|
الجاحظُ … صديقــي
سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 936 - 2004 / 8 / 25 - 12:37
المحور:
الادب والفن
قد لا يعلم كثيرون أنني قرأتُ الجاحظَ كاملاً ، كاملاً غير منقوصٍ ، كما يقال … إنه ابن مدينتي . لكنّ لهادي العلوي صلةً بالأمر . كنتُ أُبعِدتُ من وزارة الإعلام ( أي من المبنى الرئيس المطل على ساحة التحرير آنذاك ) إلى المركز الفولكلوري المُطِلّ على جِرار النحّات محمد غني حكمت … والمقابلِ " منزلَ المســرّات " وهو فندق الراقصات اللواتي يأتين ملاهيَ بغداد عابراتٍ . كان المركز الفولكلوري واحةً في العراق المحتدم بشعارات البعث والأدب في خدمة الثورة وعصبية الـمقال . هنا ، ننشر كل ما لا يتّـصلُ بالإحتدام : الأمثال والحكايات والأساطير والحرف اليدوية والأغاني الشعبية … إلخ . في يومٍ غيرِ رائقٍ ، أُبعِـدَ هادي العلوي من مطبعة الحكومة ، حيث كان يتولّـى التصحيح اللغوي للجريدة الرسمية العراقية التي لاتستكمل القوانين قانونيتَها إلاّ بعد النشر فيها . هادي العلوي جاء إلى المركز الفولكلوري . وفي أحد الأيام اقترحَ أن نؤلف مُعجَــماً عن الموروث الشعبي في مؤلفات الجاحظ ! الفكرة مغرية لكن تنفيذها في غاية التعقيد ، لأسبابٍ منها غزارة مؤلفات الجاحظ ، واقتصار العاملين في المشروع على اثنين هما : هادي العلوي وأنا . اشتغلنا أشهراً ، حتى اكتمل الكتاب ، المعنون " الموروث الشعبي في آثار الجاحظ – معجمٌ مفصّـل " . حين طُبِع الكتاب ، من جانب وزارة الإعلام ، خُصصتْ مكافأةٌ للمؤلفين . قال هادي العلوي : لن نأخذ مكافأةً لأننا الّـفنا الكتاب في أوقات الدوام … لكنّ المبلغ يجب أن يُصرَف ، حسب العادة . وهكذا وُزِّعَ المبلغ على من لم يعمل في تأليف الكتاب من منتسبي المركز الفولكلوري … فولكلور ! *** قلتُ إن الجاحظ صديقي ؛ وأنا أزوره بين حين وآخر ، لا مجاملةً ، بل استزادةً واستمتاعاً . والبارحة كنتُ أمضي مع كتاب " الحيوان " … قال الجاحظُ : وحدّثني بعض أصحابنا عن سُـكّـر الشطرنجي ، وكان أحمقَ القاصّـين ، وأحذقَهم بلعب الشطرنج ، وسألتُــه عن خرقٍ كان في خرمة أنفه ، فقلتُ له : ما كان هذا الخرق؟ فذكرَ أنه خرج إلى جبلٍ يتكسّب بالشطرنج ، فقدِمَ البلدةَ وليس معه إلاّ درهمٌ واحدٌ ، وليس يدري أينجحُ أم يُخفِق ، ويجد صاحبَه الذي اعتمدَه أم لا يجده ، فوردَ على حَــوّاءٍ وبين يديه جُـوَنٌ عظامٌ فيها حيّــاتٌ جليلةٌ … فقال له سكّـر : خذْ مني هذا الدرهم ، وارقني رُقيةً لا تضرّني معها حيّـةٌ ابداً . قال: فإني أفعلُ ، فاخترْ أيّـتَهُنَّ شئتَ . فأشار إلى واحدةٍ ممّـا تعضُّ للأكل دون الســمّ ، فقال : دعْ هذه ، فإن هذه إنْ قبضتْ على لحمكَ لم تفارقْكَ حتى تقطعكَ . قال: فإني لا أريدُ غيرَها ، وظنَّ أنه إنما زواها عنه لفضيلةٍ فيها ، قالَ : أمّـا إذْ أبيتَ إلاّ هذه فاختَرْ موضعاً من جسدكَ حتى أرسلَها عليه ، فاختارَ أنفَــه ، فناشــدَه وخــوّفَــه ، فأبى إلاّ ذلك أو يردّ عليه درهمَــه ، فأخذها الحوّاءُ وطواها على يده ، كي لا يدعها تنكزُ فتقطع أنفه من أصله ثم أرسلَها عليه ، فلمّـا أنشبتْ أحدَ نابَـيها في شِــقِّ أنفه صرخَ عليه صرخةً جمعتْ عليه أهلَ تلك البلدة ، ثم غُــشِــيَ عليه ، فأُخِــذَ الحوّاءُ فوُضِعَ في الســـجنِ ، وقتلوا تلك الحيّـات وتركوه حتى أفاقَ كأنه أجَــنُّ الخَــلْــقِ ، فتطوّعوا بحمله فحملوه مع الـمُـكاري ، وردّوه إلى البصرةِ . *** واقعُ الحالِ ، أن ســكّر الشطرنجي ليس فريدَ عصرهِ . وإنْ جاءنا اليومَ رأى من أمرنا عجباً … كم من أنفٍ خُــرِمَ !
لندن 24/8/2004
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابنُ عائلةٍ ليبــيٌّ مقيمٌ في روما
-
نظــرةٌ جانبيّــةٌ
-
قارةُ الآلِــهة
-
أجنحةٌ أميركيةٌ متحركةٌ وبعثيٌّ سافلٌ
-
بحــثاً عن فردوس الـقِـيَـمِ المفقود
-
حُـكْـمُ الـنَّـوكى والحمقـى
-
تــنويعٌ ثالـثٌ
-
مســاءَ انتهت اللعبــةُ
-
يومياتٌ عراقيةٌ - 2
-
تجربـةٌ ناقـصـةٌ
-
- أبو غْـرَيب - تحتَ ضوءٍ فرُويديّ
-
زيارةُ سِـيـجمـونـد فْـرُويد Sigmond Freud
-
لا جُـنـاحَ عليكَ
-
زاويةٌ لـلـنـظــر
-
الأســماء
-
طريقُ الشِّـهابِ ، وصالح بِـشْـتـاوه
-
دمٌ فاســـدٌ
-
ثلاثةُ وجوهٍ منتفخةٍ غباءً
-
كــمْ عدَنٍ ســوف ننســـى !
-
الـمـتَـرَحِّـــلون
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|