أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - رجل أعمال محترم!!















المزيد.....

رجل أعمال محترم!!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3303 - 2011 / 3 / 12 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


رجل أعمال محترم!!
- هل هناك أمم غنية وأمم فقيرة؟!
فاجأهم أستاذ الفلسفة كعادته، فما أن يضع ملف المحاضرات على المنضدة، ألا وسؤاله ينقلهم بلحظات سريعة من عالم قاتم ملموس، إلى عالم يبدو بعيداً عن توقعاتهم ، أحيانا يسعدهم لأنه ينشط فكرهم وحماسهم ، ويتنافسون في إيجاد المميزات الجديدة من الفكرة المطروحة، وأحيانا يصابون بالتصحر العقلي، ولا يدركون مرامي المحاضر من سؤاله، أو جمله الافتتاحية..
كانت أسئلته ، او جمله الأولى، تشغلهم دوما، ولا تتركهم لساعة راحة حتى اثناء الاستراحة بين المحاضرات. وقد اكتشفوا أن ابتعاد أستاذ الفلسفة عن إعطاء جواب شاف وواضح لما يطرحه، هي خطوة تكتيكية مدروسة ومحسوبة، ليجعلهم حتى في أوقات فراغهم، يجدون ما يختلفون حوله وما ينقلهم من أجواء الدرس الصارمة، إلى أجواء الحوار الحماسي، والنشاط الذهنين الذي لا يعرف الكسل، غارقين في ما درسوه حتى اليوم، لعل الإجابة بين السطور، فكل النظريات كما يؤكد المحاضر متماسكة ، ولنقدها او تأكيدها يجب اكتشاف الخطأ فيها، أيضا في العلوم ، الوصول الى حقيقة علمية يتم عن طريق نقضها ونقدها، فاذا ثبتت امام النقض والنقد، تصبح لها شرعية علمية.
بعد فترة من سؤاله، تأمل في وجوههم بنظراته اللامعة الذكية، وابتسامة ، او خيال ابتسامة، يلوح فوق شفتيه. وأضاف:
- اليوم سندخل إلى أحد المواضيع التي تحتاج إلى انتباه خاص، أحذركم أن ما درسناه كان مدخلاً. ربما شدتكم الأفكار التي لا حدود لها، واليوم أمامنا موضوع يعالج قضية محددة آمل أن تستطيعوا من دراسة هذا الموضوع فهم الأسس التي ارتكز عليها النظام الرأسمالي في تطوره. أو ما يسمى "السوق الحرة".
استصعب الطلاب الربط بين سؤاله الذي طرحه فور دخوله، وبين الجمل الأخيرة.. فلسفة... اقتصاد ، سوق حرة.. ما العلاقة ؟!
السؤال ظهر لعدد غير قليل من الطلاب، بسيطاً جداً، ولكن استمرار الشرح، جعلهم يعيدون التفكير ويبحثون عن صيغ جديدة للسؤال، مثلاً: ما الذي يجعل شعباً ما غنياً وشعباً آخر فقيراً؟!
كان الجواب السهل جاهزاً ولكن لم يجرؤ أحد أن يعرض نفسه للسخرية من أستاذ الفلسفة. فهو يتقبل السؤال شكليا ، ولكن رده اذا لم يعجبه جواب ما، يحمل لسعة عقرب مؤذية لصاحب الجواب، تثير الضحك في القاعة ، ورغم ذلك ، يمتدح صاحب الإجابة أيضا لأنه استعمل مادته الخام( أي عقله) ولم يصمت مثل الضاحكين الذين يظنون أنفسهم أعلى مرتبة وفهما.. فيضحك الطلاب مرغمين على أنفسهم.
كان دائماً يصر أن يشغلوا عقولهم وليس آذانهم وألسنتهم فقط ... ويقول السمع ظاهرة هامة، إذا عرفنا كيف نغربل الثرثرة، واللسان عامة، ظاهرة حاسمة في تشكيل مكانة الإنسان. اللسان بدون عقل ، يجعلكم أشبه بالمختلين، فاحذروا بأقوالكم. انتم اليوم طلاب الموضوع الأكثر اكتظاظا بالمنطق العقلي.
شريف قال لنفسه: العالم مقسم شرق وغرب، وشمال وجنوب.. أغنياء وفقراء شعوب غنية وشعوب فقيرة، لماذا صارت غنية وتلك ظلت فقيرة؟! هل هي مشكلة الأرض؟ الثروات الطبيعية؟ كثرة المياه أو شحتها؟! هل نشأت الحضارات في التاريخ على ضفاف الأنهر أم أيضاً في الجبال بعيداً عن الأنهر؟! نحن نملك ثروات طبيعية هائلة، حكامنا أغنياء حتى التخمة،ولكننا شعوب فقيرة، ثروتنا لأصحاب الجلالة والسيادة والسعادة ، بينما شعوب لا تملك ثروات طبيعية، ولكن غناها اسطوري، هل هي مشكلة الجينات؟... جيناتنا تعشق الفقر والظلم والحرمان، وجيناتهم تعشق الرفاه؟! هل السبب يتعلق بنوع النظام؟! أو ربما بنوع الدولة؟! أم يتعلق بالأشخاص الذين يديرون السياسة والاقتصاد؟! وهل للتعليم والتقدم العالمي تأثير حاسم في تصنيف الشعوب بين فقراء وأغنياء؟!
ولو استعرضنا ما تراكم من أفكار في رؤوس طلاب الفلسفة بعد سؤال المحاضر الذي بدا بسيطاً،لوجدنا مئات كثيرة من الأفكار الجديدة أيضا، ولكن التوجس من مقلب يحضره لهم استاذهم ليختبر قدراتهم على صياغة التفسيرات، أصمتتهم ، رغم النهر الجارف من الأفكار والكثير الذي يقف على حافة اللسان.. ولكن يضبط قبل التورط !!
وفجأة قال الأستاذ بحدة:
- يجب أن تفهموا أنه لا توجد شعوب غنية وشعوب فقيرة. أعرف أن الموضوع أشغلكم. توجد شعوب تطورت وشعوب ابتعد التطور عنها. هناك أسباب عديدة وأكاد أجزم أنكم لم تبقوا سبباً بدون أن تفكروا به. ولكن ما يهمني ليس أجوبتكم وتحليلاتكم والا فقدنا موضوعنا الجوهري وهو "فلسفة الاقتصاد"، أجل للاقتصاد فلسفته، وأنا أقول أن شعباً لم يطور فلسفة، لا يمكن أن يتطور اقتصادياً،او سيتأخر تطوره لدرجة تضعه خارج مسيرة الشعوب التاريخية. لا أحد ينتظر المتخلفين في عالمنا المندفع بسرعة البرق تطورا واكتشافات ومآثر علمية وتقنية نقلت الانسان الى مرحلة نجد صعوبة في استيعابها، فنذمهم بدل ان نندفع وراءهم ، او نجد المتشاطرين الذين ينشرون الوهم ان ما انجزه الآخرون موجود في كتبنا، وكفانا شر المنافسة. هذه قمة السادية العلمية والفكرية، وتبرير قاتل لتخلف مجتمعاتنا وليس انساننا، تبرير للفساد الذي يمنع رقي المجتمعات. تبرير للقصور الذي يمنع تطوير التعليم والعلوم، تبرير للنهب الذي يصب في جيوب حرامية النظام بدل ان يوظف في احداث نهضة يستفيد منها الجميع.
تعالوا اليوم نركز على فلسفة الإقتصاد كيف جعلت بعض الشعوب غنية،وشعوب أخرى تعاني من التوقف وكأن التاريخ قد نسيها.
- مثلا اسمعوا هذه الحكاية عن فلسفة الاقتصاد . التقى زميلان الأول غني جداً والثاني مستور الحال.
الغني اشتغل كل حياته بتربية حمام البريد، والثاني اشتغل بالتجارة، اشترى وباع وسافر وتجول في نصف دول العالم، والغني لم يغادر سطح منزله حيث حماماته....
التقيا في مطعم وتذكرا أيام المدرسة... وسأل مستور الحال:
- قل لي يا صديقي، جمعت في حياتك أموالاً طائلة، كيف فعلت ذلك وأنت لم تتحرك من مكانك؟!
أجاب الغني:
- ربحت كل أموالي من تجارة حمام البريد.
- حمام البريد...؟ جميل جداً، يبدو أنك بعت ملايين الحمامات لتصبح مليونيراً؟
- لا، أبداً، لم أبع إلا حمامة واحدة، ولكنها كانت دائماً ترجع إلى قفصها ، كما دربتها. لذلك ربحي كان كاملاً...
إذن يا طلابي البواسل، فلسفة الاقتصاد نحتاج إلى عقل اقتصادي.... عقل يفكر كيف لا يخسر، بل ويحول كل صفقة خاسرة إلى صفقة رابحة... ومن لا يملك مثل هذا العقل... سيظل ملتصقاً بالأرض.
مريم تشجعت وقالت:
- اسمح لي ان اروي حكاية تناسب الموضوع. الآن أفهمها من منظار فلسفة الاقتصاد.
قال لها تفضلي باشارة من يده!
القصة حدثت بين السيد سامي والسيدة أنوار. سامي تميز بتفكير اقتصادي يحول الخسارة الى ربح والفقر الى ثروة. وأنوار التي تملك الشيء لا تفكر الا بمردود بيعه وليس بجعله مصدراً للثروة او للربح أكثر من ثمن الشيء..
أي نحن هنا استاذي أمام ما سماه أرسطو العقل الفعال لسامي والعقل المنفعل لأنوار. وهذا الفرق بين شعوب غنية وشعوب فقيرة.. كما اظن.. ولكن لنتابع القصة.
السيد سامي بحث عن حمار لينقل بواستطه الحطب للزبائن، فالحمار تكلفته أقل من تكلفة السيارة. لا يحتاج الى تأمينات، ولا تصليح أوكزوزت، ولا تغيير رادياتور، ولا تجليس ولا دهان،انما بعض الشعير والماء ويعمل بالنقل خمسة عشر ساعة يومياً دون أن يعترض أو يشتكي.
أخبروه أن السيدة المحترمة أنوار عرضت حمارها للبيع، فسارع سامي لشراء الحمار.
- كم تطلبين ثمنا لحمارك؟!
- 500 شاقل.
وبعد نقاش على السعر، اشترى سامي الحمار من صاحبته أنوار ب 400 شاقل فقط.
دفع سامي لأنوار ثمن حمارها ووعد بأن يعود في اليوم التالي لاستلام الحمار من أنوار.
حضر في اليوم التالي، ولكن كانت له مفاجأة غير سارة، قالت له أنوار:
- آسفة يا سيد سامي ، الحمار مات.
- إذن أعيدي لي نقودي.
- من أين لي صرفتهم أمس في عشاء فاخر!!
- بعد تفكير عميق وحسابات اقتصادية وتحليل فلسفي قال:
- إذن أعطيني الحمار.
- ولكنه ميت... ماذا ستفعل به؟
- سأتخلص منه بسحب يانصيب.
- كيف تطرح حماراً ميتاً لسحب اليانصيب؟
- ولما لا؟ سترين أن ذلك ممكناً، ولكن لا تقولي لأحد أن الحمار مات.
ومرت الأيام والتقى سامي وأنوار بعد شهر في أمسية كان سامي يبدو سعيداً، وقد استبدل ملابسه الرثة السابقة بملابس جديدة.
- ماذا فعلت بالحمار الميت؟ سألته أنوار.
- نظمت سحباً على الحمار... وبعت 500 بطاقة يانصيب ب 10 شواكل كل بطاقة وربحت 4590 شاقل.
- ولم يشكو أحد من كون الحمار ميتاً؟!
- فقط ذلك الذي فاز باليانصيب، ولأني رجل أعمال محترم وأرفض الغش، أعدت له الـ 10 شواقل ثمن بطاقة اليانصيب التي دفعها.

[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول قرار الإضراب يوم الأرض
- جريس عواد بين هندسة الأرقام والمساحات وهندسة الثقافة والأفكا ...
- انتهى عصر الجماهير الغفورة!!
- الحمار يستعيد مجده...
- السلاح الحاسم الذي نطمح إليه.
- ثوار ميادين التحرير قادرون على إنهاء الانحياز الأمريكي
- طلب انتساب إلى الشعب المصري!
- لاح فجر جديد ...
- كتاب -منزلق خطر- للمحامي جواد بولس
- ثلاثة أخطاء فلسفية
- في وداع الصديق ورفيق الدرب والأديب المبدع عفيف صلاح سالم
- بعيدا عن السياسة - قريبا للهم الثقافي
- مداخلة حول طروحات المفكر سلامة كيلة - من هو الشيوعي اليوم؟
- رؤية سياسية: أشكنازي هو الزعيم القادم لحزب العمل
- المناضل الوطني أحمد جربوتي، في كتابه الجديد عن عبد الناصر يح ...
- العرب والمؤامرات - هل من دور عربي في مواجهتها؟!
- من السهل بدء انقلاب في لبنان - من الصعب انجازه!!
- الانفصال في السودان: نهج سيتسارع في الواقع العربي البائس!!!
- التباس الوعي القصصي
- المسيحيون في الشرق: هل هم المشكلة او الغطاء لمشكلة الانظمة ا ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - رجل أعمال محترم!!