|
حدود التصورات العقلية في الإسلام
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 3172 - 2010 / 11 / 1 - 07:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العلم في الإسلام ، هو ثمرة العقل ، كما يرى أبي حامد الغزالي ، والمقصود بالعلم هنا ، العلم الشرعي المستنبطة أحكامه وقواعده من النص (القرآن) وليس ذلك العلم التطبيقي (التجريبي) الذي يضع البرهان (المقدمة) في خدمة التجربة (النتيجة) . إن المقارنة بين العلم الشرعي – كما يراه رجال الدين – والعلم التطبيقي ، لا بد منها في سياق هذا البحث التحليلي ، لمعرفة دور العقل وحدوده في إطار فهم النص الديني والتفاعل معه ، طالما أن العقل هو القاعدة العريضة التي يرتكز عليها البناء العلمي . العلاقة بين العلم والعقل ، علاقة قائمة على التبعية والجبرية من جانب ، وعلى التكامل والتقاطع من جانب آخر ، في مختلف المراحل والمجالات التي يكون فيها الإنسان أحد عناصرها الرئيسية . ولمناقشة التصورات العقلية وحدودها في الإسلام ، لابد أولاً من شرح العلاقة بين العقل والعلم ، قبل الانتقال لفهم تلك التصورات العقلية ، سيما وأن شرح تلك العلاقة يوصلنا إلى فهم أدق وأعمق لحدود العقل داخل الإسلام . ولشرح العلاقة بين العقل والعلم ، ينبغي طرح التساؤلين التاليين . التساؤل الأول : ما هو نوع العلم المراد بحثه في سياق العلاقة مع العقل ؟. التساؤل الثاني : ما هو تعريف العقل الذي يقوم عليه العلم ؟. إن الإجابة الموضوعية عن التساؤلين السابقين تفسح لنا المجال أكثر أمام التعمق في فهم حدود العقل وتصوراته المنطقية ، ويمكن لنا تحديد الإجابة من خلال النقاط التالية ، وذلك تبعاً لفحوى العلاقة بين العقل والعلم . أولاً : نوع العلم حسب المفهوم الديني . أ - العلم الشرعي مصدره النص (الوحي) وبما أن مصدر الوحي ( الله ) فإن الإنسان لا يملك منه سوى القليل ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85] وهنا تغدو العلاقة بين العقل والعلم ، علاقة تابع (العقل) بمتبوع (العلم) كما في نص الآية (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) [النساء: 113] . أما الدور المنوط بالعقل في سياق تلك العلاقة ، فإنه يظهر محدوداً ومحصوراً في سياق الطاعة والاستجابة ( تلكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة :229] والأبعد هذا من النطاق ، نطاق الطاعة والتبعية للنص باعتباره مصدر العلم ، بحيث يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك والريبة ، عجز العقل ضمن الحدود التي وضعها الإسلام فيما يختص بعالم الغيب (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء) [البقرة :255 ] ب - العلم الشرعي دليل العقل ، وليس العقل دليل العلم الشرعي ، وهذا تأكيد للعلاقة التبعية التي تربط العقل بالعلم الشرعي ، فدليل العلم الشرعي في سن الأحكام ، هو الشرع نفسه ، أي النصوص الشرعية ، فالذي يُحكّم الشرع هو الشرع وليس العقل ، باعتبار أن القوة التي تُحكّم العقل وتقف وراءه ، هي قوة الشرع ، فكيف للعقل أن يسابق تلك القوة أو يجاريها على أقل تقدير ، فلو كان للعقل نصيب في تحكيم العلوم الشرعية التي تشكل بمجموعها ما يطلق عليه اصطلاحاً (الفقه) لوجدنا للعقل دور أكبر ومساحة أوسع في فهم القضايا التي تتصل بالعقيدة ، عملاً بالمبدأ الآتي : لا عقل كامل بلا شرع ولا شرع كامل بلا عقل ، أو كما في نص الآية (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك : 10 ] ثانياً : نوع العلم حسب المفهوم العلمي . أ - العلم التطبيقي ومصدره موجودات الطبيعة ، مجاله التجربة ، حيزه العقل ، وهنا تتمظهر العلاقة بين العلم والعقل في سياق التوازن التام بين دوريهما في مجال رصد الموجودات والحكم عليها بنفعها أو ضرها . ب - ليس ثمة صلة أو رابط بين العلمين التطبيقي والشرعي ، وعلاقة كلاهما بالعقل ، فالعلاقة مؤكدة بالدليل والبرهان ، سواء كانت علاقة تكاملية متوازنة ، كما هو الحال في العلم التطبيقي ، أو علاقة تبعية جبرية ، كما هو الحال في العلم الشرعي ، وما ينفي تلك العلاقة بين العلمين ويستبعدها نهائياً ، ليس العقل بجوهره العام ، إنما الحيزات والفضاءات التي تسبح فيها أو تدور في فلكها ، فحيز العلم التطبيقي هو المادة التي تتيحها الطبيعة ، ويمكن تسميته بالفضاء الأرضي إذا جاز التعبير ، في حين أن حيز العلم الشرعي هو النص الذي يتيحه ( الوحي = الله ) ضمن ما يمكن تسميته أيضا بالفضاء السماوي . ثالثاً : تعريف العقل حسب المفهوم الديني . ثمة تعريفات عديدة منها تعريف ابن منظور كما ورد في لسان العرب . • العقل هو الحجر و النهي ضد الحمق . تعريفات الانباري • العقل هو التثبت في الأمور وتقليبها . • العقل هو نهي الإنسان وحبسه عن التورط في المهالك . • العقل هو حبس النفس وردها عن هواها ، بما فيه حبس اللسان ومنعه من الكلام . تعريفات الفيروز أبادي كما وردت في قاموس المحيط • العقل هو العلم بخير الخيرين وشر الشرين ، أو مطلقٍ لأمور القوة يكون بها التمييز بين القبح والحسن ، أو لمعانٍ مجتمعة في الذهن يكون بمقدمات يستتب بها الأغراض والمصالح ، أو لهيئةٍ محمودة للإنسان في حركاته وكلامه . تعريفات مرتضى الزبيدي ( تاج العروس ) • العقل هو الحجر والنهي كما في الصحاح والمحكم . • العقل هو العلم بصفات الأشياء ، وهو ضد الحمق . فمن رحم هذه التعريفات المتعددة والمتنوعة في تناولها للعقل من زاوية دينية صرفة ، ثمة تقارب منقطع النظير بين كل هذه التعريفات ، رغم المدة الزمنية الطويلة بين كل تعريف وآخر ، إلا أنها تصب جميعاً في خانة واحدة ، وهي تبعية العقل للعلم من جهة ، وضبطه وحبسه وحجره ضمن الحيز الديني من جهة ثانية . رابعاً : تعريف العقل حسب المفهوم العلمي . أ - العقل لدى الفلاسفة • العقل هو القدرة على إدراك الصور الكلية والماهيات المجردة إدراكاً مباشراً وصورة توحد بينه وبين جميع أفراد النوع . • العقل جوهر بسيط مدرك للأشياء بحقائقها . • العقل هو الآلة التي يستطيع من خلالها الإنسان أن يتفكر ويتأمل في البحث عن المعرفة ، التي من خلالها يستطيع الكشف عن ماهية الأشياء والكشف أيضاً عن خفايا الطبيعة التي تحيط به من ظواهر قد يجدها غريبة في بعض الأحيان وقد لا يجدها كذلك أحياناً كثيرة ، كما أن العقل ليس شيئاً غير التجارب ، ومهما كانت هذه التجارب أكثر ، كانت النفس أتم عقلاً . • العقل جوهر روحي قائم بذاته مستقل عن غيره ، وهو فطري أولي ، بل هو أساس الوجود < ديكارت >. • العقل هو استرجاع المعلومات الواردة عن الحواس والتفكير ثم المقارنة بينها والتأليف بين مختلف أجزاءها < جون لوك > . وما تجدر ملاحظته هنا ، التقارب العميق الصلة بين العلم الشرعي والعقل حسب المفهوم الديني ، وهو تقارب يضع العقل ضمن أفق التصورات المحدودة التي يحددها الإسلام كعقيدة دينية ، كما يمكن ملاحظة التقارب الآخر بين العلم التطبيقي من ناحية ، والتعريفات المتعددة للعقل من الوجهة الفلسفية من ناحية ثانية . إن المقارنة الموضوعية بين العلمين الشرعي والتطبيقي ، وتحديد علاقتهما بالعقل من خلال السياقين التاليين : 1- سياق النص (الوحي) بما يعني الطاعة والإلزام والجبرية في إطار عالم الغيب . 2- سياق التجريب بما يعني رصد الظاهرة وملاحظتها في سياق التجربة ومن ثم استنتاجها في إطار الحقيقة أو الواقعة العلمية . تلك المقارنة من شأنها أن ترسم الحدود وتضع التصورات التي من خلالها تتحدد حركة العقل في هذين السياقين المتضادين اللذين يعاكس إحداهما الآخر .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل ( كجوهر ) إسلامي
-
إسلام بلا عقل !
-
عقل بلا إسلام !
-
طل الملوحي و أكاذيب النظام السوري
-
اليوم العالمي للشاعرة طل الملوحي المغيبة في المعتقلات الأسدي
...
-
طل الملوحي .. الألم والأمل
-
كلنا طل الملوحي
-
ماهية العقل الإسلامي
-
إسرائيل تحاسب نفسها
-
بين عقلانية العرب وإسرائيل
-
لسنا بحاجة إلى العلمانية !
-
منع النقاب في سورية : ماذا عن الطائفية ؟
-
جاهلية الإسلام أم جاهلية العرب ؟
-
العلمانية ليست نقداً للدين
-
لماذا يبدع العرب في إسرائيل ؟
-
أحقاً اهتزت صورة إسرائيل ؟
-
الطائفية في سوريا : رؤية من الداخل
-
الإسلامافيا
-
العلاقات الكوردية المصرية : آفاق المستقبل
-
في تأمل طائفية النظام السوري ونقدها
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج
...
-
حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين
...
-
قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا
...
-
العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي
...
-
مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى
...
-
مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
-
الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد
...
-
لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة زبدين في مزارع شبعا
...
-
تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون
...
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|