أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)















المزيد.....



ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 22:36
المحور: الادب والفن
    


عندما استفاق(خير الدين)من نومه،كان مسكوناً بفزعٍ استثنائي،رغم الجفوة التي لازمته،ظلّ يتمتع بنوم كافي،يمنحه راحة بال،وينسيه الجفوة التي ظلّت تلاحقه في يقظته ومنامه،لم يحصل أنّه نهض من نومه في الليالي التي انصرمت،رغم قوة الصدمة،وشراسة الندم الذي لم يبرحه مذ وقع في فخ صولة جماعية غير موفقة،كلفته ورهطه نزف كامل جرأتهم..!!
***
نومه المبكر في تلك الليلة كان وراءه دافعاً جهل مصدره،نعاس حاد باغته ونام،ما أن ألقى بجسده على السرير،عبثاً جاهدت(بدرية)أن تثير غريزته،حاولت أن تستنهض أفاعي الرغبة فيه وفيها،لم تمل،فهي كل ليلة تصرف ساعة أو ساعتين،من غير فقدان أمل،تعجن الكائن الفاقد حسّه،تشعر بتعب ولا جدوى،ترخي جسدها على السرير لتغط في نومٍ عميق،واصل الفشل تبديد رغبتها الحيوانية منذ أشهر لتحقيق مواقعة واحدة معه،فهي تعرف الدوافع الخفية وراء همود رجولته،وفقدان كامل جرأته،مذ غادر البيت في ليلة ثقيلة،عاد صباحاً متهالكاً كأن العالم كله يقعي على كتفيه،شيء لم تكن صاحبة الإرادة فيه،واقعة جماعية مشهودة حصلت لكل نساء البلدة ورجالها،وحصل جفاف إجباري لأحشائهن على مضض،وشرخ تام لإرادة أزواجهن..!!
***
بقى(خير الدين)للحظات في سريره،في محاولة أسكان روعه،كي يمسك خيط أرادة مسلوبة قبل أن يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله،قام وتوجه إلى غرفة البيت العلوية،كانت(بدرية)نائمة،تواصل شخيرها الأبدي،بجسدها المترهل وشعرها المتناثر بفوضوية في سرير نومها،قام وألقى عليها نظرة بدت غريبة بعض الشيء،رآها(بقرة هرمة)،أبتسم لحظة تذكر دعاءه المتكرر يوم كانت تلاحقه وهو شاب صبور لا تلهيه ملذات الدنيا صائماً اثنينه وخميسه،كان يردد على مسمعها:(أللهم أجعلها في عيني بقرة)، واصلت(بدرية)ملاحقته حتى أسقطته بعلاً في مملكة حلمها،هز رأسه قبل أن يصعد سلّم الفناء متوجهاً إلى غرفة المحتويات الفائضة،والمهملات المتهرئة،دخل الغرفة،كان الظلام دامساً،توجه بغريزته الكلبية التي لا تخطئ نحو الفراش القديم المتراكم فوق صناديق الشاي العتيقة،مد كفه،سحب مسدسه الشخصي،ضرب عليه بباطن كفه اليمين،شعر باختناق تام جراء الغبار الذي تناثر،عاد وألقى نظرة أخرى أطول من النظرة السابقة،كانت(بدرية)قد تشقلبت في فراشها،كاشفة عن فخذين مكتنزين متلألئين تحت رقصات ضوء الفانوس،سحب الملاءة ساتراً عورتها المنتفخة،هز رأسه مثلما فعل في المرة السابقة وتوجه نحو باب الفناء الداخلي،فتحه بتلصص،صفع وجهه هواء لاسع،توجه نحو باب البيت،فتحه،سحبه وراءه بهدوء وراح يشق مسارب الظلام..!!
***
لم يمشِ(خير الدين)سوى عشر دقائق،واجهه جسدٌ أسود يمشي باتجاهه،توقف الجسد ووقف هو،تقدم القادم الغريب منه،وقف أمامه،شعر أنه سحب شيئاً وقدمه إليه:
ـ خذ أيها الرجل..!!
عرف الصوت جيداً،شعر بذبذبات الخوف تتوارى من جسده..أجابه:
ـ ما الذي أخرجك في هذه اللحظة يا(نور الدين)..!!
ـ أهذا أنت يا(خير الدين)..!!
ـ كما تراني..!!
ـ حسناً فعلت بخروجك في هذا الوقت الملائم،أنا منذ ساعة أبحث عن شخصٍ يمتلك ذرّة جرأة..!!
ـ وأنا أيضاً أبحث عن رجل يمتلك بقايا جرأة..!!
ـ لا..لا..أرجوك..أنا من يبحث عنه.
ـ حسناً لم تطلب صاحب جرأة.
ـ كي يخلّصني من محنتي..
ـ لا..لا..يا(نور الدين)،أنت ستقوم بالمهمة التي خرجت من أجلها.
ـ وما هي مهمتك يا صاحبي.
ـ أن تقتلني.
ـ حسناً ما دام لنا نفس الرغبة،لنجد حلاً يرضينا ويحقق رغبتينا.
ـ أي حل تقترح.
ربما نحتاج لبعض الوقت،علينا أن نمشي قليلاً..!!
سارا في الظلام،كلاهما يحملان المسدس،توجها نحو النهر،كانت النجوم بخجلٍ ترسل مناشير الضوء إلى البلدة التي بدأ يستفيق رجالها،أجساد سود تتحرك في الظلام،تتجابه وتتجاذب بحوار مشحون قبل أن تبدأ المشي معاً باتجاه النهر،بعد مرور نصف ساعة كانت ضفة النهر تضج برجال البلدة..صاح صوت متحشرج:
ـ أيها الرجال،سيهل النهار علينا،علينا أن نجد الحل ونحقق رغباتنا.
أجابه صوت:
ـ أصبحنا مائتي رغبة،من يمتلك الجرأة لتحقيق حلمنا الكبير.
صاح صوت آخر:
ـ وجدت حلاً مناسباً.
اندفعت إليه الأجساد السود،صاحت الأصوات متداخلة،فتعذر عليه أن يدرك ماذا قالت الأفواه المائة وتسعة وتسعين..قال:
ـ أحدكم ينوب عن البقية.
حدث لغط صوتي قبل أن يحل صمتاً شاملاً،تقدم منه أحدهم..قال:
ـ ما هو حلك الملائم.
ـ أن نقتل بعضنا بعضاً.
قهقه(خير الدين)وقهقه الجميع وراءه،تقدمت الأجساد وأحاطت به..قال أحدهم:
ـ لم قهقهت يا(خبر الدين)..!!
صحح صوت:
ـ (خير..خير..خييييييييييييييييير الدييييييييييييين).
أجاب(خير الدين):
ـ لنفترض بدأنا قتل بعضنا بعضاً،مائة تقتل مائة،ثم خمسون يقتلون خمسون،ثم خمسة وعشرون يقتلون خمسة وعشرون،ثم أثنا عشر يقتلون أثنا عشر،ثم ستة تقتل ستة،ثم ثلاثة تقتل ثلاثة،ينضم الذي أنتظر دوره من الخمسة والعشرين إلى الثلاثة ليقتل اثنان اثنان،واحد يقتل واحد،يبقى واحد منهما،من يا ترى يحقق حلمه..!!
أجابه صوت:
ـ يبدو أنك نسيت،البلدة فقدت الجرأة يا(نور الدين).
تداخلت أصوات الأفواه،وحصل ضجيج عارم،قبل أن يحل الصمت من جديد..أجاب(نور الدين):
ـ وجدت الحل النهائي.
استدارت الأجساد نحوه،بدت الأفواه غير راغبة عن التفسير..أردف:
ـ ألسنا نخوض حرباً مع البلدة(أم الجنادب).
همهمت الأفواه معاً،وتحمست الأجساد السود،هدأ الجميع..قال(خير الدين):
ـ لقد تأخرنا كثيراً،سيطلع النهار على بلدتنا وتكتشف نساءنا رغبتنا ونفشل في تحقيق أمنيتنا الموحدة..!!
سارت الأجساد السود تشق مسارب الظلام،كانت الكلاب تنبح متوحدة،والحمير تنهق بشكل غير وارد في تاريخ بلدة(أم الضواري)،وبدأت الديكة تفضح الغمامة المتراكمة حول النهر والتي بدأت تمشي،عبروا التلال وعبروا الوديان،صوت أقدامهم وهي تضرب الحصى والتراب في إيقاع غاضب،يمتد أمامهم كدليل مخضرم،عالم بعلوم خرائط الطرق وحركة الأفلاك..قال(نور الدين):
ـ يا رفاق الرغبة الموحدة،حين ندخل أرضهم،نقذفهم بأقسى الشتائم،يجب أن نغضبهم كي يجندلونا معاً،ونتوحد في موتنا.
صاح صوت لاهث:
ـ لنسحب أقسام مسدساتنا ونرميها إليهم كي يقتلونا بأسلحتنا.
وصلوا مشارف البلدة،تجمدت أوصالهم،وراحت عيونهم تكتشف رغم الظلام الحالك غمامة سوداء زاحفة نحوهم من جهة(أم الجنادب)..قال صوت:
ـ أرى أنّ عاصفة مغبرة جديدة هبّت علينا.
أجابه صوت:
ـ أنّي أرى كلابهم شمّت رائحتنا فهبت علينا.
ـ ليت ذلك يحصل لتمزقنا قبل أن يهل النهار علينا..(قال أحدهم).
ـ لكنني أرغب بطلقة مسدس،تلك هي رغبتي..(أجابه صاحبه).
ـ ما الفرق،المهم هو الموت..(قال أحدهم).
ـ أسنان الكلاب قاسية،ربما تنهش بعض أجسادنا وتتركنا أشلاء غير مائتة..(قال آخر).
ـ سنغضبها كي تقضي علينا..(ردّ أحدهم).
تقدمت الغمامة السوداء،أصبحت على مرمى حجر،فجأة انكشفت عن أجساد بشرية سود قادمة وهي تلهث وتأن متوجعة من مشقة السير،وقف المعسكران على مقربة من البعض،تقدم جسد ضخم من معسكر(أم الجنادب)ووقف أمام معسكر(أم الضواري)..صاح:
ـ أيتها الكلاب الجرباء..أيتها الوحوش المتفسخة.
صمت معسكر(أم الضواري)..همس صوت:
ـ ليغضبهم أحدنا كي يهجموا علينا.
تقدم(نور الدين)..صاح:
ـ أنسيتم ما فعلنا بنسائكم،أم أنتم بلا غيرة عليهن يا عديمو الرجولة.
تقدم الجسد الضخم ووقف على مقربة عشرين متراً وهو يصرخ:
ـ تعادلنا في تلك الواقعة،هتكتم أعراضنا وهتكنا أعراضكم،لكننا هتكنا أعراضكم فيما بعد ولم تحققوا التعادل إلى يومنا هذا.
صاح(نور الدين):
ـ أنتم قردة بلا رجولة.
أجابه:
ـ أنتم خنازير..أنتم ديّوثون.
ـ لا يجدي بنا أن نواصل النباح في وجه بعضنا،جئنا لنصفي حساباتنا الأزلية.
ساد الصمت من جديد،عاد الرجل إلى فصيلته وعاد(نور الدين)إلى جماعته كي يتشاورا مع رهطيهما في الأمر..!!
قال(خير الدين)لفئته:
ـ لنعلن الحرب..رجلاً لرجل.
أجابه(نور الدين):
ـ هي فكرة صائبة،ولكن ماذا لو تمكنا منهم جميعاً،ومن يقتلنا فيما بعد.
ـ يا رجال لا تصوبوا عليهم مباشرة،لنتركهم يصوبون مسدساتهم علينا ويقتلونا،أرموا في الهواء.
تقدم(نور الدين)كونه صاحب صوت صادح..صاح:
ـ يا كلاب..لنتبارز رجلاً لرجل.
جاءه الصوت القوي:
ـ هذه فكرتنا أيضاً.
تقدم رجلان من المعسكرين،وقفا على مقربة عشرين متراً من بعضهما،بدءا بإطلاق النار،أفرغا مخزني مسدسيهما،لم يمت أحدهما..(صاح نور الدين):
ـ لنجعل المسافة عشرة أمتار.
جاءه الصوت القوي من المعسكر الآخر:
ـ هذه فكرتنا أيضاً.
تقدما الرجلان وافرغا مخزنان آخران،لم يمت أحدهما..تقدم(نور الدين)..وصاح:
ـ أيتها الكلاب الجرباء،لتكن المسافة خمسة أمتار.
جاءه الصوت القوي:
ـ هذه فكرتنا أيضاً أيتها الجرذان المنقرضة.
تقدم الرجلان وأفرغا مخزنان ولم يمت أحدهما..اسر(نور الدين)في جماعته:
ـ يبدو أنهم اتفقوا على ما اتفقنا عليه.
أجابه صوت:
ـ ما الحل..النهار يقترب.
قال(خير الدين):
ـ فكرتي أن نقتلهم جميعاً وننقل جثثهم إلى نسائهم وأطفالهم ونعلن بأننا القتلة ونسمح لهم بتمزيقنا.
صاحت الأصوات دفعة واحدة:
ـ فكرة صائبة.
تقدم(نور الدين)ووقف في المسافة الفاصلة بين المعسكرين..صاح:
ـ أيتها الضفادع المخنثة،لنا حل مناسب لتصفية حساباتنا القديمة.
تقدم الناطق المخول باسم رجال(أم الجنادب)صاحب الصوت القوي منه ووقف في المسافة الفاصلة..صاح:
ـ يا عنكبوت نتن،لم تنبح،قل فكرتكم.
ـ أن نقف في صفين متقابلين ونتواجه بالسلاح قبل أن يحل النهار.
ـ تلك هي رغبتنا الأخيرة،يا لكم من كلاب تقرأ أفكار الخصم.
تقدم المعسكران ووقفا أمام البعض لمسافة عشرة أمتار،مائتا رجل أمام مائتا رجل،سحب كل رجل مسدسه وبدأت المعركة الأخيرة بين رجال البلدتين(أم الجنادب)و(أم الضواري)،مائتا فوهة مسدس بأيدي رجال بلدة(أم الجنادب)أطلقت مائتا طلقة فوق رؤوس رجال بلدة(أم الضواري)،أعقبتها مائتا طلقة انطلقت من فوهات مائتي مسدس بأيدي رجال بلدة(أم الضواري)وفق الخطة المرسومة،أصابت أهدافها،مائتا رجل تجندلوا في لحظة خالدة، تهاوت أجسادهم فوق الحصى،كانت أفواههم تطلق أنين الفرح والسرور..صاح(خير الدين):
ـ ليس لدينا وقت،هيّا لتطبيق بقية خطتنا.
رفع كل رجل جثة وبدءوا رحلة السير الشاق عبر الجبال والسهول الشائكة،والحافلة بالأشواك الدامية،عبروا الوديان خائضين في مستنقعات مالحة،شققت بطون أقدامهم، شعروا بتعب غير وارد،عزوا ذلك لفقدان الجرأة،منذ تلك الواقعة الأليمة،الواقعة التي حصلت بين بلدتهم وبلدة(أم الجنادب)،في ليلة دامسة،اشتغلت الرؤوس في البلدتين وقرروا فكرة واحدة،توجه رجال بلدة(أم الضواري)صوب بلدة(أم الجنادب)وفي ذات اللحظة توجه رجال بلدة(أم الجنادب)صوب بلدة(أم الضواري)،توقف المعسكران وقررا سلوك اتجاهين متضادين،دخل رجال بلدة(أم الجنادب)بلدة(أم الضواري)اقتحموا البيوت وواقعوا نساء رجال البلدة،في تلك اللحظة كان رجال بلدة(أم الضواري)يواقعون نساء رجال بلدة(أم الجنادب)وعاد الرجال مزهوين بالنصر الجسدي الذي عندهم أسمى الانتصارات القبلية،كل رجل يمشي في بلدته مزهواً بنفسه،متبختراً،لا علم له بما جرى في بيته،حاول رجال(أم الضواري)تكرار مشهد النصر بعد أسبوع من الواقعة التاريخية، انسربوا سراً ووصلوا بلدة(أم الجنادب)غربلوا البيوت،لم يكن هناك بشراً،خالهم الظن أن البلدة بعدما فقدت جرأتها غادرت المكان،لكن المفاجأة كانت حين عادوا،وجدوا نساءهم منتشيات من مواقعات غير طبيعية،لقد باغتوا رجال بلدة(أم الجنادب)البلدة في خطة سرية محكمة،رحّلوا نساءهم وبناتهم عن بلدتهم وغزوا بمكر وخديعة أفلحتا في تحقيق رغبتهم ،سقط رجال بلدة(أم الضواري)في دوامة قاتلة من الحيرة والشرود،شيئاً فشيئاً وجدوا أنفسهم فاقدي الجرأة،ليس فيهم عرق ينبض بشهوة الرجولة،تدافعت فيهم غرائز الخجل والخوف أمام نساءهم،قرر كل رجل أن يتخلص من حياته،حمل مسدسه وأندفع يبحث عن رجل ما يزال لديه الجرأة كي يقتله،أكتشف الرجال أنهم متوحدون في الرغبة،متآلفون في تحقيقها،مصرون على ركوب الأمواج الخطرة من أجل النعمة النهائية،(الموت بشرف)، ساروا كثيراً،ووجدوا أنفسهم في شلل مباغت،أجفانهم استجابت لمصل خدر أستعمر أجسادهم،أنزلوا الجثث واستلقوا بشكل جماعي من غير إيعاز،وناموا نوماً ثقيلاً..!!
***
استفاق(خير الدين)من نومه،وجد رهطه في شخير جنائزي،راح يضربهم بقدمه،بعضهم قام وبعضهم ظلّ يتلوى تحت ثقل النعاس،كانت الشمس تحاول غزو الفضاء من وراء التلال الشرقية،بدت أشعتها الحمراء تصبغ الفضاء بلون أحمر تمازجه صفرة متنامية،قام الناهضون بركل المتناومين،بدأت الأيدي تلتقط الجثث وتلقيها على الأكتاف،من جديد بدأت الرحلة،ساروا طويلاً..قال أحدهم:
ـ يبدوا إننا فقدنا الطريق.
وقفت الأجساد حائرة،وراحت العيون تستفسر عن الحقيقة المؤلمة..أجاب(نور الدين):
ـ يبدو أنه على حق،لقد فقدنا البوصلة.
أجابه صوت أحدهم:
ـ هل يعقل أننا فقدنا الطريق إلى أعداءنا.
أجابه صوت:
ـ الم نسلكه في تلك الصولة(الجنسثأرية).
قال(خير الدين):
ـ يبدو أن المسالك تداخلت علينا،يجب أن نتروى في السير قبل أن نفقد الطريق ونكتشف أننا في متاهة كونية.
طرحوا الجثث،بعضهم جلس..أرتفع صوت أحدهم:
ـ لم لا نفكر بحل جديد.
أجابه(نور الدين):
ـ اتفقنا على الفكرة،لا يجب أن نتركها بعد أن خضنا نصفها.
تقدم رجل من ربوة عالية،صعدها ووقف يستشرف النقاط القصية..صاح:
ـ يا رجال،لا تفقدوا الأمل،نحن نمشي في المسار الصحيح،تلك هي البلدة أراها متوهجة تحت أشعة الشمس كعروس تنتظر عريسها..!!
هبط وراحت الجموع ترفع الجثث وتمشي من جديد باتجاه تلك النقطة التي تلامحت في عيني الرجل الذي صعد التلة العالية،مشوا كثيراً،كان صوت لهاثهم مثل لهاث كلاب تركض،وأجسادهم من شدة التعب تضغط على أفواههم لتحرر مقطوعات صوتية مبحوحة،على مقربة من نهر يفصل بينهم وبين مقدمة البلدة،توقف(نور الدين)..قال:
ـ ليس هذي بلدتهم يا رجال.
أجابه(خير الدين):
ـ ماذا دهانا،ألم نطأها في تلك الغزوة المشهودة.
أجابه أحدهم:
ـ فقدنا رشدنا،أنت تعلم أن فاقد الجرأة لا يرى،لم لا نجد حلاً ينهي هذا الجدل العقيم.
أجابه أحدهم:
ـ أفتح مخك وجد حلاً لنا.
حسم(خير الدين)الجدال:
ـ لنعبر النهر وندخل البلدة غفلة ونرى،ربما سنجد هجوماً عنيفاً علينا.
رفض البعض عبور النهر،في تلك اللحظة انتبهوا لغمامة ترابية قادمة نحوهم،لم يجدوا تفسيراً،وجدوا رجالاً يحملون مسدسات يواجهونهم في الضفة المقابلة..صاح صوت:
ـ من أنتم،ماذا تحملون.
أجابه(نور الدين):
ـ نحمل جثث رجال قتلناهم في معركة حاسمة.
ـ يا ويلكم..ستدفعون الثمن غالياً.
ـ نحن نستحق العقاب،بأقدامنا جئنا نبحث عمّن يعاقبنا.
ـ سنرميكم لكلابنا.
ـ أنتم فئة جبانة.
ـ وأنتم فئة نتنة.
ـ حسناً..عند القتال يظهر معدن الرجال.
ـ لنتقاتل.
ـ تعالوا إلينا.
ـ لم لا تأتون أنتم.
تشاوروا في الأمر،تقدم أحدهم وصاح،سنأتي إليكم.
بدأت الأجساد تلقي بنفسها إلى لجة الماء،واحداً واحداً اختفوا،أنتظر الرجال لساعة رعب، وجدوا أنفسهم أمام مائتي جثة طافية..قال أحدهم:
ـ لنلق هذه الجثث في الماء ونحمل الجثث الطافية.
ـ أجابه(خير الدين):
ـ لقد أشتغل مخك أخيراً،يجب أن نحمل جثث هذه البلدة ونلقيها أمام نساءهم.
دخل الرجال إلى الماء وحمل كل واحد جثة،وحين صاروا على الضفة،ألقوا بالجثث القديمة،بدءوا السير مع الضفة بحثاً عن معبر..قال أحدهم:
ـ ألم نكن أغبياء.
أجابه(خير الدين):
ـ حقاً فقدنا فرصتي موت ملائم.
قال آخر:
ـ كان يجب أن نلقي بأنفسنا إلى الماء قبلهم.
قال أحدهم:
ـ ولكن قررنا أن نمت بطلقة مسدس.
أجابه آخر:
ـ حقاً ربما النهر يحملنا إلى الضفة من غير أن نمت.
أجاب(نور الدين):
ـ لن نفلت الفرصة القادمة يا رجال..
وصلوا معبراً خشبياً،عبروا إلى الضفة الأخرى..قال أحدهم:
ـ لم لا نلقي بالجثث إلى النهر.
ـ وهل تصدقنا نساءهم..(أجاب أحدهم).
ـ حسناً علينا أن نسرع ونقتحم البلدة بالجثث عسى أن تزجنا الشرطة في السجون ويحكموا علينا بالموت رمياً بالمسدسات.
قال أحدهم:
ـ أنا لا أريد أن أشنق،أريد رصاصة،رصاصة مسدس كافية لتحقيق حلمي.
دخلوا البلدة،تزاحمت من حولهم الصبيان والنساء..صاحت امرأة:
ـ من أنتم،أجساد من تحملون.
أجابها(خير الدين):
ـ قتلنا رجالكم وهذي جثثهم.
تصاعدت الزغاريد من أفواه النسوة..صاحت امرأة:
ـ هل حقاً أنقذتمونا من رجالنا.
قال(نور الدين):
ـ رجالكن حيوانات.
ـ حقاً ما تقول،حيوانات عفنة،تخلصنا منهم،رجالنا كانوا بلا جرأة،(ليسوا برجال).
وجد الرجال أن البلدة فرحة بتخلصها من رجالها..همس أحدهم:
ـ يبدو أن نساءنا سيرقصن عاريات لغيابنا.
حفرته العيون التي سمعت همسته..صاح(نور الدين):
ـ لم لا تنتقمن منّا يا نساء.
ـ عليكم أن تحلوا ضيوفاً علينا،قبل أن نتخلص منكم.
تجمع الرجال وهم يلهثون تحت ثقل الأجداث،تهامسوا وتناقشوا..قال(خير الدين):
ـ ليس لنا حل آخر.
تقدم(نور الدين)من النساء المحتشدات..قال:
ـ قبلنا شرطكم.
حل كل رجل ضيفاً على بيت،تركوا الجثث أمام عتبات البيوت،وفي الليل فشل كل رجل من بلدة(أم الضواري)أن يلهث فوق جسد امرأة من بلدة(أم الصراصير)،عند الفجر،تم طردهم من قبل النساء بعدما اكتشفن أنهم(ليسوا برجال)،تفاجئوا باختفاء الجثث أيضاً،بحثوا في الشوارع والبيوت وذهبوا إلى النهر..صاح(نور الدين):
ـ غدونا ألعوبة لنساء البلدة.
ـ ما العمل يا(نور الدين)..(قال خير الدين).
ـ علينا أن نهتدي لحل معقول.
ـ لا حل آخر..(قال أحدهم).
ـ وما هو الحل..(صاحت الأفواه).
ـ أن نقتل بعضنا بعضاً.
أجاب(نور الدين):
ـ لم لا نصوب مسدساتنا إلى رؤوسنا وننهي القضية بثورة جماعية.
أجابه(خير الدين):
ـ ولكن من يمتلك الجرأة أن يقتل نفسه.
حصل صمت أمتد لدقائق..قال(نور الدين):
ـ يجب أن نسلم أنفسنا لشرطة البلدة.
ـ وهل تعتقد أنهم يعدموننا فوراً.
ـ أعتقد أنهم سيتخلصون منّا،لأن مراكز الشرطة ليست فيها سجون.
ساروا باتجاه مركز البلدة،وجدوا مركز الشرطة مسوراً بسياج كونكريتي عالي،ضجت أصواتهم قبل أن يطل عليهم من نقطة الحراسة وجه بشاربين طويلين..صاح:
ـ هل أنتم متظاهرون.
ـ نعم جئنا لنحتل البلدة..(صاح خير الدين).
ـ قفوا سترون نهايتكم.
فرحت الوجوه وراحت الأجساد تتعانق وتودع بعضها بالقبلات،في تلك اللحظة تقدمت منهم مواكب شرطة بيدها هراوات وهي تصرخ:
ـ انبطحوا أيها الكلاب.
تمدد مائتا جسد بفرح غامر،كانت عيونهم ترمق بعضها البعض والجفون تتغامز،ربطوا أيديهم وساقوهم إلى غرف خانقة..!!
***
بعد مرور أشهر قاسية،وجدوا أنفسهم أمام رجل(جنتلمان)،أجلسوهم في ساحة كبيرة، شعروا بفرح كبير،توقعوا أن قضيتهم قد آلت إلى النهاية التي أرادوها،توقع كل واحد منهم لحظة إعدام جماعية،راحوا يحررون من أغوارهم تعب الشهور القاسية،تقدم الرجل (الجنتلمان)ووقف منتصف الصفوف الجالسة..صاح:
ـ من فيكم المخول الرسمي بالكلام عن البقية.
قام(خير الدين)..صاح الرجل(الجنتلمان):
ـ أنت إذاً..
أجابه(خير الدين):
ـ كلا..
ـ ولم تقف.
ـ كي أقل لك من هو المخول الرسمي بالكلام عنّا.
ـ ومن هو.
ـ (نور الدين)..
قام(نور الدين)وتقدم من الرجل..قال:
ـ أنا من ينوب عنهم بالكلام.
ـ حسناً..لم أنتم هنا.
ـ قتلنا مائتي شخص ثم قتلنا مائتي شخص ثم..
ـ ثم ماذا..
ـ أردنا أن نطأ نساءهم..
ـ وهل فعلتم..
ـ كلا..
ـ لم..
ـ لأننا..لأننا..
ـ بلا جرأة..
ـ نعم..
ـ مخانيث.
ـ نعم.
ـ ليس هذا مهماً بالنسبة لنا،ليس هناك أدلة لديكم تثبت أنكم قتلتم رجال البلدة،ولا شهود عيان يشهدون ضدكم أنكم قتلتم الرجال،وليس هناك شكوى ضدكم من نساء البلدة،أنكم قمتم بقتل رجالهن.
ـ لدينا رغبة أن نقتلكم.
ـ وليس هذا بذي أهمية،أنتم تعبرون عن حريتكم،تجاه رجال الحكومة،شيء طبيعي،نحن لا نمنع من يريد أن يمارس طقوسه كيفما يشاء،فالحكومة تضغط عليكم في هذه المرحلة.
ـ نحن نستحق العقوبة القاسية،عقوبة ترك نساءنا،وعقوبة قتلنا الرجال والرغبة في مواقعة نساء البلدة.
ـ لا تحدثني عن حرياتكم الشخصية والجماعية،أريد سبباً يحل به معاقبتكم.
ـ أليس في قانون البلدة أسباب تؤدي على عقوبتنا.
ـ هناك سبب واحد،سبب سيحقق لكم الرغبة في نيل العقوبة.
صاحت الأفواه دفعة واحدة:
ـ ما هو السبب..!!
ـ قتل السجناء.
ـ وهل هناك سجناء لقتلهم.
ـ لدينا الزنازين مملوءة،نريد استبدالهم بسجناء جدد.
تقدم(نور الدين)أكثر من الرجل(الجنتلمان)..قال:
ـ لدينا الرغبة بقتلهم..
ـ أ..لديكم الجرأة على ذلك..
ـ سنشتريها لو تباع.
ـ حسناً..تهيئوا لذلك.
أنسحب الرجل(الجنتلمان)،ووقف على منصة عالية،نادى على أحد مرافقيه،تحاورا،بعد دقائق وجد رجال(أم الضواري)أنفسهم أمام مائتي سجين متهالك،أوقفوهم في نسق واحد أمام الجدار الطويل للسجن،نادى الرجل(الجنتلمان)على(نور الدين)،هرول إليه مسرعاً ووقف أمامه..قال له الرجل(الجنتلمان):
ـ تخلصوا منهم كي تنالوا جزاءكم الذي ترغبون.
عاد(نور الدين)لرهطه،تشاور معهم..قال(خير الدين):
ـ وهل حقاً سيحققون رغبتنا.
أجابه(نور الدين):
ـ واعدني الرجل الطويل أن يحقق لنا الرغبة التي تؤرقنا.
قال أحدهم:
ـ ألم يقل أنه يرغب بتبديل السجناء.
ـ سمعته يقول هذا..(أجاب أحدهم).
ـ ربما سيجعلنا داخل الزنازين بدلاً عنهم..(قال أحدهم).
ـ وما الضير في ذلك،طالما هناك أرهاط زاحفة سيجبرهم على قتلنا..(قال خير الدين).
ـ أرجو أن لا نبقى طويلاً داخل الزنازين..(أجاب أحدهم).
تقدموا من السجناء الواقفين،رجل أمام رجل،تصافحت العيون،وجد رجال بلدة(أم الضواري)أنهم أمام رجال لا ترتعش أوصالهم،راغبون في الموت،أتاهم صوت مفزع:
ـ هيّااااااااااااااااااااا..!!
لم يفهم أحدهم الإشارة،قبل أن يصيح الرجل(الجنتلمان) بـ(نور الدين)الذي ركض صوبه ووقف أمامه..قال له الرجل(الجنتلمان):
ـ لم لا تنفذوا الأمر كي تنالوا جزاءكم.
ـ ليس لدينا مسدسات،مسدساتنا سرقت منا في بيوت البلدة.
ـ عليكم بغرز أسنانكم في رقابهم،بأسنانكم انتزعوا أرواحهم.
عاد(نور الدين)إلى رهطه وأفهمهم طريقة قتل السجناء،هجموا على الرجال الواقفين ،وراحوا يمزقون رقابهم بأسنانهم الكافرة،تهادت أجساد المائتان سجين إلى الأرض،نزل الرجل(الجنتلمان)من المنصة الكونكريتية،تقدم من الرجال الذي وقفوا وهم يبصقون الدماء،وقف وهو يفتل شاربيه والبسمة لا تفارق شفتيه،فرح الرجال لأن فرصتهم التاريخية قد آنت،سحبوا شهيق الحلم وزفروا ترسبات الرغبة التي طالت..قال الرجل (الجنتلمان):
ـ يا(نور الدين)مر أصحابك أن يحملوا الجثث.
باستغراب حملوا الجثث وانطلقوا ماشين بأمر من الرجل(الجنتلمان)،بعدما قال لهم:
ـ خذوا هذه الجثث لبلدة(أم الخنافس)هناك ستنالون ما ترغبون.
مشوا وهم ينوءون تحت أحمال ثقيلة،في موكب طويل..همس أحدهم:
ـ لو فعلتم باقتراحي لما غدونا حمّالي جثث.
أجابه(خير الدين).
ـ ومن يرضى بأن يكون الأخير.
ـ الأخير ينهي حياته برصاصة من مسدسه..(قال نفس الرجل).
ـ وهل نسيتم أننا بلا جرأة..(صاح خير الدين).
ساد صمت جنائزي،وظلّ الموكب يمشي ويئن أنين الرغبة التي طاااااااااااااااااااااالت..!!
***
يقول الراوي:
(ظلّ رجال بلدة(أم الضواري)يجوبون الآفاق،يجتازون المتاهات،يعبرون الجبال والوديان، وكلما تتراءى في حدقات عيونهم نقاط سود أو ملامح بيوتات يهرعون صوبها،رغم العوارض التي تجابههم يقتحمونها،وكلما ينزلوا ببلدة،يجدون أنفسهم مطرودين بالعصي والحجر،جابوا بلدات شتى،وكلما اقتربوا من بلدة وجدوا رجال بعددهم يهرعون نحوهم،تحصل مبارزات كلامية بين المعسكرين،تنتهي إلى أتفاق حربي،لم يعوا الذي يحصل،إلاّ بعد فوات الأوان،رجال يمتلكون الحيل كي يقتلوا بيسر،يقتلونهم ويحملون جثثهم،يفيق رجال(أم الضواري)من صدمة ما حصل،يطرحون الجثث القديمة في الأنهر،أو في الحفر،ويرفعون الجثث الجديدة وكلهم يقين أن حلمهم جد قريب،تجلدت أجسادهم على الصبر والمشقة،لم تعد الراحة تدغدغ أجسادهم،لم يثنِ عزيمتهم عطش أو جوع،ينقلون جثث قتلاهم ويطرحونها أمام نساءهم،قبل أن يكتشفوا أنهم في رحلة جديدة،بعدما تطردهم النساء حين يكتشفن أنهم ـ ليسوا برجال ـ مضت الأشهر والسنوات،بدءوا يتناقصون، جراء الشيخوخة المبكرة والأمراض الغريبة التي حصدت منهم ما حصدت،وذات يوم أفاق اثنان من نومهما،وجدا صاحبيهما خالدين في حلمهما،يبتسمان بسمة الفرح المبين،لم يجدا بقية دمع أو رغبة بكاء كي يسكبانها عليهما،رفعا الجثتين وواصلا السير..)..!!
***
يواصل الراوي تكملة الحكاية بعدما جف ريقه وكرع طاسة ماء:
(ظلّ الرجلان يواصلان السير،وصلا بلدة غريبة،وجدا نمال سود قادمة نحوهما،ارتعبا من مشهد غمامة تحجب الأفق تتدحرج نحوهما،رغبا أن يلقيا الجثتين ويهربا،فطن(نور الدين)إلى حلمهما الأزلي..قال لصاحبه:
ـ أرى أن الفرصة الخالدة قد آنت.
أجابه(خير الدين):
ـ ليت هذا يحصل..!!
تقدم النمل الأسود في غزوة برقية،ولما تكشفت الأوضاع ولاحت ملامح الأشياء،أكتشف الصديقان،أنهما محاطان بآلاف النساء المتلفعات بأسمال سود،رحن يرقصن حولهما، يفرشن فواكه رغبات جريحة،كل واحدة تحمل رجلاً تطير به وتعود لتطرحه أرضاً وتغادر دامعة العينين،صائحة بصرخة تمتد إلى مسافات قصية ـ ليسوا برجال .. ليسوا برجال ـ ليسوا برجاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا...)..!!
***
ينهي الراوي روايته:
ـ واصل الصديقان(نور الدين ـ و ـ خير الدين) البحث عن فرصة موت،جابا الآفاق واقتحما عشرات الطلول والبلدات المهجورة،تعذر عليهما تحقيق حلمهما..
قال(نور الدين)لصاحبه:
ـ آه لو فعلت ما أمرتك به لما طال بنا الشقاء.
أجابه(خير الدين):
ـ ولو فعلت أنت ما رغبته لما سلبتنا الرغبة وألقتنا ضالين في المتاهات.
قال(نور الدين):
ـ لم لا تقتلني وتريحني من هذه الأسفار العقيمة.
ـ يجب أن تقتلني أنت.
ـ بل أنت.
ـ دعنا نواصل السير.
وصلا إلى طرف بستان على ضفة نهر،جلسا في ظل شجرة توت،غشاهما نعاس شديد، ناما نوماً عميقاً بعدما تناولا كمية كبيرة من التوت وكرعا من ماء النهر،حلم(خير الدين)حلماً سعيداً،وجد أنه عاد له سابق جرأته،وجد(بدرية)واقفة تنتظره،تعانقا وتواقعا،لم يحتمل فرحته،راح يرقص ويتقافز في الهواء،يضرب الأرض بكعب قدمه،يقفز ويهبط مثل مجنون باغته جنونه،ظلّ(خير الدين)يمارس لعبة الفرح قبل أن يتهالك من فرط الإعياء..!!
(توقف الراوي عن الكلام لبرهة من الوقت،سحب شهيقاً طويلاً،وعدّل من جلسته،بعدما أتى على ما في الطاسة من بقايا ماء،هز رأسه إيذاناً بالكلام..)..
ـ استفاق ـ خير الدين ـ من نومه،لم يصدق ما يرى،بعدما تأكد من سلامة عقله،وملامسة بدنه،كي يدرك أن الذي حصل مجرد حلم داهمه من فرط الإعياء،أقشعر بدنه،وأصابه غم شديد،لطم وجهه وخمش صدره،أكتشف أنه قام برفس رأس ـ نور الدين ـ بقدميه،وهو في لجة نومه العميق،وجده خالداً في موته،تشع من ثغره ابتسامة فرح أبدي،ربما أنتهز فرصة فرحه وهو نائم ـ هذا ما دار بخلده ـ فوضع رأسه تحت قدميه،وحقق ما أراد، ظلّ ـ خير الدين ـ يحرك جثة ـ نور الدين ـ وجده يبتسم فرحاً بتحقيق حلمه الكبير،بكى ـ خير الدين ـ على رفيقه،كفكف دموعه،لم يمتلك فرصة كي يفكر،وحده بقى من مائتي رجل،كلهم نالوا حلمهم المتوحد،إلاّ هو،رفع الجثة وألقاه على كتفه،كانت تلك رغبتهما معاً أن يحمل الحي جثة الراحل ويجوب المتاهات بحثاً امرأته كي يلقيها أمامها،راح يمشي،لا يعرف أين يريد،فقط رغب أن يمشي،أن يمشي كثيراً،وهو ينوء بحمل عزيز عليه،يريد أن يمشي إلى الأبد،يريد أن يمشي إلى مكان ما،أيّ مكان يرقد فيه حلمه،كي يعانقه ويحقق حلمه الذي طااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااال..)..!!



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد رحيله..جائزة محي الدين زنكنة للمسرح
- مسرحية(ماما..عمو..بابا..ميت)القسم الثاني..الأخير
- ماما..عمو..بابا..ميّت(مسرحية)القسم الأوّل
- حديث مقاهينا(مسرحية)المشهد الثالث/الأخير
- حديث مقاهينا(مسرحية)المشهد الثاني
- حديث مقاهينا(مسرحية)المشهد الأوّل
- قصة قصيرة(الذبيحة)مهداة إلى/سعد محمد رحيم
- رواية(قفل قلبي)القسم الأخير
- قفل قلبي(رواية)16 الديوان الملحق بالرواية2
- قفل قلبي(رواية)16
- قفل قلبي(15)
- قفل قلبي(رواية)14
- قفل قلبي(رواية)13
- قفل قلبي(رواية)12
- قفل قلبي(رواية)11
- قفل قلبي(رواية)10
- قفل قلبي(رواية)9
- قفل قلبي(رواية)8
- قفل قلبي(رواية)6
- قفل قلبي(رواية)7


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)