أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - بطل من هذا الزمان















المزيد.....

بطل من هذا الزمان


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 2744 - 2009 / 8 / 20 - 08:15
المحور: الادب والفن
    



يمتلئ صدر الأميرال أحمد بالنياشين ، لدرجة انه أوكل جنديا بترتيبها كلما استبدل البدلة العسكرية بأخرى ، وكان الجندي يعتمد على صورة مكبرة تبين مكان كل نيشان على بدله الأميرال ، حسب المقياس ألمليمتري.

لم يحصل الأميرال أحمد على نياشينه بسبب بطولاته العسكرية . فهو لم يخض معارك حربية حقيقية ،ولا أحد يعرف كيف يمكن أن يتصرف لو واجه حربا حقيقية ، ولا يبدو انه سيخوض معركة حربية في المستقبل ، إلا إذا اعتبرنا التصريحات استعدادا لإنزال ضربة قاصمة بالمعتدين نوعا من الحرب ، وفي الحقيقة لو سئل المواطن ضد من يتوقع حربا ، لضحك من غرابة السؤال ، فالمواطنون لا يعرفون عدوا يهدد بلادهم ... ولكن هذا الكلام الحربي ، بات يردده كثيرون منهم كما يرددون النشيد الوطني في المناسبات السعيدة لجلوس سيد البلاد على رأس السلطة بحفظ الله وصونه .

ومع ذلك كان صدر الأميرال معرضا لكل النياشين التقديرية والبطولية ، ويقال أن بعضها اقر خصيصا له ، مع أن أحدا لا يعرف أي بطولة قتالية إجترحها الأميرال ، إلا تصريحاته التلفزيونية.

كان قائدا للأسطول ، وقريبا سيحتفل بمرور 30 سنة على قيادته للأسطول الحربي، وحتى لا يفهم تعبير أسطول خطأ نوضح انه ليس أسطولا أمريكيا مثلا ، أو أسطولا لدولة أوروبية .. وان أسطول الأميرال أحمد عبارة عن خمسة قطع بعد أن غرقت القطعة السادسة بسبب قدمها والصدأ الذي فتك بحديدها .

والقطع البحرية هي ثلاث قطع خفيفة التسليح والحركة ، مع حمولة محدودة من جنود البحرية لا تزيد عن خمسة أفراد في كل قارب ، تقوم بمهمات حراسة السواحل والمياه الإقليمية ، ومعظم المتطاولين حتى اليوم كانوا من صيادي الأسماك من دول الجوار ، وعادة يجري حل الإشكال بتقاسم الأسماك ، بين الجنود والصيادين .. لمنع وقوع أزمة علاقات دبلوماسية وحرب اعلامية عبر كل وسائل الاعلام من تلفزيونات وراديوهات وانترنت وصحافة مطبوعة بين الدول الشقيقة. وبالطبع دائما هناك حصة من أفخر الأسماك للأميرال أحمد. وإضافة لهذه القطع التي تؤدي دورها العسكري الوطني في ضمان أمن البلاد والمواطنين ، هناك البارجة العسكرية ، من موديلات الحرب العالمية الثانية ، جرى تحديثها ، بإضافة حمالات أعلام وبراويز لصور سيد البلاد .سعتها تسعون جنديا ، ولكنها تبحر دائما بمائة وثلاثين جنديا ، عدا طاقم المطبخ المكون من خمسة وعشرين عاملا . وهناك غواصة عسكرية ، سعتها خمسة وستون جنديا ، وطبعا عشرة أفراد في المطبخ حرصا على تغذية البحارة بما يليق بهم وبجهودهم العسكرية في خدمة الوطن . وهناك مجموعة من خفر السواحل يستعملون القوارب المطاطية ، ويقضون معظم نهارهم في صيد السمك . ولا بد من ارسال أطيب انواع السمك للأميرال أحمد ، لأن حبه في القلوب هو جزء من حبهم الوطن . وهو قائدهم وراعيهم وصهر عشرة من ضباط البحرية ، كان يختار المصاهرة حسب جمال الضابط ، الأمر الذي يشير الى جمال مؤكد تتمتع فيه أخته ، ومن يرفض مصاهرة ابن العائلة العظيمة التي تدفع مهرا يجعل الضابط وعائلته من أغنياء الدولة وذوي الكلمة التي لا ترد في أجهزة الدولة .. وأخيرا يمكن إضافة فرقة الكوماندوز البحري ، الذي يتميز نشاطهما الأساسي بالاستعراضات التي تلهب حماس الجماهير .

أكثرية معارك الأميرال البحرية جرت ضد أهداف وهمية ، وبحضور مختلف الملحقين العسكريين الأجانب والعرب ، وهو ما يمنع بالتأكيد الأطماع الصهيونية والامبريالية من التفكير بغزو البلاد .

عادة تجري المناورات في قلب البحر ، دون الخروج من المياه الإقليمية ، إذ تبحر القطع الحربية ، بقيادة الأميرال الذي يقود المناورة من مركز قيادته في البارجة ، حيث يستضيف الملحقين العسكريين ، ويقدم لهم شروحا حول المناورة وأهدافها ، ويبدأ أطلاق النار على أهداف وهمية ، تصاب كلها بالتأكيد دون خسائر في قطع الأسطول ، وطبعا التلفزيون الوطني يبث الانتصارات بثا حيا ومباشرا ، وتجرى المقابلات مع الأميرال أحمد ، ويتحدث بمصطلحات عسكرية تسحر المستمعين مثل :

- طوقنا ، ضربنا ، لاحقنا ، أوقعنا ، التففنا وحققنا مفاجأة إستراتيجية قاتلة للعدو ، أخذنا المبادرة الإستراتيجية ، وطردناه خاسرا ذليلا من مياهنا الإقليمية ، بعد إن مزقنا مخططه لاختراق دفاعاتنا البحرية وإقامة رأس جسر على سواحلنا.

ولكن في الحقيقة أن صحفيا مدسوسا كتب أن ما يشغل بال الملحقين العسكريين خلال كل المناورة ، حضور الحفل الشرقي الراقص ، وتناول المشروبات الروحية ،المحرمة حسب القانون في البر ، ولكنها موجودة بوفرة في مقصف البارجة .. إلى جانب أفخر أنواع الكافيار ، وأفخر أنواع السمك وفواكه البحر ، وتقريبا لا يهتمون بتطور أحدات المناورة التي يشاهدونها كل سنة مرة . ولكنهم في النهاية يصطفون بالدور لتهنئة الأميرال أحمد على انجاز مهام المناورة بكاملها ، وأنهم سينقلون لوزراء دفاع بلادهم ، انطباعاتهم عن الجاهزية العسكرية المرتفعة لجنود البحرية وأسطول البلاد .

ذلك الصحفي اتهم بالخيانة العظمى والتجسس لصالح العدو الصهيوني . وهو في سجنه ينتظر صدور قرار الحكم .

هذه المناورات وتغطيتها الإعلامية ترفع معنويات المواطنين ، لدرجة يتوهمون أنهم أصبحوا دولة بحرية عظمى.. وأن نصر الله قريب ضد الصهيونية والاستعمار... ولكن لا أحد يعرف كم يستغرق من الوقت وصول بحريتهم لسواحل العدو من أجل مقاتلته وهزمه ، ولا كيف سيخوضونها ضد الاستعمار ، الذي يستطيع إصابة كل قطع أسطولهم من مسافات بعيدة دون رؤيتها بالعين ، بل عبر تحديد مواقعها بالأقمار الصناعية.

بعد كل مناورة وتغطية تلفزيونية وتصريحات أميرالية ، يجري تكريم الأميرال في مجلس الشعب، وفي قصر سيد البلاد.وعادة يمنح الأميرال هبة مالية ، كانت سابقا بالدولار ، واليوم مع هبوط قيمة الدولار صار اليورو أوجب لتكريم عظماء الأمة وحارسي الوطن ، ومن المتوقع أن يهبه سيد البلاد مليون يورو اعترافا بدوره العسكري الوطني في ضمان أمن البلاد .

بعد انتهاء المناورة الأخيرة ، وبينما البارجة تعود إلى قواعدها ، والأميرال يستريح فوق مقعده العريض ، مغمض العينين ، يفكر فيما سيحصل عليه من تكريم وهبات وشهرة ،وإذ بصوت مراقب البارجة يخترق اذنية عبر الخط الأحمر الداخلي:

- سيدي القائد ، هناك ضوء أمامنا لقطعة بحرية كما يبدو..إذا واصلنا التقدم بهذا الخط سنصطدم بهم.

انتفض الأميرال واقفا ، مسرعا لمركز قيادته ، وأمر المراقب أن يرسل إشارات إلى مصدر الضوء ينبههم إلى ضرورة تغيير مسارهم بعشرين درجة على الأقل ، تلاشيا للاصطدام .

نفذ المراقب الأمر... وتلقى جوابا وقحا بالإشارة .. احتار هل ينقل الجواب الوقح أم يرسل إشارة أخرى ؟ ولكنه ملتزم بأوامر قائده .. فحسم أمره :

- سيدي الأميرال ، ردوا على الإشارة بوقاحة ، يقولون لنا آن نغير نحن اتجاهنا بعشرين درجة .

غضب الأميرال أحمد ، وصرخ بعصبية :

- سنقضي عليهم كما قضينا على الأعداء ..

وبعد أن تمالك أعصابه وقال للمراقب :

- أرسل إشارة بأننا بارجة عسكرية يقودها الأميرال أحمد ، وأننا في مسار تصادم مؤكد ، ويجب أن يغيروا فورا مسارهم بعشرين درجة .

نفذ المراقب الأمر ، وجاءه الجواب ونقله فورا للأميرال :

- سيدي جوابهم يقول ما يلي : أنا بحار بسيط سيدي الأميرال ، وأنا أناشدك أن تغير مسارك بعشرين درجة.

من الصعب وصف غضب الأميرال ، بحار بسيط يواصل تحديه . سيلقنه درسا لن تنساه البحرية خلال قرن كامل . وقال للمراقب أن يرسل إشارة لذلك البحار الوقح بأننا سفينة عسكرية وأوامرنا يجب أن تطاع ، وإلا سينزل بكم عقابا رهيبا .

وجاء الرد من البحار البسيط :

- سيدي الأميرال أنا مطيع لأوامرك ، انا مشغل الفنار ، ولا أستطيع تغيير مكان الفنار ، أرجو أن تنحرف عشرين درجة حتى لا تتحطم بارجتك على الصخور أمام الفنار !!

نبيل عودة – كاتب وناقد وإعلامي فلسطيني – الناصرة




#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل قبلة...!
- قصة : 2 + 2 = 5
- دهر كامل في ستة أشهر!!
- قصة : أرملة ... على الشاطئ
- أرملة ... على الشاطئ
- من يريد استعادة زوج مثل هذا ؟
- كيف صار الديك استا ؟!
- هل يقود التعنت الاسرائيلي الى فرض حل دولي ؟!
- رئيس البلدية عام 48- يوسف الفاهوم-انقذ الناصرة من التشريد وا ...
- الديك الفصيح لم يعد يصيح
- حقائب الأمل... رواية يورام كاتس نص صحفي لا يرقى إلى مستوى ال ...
- وقاحة عنصرية ...!!
- يهودية وهابية في إسرائيل!!
- الحاوي صار مجرد بيبي!!
- جرأة متأخرة...ولكنها ضرورية!!
- لم يخلق الديوك للصياح فجرا فقط !!
- ليبرمان يريد المزيد من التشويه لتاريخ فلسطين وشعبها
- حكومة المستوطنين تعلن الحرب على مواطني اسرائيل !!
- صعوبة العودة الى الحجم الطبيعي
- صعوبة العودة إلى الحجم الطبيعي


المزيد.....




- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - بطل من هذا الزمان