أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الكارثة الكونية الوشيكة (انهيار نظام النقد العالمي)















المزيد.....


الكارثة الكونية الوشيكة (انهيار نظام النقد العالمي)


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3251 - 2011 / 1 / 19 - 18:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الكارثة الكونية الوشيكة
(انهيار نظام النقد العالمي)

لبثت بلا كتابة زهاء شهر تقريباً فوجدتني لست إبن أمي، ابن الشيوعية، وجدتني أصطف في طوابير المثقفين الطويلة عبر العالم، من الذين يجترون أمعاءهم ويكتبون في كل شيء وحتى في أزمات خطيرة كالمجاعات الكبرى في بعض أطراف الأرض وكالجفاف والتصحر والبيت الزجاجي أو حتى في ازدهار تجارة الرقيق والمخدرات، لكن أحداً من هؤلاء الممتهنين للثقافة الذين يجترون أمعاءهم لم يتقدم الصفوف فجأة لينذر البشرية بأعلى صوته بالكارثة الكبرى التي تحيق بها وتتهدد مصيرها في وقت قريب، وهي الكارثة الأم التي تلد مختلف الأزمات الثانوية الأخرى التي يكتبون فيها من مجاعات عامة وتغيرات مناخية وغيرها، كارثة من شأنها أن تقلب العالم عاليه سافله وتعيد البشرية إلى العصر الحجري وربما أبعد بكثير. يتثاقف المتثاقفون في سقط الثقافة لاهين عن الغول البشع الذي سيلتهمهم دفعة واحدة ويطحنهم في جوفه العميق. ومما يثير الدهشة حقاً بل والتساؤل الذي يظل بلا جواب هو ليس غفلة المثقفين عن الغول البشع الذي سيطحنهم في جوفه العميق بل هو حتى تجاهلهم لإنذارنا لهم بمدى خطورة الغول !! فهل لهم أن يقولوا كلمة واحدة فيما ننذرهم فيه!؟

جميع الكتبة والمتثاقفين تقريباً لا بدّ وأنهم مروا مروراً سريعا على جدول الديون الدولية المنشور قبل سنتين على مواقع شبكة المعلوماتية، ولا بد وأنهم تحققوا من أن الديون الدولية لمختلف دول العالم بلغت زهاء 60 تريليوناً من الدولارات (أي 60 ألف ملياراً) وهي في تزايد مستمر ــ كان ذلك قبل سنتين وهي لا بد وأن تكون اليوم قد تجاوزت 70 ألف ملياراً وستزداد أكثر في كل عام آخر ــ لماذا لا يسأل هؤلاء الكتبة والمتثاقفون أنفسهم عن معنى هذه الديون وأثرها خاصة وأنهم لا يهملون من الثقافة سقطها!؟ وإذا ما أعذرنا المتثاقفين الرومانسيين الذين لا يسألون إلا عمّا ينعكس في مسراتهم، فلنسأل المتثاقفين المهمومين بحياة الناس، بالسياسة وبالإقتصاد، نسألهم عما يقولون في هذه المسألة!؟ ــ حتى متى تتعاظم هذه المديونية وأين ستصب في نهاية المطاف ؟ هل من شأن هذه المسألة أن تقطع الطريق قريباً على تقدم البشرية في مسار التطور والنهوض!؟ لئن كان جوابهم بالنفي أم بالإيجاب فإنه يترتب عليهم إذاك تعليل جوابهم في الحالتين. بل لنسألهم قبل كل ذلك عن المعنى المباشر لهذه الديون الفلكية، وعن حقيقة أن أكثر من نصف هذه الديون تقع على كاهل أربع دول بعينها وهي التي توصف عادة بأنها الدول الرأسمالية الكبرى، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إذ تبلغ مجموع ديونها أكثر من 32 تريليوناً ؟ ألا يسترعي هذا الإنتباه، بل والإنصراف كليّاً إلى مواجهة هذه المسألة وتداعياتها الكارثية !؟ لماذا لم يتخذ أولئك الذين انخرطوا سابقاً في العمل الشيوعي موقفاً حتى اليوم من هذه المسألة الخطيرة التي تتهدد حياة البشرية !؟

لماذا الدول الرأسمالية الكبرى ــ كما لا زالت توصف تعسفاً ــ هي نفسها الدول المدينة الكبرى؟ الجواب الوحيد لهذا السؤال الفيصل الذي تبنى عليه وحده كل الأفكار والتنظيرات السياسية الفاعلة اليوم بكل تبايناتها هو أن هذه الدول لم تعد تنتج بمقدار ما تستهلك ولذلك تضطر إلى الإستدانة كي توفر ما ينقصها. لئن كان هذا هو حالها فكيف توصف إذاً على أنها دول رأسمالية !؟ هل ثمة نظام رأسمالي لا ينتج أكثر مما يستهلك؟ ليس هناك مطلقاً مثل هذا النظام، فالنظام الرأسمالي يقوم أصلاً على الربح أي أن ينتج أكثر مما يستهلك. العملية الرأسمالية بجوهرها هي تحويل قوى العمل المتجددة يومياً في العمال إلى ثروة، إلى سلع وبالتالي إلى نقود. بدأ النظام الرأسمالي يرسي جذوره عميقاً في الأرض في القرن الثامن عشر ولذلك تغيًر العالم كله خلال القرنين الأخيرين (1750 ــ 1950) وتقدم في مختلف ميادين الحضارة أكثر بكثير مما تقدم خلال القرون الثلاثين السابقة بل وحتى منذ فجر التاريخ. ما كان ذلك ليكون لولا أن الإنسان توصل في القرن الثامن عشر إلى استغلال موارد الطبيعة أفضل استغلال من خلال استخدام أفضل أدوات للإنتاج وأكثرها فعالية بفعل الثورة الصناعية، بجانب الطاقة المعدنية كالفحم والبترول، وتوظيف معظم قوى العمل البشري المتاحة في الإنتاج. وهكذا فإن نظام الإنتاج الرأسمالي هو أغنى نظام إنتاج عرفته البشرية فيما قبل النظام الإشتراكي. وبناءً عليه لا يمكن أن يكون هناك دولة رأسمالية وميزانها التجاري يعاني من عجز متفاقم باستمرار كالولايات المتحدة التي عادة ما يساءُ وصفها منذ ما بعد إعلان رامبويية 1975 (Declaration Of Rambouillet) على أنها قلعة الرأسمالية الإمبريالية، بالرغم من أن الإمبريالية تعني تحديداً تصدير بضائع ورؤوس أموال فائضة عن حاجة السوق المحلية إلى بلدان أخرى، في حين أن الولايات المتحدة اليوم هي أكبر مستورد للبضائع ورؤوس الأموال. ولا يمكن أن تكون دولة رأسمالية إمبريالية وهي لا تستطيع كفالة عملتها، وهو رمز السيادة الوطنية، وتترك كفالتها لأعضاء مؤتمر رامبوييه ومن ثم للصين ودول الخليج النفطية. العداء للإمبريالية تحدّر في بعضهم ليصبح لوثة لا تساعدهم على تبيّن الأمور وإدراك حقيقة أن الزمن كان قد تعدّى الإمبريالية قبل أربعين عاماً، وأن الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 45) كانت قد فككت أكبر امبراطوريتين استعماريتين هما بريطانيا وفرنسا، وأن الولايات المتحدة بكل قدراتها المالية والعسكرية لم تستطع احتواء مواريث الإستعمار فكان أن انهزمت شر هزيمة أمام قوات الشعب الفيتنامي في العام 1974. مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية وتفكيك النظام الرأسمالي العالمي توطئة للإنتقال إلى الإشتراكية كان قد تطور بنجاح فائق حتى تفكيك النظام الرأسمالي الإمبريالي في سبعينيات القرن الماضي. هذا حقيقة بلجاء من لم يدركها بعد فهو ليس شيوعياً ماركسياً أو حتى مثقفاً عاماً على الإطلاق.

العالم كله لم يعد رأسمالياً، فإلى أين يأخذنا الذين ما زالوا يتحدثون عن التحرر الوطني والإمبريالية والعولمة الرأسمالية !؟ مثل هؤلاء القوم المتطفلين على العلوم الإقتصادية والسياسية يعينون أنفسهم قادة لمعارك وهمية دون أن ينتدبهم إليها أحد. معارك لا تُعرف ساحاتها ولا أسلحتها ولا الأعداء فيها وهوياتهم ! كنا نقرأ سرفانتيس ونشاركه السخرية من فارسه المسخرة دون كيشوت! اليوم الدونكيشوتات يسدون علينا كل السبل حتى بتنا نوشك أن نسخر من أنفسنا. يخصّون الولايات المتحدة بخصيصة الإمبريالية ويصمتون صمتاً مطبقاً على الدول الأخرى التي سبقت الولايات المتحدة في بناء النظام الرأسمالي مثل بريطانيا وفرنسا واليابان وليس ذلك إلا من باب الإعتراف الحييّ بأن هذه الدول لم تعد رأسمالية ولم تعد إمبريالية. وعندما يتنبّه هؤلاء الدونكيشوتات إلى المفارقة الكبرى التي يقعون فيها يبررون دعاواهم الكاذبة بأن الولايات المتحدة تتحالف مع الصهيونية في فلسطين وتحارب في العراق وفي أفغانستان. لكن ما شأن كل ذلك بالطبيعة الرأسمالية الإمبريالية؟ عندما كانت اسرائيل تقوم بوظيفة كلب حراسة الإمبريالية كانت بريطانيا وفرنسا من أصحاب التصريح الثلاثي الشهير في حماية إسرائيل في أيار 1950، واليوم وقد فقدت اسرائيل وظيفتها، إذ ليس هناك من إمبريالية لتحرسها، لم تعد علاقة أميركا بها كما كانت في السابق وكثيرا ما تمارس عليها ضغوطاً شديدة من أجل أن تتراجع عن مواقفها العنصرية المتطرفة، ويذكر في هذا السياق كيف أن الرئيس بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر قد جرّا رئيس وزراء إسرائيل، إسحق شامير، من رقبته لحضور مؤتمر مدريد لتسوية القضية الفلسطينية. ثم إن رعاية أميركا لإسرائيل لا تعني أن أمريكا ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية، فها نحن نرى اليوم دولاً مثل أثيوبيا وميكرونيزيا ترعى مصالح إسرائيل دون أن تكون رأسمالية أو إمبريالية. أما عن الحرب في العراق وفي أفغانستان فنحن لا ننسى مواجهة بيكر لطارق عزيز في جنيف عندما تحداه أمام أنظار العالم في بث تلفزيوني مباشر بأن يلفظ إسم الكويت فقط كدلالة على قبول العراق بحل سلمي لاحتلال الكويت، لكن عزيز رفض ولم يجرؤ على التلفظ باسم الكويت !! ثلاثون دولة شاركت في الحرب على العراق لتحرير الكويت فهل هذه الدول رأسمالية إمبريالية وبينها عدد من الدول العربية !؟ أما الحرب على أفغانستان فالمعتدي كان أفغانستان في حادثة البرجين، ثم إن الحرب كانت فعلياً استكمالاً للحرب السوفياتية ضد طالبان وتحرير شعوب أفغانستان من مثل هذه القوى الرجعية التي أنشأتها ورعتها السعودية والمخابرات الباكستانية وبتشجيع من الولايات المتحدة نفسها آنذاك.

لعل بعض القوم، واليساريون منهم بصورة خاصة، ومن باب العجز عن مواجهة كل هذه الحقائق، يتجرؤون على اتهامنا بالتطوع للدفاع عن أميركا الرأسمالية الإمبريالية. يقولون هذا دون أن يعلموا أنهم يقاتلون الطواحين الهوائية بسيوفهم الخشبية كما قاتل صاحبهم دون كيشوت. يجيشون المضللين بدعاواهم ويأخذونهم بعيداً عن الأعداء الفعليين ولكأنهم بهذا يعملون في خدمة هؤلاء الأعداء. عبثاً يخوض المقاتلون معاركهم قبل التعرّف على الأعداء. الأعداء الفعليون هم اليوم أميركا الأخرى وليس أميركا الرأسمالية الإمبريالية، بل أميركا المعادية حقاً للرأسمالية وللإمبريالية، أميركا التي استبدلت لبوسها واستبدلت راياتها وأسلحتها بل وجلدها أيضاً. لن يتعرف عليها الدون كيشوتات بالطبع كعدو لهم طالما أنهم يبحثون عن عدو بشكل آخر مختلف وبزي مختلف، عدو رأسمالي إمبريالي!! أميركا المختلفة زيّاً ولوناً اليوم انتقلت إلى ساحة أخرى بعيداً عن تلك الساحة التي يحتشد فيها أعداء الرأسمالية الإمبريالية.

في حربها الإستعمارية في فيتنام 1963 ــ 1974 استنفذت الولايات المتحدة كل قدراتها المالية والعسكرية. وفي العام 1971 وجدت إدارة نيكسون نفسها عاجزة عن الإنفاق على الحرب مما اضطرها إلى الإنسحاب من معاهدة بريتونوود كيما تتمكن من طباعة ما يلزمها من دولارات لا غطاء لها، وفعلت ما كان هتلر قد فعل لتمويل ماكينته الحربية ــ وما يجدر ذكره هو أن الدول الرأسمالية تعاهدت في بريتونوود 1944 على ألا تفعل ما كان هتلر قد فعل. انعكس انسحابها من بريتونوود بالطبع على سعر صرف الدولار في الأسواق العالمية مما اضطر إدارة نيكسون لأن تعلن تخفيضاً للدولار في العام 72 ثم تخفيضاً آخر في العام 73. في العام 74 وفي غمار أزمة عامة أمسكت بخناق الولايات المتحدة تبدت في انهيار متوالٍ لسعر صرف الدولار وعجز متفاقم في ميزانية الإتحاد كما في ميزان المدفوعات وانسداد آفاق التنمية بفعل فقدان مراكز الرأسمالية العالمية لمحيطاتها نتيجة لحركة التحرر الوطني العالمية، في غمار كل ذلك بدا واضحاً أن النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة بداية في سبيله إلى الإنهيار السريع. فكان أن استدعى وزير الخزانه في إدارة فورد وزراء المالية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان إلى مباحثات في واشنطن في ديسمبر 74 لينذرهم من أن انهيار النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة يعني مباشرة انهياره في بلدانهم أيضاً، وهذا بالطبع لم يشكك فيه أحد منهم.

الدول الرأسمالية الخمس الأغنى في العالم (G 5) تعاهدت على أن توحد مسعاها لتنقض حكم التاريخ القاضي بانتهاء صلاحية النظام الرأسمالي. اجتمع رؤساؤها في قلعة رامبوييه/باريس في 16 نوفمبر 75 (فاليري جيسكار ديستان/فرنسا، جيرالد فورد/أميركا، هارولد ويلسون/بريطانيا، هيلوت شميدت/ألمانيا، تاكيو ميكي/اليابان) وأصدروا إعلانهم التاريخي الشهير في اليوم التالي ليقرروا بعث الحياة من جديد في النظام الرأسمالي من خلال فتح الأبواب على مصاريعها أما التبادل التجاري مع الدول الإشتراكية، ثم إغراق دول العالم الثالث بالأموال السهلة، قروض ومساعدات، مما يمكنها من استيراد فائض الإنتاج في مراكز الرأسمالية ــ ومن شأن هذا أن ينعكس على تراجع مشروعات التنمية المستقلة في الدول المتحررة حديثاً وكان هذا هدفاً مستتراً ــ ويذكر في هذا السياق أن الديون الدولية قد تضاعفت أكثر من أربعين ضعفاً خلال ست سنوات فقط 1976ــ 82، إذ كانت في العام 1975 حوالي سبعين ملياراً فقط وغدت في العام 82 أكثر من ثلاث تريليونات.

في إعلان رامبوييه بدا واضحاً أن زعماء الدول الرأسمالية الخمس الكبرى كانوا في شك كبير على أن قراراتهم في تنشيط التجارة مع الدول الإشتراكية ودول العالم الثالث من شأنها أن تعيد الحياة لنظامهم الرأسمالي فيكونون بذلك الخاسر الأكبر في مواجهة قوى الإشتراكية وقوى التحرر الوطني. لذلك اتخذ هؤلاء الزعماء قراراً هو أخطر قرار في تاريخ البشرية وهو بمثابة فعل الموت الرحيم للنظام الرأسمالي. قرر هؤلاء السادة، غير المحترمين حقاً، إخراج نقودهم من الأسواق فلا تعود الأسواق رأسمالية تعمل بقانون القيمة الرأسمالية. عندما لا تخضع النقود لقانون القيمة في السوق فإنها تغدو مجهولة القيمة تحكمها مفاعيل أخرى مجهولة غير مفاعيل السوق، فلا تعود البضاعة حينئذِ تساوي النقود مجهولة القيمة ولا تلك النقود تساوي البضاعة. وهكذا تتعطل دورة الإنتاج الرأسمالي (نقد ــ بضاعة ــ نقد). البند رقم (11) في إعلان رامبوييه نص على أنه " ستبذل السلطات النقدية في الدول الخمس المشتركة ــ بالإضافة إلى إيطاليا التي انضمت في نهاية المؤتمر ــ كل جهودها لمقاومة كل تغيرات غير متوقعة في أسعار الصرف في أسواق العملات " هذا يعني تعطيل نفاذ قانون القيمة البضاعية على نقود هذه الدول لتصبح عملاتها مكفولة بتعهد هذه الدول مجتمعة بالحفاظ على قيمة نقودها دون أن تكلف نفسها بتحديد تلك القيمة عن طريق توفير الغطاء اللازم من الذهب أو الإنتاج البضاعي ولا بتحديد ذلك الغطاء. وهكذا أستبدل الغطاء المادي لهذه العملات (الذهب أو الإنتاج البضاعي) بغطاء معنوي عماده " الثقة " مجهولة القيمة ومجهولة الإيفاء. وبهذا لن تكون النقود سوى عملات مزورة.

انهيار النظام الرأسمالي بدأ في الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها بسبب أنها استنفذت كل قدراتها في مقاومة الشيوعية وفي الحرب الفيتنامية أخيراً. وهكذا كانت الولايات المتحدة الأميركية زعيمة العالم الرأسمالي والتي استنفذت نفسها في الدفاع عن النظام الرأسمالي هي التي ساقت الدول الرأسمالية الأغنى إلى مؤتمر رامبوييه الذي شرّع التعامل بالعملات المكشوفة إلا من تعهدات كلامية جوفاء لا تصرف في نهاية الأمر على الإطلاق. كان أول من خان تلك الثقة هو الولايات المتحدة نفسها إذ أخذت تصدر تريليونات الدولارات المكشوفة أي المزورة فعلاً دون حساب. وهناك مجموعة من الإقتصاديين الخبراء كانت قد قدرت قبل سنتين أن الولايات المتحدة الأميركية قد أصدرت منذ العام 1975 حوالي 600 تريليون من الدولارات ــ نتحفظ على مئتين أو ثلاثمائة منها، لكن أن تصدر الولايات المتحدة ثلاثمائة تريليون من الدولارات المزورة والتي لا تغطيها إلا الثقة فيمن لا يوثق به فهذا يعني بالضبط أنها تسرق العالم. مؤتمر رامبوييه حول الرأسماليين إلى لصوص. كان المركز الرأسمالي يتقدم ويغتني من خلال التبادل غير المتكافئ، بضائع مصنعة مقابل مواد خام. بعد رامبويية لم يعد الإمبرياليون إمبرياليين؛ توقفوا عن تصنيع البضائع، واستبدلوا ذلك "بتصنيع" النقود المكشوفة المزورة التي لا تكلفهم إلا الحبر والورق وتحول الإمبرياليون بذلك إلى لصوص ومزوري عملة. في الإمبريالية كان التبادل التجاري يحقق قسطاً من العدالة، أما اليوم فالدول التي كانت إمبريالية لم تعد تصدر إلى البلدان الأخرى سوى النقود المكشوفة المزورة المفرغة من كل قيمة. تنهب ثروات البلدان الأخرى مقابل لا شيء، مقابل نقود لا قيمة لها. لقد أخذت تحقق عوائداً أكثر بكثير من عوائد الإمبريالية. ومع ذلك فإن انقطاع عمالها عن العمل الرأسمالي وتحولهم إلى الطبقة الوسطى التي تنتج الخدمات انعكس في قصور حقيقي في الإنتاج المادي وفي الثروة الأمر الذي دفع بهذه الدول إلى الإستغراق بالاستدانة. الديون الأجنبية على الدول الرأسمالية سابقاً تقع في بندين، أولهما يتمثل بتراكم العجوزات المتوالية في ميزان المدفوعات، فمثلاً يصل العجز اليوم في الميزان الأميركي إلى نحو تريليون دولاراً سنوياً، وثانيهما ديون مؤجلة ومجهولة القيمة تتحقق تبعاً لمقادير العملة المكشوفة الصادرة عن الدولة المعنية وهي بمثابة سندات مستحقة الإيفاء دائماً وفي كل أجل.

نعود للسؤال الفيصل في المقدمة ونسأل . . حتى متى تتعاظم هذه المديونية وأين ستصب في نهاية المطاف؟ الدول التي تخلت عن نظام الإنتاج الرأسمالي وتحولت فيها الطبقة العاملة إلى طبقة وسطى متحررة من العمل المأجور لا تستطيع بحال من الأحوال أن تعود إلى الخلف، إلى نظام الإنتاج الرأسمالي. بناء عليه فإن الدول الرأسمالية سابقاً ستغرق في الاستدانة أكثر فأكثر. لئن كانت ديون العالم الرأسمالي سابقاً تزيد اليوم على 40 تريليوناً من الدولارات فهي ستكون بعد سنتين أو ثلاث أكثر من 60 تريليوناً وسيكون العالم كله مديناً بحوالي 90 تريليوناً من الدولارات. ثمة من يتساءل عن الجهة الدائنة طالما أن العالم كله مدين !! ليس هذا مهماً في تناول هذه المسألة الخطيرة، ما هو حدي وقاطع في هذا الشأن هو حقيقة أن مسار تطور حياة العالم منذ العام 1975 عندما كان مجموع الديون الدولية 70 ملياراً من الدولارات فقط وحتى اليوم ومجموعها 70 تريليوناً، أي بزيادة ألف ضعف هو مسار خاطئ دون شك وأن التطور الظاهر في حياة الشعوب هو تطور كاذب ومصطنع حيث أنه تحقق بثروة لا تملكها الشعوب أو الدول. المعالجة الدفترية لهذه المسألة هي أن ينتج العالم من الثروة ما يزيد عن إنفاقه خلال فترة محدودة بمقدار الدين المتراكم عليه، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا تخلّى العالم عن نمط الإنتاج السائد، وهو إنتاج الخدمات الفردي وعاد كله إلى نمط الإنتاج الرأسمالي، وهذا ما لا يسمح به التاريخ، أو تقدم إلى النظام الإشنراكي وهو عاجز اليوم عن إحراز مثل هذا التقدم.

كيف لنظام ينفق أكثر مما ينتج أن يستمر في الحياة ؟ العالم ومنذ سبعينيات القرن الماضي درج على أن ينفق أكثر مما يستهلك وهذا يتم فقط باستهلاك جزء من الثروات التي امتلكها العالم فيما قبل السبعينيات. هذه الثروات تناقصت حتى اليوم بما قيمته 70 تريليوناً من الدولارات وهو مقدار الدين. لكن موجودات العالم القديم محدودة في نهاية الأمر وستسهلك خلال سنوات قليلة؛ فكيف سيتدبر العالم أموره حينذاك ؟؟ تلك هي الكارثة الكونية التي ننذر منها. ولكن لماذا يبدي العالم قبولاً بالإنزلاق نحو الكارثة ؟ ما زال العالم يبدي قبولاً بالإنزلاق نحو الكارثة لأن الخيار البديل لذلك هو الثورة الإشتراكية، والطبقة الوسطى السائدة اليوم في العالم تفضل الفناء على الإشتراكية. أضف إلى ذلك أن سائر الدول في العالم ربطت عملاتها بالدولار وثوقاً بتعهد رامبوييه. لكن تعهد رامبوييه لا يصرف في الواقع مما يدفع بالولايات المتحدة إلى القيام بتغطية الدولار بغطائين متكاملين أولهما هو قبول عصابة الحزب "الشيوعي" الصيني الدولار كنقد حقيقي ذي قيمة وبذلك يغطونه بإنتاج العمال الصينيين المتعاظم، أضف إلى ذلك النفوط العربية، وثانيهما الغطاء العسكري فكلما أحست الإدارة الأميركية أن الدولار أخذ ينكشف ويضعف تسارع في البحث عن نظام متهالك كما كان في العراق وأفغانستان لتشن عليه حرباً فتستعيد ثقة العالم بسيادتها العسكرية المطلقة وهو ما ينسحب على دولاراتها أيضاً، ولذلك قرأنا الشعار على الدولار (IN GUN WE TRUST) بدل (IN GOD WE TRUST) . وهكذا تقوم الطبقة الوسطى في أميركا بحماية مسار الكارثة دون أن تتعظ من إنهيار النظام المصرفي لديها. تقود الولايات المتحدة العالم إلى الكارثة الكونية المتحققة في وقت قريب، أقرب مما يمكن أن يتصوره المتشائمون. ستكون الكارثة الطامة عندما لا تجد الولايات المتحدة الأميركية ما تستدينه من العالم بعد أن تكون قد استهلكت كامل الثروة التي اختزنها العالم الرأسمالي خلال القرنين 1750 ــ 1950 وحين ينكشف الدولار كعملة مزورة لا قيمة له وكذلك هي سائر العملات في العالم طالما أنها مرتبطة به. في الساعات الأولى من الكارثة ستتوقف الحياة، حياة الجنس البشري بكل تجلياتها.

إننا ننذر الجنس البشري وفي طليعته الإشتراكيون بأعلى صوتنا محذرين من مثل هذه الكارثة الكونية، وحق علينا أن نكرر قول من قال .. " إما الإشتراكية أو الفناء ". إياكم أن تدعوا الطبقة الوسطى تقود البشرية إلى الفناء !!



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور علي الأسدي يغطي على المرتدين والمحرفين السوفييت
- نهاية التجربة الإشتراكية لدى علي الأسدي
- كيف تخلَّقَ عالم اليوم
- - المسألة الستالينية - !!
- العدو الرئيسي للعمل الشيوعي اليوم
- الحزب الشيوعي اللبناني يطلّق الماركسية
- ثورة أكتوبر لم تفشل
- - حفّار التاريخ - يسأل أسئلة صعبة
- صيحة الديموقراطية الكاذبة
- البورجوازية طبقتان متايزتان (في البورجوازية العربية)
- الليبراليون لا يعرفون معنى الليبرالية (الحرية)
- تنويراً لأنصاف الماركسيين
- ليس في الماركسية ما يفشل ... لماذا؟
- الإشتراكية السوفياتية ليست رأسمالية الدولة
- رسالة من ستالين إلى الرئيسين روزفلت وتشرتشل
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (5)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (4)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (3)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (2)
- الرسائل الثلاث ودلالاتها . . .


المزيد.....




- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الكارثة الكونية الوشيكة (انهيار نظام النقد العالمي)