أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 25 ) - مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية .















المزيد.....


الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 25 ) - مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 11:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعتبر الأخلاق أول إبداع فكرى إنساني لصياغة منظومة سلوكية تنظم العلاقات داخل الجماعة البشرية .. فلم تتواجد الحاجة للأخلاق لدى الإنسان إلا مع أول تجمع بشرى ينتسب إليه لتكون الأخلاق هي حل لإشكالية معادلة الأمان والصراع في ذات الوقت فيتحقق الأمان من خلال ملاذ يحتضنه ويحميه من قوى الطبيعة ولا سبيل سوى الإنسجام معه ويتواجد الصراع كجدلية حتمية الحياة والوجود التى لا مفر منها .
تتشكل الملامح الأخلاقية والسلوكية كنتاج طبيعي لتطور الإنسان المعرفي والحضاري وتعبير عن محصلة قوى وعلاقات المجتمع الإنتاجية مُترجما ً منظور القوى والنخب المهيمنة و مؤكدا ً مصالحها ومؤمنا ً لوجودها .

الأديان تدعى أنها أنتجت المنظومة الأخلاقية و أنها جاءت من السماء وفق إرادات إلهية هكذا هو فكرها , ولها أن تدعى ما يحلو لها ولكنها لن تخرج عن إرادات بشرية لتمرير مصالح النخبة والملاك من خلال صياغة حزمة من السلوكيات المُراد إتباعها ولكي تضمن لها الردع نسبتها إلى الآلهة التي تبغي هكذا سلوك فيكون العقوق مُجلب لغضب وانتقام الآلهة وصب جام لعناتها ... الأخلاق منتوج بشرى وليس له أي علاقة بالسماء فالسماء لا تجلب سوى المطر !..بينما الأخلاق منتوج الأرض .

الأخلاق في الأديان مُنتج بشرى لحما ً ودما ً ولم تنفرد به الأديان المتعارف عليها بل نحن أمام وعي الإنسان ورؤيته لعلاقاته مع الآخر فتمتزج رؤى معتقدات ومجتمعات بشرية لتخلق منظومة أخلاقية تعبر عن رؤية اجتماعية لنسيج إنساني متقارب النشاط الاقتصادي والاجتماعي والطبقي , و سنجد تراث رائع من القيم الأخلاقية التي تعاملت معها شعوب أرض الرافدين والنيل والصين والهند تتفوق في مفرداتها عن أخلاقيات البداوة ويمكن معرفة سبب هذا من تأثير الطبيعة على تشكيل الإنسان لأخلاقه و سلوكه وقد يحتاج هذا الأمر لبحث آخر .

الخطورة في الرؤية الأخلاقية التي تصدرها الأديان تكمن في أنها تُثبت رؤية الإنسان القديم تحت دعوى أن هكذا هي رؤية الإله لتسقطها على الواقع المعاصر بكل وطأتها لتصدر سلوكيات وأخلاق تجاوزها الإنسان المعاصر فتصيبه بالتجمد بل التشوه الحضاري والإنساني ... ولكن الأشد الخطورة هو أن الرؤية الأخلاقية في التناول الديني وقفت عند طفولة الإنسان وفرضت منهجها وفلسفتها ورؤيتها فتبدو كمنظومة نفعية برجماتية تطالها الازدواجية غير نابعة عن فهم حضاري وحس إنساني يتوافق مع إنسان العصر الحديث.. لأنها منظومة أخلاقية تفتقد الحرية و تبنى ذاتها على القهر وتحسس الاختلاف .

* العصا والجزرة ..البرجماتية والنفعية .

الأخلاق حسب الموروث الديني لا يكون لها قائمة إلا بحصر الفكر الإنساني ما بين العصا والجزرة .. فأنت تُقدم على الفعل الأخلاقي الجيد لتنال الجزرة وسينهال على رأسك بالعصا إذا انحرفت عنه .. فيكون الفعل الأخلاقي مبنى على الترهيب أو الترغيب.
ليس هناك قناعة فكرية للإنسان الديني بأهمية الفعل الأخلاقي بعيدا ً عن سياسة العصا أو الجزرة كما يُمارس الملحدون واللادينيون أفعالهم الأخلاقية فهم لا ينتظرون من وراء سلوكهم الأخلاقي ثواب أو عقاب بل يفرضه درجة تطورهم الحضاري والإنساني والمصالح المشتركة .

الأخلاق هي ضمير إنساني تشكل من استقباح أفعال محددة لأنها تضر بالطرف الآخر وتؤذيه أو تجلب له الخير ولا تكون الأخلاق كما في الإسلام مثلا ً عبارة عن قانون للعقوبات والمكافآت الدنيوية والأخروية، فالمسلم يعمل الخير حسب المفهوم الإسلامي كي يفوز بالجنة فقط ويتجنب الشر كي ينجو من النار .. ولا أعتقد أن أحداً سيجعل كتاب قانون العقوبات مرجعا ً له في الأخلاق.
الخوف من الله هو جزء لا يتجزأ من العقيدة الإيمانية، والمؤمن الحقيقي لا يمكنه أن يأمن بطش إلهه بأي شكل من الأشكال وهذا طبعاً لا يكفي، فالعقوبات الوحشية الدنيوية تنتظر من لم يخافوا بشكل كافٍ من عقوبات الآخرة... والطمع بالجنة هو الشطر الثاني من المعادلة .

أسأل مرة أخرى، أين الأخلاق في الرشوة والترهيب ؟
فمثلا عندما نتناول مساعدة المحتاجين والفقراء سنجد أن فلسفة الفكر الديني في دعوته للمساعدة تتكئ على منظور تُعطى لتأخذ المقابل فالحسنة بعشرة أمثالها في مفهوم برجماتي بحت وهنا يكون للجزرة فعل العطاء .. كما أنك لا تقدم شيئا ً للفقير بل تقدم بما أنعم الله عليك .. أي أنك وسيلة لمنح الفقير حاجته وليس الفقير كإنسان طرف أصيل في هذه المعادلة فأنت مكلف بالمنح وإن كان يبدو بالطبع بشكل اختياري ولكن لا يكون حال الفقير بذي أهمية في توجيه فكرك نحو العطاء لذا نجد الفقراء يستكينون لهذا المنهج الفكري ويطالبون الأغنياء بقولهم " لله يا محسنين " أو يقول " أعطني مما أعطاك الله " .
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع علِيم ) . سورة البقرة : الآية 261
( والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهروهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) . سورة التوبة الآية 34 ـ 35

هذه الرؤية تُصدر لنا بأننا أمام علاقة نفعية مرصودة ومأمولة فالعطاء والإنفاق أمامه سبعمائة حبة بل هناك مضاعفات أكثر من قبل الإله , أما الشح عن العطاء فسيجلب العذاب .. إذن نحن أمام تكليف وصفقات بينما يكون التعاطف مع الفقير في حد ذاته كمحتوى إنساني خارج المعادلة وغير وارد .
ولكن هناك من يقول بأن الله أراد هذا النمط الأخلاقي ليجبر الغني على العطاء ولا يكون فضل منه .. بالطبع هذا ما ننتقده في أن الفعل الأخلاقي ليس نابعا ً من الضمير الإنساني بل في إطار العصا والجزرة ..أي في عدم وجود العصا والجزرة فلا مكان للفقير من الإعراب .
لابد من التنويه بأن سبب اختيار الإنسان القديم للتعاطي مع الفقير بهذا المنهج هو نتيجة طفولية الإنسان في ذلك الزمان و لا يجب أن نغفل المغزى الحقيقي من فرض الأخلاق بتلك الصورة فهي ليست رؤية إلهية بل فكر بشرى في خلق حالة من التوازن الاجتماعي تمنح الفقراء فرصة بسيطة للحياة خوفا ً أن يكونوا وحوش كاسرة .
السلوك الإنساني المتحرر من مفهوم العصا والجزرة سيكون مساعدته للمحتاج بناء على حسه الإنساني بأن مساعدته هو واجب محبة في دعمه وإشباع حاجاته الإنسانية كإنسان له الحق أن يعيش .. كما لن تخفى أيضا ً أن فعل المساندة هي رغبة في استقرار المجتمع وسلامه .

من الأمثلة الفجة التي يسوقها المؤمنون على الأخلاق وتكون محصورة في فكرة العصا فقط هي إدعائهم أن لولا الإيمان بالمنظومة الأخلاقية التي أرسلها الله فسيكون من السهل على الإنسان الغير مؤمن أن يضاجع أخته فليس لديه رادع يُردعه بينما المؤمن لا يستطيع أن يُقدم على هذا الفعل الشائن .
سنسأل سؤال بسيط يثبت تهافت هذه الرؤية : هل سلوك المؤمن تجاه أخته يتوقف على إيمانه بالله فقط ؟!! ..وهل كل ما يمنعه من ممارسة الجنس مع أخته هو وجود غضب إلهي مُنتظر !! ..أم أن الضمير الجمعي هو الذي لن يجعله يُمارس الجنس مع أخته سواء تواجد وآمن بهذا الإله أم لا .
إذا كان يتعامل مع الفعل الأخلاقي بمفهوم العصا فيكون هنا إنسان بوهيمي يحمل الشهوة لأخته والذي يحوله فقط هو العصا ولكن حال اختفت العصا فسيقفز عليها في التو ... بالطبع لا يملك المرء سوى الشعور بالاحتقار الممزوج بالشفقة تجاه هذا الإنسان .
أما إذا كان يرفض هذا المسلك سواء في وجود إله ذو عصا أم لا فهو أدرك معنى المفهوم الأخلاقي من خلال أنه سلوك مستمد من الضمير الجمعي للمجتمع بكل أبعاده وتضاريسه .
وللدلالة على أن الأخلاق هي رؤية إنسانية مجتمعية تعبر عن مصالح واحتياجات آنية نحن من نبدعها ونطلبها وفقا ً للظرف الاجتماعي ودرجة الوعي والتطور الحضاري . . سنتأمل نفس النقطة السابقة بامتناع المؤمن من ممارسة الجنس مع أخته خوفا ً من الغضب الإلهي الذي يحدد الثوابت الأخلاقية لنجد أن البدايات الإنسانية الأولى شهدت ممارسات جنسية بين الأخ وأخته ..فحسب أسطورة الخلق الطينية لآدم وحواء كان لابد أن تتكاثر الإنسانية من هكذا منحى ولتستمر لعقود طويلة ليحق لنا أن نسأل هل الله كان منزعجا حينها أم لا ؟!..فألم يكن في مقدوره بقليل من الطين أن يخلق عدة ذكور وعدة إناث ويحافظ على القيمة الأخلاقية التي اعتمدها !!.. أم من المنطقي أن نقول بأن الإنسان في العصور الأولى لم يجد غضاضة في مثل هذه العلاقات الجنسية ومع تكاثر البشرية وتحت ظروف موضوعية نحو تجويد النسل والتقارب داخل الجماعة الإنسانية و القبائل تم تحريم هذه العلاقات .

الأخلاق كما ذكرنا هي تعبير عن رؤية طبقية أو نخبوية لشكل وطبيعة العلاقات بين البشر لتخدم مصالحها وتؤمنها .. فمثلا الزنا والسرقة والقتل هي أشياء غير أخلاقية كما هو شائع في الثقافة البشرية ولتسأل لماذا هي غير أخلاقية ... هل لأن الله لا يعجبه هذا فينتفض من هكذا سلوك وفى بعض الميثولوجيات تجد عرشه يهتز من ممارسة سلوكيات هو يرفضها ... بل لن يتوانى عن معاقبة مرتكبيها في جحيمه الأزلي .!!

السرقة تهدد طبقة الملاك بشدة وتقوض مجتمعهم فيكون اعتبار السلب عمل غير أخلاقي شيء ضروري لتأمين مجتمع الملكية وعليه يمكن توقيع العقاب الجسدي على اللصوص ولا مانع من إبداع فكرة الإله المنتقم من السارقين في العالم الآخر حيث المجمرة الإلهية اللانهائية .
الزنا هو فعل غير أخلاقي في رؤية طبقة الملاك أيضا ً ويكتسي بغلالة من الشرف والحمية ولكنه يخفى مصلحة حيوية في تأمين الأملاك من التبدد ..ليتوارى وراء مقولة حفظ الأنساب والتي تعنى ضمان أن ما في داخل المرأة هو من إنتاجى ويحق لي أن أترك له ممتلكاتي بعد وفاتي ... إذن فعل الزنا هو غير أخلاقي من الخوف من منطلق تبدد الأملاك ليس إلا .
القتل يعتبر من أقدم الأفعال التي اعتبرها الإنسان غير أخلاقية بعد إدراك الإنسان أن القتل يقوض أركان الجماعة البشرية ويخصم من رصيدها في مواجهة الطبيعة والجماعات البشرية الأخرى .

إذن الأخلاق هي تعبير عن مصالح حيوية لنخبة أو طبقة ترى أن ترويج رؤيتها هو تأمين لمصالحها وهيمنتها .. وكون البشرية لا تنتج أشكال طبقية كل قرن من الزمان بل تستمر لفترات طويلة لذا تظل المنظومة الأخلاقية ثابتة وراسخة تتوارثها الأجيال وتتغلغل في ثقافتها وضميرها الجمعي .. بل يمكن القول أن من شدة ثبات الأنماط الأخلاقية لقرون طويلة تجد مجتمعات تبدل فيها الوضع الطبقي ومازالت تحمل أخلاقيات طبقة قديمة كما في المنظر الأخلاقي للأديان فى العصر الحديث والذي يحمل في أحشاءه أخلاقيات مجتمعات العبودية .
طبقة الملاك أقدم الطبقات التي عرفها الإنسان وتمتد لآلاف السنين وحتى الآن لتنتج طبقة الأسياد والإقطاعيين والبرجوازيين وإن تنوعت في أشكالها ولكن يبقى المضمون واحدا .

* الازدواجية في الأخلاق .

الأخلاق في الأديان ليست ذات رؤية سلوكية واحدة وشاملة ومتماسكة فهي ازدواجية التعامل والفكر والهوى ...
هي تطلب من أتباعها ممارسة سلوكيات طيبة في إطار الجماعة المؤمنة الواحدة ولكن هم في حل من هذه الممارسات مع الآخر .
فالدعوة للمحبة والتواد والتكافل تكون مقصورة على أصحاب الدين الواحد بينما النبذ والكراهية تكون من نصيب الآخر ولترتفع بأسقفها في بعض المعتقدات لتصل لحد العداوة وتنخفض في البعض الآخر لتصل لعدم الإدماج .

والقتل فعل غير أخلاقي ومُدان في إطار الجماعة البشرية الواحدة ولكنه غير مُدان عندما يتجه نحو تصفية الآخر وقتله !! .. والتراث الديني العبراني والإسلامي حافل بنصوص وتاريخ دموي ضد الجماعات البشرية الأخرى بل تجد أن الإله حسب السرد الديني يحث تابعيه على ممارسة قتل الآخر ويعد مُحبيه بثواب عظيم وأكاليل ونساء تنتظرهم على أبواب الجنة عندما يحضرون في ملكوته .

الزنا فعل غير أخلاقي يستقبحه الدين ويُنذر فاعليه بالعقاب الدنيوي والأخروي عندما يمارسه الإنسان خارج مؤسسة الزواج ولكنه في البدايات الأولى للأديان كان مُباح ومُؤيد من الإله المشرع اغتصاب نساء الآخر واستحلال فروج نسائه تحت دعوى السبي وملكات اليمين ويبدو أنه لم يفطن أن المستقبل سيلفظ مثل هذه الممارسات ويعتبرها أعمال غير أخلاقية .!
السرقة فعل غير أخلاقي ومُدان عندما يمارسه الإنسان في محيط جماعته البشرية ولكنه مقبول عندما يتم نهب الآخر تحت يافطة الغنائم والذي يحفل التاريخ والتراث الديني بعمليات نهب لشعوب تحت يافطة الغنائم ومباركة الإله المزعوم بذلك ... وتجد أخلاقيات العصر الحديث تعتبره نهب مُدان .

عندما نقول أن فعل القتل غير أخلاقي فيكون غير أخلاقي في كل ممارساته فلا يوجد فرق بين دم مسفوك هنا و دم مسفوك هناك وعندما يتنطع البعض بذكر أن هناك أعداء فهل تتنافى الأخلاق مع قتل الآخر .. فليكن هناك قتل سواء دفاعا ً أو هجوما ً ولكن سيكون عملا ً غير أخلاقي ولن يُمنح وسام البطولة والشرف .. نحن فقط القادرون عن التغاضي عن أي فعل غير أخلاقي ومنحه سمة أخلاقية وفقا ً لمصالحنا واحتياجاتنا وليس هناك آلهة رابضة في السماء تحث على ذلك .

عندما نقول قيمة أخلاقية ونصفها بالحسنة والمصداقية فتعنى نمط سلوكي واحد غير متلون وذات رؤية ومسلك واحد فالسرقة تكون سرقة وغير معنية بهوية المسروق والزنا يبقى زنا بنفس الإدانة ولا يعتمد على هوية ونسب الرحم والقتل هو قتل إنسان من لحم ودم فالإنسان واحد والفعل واحد .

الغريب أن الأديان التي تتدعي أن منظومتها الأخلاقية سامية ومُرسلة من السماء لم تدع قيمة أخلاقية بسيطة إلا وشوهتها ودمرتها .. فالكذب فعل غير أخلاقي ويكون كذلك ولكن الدين يتحلى بازدواجية غريبة في فعل سلوكي بسيط يدعو للمصداقية .. فالإسلام مثلا ًينفرد في تمريره للكذب والنفاق من خلال رخصة وليس من خلال سيناريو قصة تمرر بين مشاهدها معنى الكذب كما في الكتاب المقدس عندما كذب إبراهيم على فرعون بشأن امرأته سارة .. الإسلام يصدر لنا مبدأ التقية .. والتقية تأتى من "وقاية" فمبدأ التقية في الإسلام هو أن يكذب المسلم بلسانه ليقي نفسه أو يقي المسلمين من الضرر.
هذا المبدأ يتيح للمسلم الحرية في أن يكذب في ظروف يعتقد بأن حياته فيها مهددة أو سيناله سوء ما فحينها يمكنه أن يكذب بل وينافق آثرا ً السلامة .. فمثلا ً قد تصل الأمور أن يُعلن كفره بالله طالما يقول ذلك بلسانه ولا يعنيه في قلبه !!... ويدل عليه في قوله : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )
ولنا أن نسأل هنا : ما معنى أن يكذب المرء ويتنكر من إيمانه في أمر لن يكون للإيمان أي قيمة بإنكاره ؟!.

تأكيدا ً لمبدأ التقية سنجد في سورة آل عمران تصريح آخر .."لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير". سورة آل عمران 28:3.
بناء على هذه الآية يمكن للمسلم أن يتظاهر بمصادقة الكفار وموالاتهم بالرغم أن هذا يتعارض مع نصوص كثيرة بالقرآن تدعو لعدم موالاة الكافرين وأهل الكتاب ولكن هذه الآية ستمنح المسلم الرخصة بالكذب والنفاق والتظاهر بمراعاة الكافرين حتى يتقى شرهم "إلى أن تتقوا منهم تقاة"..بينما القلب مُشبع بالعداوة والبغضاء .

أحبك في الله وأبغضك في الله مقولة تتردد وتتسم بالغرابة والشذوذ في الازدواجية السلوكية وتبتر قيمة الإنسان لتبرمجه وتفرض نفسها بقسوة على المشاعر فلا تكون مشاعر الحب والبغض نتيجة انعكاس وتفاعل سلوك بل هي محسومة وحادة وغبية مسبقا ً .!!

أن تحب وتتعاطف وتتكافل مع أخيك الإنسان فهو فعل أخلاقي جيد ولكن الإسلام مثلا ً لا يمنح هذه القيمة مسلك اخلاقي عام بل تتخلله الازدواجية أيضا فتجد أن المحبة والتسامح والسلام هي لنفس المنتمى لإيمانك الديني بينما المختلف فله البغض والكراهية بل تصل للعداوة ... وهذا ما يعرف بمبدأ الولاء والبراء وهو ركن أصيل من العقيدة الإسلامية وشرط من شروط الإيمان .!! .. هو ليس برأي أو اجتهاد أو اختيار لك في محبتك للمؤمن و كراهيتك للكافر فهذا في صلب العملية الإيمانية .!!!
تعالوا نرى كيف أن ممارسة الود للآخر والبعد عن كراهيته وبُغضه يجعل المسلم يدخل في الكفر !!..نعم يخرجه من إيمانه ويُلقى به في نار جهنم كونه تواد مع كافر ولم يمنحه الكراهية والبغضاء .!!
رَوى أحمد في مسنده عن البراء قال : قال رسول الله : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله )
أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله ، لما روى ابن عباس قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .!
لك أن تعلم أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .!

- من التشوهات التي نجنيها من هيمنة المنظومة الأخلاقية والسلوكية للأديان أو بمعنى أدق التشبث برؤى وسلوكيات الإنسان القديم أننا نصاب بازدواجية فكرية غريبة ومشوهة للعقل والضمير فتبتعد عن مفاهيم الحضارة والعصر لتسقط في مستنقع الموروث المشبع بالتخلف والجمود .
تجد إنسان ليبرالي يؤمن بحرية الفكر وينادى بمجتمع يسوده الحريات والديمقراطية وفى نفس الوقت لا يعترض على حد الردة البشع فتجده إما مؤيد لتفعيله أو مبرر له ولن تعرف الإدانة طريقها إليه فماذا سيكون الحال بعدها سوى حصد التناقض وعدم المصداقية لنجد هيمنة التراث يطفو خالقا ًمنهج الاستبداد فكراً وفعلا ً وممارسة .

تجد من يتشدق بحرية المرأة وأنها كيان له الحق في ممارسة كل الحقوق والنشاط الإنساني وفى نفس الوقت لا يرى غضاضة في ضربها لتأديبها وحجبها عن ممارسة نشاط إنساني ولا مانع من تحقيرها فهي نجسة وناقصة عقل .. فهل رؤيته السابقة تتسق مع نفس الرؤية وهل يكتب لها الصمود لنجد الرجل يتعامل مع المرأة كإنسان .

تجد أننا نستقبح الاستعمار وغزو الشعوب ونعتبر الغزو والنهب والهيمنة أفعال غير أخلاقية ولا حضارية ولن نغفرها للمستعمر .. ولكن يصبح غزو البدو لمصر ليس استعمارا ً ونهبا ً وهيمنة بل فتح مبين .!!

نخلص من هذا العرض الموجز للازدواجية الأخلاقية والفكرية أننا أمام قيم أخلاقية مهترئة ومزدوجة .. قيم تحمل الشيء ونقيضه ولا تطرح نمط أخلاقي متماسك وشفاف وذو مصداقية ..والحقيقة أن هذا الأمر لا يشذ عن نفس النسق الأخلاقي الذي اتبعته شعوب عديدة كان هذا مسلكها في صياغة وتنظيم العلاقات الاجتماعية لها وتحقيق مصالح مبتغاة ... فلا يجب أن نتصور بأن هكذا أخلاق سامية أو تم إهدائها من السماء .. فالسماء لا تهدى شيء إلا المطر .

* تثبيت المنظومة الأخلاقية والسلوكية .

المنتج الأخلاقي والسلوكي هو نتاج ظرف موضوعي وتاريخي ومادي تجمعت أسباب عدة لإنتاجه ليكون شكل نظامي لسلوك الفرد مُعبرا ً عن علاقات ومصالح وتوازنات ومصالح طبقية ... وعلى سبيل المثال عندما نفحص العلاقات بين السيد والعبد في مجتمعات العبودية فنجد السلوكيات الأخلاقية مُعبرة عن نمط هذه العلاقة ولكن هل يجب أن نتعامل معها .. بالطبع لا , لأن هذا المجتمع بكل علاقاته أصبح من التاريخ .
وهذا يعنى لنا أن الأخلاق نسبية ومنتوج بشرى وليس له علاقة بالسماء .. نخلص من هذا أيضا أن إشكالية الأخلاق عندما ترتدي زورا ً وبهتانا ً رداء مقدسا ً محاولة أن تتعالى وتنسلخ عن الواقع أنها تثبت منظومة أخلاقية عند نقطة معينة حيث منشأ الرسالة الدينية بظرفها المادي والموضوعي ومدعية أنها هكذا الكمال المطلق والأخلاق المأمولة التي يعتمدها ويريدها الله .

خطورة تثبيت النمط الأخلاقي لمجتمع قديم وإسقاطه على الواقع هو استحضار نفس الفكر والمنهج والسلوكيات القديمة وإقحامها على الواقع فتنتج تجمد وشلل وعدم مبارحة الماضي بكل قسوته وبداوته مما يجعل السلوكيات والأخلاقيات لا تتغير فيظل التعاملات والسلوكيات والمنهج القديم قائما ً لا يبارح مكانه بالرغم من تغير أحداث وجريان مياه كثيرة .

دمتم بخير ..



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 24 ) - الشفاعة كتأسيس لمجتمع ا ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 23 ) _ لا تسأل لماذا هم مرتشون ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 22) - استبداد الحكام العرب هو ...
- خواطر وهواجس وهموم حول ثورة 25 يناير .
- هل تستطيع ثورة 25 يناير أن تٌقلع ثقافة الوصاية والقطيع وهل س ...
- هنيئا ً للشعب المصري .. ولكن حذار فأنتم أسقطتم رمز من رموزه ...
- مشاهد وخواطر حول ثورة الشعب المصرى .
- إنهم يجهضون ثورة الغضب مابين إنتهازية معارضة كرتونية وتواطؤ ...
- جمعة الرحيل وحتمية محاكمة النظام بسياساته وطبقته وأدواته ومم ...
- ثورة الغضب المصرية ما بين أحلام شعب والإنتقال السلس والرغبات ...
- هموم وطن - شرارة ثورة تونس تُداعب أحرار مصر .
- تأملات في الإنسان والإله والتراث ( 5 ) - التمايز الطبقى والت ...
- بحث في ماهية العلاقة بين التيارات الإسلامية وأمريكا .. العما ...
- هموم وطن - حادثة سمالوط .. ما الأمر؟! هل جُنِنَّا أم فى طريق ...
- لن تمر مذبحة الأسكندرية بدون إدانة ( 2 ) - محاكمة النظام وال ...
- لن تمر مذبحة الإسكندرية بدون إدانة ( 1 )- محاكمة الأخوان الم ...
- هموم وطن - مذبحة الأسكندرية والرؤوس الطائرة والرؤوس المدفونة ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 21 ) - لا يا رسول الله .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 20 ) - سادية وعنصرية إله أم قس ...
- حكمت المحكمة ( 2 ) - لا تدعوهم يحكموننا .


المزيد.....




- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 25 ) - مفهوم الأخلاق فى الدين بين البرجماتية والنفعية والإزدواجية .