أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الحيدر - ما قيل عن فراسة المارشال














المزيد.....

ما قيل عن فراسة المارشال


حيدر الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 2641 - 2009 / 5 / 9 - 08:53
المحور: الادب والفن
    



الخبر الذي اُشيع في المدينة توسع وانتشر ورددت أصداءه القرى المحيطة بها ,
حتى أصبح في حُكم الحقائق المؤكدة لدى معظم الناس .
وهوََّ : إن المارشال يمتاز بفراسة ٍ غريبة ٍ لا مثيل لها عند أي من البشر .
فهوَّ يستطيع التعرف على مُناوئيه بمجرد نظرةٍ بسيطةٍ من وراء نظارته السوداء .
وقيل : إنه يستطيع قراءة أفكار الآخرين على بُعد مئات الأميال .
وقيل : إنه يرى صوراً لوجوه اعدائه في لحظات تأملاته الخاصة ،
فيسهل التعرف عليهم فيما بعد .
وقيل ايضأ : إنه محاطٌ بعددٍ من العرّافين الكبار يقرأون له الطالع كل صباحٍ ومساء ،
وقيل ... وقيل الكثير عن المارشال حتى تضخمت شخصيته وأُحيطت بها هالة ٌ من علامات التعجب ، وصار الناس يهابون بطشه وفتكه ، فإنفرد في استبداده المطلق .

***
كنتُ واحداً من بين مئات الأفراد الّذين إكتظت بهم سجون المارشال ودهاليزه المظلمة ،
وأنفاقه الرطبة التي تزرع اليأس في النفوس ، وتدس اليها الموت ببطئ .
كانت تلك الأمكنة لا تميِّز بين النساء والأطفال والشباب والشيوخ ،
فقد توزعوا بمكرمةٍ من المارشال في زواياها بتهمةٍ أو بدونها .
يوم ألقوا بي هناك كنت متردداً في تعاطفي مع الثوار الَذين يخططون للإطاحة بالمارشال ،
وتساورني الشكوك في مقدرتهم على تحقيق الإنتصار .
وإن َّ بذور الامل التي ينثرونها لن تثمر أبداً .
هكذا كان شعوري وبرغم ذلك فقد إعتقلوني بمجرد الشك في عدم ولائي لسلطة المارشال

***
ذات يومٍ لم نكن لنُميِّز فيه بين الليل والنهار ...
وكيف لنا أن نعرف ذلك في قاع تلك الظلمة الدامسة .. ! ؟
دخل السجانون علينا بهراواتهم الغليظة ،
وإقتادونا ضرباً وركلاً وعتلاً الى الساحة الكبرى لحامية البلدة .
ووزعونا على شكل طوابير في صفوفٍ طويلةٍ ،
بعد أن كبلوا أيادينا الى الخلف وأحكموها بوثاق من حديد .
وأخبرونا بواسطة مكبرات الصوت أن المارشال سيصل بعد بزوغ الشمس ،
لكي يتعرف بنفسه على المخربين من أعدائه فينالوا جزاءهم رمياً بالرصاص أمام الحشد .
وإنتظرنا طويلاً حتى إنتصفت شمس الظهيرة ،
ومرَّت الدقائق ثقيلة ً في حساب الزمن الّذي لم نعرف كم تبقّى لنا منه .
أخذت ساقاي تصطكان ببعضهما ولا تقدران على حملي من شدة التعب والإرهاق ،
وأوشكتُ على الإستسلام للمصير الّذي ينتظرني في حال وصول المارشال ...
وأخيراً إنطلقت الأبواق ُ معلنةً عن وصول المارشال ( صاحب الفراسة الفريدة )
إنتابني الإضطراب وتسارعت نبضات قلبي ودكت أضلاعي بعنفٍ ، حين بدأ المارشال بإستعراض المحتجزين وإطلاق رصاصة ٍ غادرةٍ على رأس من يقع عليه إختياره .
تساقط العشرات مضرجين بدمائهم ...
وإقترب موكبه من الطابور الّذي أقفُ فيه .
فأيقنتُ بإقتراب الأجل وإرتخت مفاصلي ،
ويبس لساني وتهيأت جمجمتي لتستقر فيها رصاصة من مسدس المارشال .

* * *
تبصّرتُ الشمس لأمتع ناظري بآخر لحظات اللقاء معها .
رأيتُ أشعتها تخترق أديم الأرض ،
تابعتها فإذا بالأرض تنشق رويدأً رويداً وينحدر إاليها دماءُ الضحايا .
وبلمح البصر إنبثقت من بين تلك الشقوق سنابل خضراء ،
نَمَتْ بسرعة في الحال وإرتفع قوامها الممشوق ،
وتحولت إحداها الى فتاة بثوب أخضر، ووجه صبوح وعينين مزينتين برموش ذهبية .
إبتسمتْ بوداعة ٍ وتقدمت نحوي ،
وشدت على ذراعي بلمسةٍ رقيقةٍ ، ثم عانقتني بشوقٍ وقبلتني بحرارة .
شعرت بقوةٍ عارمةٍ تثبتُ أقدامي ، وشحنةٍ عاليةٍ من الشجاعة تسري في شراييني .
فعادت نبضاتي لطبيعتها ، وإنزاح من بين ضلوعي ذلك الخوف الّّذي كان ينتابني .
أحسست ُ بالإطمئنان حين تأملت جميع السنابل الخضراء وهي تعانق السماء .

* * *
بعد لحظات مرَّ المارشال من أمامي .
حدقني من خلال عدستي نظارته ،
فرمقتُ فيهما شزراً ونظراتي تُهشمُ أسوارهما لتخاطبه بصلابةٍ :
ـ إني أمقتك أيها الطاغية المستبد ..
لم تستطع فراسته المزعومة التي قيل عنها الكثير أن تقرأ أفكاري ، وتتعرف علي َّ .
ومضى عني وهو يأمر بفك قيدي .
حينها أدركتُ أن كل َّما رُوِِّج عن تلك الفراسة وهمٌ وزيفُ وكذبٌ وخداع .
خرجت من تلك التجربة وأنا مصممٌ هذه المرة للالتحاق بصفوف الثوار .
وبدأْتُ من ساعتها أزرع الرعب والخوف في قلب المارشال حتى توقفت نبضاته تماماً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيدر الحيدر ـــ بغداد ـ مايس 2003
من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات أحلامي )



#حيدر_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزائر الغريب ما عاد غريباَ
- العجوز لمْ تمت بعد /قصة قصيرة
- ما زلت بيننا يا عادل كوركيس
- قصص قصيرة جداً
- البحث عن الحقيبة الضائعة
- اسم الوليد القادم ابوذر
- الغراب وبيض العصافير
- رحلة الصعود / قصة قصيرة
- نابو / مسرحية
- الوردة البيضاء تغني / قصة قصيرة
- ماء يتدفق من بئر بترول
- النبع العظيم في الارض الطيبة / مسرحية للأطفال
- هذيان عند أطراف السماء
- الضباب في امريكا / مسرحية
- العجوز الشمطاءعند خط الشروع / قصة قصيرة
- نهاية الثعلب الماكر / مسرحية للاطفال
- أنا.. وأنا
- الصنم الذي هوى وتهشم / قصة قصيرة
- ذلك الرجل كان اسمه صخي / قصة قصيرة
- الانتظار /قصة قصيرة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر الحيدر - ما قيل عن فراسة المارشال