أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - محاجر















المزيد.....

محاجر


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 836 - 2004 / 5 / 16 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


الى نزلاء المحاجر المجاورة :
محسن ، عروبة ، قيس ، أحمد ،
زينب ، شكرية ..

إستطالت الممرّات في امعاء ألمبنى المندثر المُتسامي في عمق خلاءٍ يمتدُّ حتى ضفة نهرٍ لايصل منه غير أذانٍ الفجر المُنبثق في عاصفة ما قد تحمله بعيدا حيث الضوء الاصفر الشاحب الذي تتسلل الى صفرته الغامضة ذاكرة معبأة بموتٍ يتدّلى في رائحة الهواء واندلاق المسافة المُحرقة باتجاه دورات المياه . إستطالت الممرات ولملمت احشاء فراغاتها حالما خفقت خطوات " الرجل / الهراوة "الذي يصرّ على تسجيل وقع اقدامه ببرقيات رعبٍ سريعة يبثّها في ارتطام بسطاله الاحمر المُلمًع بحذاقة واعتزاز من يفخر بتأدية دوره كاملا حدً الانسحاق : خطوة ثمً اخرى ثمً ..لا بدّ وان هراوته السوداء تتأرجح الآن بين اصابعه كميدالية تُغري بالعبث الطفلي على اجساد الدمى المتحركة التي يمتلك كل مفاتيحها كإله اٌودعَ اسرار الخلق في لحظة انفلاق القدرة واصطفاق الأكوان الهلامية التي توّجته على عرش الاجساد المعزولة الملفوظة كعلكة يابسة لصقتها طفلة بلهاء على قفا تخت المدرسة ونسيتها في حمّى فرحتها باحتشاد فوضى العطلة الصيفية الطويلة .
سحب الرتاج الأول في اقصى الممر وشرع بالقاء وصاياه المكرورة المُدوّنة بآيات حُفرت على اول جدار ابتكره حيوان ابله ضاق باتساع فضاءات الريح فانجب سورا سرطانيا اخذ يلتهم ايامه شمسا بعد اخرى حتى انبلاج 1992 في 365 في محجر يجثم فيه ضوء عنكبوتي اصفر لا يقطعه /عبر فضاءات عديدة / غير صوت اذانٍ بعيد ورتيب ربما ليذكر احيانا بأن ثمة إلهٍ ما يحدّق عميقا في احشاء موت يتدلّى من طعم الهواء واندلاق المسافة ومن مؤخرة هراوة تتأرجح من عبث خواء غامض بشاربين كثّين تدعمه اكتاف عريضة لا يثقلها حمل نجمات متكاثرة ابداً صعودا باتجاه عرش آخر يستمد سلطته من رفس الأدنى والتهام طموحاته التي لن تنتهي به دائما الى قظم بساطيل بلون الرصاص .
قال بصوته النبويّ الرخيم : اسمع جيدا .. اولا عليك ان تأخذ وضع الضفدعة .. تمسك ابهامي قدميك باصابعك بقوة وتهرول .. ثانيا : سأعدّ لك من الواحد للواحد قبل ان أكمل تكون قد افرغت نفسك وعدت .. مفهوم ؟؟
تتدلى رقبة الآخر بخشوع بات حقيقيّا لكثرة اداءه وصدقه : نعم سيدي ..
-- يالله .. واووو .. ألييييف ..
تمتدّ الهراوة لتلامس جسد الجدار فتُخلّف شرخا متينا في أعضاء المبنى حيث العظام المُوزّعة بدقّة ألقادر وسطوته في محاجر لها لون بكاءٍ حقيقيّ موحش ..
-- حاء .. دال ..
بينما تكون قد هيأت نفسك جيداً لتلك اللحظة الوشيكة . عيناك لا ترتفعان عن ألأرض ، ومعدتك أتمّت مهمّة إزاحة مخلّفاتها حتى القعر الملاصق لخط النهاية ، لتقديمها كقرابين نتنة ، ما أن تُطلقها حتى تبحر في المسارب والمنعطفات ، علّها تتنسّم أخيراً عبق النهر المتسربل بين نهدي ّمدينة تلمحها أحياناً في عتمة ذاكرتكَ ألعائمة .. عندها ، ربما ،سيخترق – شيء ما منكَ – بطن المدينة كطعنة ، ربما سيتنفّس – شيء ما منكَ – هواءاتكَ المفقودة ..!
وقعُ الخطوات يتعالى .. تُعيد تأثيث أعماقكَ للمرّة ألألف كي لا تنفجر أشياءكَ في غير أوانها في لحظة مُداهمة أو إرتباك . كُنْ يقظاً .. في أقصى درجات التأهب .. حاول ان تتنفّس بعمق . إقعي في مكانك . إصمدْ . لا تتشنّج أكثر رغم إقترابه .. فبحكم الخبرة بتّ تعرف إحداثيّاته جيّداً . تعرف طعم حذاءه ومذاق أنفاسه اللافحة في أبهاء الممرّات التي لم تهنأ بالنظر إليها منذُ .. ؟ متى ...؟! منذُ إصطفاق الزمان بالجار المُتكلّس في روحكَ البعيدة ..
منذُ إندحار الفضاء ..
مُنذُ ..
إنّه يقترب / يسحب رتاجات أنفاسكَ بقوّة / تلهثُ / يبدأ عدّك التنازليّ بالإنحدار .. بسرعة / بقوّة / بشدّة نحو ذرى دورة المياه .. ها هوذا حذاءه بوجهكَ تماماً ، يحتفل انفك برائحة الدهان ألمعجون ببسطاله الذي يوقظ فيكَ حُمرة ألشفَقْ في الصباحات البعيدة .. لو لم تكن أحشاءك اليوم بعزّ إمتلائها لتمنيتَ أن تطول وقفته .. ولكن مالذي دهاه أليوم ؟ .. ماذا ينتظر ؟؟ لماذا لم يرفع هراوته الحنونة السوداء ويهوي بها على ظهركَ مؤذناً ببدء الخلاص ؟ .. ألله .. خلاص ! .. في رأسكَ اليوم مُفردات فاتنة جديدة .. وقبل أن تمضي مترنّحاً بأهوال هواجسكَ الغريبة يدهمُكَ صوته مُعزّزاً بضربة أُافة – لا ضربة إنطلاق – على ظهركَ بهراوته :
-- كم أمضيتَ هنا ؟
يُفاجئكَ ألسؤال .. كمْ ؟! ( في ألأيّام ألأولى كُنتَ تُميّز ألأيّام من همس ألمآذن فجراً ، ثمّ من زيارات المُضمّد المسؤول عن ألإبقاء على هيكلكَ ، وكان يأتي مرّة في الإسبوع تحتال عليه فيها لتحصل على حبّة " باراسيتول " كلّ مرّة ، حتى إمتلأت جيوبكَ بها ، وضاقت ذاكرتكَ بوطأة عدّها ، حتى أودعتَ حبّات أسابيعكَ فتحة المرحاض .. بعدها ضقتَ ذرعاً حتى من عدّ الفصول التي كنتَ تُميزها من أنواع " البيجامات " – الورديّة المُقلّمة صيفاً والصفراء الكالحة شتاء – ثمّ ..) آه .. أي غبي أنت .. أجبه بسرعة / بدقّة / بخذلان حقيقي / حقيقيّ جدّا ، إنّه مُحترف ويُميّز التمثيل وألإفتعال بحكم الخبرة والممارسة والعبقريّة برمشة عين .. أجب بمذلّة حقيقيّة لكي لا يُعلللللل.. قووووو.. نكَ من .. أو ..... يضع....وووووو.. ن ....... فييييييي ...

-- يا سيّدي .. بصراحة ما عدتُ أدري .. لأنّي ...

وسالت دموعك .. دموعاً حارّة وذليلة .. أبقت الهراوة بعيداً عن عظامكَ المُتكوّرة في نصف دائرة مركزها البسطال ألأحمر الشهيّ كشفق غروباتٍ غامضةٍ وعنيدة ..
-- ليسَ مهمّاً .. نُقلتُ الى هنا منذ حوالي سنة ونصف ووجدت خلقتكَ هنا قبلي ..

( يضحك .. )

-- ما هي قضيتكَ ؟

يبدو لك من – من تثاؤب صوته – بأنّه ساهم ومسترخٍ حدّ إلإنطلاق الليلة .. خطرٌ عليكَ .. عليكَ أن تحسم الموضوع بسرعة ودقّة ، فأحشاءك المزحومة لن تقوى على الإنتظار أكثر وتكاد ان تقطع أنفاسك ،و تلسعُ قدميكَ الحافيتين الى حدّ لا تستطيع السجود إليه إلأ بركبة واحدة :

-- أنا يا سيّدي مجرم وخائن وجاسوس ..
-- لصالح مَنْ تعمل ؟
( هاه .. صحيح لصالح منْ ! )
-- أنا يا سيّدي قضيتي سيا ..

وإبتلعتَ مؤخرة الرعب كي لا تتهاوى فجأة مثل مكنسة عتيقة .. عندها بدأ صوته يعلو:
-- أدري فهمت .. ولكن ما هي ؟
-- والله يا سيّدي ما عدتُ أذكر .. منذ سنين وأنا مشطوب مثل سبّورة بعيدة .. ما عدّتُ أذكر شيئاً او أعرفُ أحداً غير وجوه الأحذية .. أوه لا .. سيادتكم .. أقصد أعرفكم .. حضراتكم حتى انني لم أرَ أحدا منكم .. أصواتكم في أُذني دائماً لأتذكّر شروط الذهاب وألإيّاب من وإلى الحمّامات .. أعرف بساطيلكم لأنها في عيني دائماً وتماماً .. وأعرف جيّداً بأنّ صاحب البسطال بالجلد ألأحمر الناعم هو الذي يَعُدْ بسرعةٍ أكبر عندما يخرجنا الى جنّات المياه بينما ألآخر ذو الجلد الخشن المتآكل قليلا من ألأسفل فيتثاءب عدّة مرّات قبل أن يُكمل عدّه .. تعرفون سيادتكم ..
فجأة ، يرن في اللممر اللامرئيّ صوت أكثر رخامةً وجبروتاً ، صوت أعاد لعظامكَ طعم الرعشات المتصابية النائية :
-- نعم سيّدي .. !!
هبّ الرجل ، وهوت الهراوة على زندكَ بقوّة وألقتكَ وسط الغرفة ، ألفيت نفسك وسط المحجر مُلطّخاً بأشياءكَ ألتي فرّت من مكامنها في لحظة خذلان مُفاجئة فملأت سماواتكَ الرطبة بالنتانة ، خلتها ، للحظة ن وكأنها تنفلت من ذاتكَ المُترعة بأشياءها والتي تفرز رائحةً مُشابهةً أحياناً ..
إنطلقت الهراوة بإتجاه ما لتترككَ وحيداً مُمَرّغاً بمُخلّفات بقاءكَ ألذي خجِلت منهُ حدّ إنفراط ألدمع ألذي ترسّبَ في ثُمالة عينيكَ إثرَ ألإلتصاق ألمُطبق بجسد ألأرض ألإسمنتيّة أسفل جسدكَ الذي لم يتوانَ عن إطلاق فضائحه دُفعة واحدة ، ولكن فجأة، شعرتَ بدبيبٍ ما يُداعب وجهكَ للمرّة ألأولى ، ترفعُ صخرة رأسكَ لتجد كوّة تسري عبرها نسمات هواء أقلّ نتانة .. ثمّة سهام ضوئيّة تخترق الباب . تنهض / تلملم أشلاءكَ لتجد ما لم يخطر على بالكَ أبداً / بابٌ مفتوح / علامة إستفهامٍ كبرى ، بحجم الدنيا أجمعها ، تفغُرُ أفواه جحيماتها لإلتهامكَ ..فها أنتذا ، أخيراً ، وبعدَ ما لا تدريه من الأعوام ، تجد نفسك إزاء العالم .. العالم الذي ما عُدتَ حتى تشكك بوجوده أصلاً ، لا يفصل بينكما غير باب موارب ، سَهَتْ هراوة عن كتم أنفاسه في لحظة إنفلات .. تتيه في لحظة سُكرٍ صوفيّة ، لم تملك زُحامَ دلالاتها في رأسكَ ، إنّها لحظةُ ألإنبثاق ألأولى تُفلّي جدران رأسك ، فتنبعث فيروز الصباح المبللة بعبق الورد/ المتفصّد من إمتلاء زند إمرأة – قد تكون إمرأتُكَ – المُتململ على وسادة وجهكَ المغمور بضوء الصباح المتسكّع على الستائر وألأرصفة وقامات أعمدة الكهرباء البعيدة .
تناى النتانة عن أغشية أنفك لتصطلي في رأسكَ ألأسئلة بينما تنفتح تجاويف دماغك علّها تحتوي لحظة ألإندهاش ، تُحاولُ رسم تضاريس المبنى وجغرافيّة المكان ، إلا إنّ علامات إلإستفهام لا تني عن توسيع حلقاتها .. فها أنتذا تحيا عالمكَ المُلق المُفرّغ من كلّ شيء ، بلا نساء يتمادينَ في تحريكَ مؤخراتهن لإغتيال لعابكَ ، بلا شوارعَ تُسحَلْ على أرصفتها ، بلا " أعدقاء " يستنفرون لسانك ليتدلّى بالهزء والشتائم ليفرغوها في قوائمهم السريّة .. فلتبقَ غائراً في صمتكَ وأمتار جدرانكَ ألتي لا يُزاحمُكَ فيها غير الصرصار الذي تستضيفه دائماً بألفة رفيقٍ قديم لم يُقدِم على شحذِ أسماء زملاءه في ليلةٍ يشي تألقها بإنبجاس الفضيحة !
تدخُلُ عُتمةَ متاهاتكَ ، تستجلي ظلمتها ، علّكَ ، في لحظة إنبثاقٍ ، تعثر على ذكرى ما قد تُعيد رسم ملامح ال 26 عاماً المشطوبة في عُمقِ ذاكرةٍ إستسلمت لخرابها .. ولكن ( تقول لنفسكَ ) لا بُدّ وأن ثمّة صندوق أسودَ كبئران أسرار الطائرات المُهشّمة يُكمن في ثنايا روحكَ التي إستطالت إنقراضاتها بين أربعة جدران وبساطل حمر وهراوة . . تغوص عميقاً ، تجدّ في البحث عنه ، تشعر به يغور عميقاً ، فيكَ ، ماكثاً تحت أكوامٍ هائلةٍ من كثبان ليليّة بإنتظار فرق الإنقاذ التي تتسلّل عبر كوّة الشقّ الهائل الذي هوى عليكَ فجأة على هيئة بابٍ نأى عن قفله .
لحظات سحيقة تمضي ، تقف في عُمقها كالمتسمِّر ، وكأنّكَ تتوضأ من ذاتكَ بنسمات ألألق ألتي أخذت تُرطّبُ أحشاءكَ وكأنها نافورة ما .. كلا ..كلا .. أوه أقصد نعم . نعم . نافورة يتطافر منها ألماء حاملاً شلاّلات ضوءٍ تعرفه .. نعم . نافورة تعبثُ بضجيجٍ مُرٍّ على ضفّة " ساحة ألتحرير " ، أسفل كياناتٍ خارقة الألفة ، كائناتُ حقيقيّة تنبعثُ من طين الخلْق المُتصحّر في الفضاء الذي تصبّ فيه أشباح شارع الرشيد والسعدون والنضال والجمهوريّة و.. ياه ! أيّةُ قابلة هذه التي تمدُّ اصابعها الشبحيّة في رأسكَ المُثقل بانسحاقاته ..! أيّة شاشاتٍ تولد فيكَ أللحظة لتشهدَ جسدكَ العاري في عُمقِ نافورة تُحلّقُ في أجوائها كائنات جواد سالم .. لا سلمان .. وتقصد سليم رغمَ كلّ ميتاته المنتصبة في عُري فضاءٍ مُدجّجٌ بالدمع وألأمنيات وصدى صفعاتٍ تتجدّدُ دائماً .. نعم . تغمسُ أكفانكَ في عمق الماء علّكَ تُطهّرُ نتانات الوحشة ألمغروسة فيك .. تتمدّد في عُري ألماء وتُدخّن .. ألله .. تدخّن سجائر ولاداتكَ القادمة .. ولكن كيف .. كيف ستهرب ؟؟!
وتَعجبُ إذ تتبدّد فيكَ رائحةُ البساطيل الحمراء بقياطينها ألمظفورةُ كذيل حصان طفلة ستعانق عبثها المُتقافز على ظهركَ فتُقاوم رغبةً جامحة بالصهيل كي لا تُفزع " لارا " لارا ألصغيرة المُترفة ألتي ربما ستكون إبنتكَ .. من أعضاءكَ ألتي ما عادت تذكر إمرأة .. أيّةُ إمرأة ، فقد فاتكَ أن تغفو بين نهديّ إمرأة لها طعمُ الحليب و رائحةُ نهر .. ما كان لك .. أيّ تشوّشٍ هذا ؟ أيّ جنون ؟ مرّة .. حدث ذلك قبل الهجرة ! .. حلُمتَ بأنّكَ تستيقظ لتجد ساقكَ محشورةٌ بين فخذيّ إمرأة يتهادى في عينيها أألقٌ طفليّ ، ها هو ذا أنفكَ يتمطّى برائحة التفّاح الممزوج بعبير نهدين أثقلهما إنبلاج فجرٍ غامض مُترسّب في جوفٍ مجهول .
أما قُلتُ لك بأن ثمّة صندوق حلمٍ أسود يختبىء بين ثنايا روحكَ ؟ يُحاولُ تجسيد أحلام مخبوءة في رحمٍ سوّرته قرون هائلة تتشكّلُ على هيئة حاضر أبديّ تغوص فيها حدّ ّإلتهام ألمسافة ما بين ما أودعَ فيكَ وما يتسلّلُ منكَ ، وينفلت صوب لا جدوى لا حدود لجحيماتها ..
تُحاولُ أن تستجمع أشلاءكَ مرّةً أخرى . تشعر ، لأوّل مرّ ، بسرفةِ زمن يتدلّى في رأسكَ ، يخترقُ أنفاسكَ ويشعلُ لهيباً في دمكَ الذي أخذ يهرول في شرايينكَ مٌغادراً زرقته المُتكلّسة .
ألباب ألموارب : سؤال بحجم دنيا قديمة ، تماثيل من صمت وجليد، تُغري بألإستباحة ..

( عليكَ أن تهرُبْ .. )
تتبدّدُ ظلماتٌ محتشدة في الجحور ، لقدميكَ الحافيتين حيوات آخرى ، حنجرتك تكتسب طراوة مُفتَقدة ، أما ذاكرتكَ فتنتفخ فيها بالونات سعادات بعيدة ، تُعاودكَ الرغبة الجامحةُ بالصهيل ، تنفضُ عنكَ ألصدأ المُتكلّس بلحظة إنتعاشٍ تغزوكَ دُفعةً واحدة ، ثمّة مدن يمكنها أن تولد فيكَ .. تخطو .. إنها خطوتكَ ألأولى ، ثفاجأ من ثقلِ جرأتها .. هكذا . خطوة ثمّ آخرى .. ثمّ آخرى .. ينفتحُ ألممرُّ بوجهكَ ، ثمّة سماوات في ألأعالي ، ثمّة شمسٌ لن تقوى عالى النظر إليها .. خطوة آخرى وأخرى .. رأسكَ يسمو / لا وقتَ للقلق / ثمّة ما يولد / واصل خطوتك مثل طفل يتهجّى لعبة إمتطاء ألأكوان أوّل مرّة / تركض مُجتازاً " غرفة ألإحتفالات "/رائحة التيزاب / محاجر أخرى وأخرى / أسلاك شائكة على اليمين / حاذر / لغطٌ متكاثف / طأطىء رأسك لآخر مرّة .. إنحنِ / إسجد ْ / إزحف / حاذر من دوي لهاثك / لُذْ بلأرض الرطبة / إزحف / نافورة جواد سليم تناديك ، تُصهلُ فيك / أسكن / إهدأ / فكّر : ألحديقة كمين مفتوح رغم إخضرار المعنى .. لُذ بالجدار / رحمكَ / إالتصق به حدّ التوحّدْ / يخربش جلدكَ ؟ لا بأس .. / ثمّة نافذة واطئة / إنحن / إسجد وإنطلق زاحفاً / البوّابة على بُعد أنفاسٍ منكَ / إستنفر حواسّكَ / ثمّة رائحة تقترب / تزحف / تقترب .. تسكن ُ / تفتحُ عينيكَ فتدهمُكَ ضوضاء بسطالٌ أحمر تنبت على سطحه هراوة سوداء ، تتسلّق الهواء لتستكين على كتفك :
-- إلى أين ؟!
تُصارع رقبتكَ المتدليّة ، تستجيرُ بغضاريفها علّك تنال معجزة النظر في عينيه .. وترى لحظة إنتصارك ألقصوى في لحظة شاسعة أكثر إتساعاً من شقّ في بابٍ ما ، قاوم لأوّل مرة رتاجات إنغلاقه .
ورغم إصطفاق الصندوق ألمودعُ فيك ، إلا أنّكَ بكلّ بهاء الخارج من موته ، ترفعُ له رأساً معبّأً بالصراخ ، تنظر في عينيه ، تكزّ على أسنانكَ خوف إنطلاق الصهيل ، تهوي الهراوة على رأسكَ ، ثمّةَ ما يتكاثف في حنجرتكَ ، وقبل أن تتهاوى كمكنسةٍ عجوز ، تتناقل الجدران أصداء نهيقٍ مُرّ .. أصداءٌ جالت في الفضاء وكأنّها أنباء إنعتاقاتٍ سرّية ..



#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - محاجر