أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - سيرة المحموم الحلقة السابعة عشرة (17 ) كابوس في أوانه















المزيد.....

سيرة المحموم الحلقة السابعة عشرة (17 ) كابوس في أوانه


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3205 - 2010 / 12 / 4 - 17:22
المحور: الادب والفن
    


الحلقة السابعة عشرة من سيرة المحموم (17)
كابوس في أوانه

انا الآن غائب عن الوعي لكنني اود لفت انتباهكم الى ان أي غائب عن الوعي عندما يستعيد وعيه اول ما يتعلق وبضعف شديد بجملة استفهامية بسيطة منقوعة بالبراءة ولا علاقة لها بخبث الوعي ولا جهل الغائب عنه .
ـ اين انا؟
فيجيبه الذي بجانبه بعدما يرسم ابتسامة مصنوعة بغض النظر عن حسابات جودتها انت معنا نحن اهلك واصدقاءك، وهم متحلقين حوله ومتملقين ولا اعلم سبب هذا الملق الذي يبدو عليهم وليس مطلوباً ذلك منهم بالمرة لان للملق شروطه، القوة والضعف، صاحب حاجة ملحة امام من يملك توفيرها، ولكي يأخذ المتملق ما يريد يخفض جناح الذل ويفرده حول من يتملقه كما يفعل ذكر الحمام امام انثاه عندما يريد منها ان تبيض بيضة، أو ان موظفاً صغيراً يتملق مديره لكي يسعى لترقيته فتراه يهرع صباحاً ليشتري صحناً من القيمر العربي ويدعو مديره سراً لوجبة افطار طارئة اثناء الاستراحة، كل ذلك الذي وصفته شبه ما يفعله الذين يعودونني وانا ضعيف وخائر القوى وهم اسوياء وبقواهم الكاملة ولكنهم لا يقترفون قلقهم من اجلي.
اذن، لمن هذا الملق، اعتقدت دائما انهم رموه في وجهي باعتباري مرآة عاكسة ستكون مصقولة اكثر في لحظات ضعفي لأقوم بدور العاكس لهذا الملق الذي يؤديه بعضهم لبعض، انا مجرد وسيط بينهم اتلقى وارسل..
ان كل الذي قلته لا يمت بصلة لحالتي ، فأنا غائب عن الوعي ولم استقيظ بعد ما ضير ذلك ليمارسوا ملقهم ، فأنا وان كنت مغشياً علي لكنني اصلح كمرآة عاكسة تفي بالغرض.
حسناً ، انا غائب عن الوعي رأيتني بغيبوبتي موثقاً على كرسي الحلاقة بحبال متينة لدرجة انني عندما تفقدت متانة تلك الحبال رشح شعوري بأنني لن اسقط من ذلك الكرسي الذي يطير بي متقلباً في الفراغ المظلم هابطاً الى ما لا نهاية،.. والى الابد لابد انكم جربتم هذا الغور اللذيذ عندما تهبط بسرعة نحو منحدر أو ربما ركبتم ذاك القطار الافعواني في مدينة الالعاب قبل نهبها في الهياج المجمعي ، حيث ذلك الشعور المثير الذي تدفع مالاً من اجل الاستمتاع به، هذا ما كنت اعايشه اثناء هبوطي المستمر وغير المنقطع والسريع جداً تحول شعوري الى نوع من القلق ، حيث احدثكم من موقعي الهابط دوماً الى حضيض ما لا اعلم بعد أي حضيض، لكنني متأكد من شيء واحد وهو هبوطي السريع والمريع معاً شعرت في هذه اللحظة بخوف شديد ، بل وهلع مطلق.. يشبه ما يشعر به المتردي من علو شاهق بسرعة كبيرة بعد اللحظات التي تفصله عن ارتطامه بالارض وتمزقه إرباً في اية لحظة.
اغمضت عيني، واديت الشهادتين وأديت التزامات خاصة بأمور تتعلق بطقس داخلي كنت دائما امارسه في الملمات، وقرأت آية الكرسي انا شخصياً جربت نفع ذلك، وأمور اخرى متعلقة بالنوايا الحسنة على اعتبار ان النية أصل العمل وجذره مسلماً أمري لمصيري المبهم حد الوضوح منتظراً تلك اللحظة التي تمثل يقيناً خارقاً بالنهاية المروعة وتخيلت خلايا جسدي تتألم كلٍّ على حدة... ونثار لحمي يرتجف مثل ما يفعل لحم الحيوان المسلوخ تواً.
طال عذابي، ولم تأت هذه اللحظة وسقوطي نحو قاع مجهول مستمر بنفس السرعة والروع، كاد قلبي المصنوع من الصفيح أن يتوقف لكنه كآلة لا علاقة له بذلك، انما تفعل ذلك قلوب الاسوياء ، اما هو فمصمم على الاشتغال بما يعينه فقط، اما الاحاسيس فتصدر من دماغي، خوفي كذلك من دماغي يصدر وهو ينفجر من انتظار لحظة التفلطح، تخيلت نفسي كبصقة تفلطحت على بلاط ابيض لا ادري وانا في تلك اللحظة كيف تسنى لي اختيار لون البلاط الذي سأكون بصقة عليه، الا انه خوف قصير المدى هائل الكتلة يتمدد ويتمدد بفعل دوام ضغط الانتظار للحظة الارتطام المريعة وكلما استمر زمن سقوطي المريع وتكرر الطرق بمطرقة التوقع باني سأرتطم وأتفلطح على سطح صلب كلما اتسع خوفي وتمدد حتى اصبح بحجم الكون وبدأت كتلته تنتشر وتتوسع حتى امست كالبالون الهائل وعند هذه النقطة بالذات بدأت أهمية الخوف تتراجع.. من ثم تنحسر في نطاق متناقص وتتجه نحو الاعتياد والألفة، بدأ خوفي اليفاً كقطة صغيرة رغم تمدده الواسع وتحوله الكوني واكاد اسمع نفسي تموء مثل تلك القطة الصغيرة، لكن سقوطي مستمر الى قعر لا نهاية له ، تملكني شعور بالراحة والرضا بعد توقفي عن التوقع والتحسب حتى انني تمنيت ان يستمر هذا السقوط المريح بعد ذهاب الروع، صار الآن كلعبة، مريحاً .. مخدراً.. لان لحظة الارتطام اقصيت عن الصورة، وانزاحت جانباً ولم تعد امامي..
خلعت خوفي ورميته كما اخلع قميصاً وارميه صار سقوطي اليفاً.. وشاملاً كالكون وصرت جزءاً منه ، لذا احسست براحة غير محسوبة سلفاً وغير متوقعة ابداً ولم يجر الاعداد لها في الرأس، شعرت في مثل هذا الموقف كشعور من يربح جائزة لم يشارك في برنامجها ولم يتوقعها ابداً ولا وجود لفكرتها في رأسه ولم يسع اليها مطلقاً..
يحدث ذلك احياناً في برامج تلفزيونية ، حيث يأتيك رجال مهذبون يخبرونك بكل أدب وانت ساهٍ تفكر بمشكلة عصية على الحل.. ويقولون.. نهنئك ياأخ لقد فزت تواً بجائزة البرنامج..
نحن كادر البرنامج الفلاني.. تتوقع ان يناولك احدهم مظروفاً صغيراً او علبة صغيرة تمثل الجائزة، لكن بدل ان يحصل ذلك تتوقف شاحنة كبيرة على الرصيف ينزلون منها اثاثاً فاخرة حتى تفرغ تماماً.. غرفة نوم، كراسي مائدة، اجهزة طبخ ، اجهزة الكترونية ، حاسوب شخصي، وكلها من علامات أصلية، باغلفتها التي لم تفتح .. قط، يقولون لك هنيئاً لك كل هذا ، لقد ربحت هذه الاشياء تواً..
تقول لهم في داخلك طبعاً .. لماذا؟
سيقولون ذلك لانك كنت واقفاً على هذه البلاطة التي حددها البرنامج سلفاً ، ثم يتركونك مع الجائزة على الرصيف وانت محتاس في حيرتك ، ومن بعيد يؤشرون لك وداعاً.. ماذا تفعل تأخذك الدهشة اولاً، ثم يغزوك التوجس من انهم ربما يمزحون معك وان كامرة خفية ترصد تحركاتك وردود فعلك.. ثم يقربون الكاميرة على اندهاشاتك كي يستمتع جمهور البرنامج، لكن عندما تتفحص الموقف تجد انك وحدك في الشارع مع كل هذه الاشياء، يذهب خوفك وتوجسك وتجلس على كرسيك الذي ربحته للتو براحة تامة وسعادة آتية اليك، كما (رش) الماء البارد في يوم صيفي لاهب بعد ذلك تتملكك الحيرة، ماذا تفعل لم تكن مستعداً لهذا.
هذا ما كنت اشعر به عندما ذهب خوفي من السقوط والموت الذي يتربص بي كل لحظة اعتدت على ذهاب الخوف وولجت مرحلة الراحة رغم ان الكرسي لازال يهبط بنفس السرعة، ثم اتت الحيرة، انا في حيرة من امري السقوط لا يتوقف وتحول شعوري بالراحة الى سأم قاتل حتى صرت اتمنى ما كنت اخشى وقوعه، ارتطم بشيء ثم ينتهي الموضوع لكن سقوطي استمر دون توقف، لم اعد مهتماً بالحبال التي تربطني بالكرسي وتوقفت عن تفقدها، ثم اطبق صمت على الموضوع برمته شمل ذلك الصمت روحي وعقلي وانسحب وعي الرؤية الداخلي واختفى المنظر تماماً ولا ادرِ الى أي مدى كان سقوطي المستمر في هذه الحلكة وفقدان الشعور، لا علم لي كم مر علي هذا الفراغ الممسوح من وجودي، استقيظت وجدت نفسي بالمشفى عينه وقد عملوا عملية على عجل اثر انسداد احدى فتحات مضخة قلبي الصفيح وكان سقوطي المستمر والمريع يتأثر المخدر القوي الذي زرقت به طوال عمري وقد ربطوا معصمي وساقي على عوارض السرير لانني كما قالوا كنت اصرخ واتلوى من الألم.. ولخوفهم من ان تنفتق خيوط العملية ربطوني على هذه الحال..
اما في هذه اللحظة فان فعل مخدر البثادين جعلني كالنمر المخدر لا يستطيع هز ذيله ، مددت عيني نحو الشبح الماثل امامي فوجدته الطبيبة المتدربة فاطرة قلبي السابق اصبحت طبيبة ممارسة، وقد شاخت قليلاً وغزا وجهها ذلك المرض الجلدي المقرف الذي يجعل الوجه بلونين اسود ووردي فاقع ، كان وجهها ابقعاً اشفقت عليها لكنني لم استطع مسامحتها لانها تعمدت سحق قلبي وتنصلت عن فعلتها تنصل العاهرات عما فعلن قبل قليل في دهاليز السوق الضيقة المليئة بالباعة والنشالين والقوادين وامكنة الفجور وعندما خرجن الى شارع المعارف، اقصد الشارع الذي يعرفهن فيه المعارف والذي يحتمل ان يلتقين بواحدة منهم يقابلنه دون خوف او وجل او خجل ودون ادنى شعور بالعار ، بل توحي لمن يعرفها بفخر أصيل لتمكنها بجدارة من اقصاء فكرة عهرها عن معارفها ولان هذا الذي قابلته انطلت عليه لعبة الفخر فأحسست بفخر حقيقي لقدرتها على انتاج فخر مزيف مقبول في السوق كالورقة النقدية المزيفة بدقة لينطلي زيفها على الصيارفة انفسهم لكنني بالرغم من كل تلك الموهبة الفذة اعرف انها عاهرة.. ان الفجور والعهر موهبة أصيلة كما ان التقوى والعفة موهبة ايضاً.. على الاقل في النصف الشرقي من الارض، لانني لم ولن اذهب الى ذلك النصف الآخر وسأموت في نصف الكرة الشرقي..



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتظارات
- طيف من زمن بعيد-قصيدة
- الحلقة السادسةعشرة من سيرة المحموم (16)
- أسئلة-قصيدة
- تقاسيم على نصف وتر- قصيدة
- الحلقة الخامسة عشرة من سيرة المحموم (15)
- طرق على صفيح فارغ
- الحلقة الرابعة عشرة من سيرة المحموم(هذيان في يقظة) (14)
- أيام و أحزان- قصيدة
- الحلقةالثالثة عشرة من سيرة المحموم( الهذيان السادس)
- بم التأسي- قصيدة
- الحلقة الثانية عشرة من سيرة المحموم( الهذيان الخامس)
- تراتيل من زمن مضى
- الحلقة الحادية عشرة من سيرة المحموم
- رشد المجتمع
- الحلقة العاشرة من سيرة المحموم( الهذيان الرابع)
- صديقي الأبلق
- الحلقة التاسعة من سيرة المحموم (9)
- صندوق البريد رقم 66
- الحلقة الثامنة من سيرة المحموم في زمن الحمى (8 )


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - سيرة المحموم الحلقة السابعة عشرة (17 ) كابوس في أوانه