أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .















المزيد.....

- رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 23:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنه "رشيد" .. شاب صغير كان فى مثل عمرنا ويسكن بجوارنا فى نفس الحى ..لم يكن رشيد مثلنا إلا فى العمر والبنيان فقط , ولكن عقله كان عقل طفل لم يتجاوز الثالثة .
فرشيد كان معاقاً ذهنياً ولكن مصائبه لم تتوقف عند هذا الحد فقد كان يعانى من تعلثم فى لسانه مع حالات من الصرع تنتابه من وقت لأخر مع وجود حالة من التشنج العصبى فى قدميه تجعله يسير وكأنه يترنح .
لم يكتفى رشيد أن يجمع كل هذا التشوه فحسب ..وكأنه ينتظر المزيد , فقد زادت بلواه بوجود حالة من إنسياب اللعاب من فمه بشكل مستمر مما كان ينفر الكثير فى التعامل معه .
"رشيد" كان فى حالة يرثى لها مما كان يثير الإشمئزار للبعض ..ويدعو البعض الأخر من المشاغبين ومتخلفى الإنسانية للسخرية منه !!..كما كان هناك بالفعل من يشفق ويألم على حاله .

أحببت رشيد وبدأت أكون معه علاقة من الود الجميل ولم ينفرنى منه حالة سيولة اللعاب المنسابة من فمه بالرغم من تأنفى فى أمور أقل منها شأناً ,وقد يرجع هذا بسبب أننى أحببت هذا الزهر البرى ...كنت أحضر له الحلوى وأتذكر عيونه الطفولية وهى تهفو لقطع الحلوى ليلتهمها بنهم وفرحة غامرة .
"رشيد "كان مفتونا بى لأننى أحببته ..وأراد أن يقلدنى فى تدخين السجائر فسمحت له بذلك على أمل أن ترضى غروره فى أن يكون مثل الكبار ..ولم أجد حينها أن السجائر بالمصيبة التى ستؤذيه فيكفى ما يحمله على كاهله من المأسى والعلل .

راودنى سؤال أخذ يلح على بقوة .. لماذا رشيد هكذا ؟!..كان هذا السؤال يطرح نفسه بقوة مع بعض الأسئلة الأخرى لتكون البدايات القوية لإقتحام أفكار كانت محصنة أو يراد لها أن تتحصن .

ما ذنب رشيد فى أن يعيش الحياة بهذا الشكل البائس ؟!..لماذا إفتقد للحياة الطبيعية التى نعيشها ؟!..لماذا حرم من متع الدنيا التى كنا نحياها ما بين اللعب واللهو وقصص الحب مع الفتيات ورسائل الغرام التى كنا نكتبها .

لماذا هو هكذا .؟!
ماهو موقف رشيد من إعراب الله والحياة ؟!

حاولت أن أجد إجابات لأسئلة كثيرة تدافعت لذهنى وأبت أن تتركها .؟..سألت ..لأجد الإجابات لا تقدم شيئاً سوى أنها فتحت المجال لأسئلة أخرى تتناسل لتزيد الأمور تعقيداً وتضع ثوابت كثيرة على المحك .

طرح البعض مقولة أن حالة " رشيد" هى حكمة إلهية لا ندركها ..فأجد أنه رد لا يجاوب أكثر من أنه يتهرب من المأزق .
فأمامنا أمر واضح الدلالة بإنسان إختلت فيه وظائف الحياة ليصير كمسخ بشرى لا يمكن أن نعتبره لوغاريتم يصعب فهمه ويجعلنا نهمله تحت دعوى الحكمة الإلهية ..
أعتبرت هذه الإجابة هى عجز عن التبرير ومحاولة تجاوز التناقض بتخدير السؤال .

هناك صاحب أخر أفتى بأن حالة "رشيد" هى درس يقدم لنا نحن الأصحاء لنحمد الله على نعمة الصحة والعقل .!!
عندما سمعت هذا التبرير أحسست برغبة فى التقيؤ على مثل هكذا تبرير .!
هل جعل الله "رشيد" مسخاً بشرياً حتى أحمده وأسبحه ..هل تحول "رشيد" إلى فأر تجارب يمارس عليه كل التشويه حتى يحقق غرورنا الغبى بالنعمة والتمايز على المرضى والضعفاء لنردد فى نهاية المطاف "نشكرك ونحمدك يارب ".!!

صاحب أخر لم يتوانى أن يعطى مبرر أخر أكثر قسوة وبشاعة ..فقد فسر حالة "رشيد "بأنه عقاب إلهى لأهل رشيد على خطية وذنب ما إقترفوه فى حياتهم .!
صعقت من هكذا تفسير ونقدته بصوت لا يخلو من الحدة والعصبية .
هل خطأ الأهل يتم تصديره لإنسان برئ كرشيد لم يفعل شيئاً فى دنياه يستحق عليه أن يكون بهذا التشوه والمسخ .
فى مثل هكذا تبرير يفتقد الله صفة الرحمة والعدل , ولكنى تذكرت أن صاحب هذه الرؤية إتكأ على فكرة أن أدم خرج من الجنه على أثر المعصية فحمل الأحفاد وزر هذا الفعل بالمعاناة فى الأرض ..كما تلقى فتاوى الشيوخ والكهنة بظلالها على هذه الرؤية , فعندما تقع مصيبة وكارثة طبيعية ما يلقوا بتبعتها على الله الذى إنتقم من القتلى لشرورهم ومعاصيهم ,وتم نسيان أن هناك أطفال لقوا حتفهم فى هذا الزلزال أو الإعصار .

إحترت فى أمر رشيد لأسأل والدى سؤالى الحائر لماذا رشيد هكذا .؟
لألقى ردا ً شبيه بمقولة الحكمة الإلهية ولكن بشكل أكثر فجاجة !!..لقد قال والدى :" وإنت مالك وما شأنك" لماذا تفكر فى هذا الأمر ولماذا تدس أنفك فى مثل هكذا أمور ؟.
أحسست أن الرد ينم عن العجز أيضاً ويحاول أن يتهرب من إشكالية السؤال بجواب ديكتاتورى فظ يؤسس لفكرة ومنهجية " فلنقتل الأسئلة بلا رحمة ".

تمر شهور قليلة ..
سمعنا صوت صراخ وعويل من بيت رشيد ..هرعنا لمعرفة ما سبب النكبة التى حلت بهم ..!!
إلحقينى يا أمى ...لقد مات رشيد .

حزنت على فراق هذا الزهر البرى الذى عاش بيننا ..أبكيته وحزنت على رحيله حزناً عميقاً ..فلم يكن رشيد سوى إنسان بائس جاء بلا دعوة ..ورحل بلا معنى .
حضرت عزائه ..ووجدت عيون كثيرة تدمع على هذا الإنسان البائس الذى رحل عن الحياة ولم يحظى منها بشئ جميل ... فقد تم تشويهه أحسن تشويه ولم يبخل عليه الله إلا بكل ردئ ..ثم قصف عمره فى النهاية وهو لم يكمل العشرون عاماً .

تداعى على مسامعى عبارات يقال عنها أنها معزية ..لقد مات رشيد وذهب إلى رحمة الله ..لقد رحمه الله هو وأهله من المعاناة والألم .
ماهذا الكلام الأهبل الذى يرددوه ؟!..أليس الله الذى سيستقبله برحمته هو من خلق رشيد بهكذا تشوه ..ألم يحسن الله تشوهه بحيث لم يترك شئ ردئ وإلا إصطفى به "رشيد ".
ما هذا الهراء الذى يقولونه ؟! ..ألم يعانى رشيد سنين عمره؟ ..ألم يعانى أهله من الألم والمعاناة طوال حياة رشيد ؟...أين كانت الرحمة ؟..هل كانت معطلة ؟!!

بدأت أسرح فى حياة بشير البائسة وحياتنا التى نمرح فيها طولاً وعرضاً ..وبينما تتداعى ذكرياتى عنه , تسلل إلى مسامعى حوار بين بعض الزملاء حاولوا به كسر حدة المشهد الدرامى .
فهناك من أفتى بأن رشيد سيكون مصيره الجنه ..لقد أدخله صاحبنا الجنة كمجاملة وتعزية لأهله وتخفيف الحزن عنهم ..لأسأل نفسى سؤالاً ..أليس دخول رشيد الجنة السمائى هو ظلم لأصحاب العقول ؟!
فما المشكلة أن أقضى عشرون سنه من عمرى متخلفاً ..أو قل مائة عام ثم أعيش إلى مالانهاية خالداً فى الجنة !!...
زميل أخر حاول أن يكون عقلانياً ومنطقياً فأفتى بان رشيد لن يورد على جنة ولا على جحيم لأنه ببساطة لم يكن تحت الإختبار أو كما يقولون ليس تحت التكليف .!!

ياااااه... يعنى رشيد ليس له حظ فى السماء كما كان على الأرض !! ..عاش فى الحياة هامشياً ومأساوياً , ويكون حظه فى السماء أنه خارج الخطوط .!!!

وما زالت إشكالية " رشيد" قائمة لاتجد لها حظاً ولا إعراباً ...



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
- الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
- حاجات غريبة .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
- الساسة يسطرون الأديان - اليهودية كنموذج .
- السادة يخلقون الأديان .
- حاجة غريبة .. الله ومسلسل التحريف .
- المقدس والتغييب وسر التخلف .
- خرافات الأديان (2) - خلق الأرض والنبات قبل السموات .!
- الإنسان والذهب .
- أشياء تدعو للخجل (2) - تحليل الدعارة .
- القضاء والقدر والمكتوب .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا . (2)
- أشياء تدعو للخجل (1) - إبراهيم خليل الله .
- خرافات الأديان (1) - الحر هو من فيح جهنم .
- حد فاهم حاجة .
- الصحراء تفرض كلمتها .
- النكاح فوق التنور .
- بانشى فى بيتنا .
- أريد أعيش كإنسان ..ذاك أفضل جداً (4)


المزيد.....




- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .