ، متحرك يحيي الثابت ، إنسي يحيي جماد ، هو في عرفه ومعتقده الناطق الأوحد الذي يأنس له ؛ ولعمرى فقد قال أبو العلاء المعري مثل ذلك من بعد – في القرن الخامس الهجري - :
" أنست بالذئب إذ عوى الذئب وصوّت إنسان فكدت أطير "
هكذا أنس قيس للجبل ، كما أنس بعده المعري للذئب ، فألقى بنفسه بين أحضان الجبل ، فهو حصنه القديم الحديث ، و من ثمّ دعا له بأحسن ما يدعى به حبيب لحبيب أو صديق صدوق لصديق ، دعا له بدعوة إبراهيم لبكة حتى تصبح مكة.. فما من شيء أحب للجماد من أن تهديه الطبيعة بالمطر ، فبالماء حياة كل شيء ، وهل هناك أجمل من أن يزدان جبل بالمزروعات أعشابا وأشجار ، تزهر وتثمر فتتوج هامته ، ويصبح مزارا موسميا تحج إليه الكائنات الحية وتغرد على أشجاره الطيور ، وتعوي بين كهوفه الضواري ، فيشعر بالزهو أنه محط سياحة الكائنات!! وما من شيء أحب لأهل المتوفى أحب من دعوة مأثورة عند العرب القدامى ( ربنا يبشبش الطوبة اللي تحت دماغه)
هكذا الأمر إذن ، هو يريد أن يتحول الجبل إلى روض ، يليق بذكريات حبه ، أن يصبح المكان مأهولا ، بكائنات متحابة ، إعادة إنتاج وجودية بديلة ، لإعمار الأرض ( الجبل) فهو مقدس عنده. هو يرد الجميل للمكان ( فكنت المرضعا) .
المرحلة الثانية : المزارات والتمسح بالأركان :
مثلما يطوف الزائر عند حجه للبيت الحرام أو لبيت المقدس ، ومثلما يطوف من غاب فترة طويلة عن داره أو عن مكان محبب لديه، ويتمسح بأركانه التي شهدت بعضا من ذكرياته الأثيرة ، يطوف قيس بمواضع بعينها من الجبل ويتمسح بأركانهها تمسح المشوق إلى احتضان عزيز غاب عنه طويلا :
" هذه الربـوة كانت ملعبـا لشبابينـا وكـانت مرتعـا
كم بنينا من حصاها أربعـا وانثنينـا فمحونـا الأربعـا
وخططنا في نقى الرمل فلم تحفظ الريح ولا الرمل وعى
للعب فوق مكان مرتفع – ربما- حظوة عند اللاعبين الصغار ، ربما تعبيرا عن العلو والشعور بالارتفاع عن كل شيء حولهما ، أو هو شعور تلقائي بسمو عاطفتهما البريئة الطفلة ، وربما هو أيضا نوع من الترقب الحذر ورصد قادم متطفل على خلوتهما الطفولية أو الشبابية بعد أن كبرا وبلغا مبلغ الرشاد. كما قد تكون رغبة في تشييد بيت مأمول يضم حلمهما بارتباط شرعي مستقبلي ، في عش غرام ، تمثلا بالطيور التي لا تعيش إلا في أعالي القمم . ولأن تشييد العشاق لحي أو دار في لحظة اللعب الإيهامي للطفولة ، تعبيرا عن حلم في اللاوعي ، محاكاة لمسيرة الكبار المؤهلين للارتباط بالزواج ؛ سريعا منا يقفون عند حدود اللعبة الإيهامية ؛ حيث يوهم الواحد نفسه بأنه مؤهل للارتباط . كما أنها تعد بمثابة (بروفه) لما سيؤول إليه أمر المحبين. كما أن عملية البناء والهدم تعبيرا عن غريزة الحركة والتجديد والاستمرار ، فالحياة بناء وهدم وبناء لا يتوقف. وتلك سنة الحياة يبني المرء ، وقد يهدم غيره ما بنى ، إن لم يهدم الزمن. ولأن قيس كبيرا ، قد خبر ذلك ، فإن إحساسه بصيرورة البناء والهدم في هذا الكون قد تحولت إلى إدراك لتلك الحقيقة ، وهي أن الزمن كثيرا ما يهدم ما نبني ويمحو ما خططنا له ، لذا نراه يعتب على مظاهر الطبيعة ، وعلى ما يناظرها من عوامل الهدم بفعل الإنسان وهو عتاب يرقى إلى حدود الاتهام:
" وخططنا في نقى الرمل فلم تحفظ الريح ولا الرمل وعى "

هكذا قد يهدم الإنسان ما بناه بيديه ، وإن لم يفعل فالزمن وطبيعة الوجود هي التي تباشر عملية الهدم ، لأن سنة التغيير السرمدية تقضى بالتجدد إذا لم يأت التجديد بأيدينا ، ذلك أنه لا ثبات لشيء في الكون . ولا شك أن هذا البيت يحمل من غرائبية الصورة وواقعيتها في آن – ولا يفوتنا أن هذا المعنى قد اقتبس بطريقة ما في معنى من أغنية لفيروز :( تكتب اسمي يا حبيبي ع رمل الطريق )

المرحلة الثالثة: التوهم بتوقف الزمن:
إن القول بتوقف الزمن يعد ضربا من ضروب الخبل ، وفي العشق حالة معلومة من حالات الخبل ، التي يتوهم فيها إنسان ما توقف الزمن عن الاستمرار في مسيرة النمو والتطور ، والتغير . وهذه الحالة لا شك هي التي أصيب بها قيس حيث لا يرى ليلى إلا وهي طفلة :
" لم تزل ليلى بعيني طفلة لم تزد عن أمس إلاّ إصبعا "
والمعنى هنا يكمن في المسكوت عنه من كلامه ، وهو أنها بريئة مغرر بها ؛ وإلاّ فكيف يمكن قبول فكرة رفضها لمن تهيم في عشقه زوجا لها !! فمثل ذلك القرار المصيري لا يأخذه المرء إلاّ في وضع غير طبيعي ، هذه المثالية المفرطة إما أن تكون تأسيسا على قناعة ترقى إلى مصاف العقيدة ، وإما أن تكون نتيجة وهم أو نتيجة ضغوط خارج إرادة الإنسان .لذلك فإن قرارها أشبه بقرار طفولة ما تزال تعيش حالة اللعب الإيهامي التي كانا يمارسان فيها بناء الربع وهدمه ، وكأنما قد كان اتفاقهما على الارتباط قد خط على رمال عصفت بها الريح. هو اتهام لها – فيما يبدو إسقاطا للمسكوت عنه ، المضمر في صدره –

الحالة الرابعة : عبثية طلب المستحيل :

في التاريخ البشري حالات عبثية ، هي ضرب من ضروب المستحيلات ومع ذلك وجدنا من يطلب المستحيل ، فهذا الإمبراطور الروماني " كاليجولا " وهو مخترع دقات المسرح الثلاثة الشهيرة التي تق قبيل بدء العرض ، وإن كانت عنده إيذانا بممارسة الأمراء والحاشية للرذيلة قبل أن يبدأ عرض المسرحية – فهاهو يطلب القمر أن يمتلك القمر ، لما وجد الأرض أصغر من أن يحكمها حاكم خارق مثله ، وهاهو ( الزير سالم – المهلهل بن ربيعة ) يطالب بأخيه المقتول حيا حتى يا صالح مع أبناء عمومته الذين قتل ابنهم جسّاس الملك كليب – شقيق الزير - .
والأمر نفسه – فيما يبدو قائم عند قيس – فهو يطلب مطلبا عبثيا – على مستوى الواقع بالطبع – لكنه أصل من أصول رسم الصورة الشعرية شأنه شأن المستحيل في البيت السابق ، حيث يرى ليلى وقد توقف بها الزمن عند مرحلة الطفولة . وهو في هذه الحالة يؤنسن الجبل في لحظة حنين إلى وجود من يحادثه بقلب مفتوح ، ويبثه لواعج حزنه :
" ما لأحجارك صما كلما هاج بي الشوق أبت أن تسمعا
كلما جئتك راجعـت الصبا فـأبت أيامـه أن ترجعـا "
هو يعاتب الجبل على ما ليس له فيه حيلة ، يعاتبه على أنه يصم أذنيه عن سماع شكواه ومواساته في مصابه الجلل !! يعاتبه بوصفه إنسانا يسمع ويرى ويحس . وتلك ليست حالة جديدة في فنون الأدب ، فقد عرفها الإريق عندما أنسنوا آلهتهم وعرفها شعراونا في العربية ، في قصائدهم عن الجبل أو عن الليل أو عن الخيل: يقول المتنبي:
" الليل والخيل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلـم
أنا الذي نظـر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلمـاتي من بـه صـمم
ولا يقف قيس في حالة هذيانه تلك عند حد معاتبة الجبل ، بل يتهمه على أن أيام الصبا عازفة عن العودة إليه ، وكأن أمر عودة صباه إليه مرهونة بأمر أو إيعاز من الجبل !! صورة عجائبية حقا ، إذ لا يكون الشعر شعرا دون ذلك.

الحالة الأخيرة: حكمة تقديس الأمكنة:

" قد يهون العمر إلاّ لحظة ويهون الكون إلاّ موضعا "
هكذا دأب العربي أبدا يقدس الأمكنة ، سواء ارتبطت بعقيدة دينية أو بعلم من أعلام الأمة أو وليا من الأولياء أو سياسيا زعيما من زعماء السياسة أو عالما من علماء العلم الحقيقي أو من علماء الدين ، أو يقدس ديار المحبوب بعد أن أصبح طللا على عادة شعراء المعلقات ، الذين استهلوا قصائدهم المطولات بغزلية بكائية على طلل الحبيبة بعد رحيل أهلها متتبعين سحابة قد تهطل في مكان آخر بعيد ، تحصيلا لريع أرض تحظى بسخاء الطبيعة المهطال . هكذا يكون الأمر عند صاحب الحاجة ، وقديما قيل :
صاحب الحاجة أرعن ، ينسى كل عمره من أجل لحظة ، وينسى كل الكون من أجل موضع دبت فيه قدم الحبيبة.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن عبد السلام مخرجا مسرحيا
- الرفيق الخيالي ومسرح الطفل في عصر العولمة
- على هامش ثورة التحرير
- هوامش التحرير - دردشة سياسية -
- سينوجرافيا المسرح (1) بين التمحل والتأصيل المنهجي
- وماذا بعد
- دردشة سياسية على الطريقة المصرية
- ما قبل الإسكندر
- دردشة را/قدت ..مدينة الإسكندر
- نقاب فرويد
- المثقف والموقف
- الممثل وجماليات التعبير بالجسد
- تمثيل دور مسرحي وفق منهجين
- فنون المسرح بين الهواية والاحتراف
- زمن شويكار وبهجت قمر
- بديع الكلام المصري
- برومثيوس الأسود في قيود الحرية
- مسرح باكثير بين التسجيلية ودراما الأوتشرك
- المعارضات المسرحية في عصر العولمة
- جماليات الصورة الشعرية في القصيدة العربية


المزيد.....




- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أبو الحسن سلام - إشكالية الأداء في المسرح الشعري بين التمثيل والغناء