أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - سياط .. - قصّة














المزيد.....

سياط .. - قصّة


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 877 - 2004 / 6 / 27 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


تثاءب مرّة أخرى . كورّ ذيله بسأم ليستلقي على مؤخرته . دندن مع كلمات الأغنية المُنطلقة من المذياع المركون في واجهة " جبار أبو الشربت " ، بصوت ممطوط :

" وشوكهم نسمة جنوب
وسّيرت لأهل الشمال .. "

سئم من الإستلقاء على ظهره فأنقلب متمدداً على بطنه مُسنداً رأسه بكفيه بينما أخذ ذيله بضرب إسفلت الشارع بتناغم مع إيقاع الأغنية . صفعت نظراته وجوه المارّة التي لمح فيها خوفاً وعذابات قلق بدا له مجهولاً في تلك اللحظة .
فكّر بمواصلة تسكّعه كأن يذهب ليقعي كعادته في ركن مُنعزل في مقهى قذر أو يذرع الموائد مُلتهماً ثرثرات السكارى وقشور المزّة والقيء المر الممزوج بطعم العرق ألرخيص و " المغشوش" .. ولكن .. فجأة دوّت في أعماقه صفّارة الإنذار تُنبئه بإقتراب كارثةٍ وشيكة . كفّ عن التثاؤب . أغمض عينيه اللتين فرّ منهما النعاس الى الأبد . حدقّ في رأسه ليفكّ رموز اللوحة التي إرتسمت في أعماقه . باغته في البدء عالم غامض مغمور بدخّان متكاثف . لحظات ، ثم أخذ كل شيء بالإنبلاج أمام عينيه . رأى جبالاً شاهقة تدبُ عليها ملايين الأقدام و الوجوه التي إلتهبت فيها شعلة من الرعب والجوع والمصير المجهول .. بينما أستمر ، في المقابل ، جيش جرّار بالزّحف ساحلاً أسلحة لم تكفّ لحظة عن زلزلة الأرض و حرث سفوح الجبال المحروقة . وفي لحظة ، بدت له ، بليدة ومرعبة ، تشابكت الجموع بضراوة ثم تلاحمت بشكل هائل مكوّنة بحراً دمويّاً هائجاً هدر راكضاً كحمم بركانية ساخنة ، شاهراً أمواجه المُتلاطمة التي أخذت تسيل ساقطة من بين الجبال مشكّلة شلالاتٍ مُرعبة شرعت بالإنقضاض نحو المدينة محطّمة في طريقها كل شيء .. كل شيء !
همس في سره هازئاً " هذا هو الطوفان العاشر ! " .
حينذاك حل الرعب محل الهزء ، فحاسّته بإستشعار الخطر غير خاضعة للشك أو الجدل ، فتح عينيه بوجل فألفى نفسه ممدداً في مكانه . عجب حينما رأى المدينة على حالها لم يمسسها شيء و الأغنية نفسها ترنّ مخترقة أرجاء الشارع .. لم يعاود التفكير بالذهاب الى بار أو مقهى .. أرخى لأطرافه العنان وركض قافزاً من شارع الى آخر ومن مدينة الى مدينة غير مبالٍ بذيله الذي كان يصفع مؤخرته وكأنه صوط مشحوذ .

* * *

عندما عاد بعد مضي أشهر قليلة ، أو ربّما أعوام ، وجد المدينة نصف مهدّمة ينخرها الرعب والخراب وآثار الطوفان الدمويّ بادية عليها بوضوحٍ قاسٍ .. مرق الى أول بار صادفه فأحاطته ثِلّة من الوجوه الغريبة التي سرعان ما ألفها . دارت الكؤوس والثرثرات بينهم ، ولمح في عيونهم وجهه الذي أضفت عليه الأيام سحنة ذئبية لا تخطئها العين .

همس لنفسه : " مُمثّلون تافهون في حظيرة قذرة ... لسنا أكثر من ذلك !"

إعتلى أحد السكارى المنضدة القريبة منه ملوّحاً بقنينة العرق التي رفعها بطرف ذيله ، ثم شرع بالرقص والصراخ ، وقبل أن ينزل ألقى خطبة بليغة في صدقها وبذاءتها وقد ختمها بعبارة تليق بأن تصبح شعار المرحلة القادمة .. هتف :

" أنا فأر .. إذن أنا موجود ! " .

ضجّ الجمهور بالضحك ثم تعالى التصفيق و الهتاف .. فرغت الكؤوس وتبعثرت القناني . داهمه شعور طاغ يُُنبئه بأقتراب بزوع فجر مجده التليد . أحسّ بفرصته المنشودة وكأنها تكاد تلامس فكّيه . تحفّزت في أعماقه الأمنيات القديمة .. إنتصب واقفاً فاستدارت نحوه الوجوه المنتظِرة بحركة واحدة . ساد الصمت للحظات حتى وثب لقظم فرصته . زعق بصوتٍ مُتقَنْ :

" لابُدّ من وضع نهاية لكلّ هذا الخراب ... لا ..بُ .. دّ من نها ....ية ... "

تعالت صيحات الفرح وضجّت القاعة بالتصفيق ثم رددت الجموع كل تلك الأكاذيب القديمة بصوت هادر :" ل .. ي .. س .. ق .. ط الأعد ......اء "
ضاعت الكلمات مع الضجيج وابتدأ تحطيم الشبابيك والأبواب والمناضد حتّى خرجوا الى الشوارع شاهرين أذنابهم التي بدت كسياط شُحذت بعناية فائقة ..



#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحتراق ..! - نصّ
- حوار شخصي مع عبد ألهادي سعدون ..!
- خمسة مسافرين .. في خمسة زوارق ورقيّة ..
- إنّهم يقتلون الجياد .. !
- روزاليندا ..!
- اليوم ألأخير للمطر ..!
- وقت للحب .. !
- مجانين
- إستمناء آخر
- محاجر


المزيد.....




- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - سياط .. - قصّة