|
العجوز الشمطاءعند خط الشروع / قصة قصيرة
حيدر الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 2618 - 2009 / 4 / 16 - 04:25
المحور:
الادب والفن
كانت ليلة غاب عنها القمر، ساعة افزعتني تلك المرأة العجوز. حينها كنتُ مستلقيا على ظهري فوق ذلك السطح الترابي الناعم لبيت بغدادي قديم ، تحيط معظم جهاته مستطيلات منتظمة من قطع ( الجينكو )المخروم بين مسافة وأخرى بفتحات دائرية من الاعلى تسمح بمرور الهواء في ليالي تموز وآب . أطَلتْ العجوزُ بثوبها الداكن المخيف من فتحة ( البادكير) * كان اول ما ظهر منها اصابعها الطويلة التي تنبت في مقدماتها اظفار معكوفة الى الاسفل كأنها مخالب حيوان مفترس . ما لبثتْ ان دفعت بكتفيها الى الاعلى من الفتحة واخرجت رأسها الأشمط الكثيف ، وما ان نظرتُ الى عينيها الحمراوين اللتين يشع منهما بريق مرعب حتى كشفتْ عن انيابها المدببة البيضاء واخذ تْ تقهقه بصوت مرتفع متشنج اشبه بنعيق. تشق بقهقهتها عنان السماء ، الا ان احداَ من الجيران لم يسمعها سواي انا المرعوب من هول تلك المفاجئة ........... قفزت ُ صوب مشربة الماء المصنوعة من الفخار،المثلومة من اعلاها . امسكتـُها بكلتا يدي ، ثم رميتها بإتجاه الشمطاء . لكن المسافة القصيرة التي تفصلنا افرغت تلك المشربة من ثقلها ، فسقطت امامي ، كقطعة من اسفنج خفيف . تعجبتُ من تلك الحالة الغريبة ! بيد ان العجوز استمرتْ في نعيقها المخيف مشيرة لي بأصابعها المرعبة ، مما جعلتني اهرب منها راكضاَ تبتلع قدماي شوارع الليل هلعاَ .............. هرولتُ خلف حافلة نقل الركاب ذات الطابقين ، لغرض اللحاق بها فقد كانت آخرحافلةٍ تتجه صوب المرآب في تلك الليلة . لم يكن الشارع المفروش بالأسفلت الاسود يزدحم بألناس في آخر الليل، الا انني كنت اصطدم بزرافات من النساء ذوات عباءات سود ، يقطعن عليً طريق اللحاق بالحافلة الحمراء ....... ركضت غير مبالٍ بهن ،وقد ازداد عددهن غير المألوف في تلك الساعة المتأخرة . وحين وصلت الى مقربةٍ منها ، اذا بالعجوز الشمطاء تظهر امامي من جديد مقهقهة وهي تحول بيني وبين ركوب الحافلة .... عكستُ اتجاهي فراراَ منها . تركتُ الشارع والحافلة والناس والمدينة بأسرها .... عبرتُ مسافات حتى وصلت لحافات القضبان الحديدية الممتدة طولاَ ، وانا بين الذهول والارهاق احاول ان استجمع قواي ،............ يمر قطار سريع من امامي ، اشاهد اصحابي ممسكين بأبواب عرباته ....يلوحون لي بفرح : اصعد ..اركض .. اسرع .. الحق بنا .. اسرعت راكضاَ خلف قاطراته بتوازي تلك القضبان ، حتى امسكت ُبذيل آخر قاطرة ، واذا بالعجوزالشمطاء تدفعني بقدميهاالصلبتين ، وهي تنعق من على تلك القاطرة ، تدحرجت بين القضبان ، ........ شعرت بالحصي وهي تصطك بظهري واضلعي .... تقلبت فوقها متألماَ . نهضت لعلي اريح عظامي قليلاَ من تلك الحصي الناعمات التي تفترش الثكنة القديمة في معسكر المنصورية . لم اتعود النوم فوق الحصي من قبل ، لكنها كانت الليلة الاولى لألتحاقي بكتيبة تدريب الدروع . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *البادكير : منفذ للهواء في البيوت البغدادية القديمة . حيث يمتد بجوار الجدار من السرداب حتى اعلى سطح البيت . والسرداب : بناء تحت الارض اي الطابق السفلي من البيت . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * حيدر الحيدر / معسكر المنصورية ـ ديالى /11/8 /1974 من مجموعتي القصصية ( أصداء تدوي في فضاءات احلامي ) ترجمها الى اللغة الكردية الاستاذ : محسن بني ويس ونشرت في جريدة خانقين في تموز 2004
#حيدر_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية الثعلب الماكر / مسرحية للاطفال
-
أنا.. وأنا
-
الصنم الذي هوى وتهشم / قصة قصيرة
-
ذلك الرجل كان اسمه صخي / قصة قصيرة
-
الانتظار /قصة قصيرة
-
رسالة متأخرة الى صديقي كامل شياع
-
س..ايها الرجل المسكين/قصة قصيرة
-
المسرح الاليزابيثي وتطور الدراما في انكلترا 1576 1603
-
وأنا احلمُ .....
المزيد.....
-
مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
-
روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
-
الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور-
...
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
-
على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس
...
-
الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
-
“جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|