أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - أحلام سينمائيّة















المزيد.....

أحلام سينمائيّة


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 02:57
المحور: الادب والفن
    


(( Adaptation ))
أو (( زوربا .. اميركا القرن الواحد والعشرين ! ))

( 1 )

.. ثمة آلاف الأفلام التي يمكن - وبسهولة شديدة – حذفها أو إقصاءها من المكتبة دون أن يترك
ذلك أدنى أثر ، في تأريخ السينما ، أو على الذائقة السينمائية ، وفي الوقت نفسه ، ثمة أفلام اخرى
استطاعت أن تقلب (( الفاء )) في أفلام ((حاءً )) .. أي " أحلاما "ً برقت في ذهن مُبدع فتألفت رؤوس وأذرع العشرات من العاملين في مجال السينما لتحويلها الى واقع ، واقع حقيقي و متحقّق .. سرعان ما نكتشف بأنه ما زال يتلبّس هيئة حلم ، وما علينا سوى أن نفتح أرواحنا باتساعها لمشاهدته ..!

( 2 )

ولا شك بأن فلم ((Adaptation))كان واحداً منها..
و ((Adaptation))هو العنوان الذي إختاره (( شارلي كوفمان)) – كاتب الأفلام التأملية - كما بات يُطلق عليه نقاد السينما الاميركية .
و (( adaptation ))، كما يخبرنا القاموس ، تعني (( تكييف ، تكيّف ، إعداد ، إقتباس ، تصرّف ، تعديل أو تبديل ، تنقيح و .. تأقلم )) وأعتقد بأنه ، حاله كحال عناوين (( محمد خان )) ، يعني هذه الدلالات كلها .. مضافاً اليها دلالات أُخرى يخبئها في المتن السينمائي ..

( 3 )

وفي ((Adaptation )) يمنح (( كوفمان )) - كاتب السيناريو – إسمه وصفته الى بطله ، حيث يفتتح الفلم بما يشبه " التقرير " التلفزيوني عن فيلم (( أن تكون جون مالكوفيتش )) الذي سبق إنتاجه للكاتب نفسه ، والذي نقرأ اسمه مكتوبا تحت صورة " نيكولاس كيج " الذي يجسّد شخصيته .. وهو شخصية ، متأملة ، مبدعة ، إلا إنها عاجزة عن الفعل .. تقابلها شخصية أخيه التوأم " دونالد كوفمان " التي يجّسدها " نيكولاس كيج " أيضاً .. والذي يقّرر أن يصبح كاتباً سينمائيا هو الآخر ..
و " دونالد كوفمان " هو على الضّد تماماً من أخيه " شارلي " ، إنسان عملي ، ينظر للأمور
ويتعامل معها ببساطة وواقعيّة .. بل وبحماسية من نوع ٍ ما .
وعلاقتهما سرعان ما تذكّرنا ب " زوربا " و" الفأر القارض للكتب " حيث نرى " شارلي " في عّدة مشاهد ، غارقاً قي عرقه ، مُُُحرجاً من الحديث مع إمرأة ، عاجزاً عن مصارحتها برغبته ، أو الغوص معها في علاقة أكثر حميميّة ، فنراه في احدى اللقطات يؤنب نفسه ويعنّفها لأنه لم يقبّل صديقته مودِّعاً ، رغم علاقتهما التي تمتد لأكثر من ثمانية أشهر ، ورغم إنها كانت مهيئة تماماً
للعلاقة التي يريد .. عندها يقّرر ، محدثاً نفسه ، بأن يذهب ويطرق الباب ليقبلّها ، بينما يضغط دوّاسة البنزين لينطلق مبتعداً . !
في الوقت الذي ( يعلّق ) أخيه " دونالد " عاملة المكياج في الفيلم الذي يعمل فيه " شارلي" من أوّل لمحة !
وكذلك ينجح " دونالد " بتطوير السيناريو " الأكشن " الذي يعمل فيه بناء على اقتراحات قدّمها له " شارلي " ببساطة شديدة ، ومن دون جهد كبير! بينما يعجز " شارلي " عن المضي في فيلمه
الخاص به ، لأنه يستبدل (( الفعل )) ب (( الحلم )) والخطوة الواقعية بالوهم .. !
وهو ، نفسه ، ما سيحدث له مع " سوزان اورليان " ( ميريل ستريب ) .. ولكن بشكل آخر ..!

( 4 )

و" سوزان اورليان " ( ميريل ستريب ) هي كاتبة مقالات لمجلة (( نيويوركر )) إختارت الزهورموضوعاً لها، وكتبت عن المصائر المشؤومة للباحثين عنها وفيها ، تتعامل مع موضوعتها ، في البدء ، بوظيفّية واحتراف ، أكثر منه بعاطفّية وإنفعال ، تحيا مع زوجها حياة روتينية باردة ، أو قُل هادئة ، لأنها تمثِّل صنفاً آخر من نوع " الفأر القارض للورق " ( النوع ألإجتماعي وليس الذهني ) والتي تجد نقيضها أو مكّملها في (( جون لاروش )) ، الذي تقرأ عن محاكمته على سرقة
مجموعة من الزهور من محمّية طبيعية ثم تطير الى" فلوريدا" لتحضر محاكمته وتلتقيه ..
لتجد فيه ، شيئا ًفشيئاً ، " زورباها " المفقود والذي ستضع تجربتة في كتاب ستسّميه (( سارق الأوركيد )) .. !
يحدّثها عن الورد بحماسة نافرة ، عن النحل الذي ينمّيها بمجرد ممارسته الحبّ معها ، عن داروين..الخ فتتساءل هي ، مع نفسها ، مٌحاطة ببرودها العائلي : " أريد ان أحبّ شيئاً كما يحبّ هؤلاء الزهور .. أريد ان أحبّ شيئاً بكل تلك الحماسة والمعاناة .. ! "



( 5 )

نتابع علاقة " سوزان أورليان " (ميريل ستريب ) ب ( مجنون الورد ) من خلال لقطات مُستلّة من الماضي ، وهي مقاطع حقيقّية مأخوذة من كتابها " سارق الأوركيد " وهو الكتاب الذي يُكلّف
" شارلي " بتحويله الى فلم سينمائي ، " شارلي " الذي يحلم بكتابة فيلم عن الزهور ليكشف عن" كم هي ممّيزة ! " بعيداً عن أفلام القتل والمخدرات الهوليووديّة ، ثم سرعان ما يستدرجه الكتاب وصورة " ميريل ستريب " على غلافه ، بأن يحلم بها ، كما حدث له مع عاملة المطعم ، حيث يتداخل حدث ممارسته الجنس معها بالواقع ، لنكتشف بأنه انما كان يمارس " العادة السرية " !
يواصل " شارلي " ذلك حتى يقطع أخيه "دونالد " أحلامه (( انها كاذبة .. )) يقول له حال عودته من لقائه بها :
" عندما سألتها عن الشخص ألذي تحبين أن تكونين معه على العشاء ذكرت " أنيشتاين " أو " المسيح " وهو جواب جاهز .. يقوله الجميع دون تفكير ..! ))


( 6 )

كذلك تدّعي بأن علاقتها ب " جون لاروش " مع إتمامها للكتاب ، وتقول في إحدى تداعياتها
بأنّ ما يميزّها عن الورد هو كذبها في كتابها وكذبها على زوجها ، وحيث يكتشف الأخوين موعدها
مع "لاروش " في ولاية فلوريدا وإخفائها ذلك عن زوجها ، فيقرّران ملاحقتها ، وبينما يراقب
" شارلي " تعاطيها المخدرات وممارستها الجنس معه ، يمسكه " لاروش " ويعتذر له بعد
معرفة شخصيته إلا إن " سوزان " تقرر قتله خوفاً من الفضيحة ، فيرفض " لاروش " وتقرر بعد
جدال بأن تقتله بنفسها ، فيقتادانه الى المنطقة المحميّة ، حيث المستنقع والأفاعي والحيوانات المفترسة ، فيساعده " دونالد " ويتخفيان في المستنقع حتى انبلاج الفجر ، فيكتشفهما " لاروش "
ويصيب " دونالد " في ذراعه ، من دون قصد ، ليتمكنا بعدها من الفرار حتى تصطدم سيارتهما بسيّارة حارس المّحمية فيسقط " دونالد ( زوربا هوليوود أو المدينة المعاصرة ) صريعاً ، يغنّي له " شارلي " اغنيته المُفضّلة بينما يلفظ الآخر أنفاسه الأخيرة ، بينما تواصل " سوزان اورليان " مطاردته ، حتى يفترس أحد تماسيح المستنقع " لا روش " ( جون لاروش أو زوربا الآخر الذي لم ينفصل عن الطبيعة وكسب الكثير من ملامحها ) تحتضن " سوزان اورليان " جسد القتيل " لاروش " وهي تردّد منتحبة : " لقد دُمرّت حياتي ، اريد أن أرجع طفلة مرة أخرى ، اريد ان أبدأ من جديد .. "


( 7 )
يستعيد " شارلي " حياته بأن يفتتحها بمقولة أخيه (( المهم هو مَنْ تحبه وليس من يحبّك ..))
وهنا يبدأ التطابق ما بين السيناريو الذي يكتبه وما يعيشه ، وكأنه يكتب ما يحياه أو يحيا ما يكتبه ..
يُقبِّل صديقته ويصارحها بحبّه ، التي تشعر بأن ذلك جاء متأخراً جداً لأنها أخبرته بمشاريعها
مع خطيبها ، ثم تخبره بأنها تحبّه أيضاً .. وليس أكثر .. ثم يكتب جملته الأخيرة ، في السيناريو بذهنه : "و هكذا ساكتب في نهاية السيناريو : ويذهب كوفمان الى البيت لإكمال السيناريو وهو يعرف جيداً ماسيفعله ! "
يقول " كوفمان " ، إسم عائلته التي تشمل أخيه وليس " شارلي " فقط ، ثم يعدّل الجملة :
(( ويقود سيّارته وهو مليء بالأمل .. ))
بينما يقود سيارته ليختتم الفلم الذي نحياه بصحبته !



( 8 )

وما يمكن أن يوضع على هامش الفيلم ، أو في متنه ، هو الصراع الداخلي الطويل الذي يعانيه
" شارلي " ، حيث يحلم بأن يكتب فلماً هادئاً ، بقليل من الأحداث والحركة ، يعيد من خلاله إكتشاف " الزهور " بوصفها معجزة حقيقيّة ، تستحق أن نعمل عنها فيلماً عظيماً يليق بها ، بينما واقع السينما ، وبوصفها " صناعة " – وهو ما يكرهه - تفرض ما تفرضه ، ومن هنا جاء حواره البليغ مع " روبرت مكي "( صاحب كتاب " القصة " الذي يُعتبر الكتاب المقدس لكتّاب السيناريو .." والذي يخبره بأن مُهمتنا في " توليد الدراما من الواقع " أو" العالم مليء بالفظاعات التي يمكننا تناولها .." .. الخ " وفي الحقيقة ، أعتقد بأن الكاتب " شارلي كوفمان " إنما لجأ لعرض ذلك الحوار ، وتحديداً قبل احتدام الصراع الدرامي / المأساوي هنا / للفيلم ، ليهيء المشاهد لما سيأتي أولاً ،
ولتبرئة ساحته من إنه انما إنساق لذلك لتلبية متطلبات السينما .. ك " صناعة " ..!
ولقد نجح في ذلك أيضأ .. حيث أثبت لنا ، بذكاء واضح ، بأنه انّما جاء تماشياً مع الواقع المغرق في عنقه – الواقع الحقيقي المُعاش وواقع السينما - حيث يتحول فيلم أراده عن " زهرة الأوركيد "
الى فيلم تدخل فيه المخدرات والقتل ، والإفتراس .. كما إتضح لنا في النهاية ..!



( 9 )

وكما نكتشف في الصفحة الأخيرة من رواية " ماركيز " (( مائة عام من العزلة )) بأن ما كنا نقرأه إنما هو " رقاق ملكيادس " ، فأن نهاية ((Adaptation)) تكشف لنا بأننا كنا نشاهد السيناريو الذي يكتبه " كوفمان " والذي إعتمد فيه على بناء روائي متداخل ومتماسك هو أقرب إلى روايات " صنع الله إبراهيم " من أي فيلم روائي آخر..



( 10 )

ويذكّرنا فيلم (( Adaptation ))أيضاً .. بما ذكره " كافكا " عن (( الحبل المشدود ))
الذي يمشي عليه الأدب الحقيقي " فلا يلامس الأرض " و " لا يُحلق في السماء " ! حيث يختار الكتابة عن شخصيته " النصف حقيقية " عند تكليفه بكتابة فيلم مُقبس عن (( سارق الأوركيد )) ، الذي هو بدوره كتاب حقيقي ( موجود في المكتبات ) ، وكذلك مساعدة أخيه - الذي هو ربما نقيضه وتوأمه ، وإسمه مثبّت الى جانبه في كتابة الفلم و " روبرت مكي " كاتب السيناريو المعروف ، و " سوزان اورليان " المؤلفة الحقيقية .. ل .. " سارق الأوركيد " التي "كييّفت " شخصيتها لتصبح ( ميريل ستريب ) كما رأيناها .. وكذلك (جون لاروش ) اللذي أفترض له نهاية أخرى لحياته .. وفي النهاية حلمه الذي شاء ، أو ربما شاءت السينما و مُتطلباتها ، تحويله الى كابوس سينمائي لمبدع يعرف اللعبة ويتقنها إلا أنه – علىالأقل – في ثلاثة أرباع الفلم الأولى ، تمرّد على قواعدها وعرض تأملاته الخاصّة غير عابىء بشبابيك تذاكرها ..
وهنا أيضاً نكتشف دلالات أخرى للعنوان ((Adaptation )) التي يترجمها القاموس بمعنى " التكييف ، التكيّف ، إلأقتباس ، التصرّف ، التعديل أو التبديل ، التنقيح والتأقلم .. " بينما منحها الفيلم فضاءات اخرى ..


( 11 )

إنه " شارلي كوفمان " أيهّا السادّة ..
إسم علينا أن نتذكره .. !!



#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لهاث ..
- ألدنيا ألخضراء
- نص ونقد : (ألعاصور) أو شارلي ألعراقي مُتمرّداً على آلهة أزمن ...
- إنوثة...!
- فيفا كولومبيا ..! - قصّة
- سياط .. - قصّة
- إحتراق ..! - نصّ
- حوار شخصي مع عبد ألهادي سعدون ..!
- خمسة مسافرين .. في خمسة زوارق ورقيّة ..
- إنّهم يقتلون الجياد .. !
- روزاليندا ..!
- اليوم ألأخير للمطر ..!
- وقت للحب .. !
- مجانين
- إستمناء آخر
- محاجر


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - أحلام سينمائيّة