أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد علي - في ليلة حالكة من ثمانينات القرن الماضي















المزيد.....

في ليلة حالكة من ثمانينات القرن الماضي


عماد علي

الحوار المتمدن-العدد: 2504 - 2008 / 12 / 23 - 09:47
المحور: سيرة ذاتية
    


كانت القرية مترامية الاطراف واسعة المساحة شبيهة بمدينة من غير خدمات تُذكر لانهم مغضوب عليهم من قبل السلطة لكونهم خلقوا و هم من طائفة ما،تعيش فيها منذ عشرات السنين شريحة من المواطنين المنتمين الى الارض و الوطن بكل ما فيه و مخلصين له دؤوبين على العمل شغوفين على الحياة السعيدة الجميلة متعاونين مع البعض متسامحين بعيدين عن الشغب و الاعتراضات حتى، مؤمنين بالعيش الكريم ملمين بالبناء و معمل الطابوق و تحملوا الصعاب ككافة العمال والشغيلة في معامل الطابوق بما فيها من التميز و التحلي بالصبر و التحمل معتمدين على قوة البدن مصممين على تحسين وضعهم المعيشي بامكاناتهم الذاتية و حرصهم على تامين مستقبل اجيالهم .
هكذا عاشوا و تعايشوا الزمان و تكيفوا مع كل متغيراته من حيث الوضع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي ، و لمثابرتهم و اصرارهم على تخطي العوائق تمكنوا من تحسين ظروف معيشتهم و لم يلتفوا كثيرا للمتطلبات السياسية من تغيير الانظمة و كان جل اهتمامهم هو العيش بامان و سلام ، وعلى الرغم من ذلك برز منهم العديد من المناضلين و كافحوا حسب افكارهم و معتقداتهم و ايمانهم بقوميتهم و شارك بعض منهم في الثورات التحررية الكوردستانية و قدموا تضحيات بالروح و المال ، الا انهم كانوا مسالمين مهتمين بالوضع الاقتصادي و التطور الثقافي اكثر من غيره بشكل عام .
على حين غرة ، قرر النظام الدكتاتوري و في غفلة من الزمن و لغرض سياسي ايديولوجي بانهم ليسوا من مواطني هذا البلد الذي ولدوا و عاشوا فيه و قدموا له و ضحوا من اجله قبل ان يولد الدكتاتورنفسه و اجداده ايضا بعشرات السنين . اتذكر جيدا انهم كانوا متنوري العقول و متنوعي الافكار و العقائد و مؤثرين على المكان الذي تواجدوا فيه بشكل جيد ، فمنهم من كان قوميا معتدلا و ناضل في صفوف الحركة الكوردية التحررية ، و منهم من كان يساريا حتى النخاع و وفٌر كل ما لديه من الفكر و العمل من اجل الطبقة العاملة ، و منهم من كان وطنيا احب بلاده اكثر من القوميات و الاطياف الاخرى ، و منهم من كان ليبراليا و ان كان فيهم لا يعلم ماهو الفكر و الاعتقاد وما هو عليه ، و منهم من كان متعمقا في دنيا الروح و الدين و التصوف دون ان يتدخل في الحزب و الانتماءات ، و القلة القليلة اهتموا بشكل ظاهري في شؤون مذهبهم على الرغم من عمق ايمانهم و عقيدتهم القوية باهل البيت و هذا من حقهم الطبيعي .
لا اريد ان اسهب كثيرا ، و لكني اخص هنا بان اتذكر عائلة فقيرة عفيفة معدمة و متكونة من ثلاثة اخوان و اخت و امهم ، و كانوا من اقرب اصدقائي و اهتموا بشؤونهم الذاتية و افادوا كل من عرفهم ، جاسم الكبير خريج اعداديةالصناعة و كان ذكيا و لم يكمل دراسته لظروف عائلته و اراد ان يعيل اهله باقرب وقت ، كان يساري الفكر و العقل و الهوى والاخلاق و الادب ،عطوف محبوب و حسن العيش و المشرب ، على الرغم من فقر عائلته الا انه خصص وارداته لشراء الكتب و اقتنى مكتبة كبيرة نسبة الى ما كانت عليه القرية و كان ملما بالقراءة و الثقافة و اقدم كثيرا على مساعدة الطلاب و قدم نصائحه القيمة الثمينة لهم و ساعدهم في واجباتهم ، و الاخر قاسم كان عسكريا مسالما لا يريد الا السلام والعيش بامان لعائلته و لاهل القرية ، و جليل الصغير كان كل همه الرياضة و شغف في هوايته بعيدا عن ما تحويه الحياة و جل اهتمامه كان كرة القدم و عمله البسيط في معمل الطابوق ، و امهم الشغيلة التي ناضلت و هلكت نفسها كثيرا من اجل تربية ابناءها ، اما اختهم المكافحة مشغولة بامور البيت لانشغال الام لحصولها على لقمة العيش .
في تلك الليلة المشؤومة و من دون سابق انذار ، هاجمت قوة من كافة اصناف السلطة و الحكم الدكتاتوري على القرية و ابتدئوها بعائلة ام جاسم و كان موقع بيتهم في طرف القرية ، في تلك اللحظة نقلوا هذه العائلة العفيفة المتكونة من ام جاسم و جليل الصغير و اخته نورية بعجلات عسكرية الى الحدود و سفروهم بين ليلة و ضحاها ، و لم يكن جاسم الكبير في البيت في لحظته و كان قاسم في وحدته العسكرية و هو يخدم العلم . و عاد قاسم بعد عدة ايام من وحدته العسكرية التي طالبته بالشهادة الجنسية و اصر على العودة اليها رغم نصائح كل الاصدقاء و اتذكر كم اصريت عليه عدم العودة و البقاء او الالتحاق باهله او بالحركة التحررية الكوردية التي كانت في اوج نضالها ، و لكنه رفض و رفض و عاد الى وحدته و لم يعد الى اليوم ، اما الاخ الاكبر جاسم اختفى لمدة غير قليلة بين ثنايا القرية و ساعده جميع الاصدقاء ليكن بعيدا عن عين السلطة ،الى ان التحق بعد مدة باهله عن طريق كوردستان . اتذكر تلك الليلة التي نبشنا نحن اصدقاءه ومعه مكتبته الغنية و رغم اصراره على ان ناخذها نحن ان لم نكن ضمن القافلة التي تضم العوائل الاخرى بعد حين الا اننا رفضنا و لم نتحمل اللحظات و امسينا بكاءا ، وجمع جاسم وهو غارق في البكاء من الكتب ما يتمكن من نقله معه الا ان اكثريتها بقيت لم يعلم ما يفعل بها الا ان رماها جميعا في نهر الوند الفائض في تلك الفترة و لم يبق منها شيئا .
هكذا كانت ليالي الظلم و الغارات الهمجية ، لم يفرقوا بين مواطني تلك القرية الا من كان متمكنا و دفع الكثير من الاموال و اختفى لمدة و تناسى عنه المسؤولين و بقي وهو يدفع اموالا طائلا لمن كانوا يخفونه . و بقي الاخرين بعيدين عن الاعين و انتقل منهم الى المحافظات الاخرى ، و كل هذا ليس لذنب اقترفوه و انما كل ماهم عليه انهم من الفيليين فقط و خلقهم الله فيليا و هم من القومية والمذهب الذي غضب عليه الدكتاتور و كل جرمهم انهم من نفس المذهب الذي تعتنقه الجارة العدوة المحاربة في تلك السنين ، فكم من بيت خُرب و كم من شاب مثل قاسم لم يعد من وحدته و كم مثل ام جاسم توفيت في ارض الغربة و كم من جاسم و جليل استقروا دون ارادتهم و خسروا كل ما يملكون و يعيشون الان في ديار غير ديارهم ، هكذا كان جوهر النظام الدكتاتوري ، و هذا غيث من فيض المعانات و ما عايشه الشعب العراقي بكل قومياته ، و في كل هجمة بحجة و عذر اقبح من السبب و العمل ، و حقا كانت سنين حالكة معتمة و ليست فقط ليلة مظلمة حالكة . اما بعد سقوط الدكتاتور فاستقر الوضع نسبيا و عاد العديد منهم و سكنوا في مناطقهم الا انهم لم يعودوا كما كانوا و غيٌر الزمان الكثير فيهم و لم يحصل اكثريتهم على حقوقهم المسلوبة لحد اليوم بسبب مشاكل الملكية و ما اقدم عليه النظام من التصرف بملكياتهم و مقتنياتهم النفيسة ، اما العائلة التي تمنيت ان ارى لملمتهم و اشاهد عودتهم، لم يعودوا بعد وفات والدتهم و زواج الاخوان جاسم و جليل و استقروا في ارض التي سُفروا اليها و تزوجت اختهما ايضا ، فاما قاسم العسكري مجهول المصير لحد اليوم و لا يعرف عنه شيء كما هو الالاف الاخرين الذين ابادهم النظام الدكتاتوري المقيت ، هكذا كان حال جميع الفئات و كل بحجة واهية تُحارَب بكافة الطرق.



#عماد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواقف المثقفين و مسار تقدم الشعب العراقي في الوقت الراهن
- مهنية الصحافة و معتقدات الصحفي
- هل بامكان روسيا الجديدة قيادة التيار اليساري العالمي؟
- البحوث و الدراسات العلمية اولى الوسائل الهامة لارتقاء المجتم ...
- ازالة الطابع الاسطوري الشرعي عن البنية الايديولوجية الراسمال ...
- نهاية ال(نهاية التاريخ)
- معرفة النفس بعد التامل و التركيز في كينونة الحياة
- تمازج اليات العولمة مع موروثات الفلسفات الشرقية
- قدرة الحوار المتمدن في تحقيق الأهداف اليسارية و الطبقة الكاد ...
- هل تنبثق قوى معارضة في اقليم كوردستان؟
- نظام اقتصادي عالمي جديد هو الحل للازمة الانية
- ألم يأت دور الشباب بعد تسمين شيوخ العشائر في العراق
- حان الوقت لاعادة النظر في صفة التكبر لدى امريكا
- الشفافية و طرد مفتشي مكافحة الفساد في حكومة المالكي
- تحزٌم بعض المثقفين بحزام العفة المذهبية!!
- هل الازمة المالية العالمية قوضت العولمة ام حاصرتها ؟
- هل شخصت روسيا ما فكك الاتحاد السوفيتي لمعالجته او ازالته ؟
- مهما طال الزمن سيتجه العالم نحوضمان العدالة الاجتماعية
- هل تقرأ القوى السياسية العراقية استراتيجية امريكا و نظرتها ل ...
- اليس حجب وسائل الاعلام التقدمية دليل على خوف و تخلف السلطات؟


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد علي - في ليلة حالكة من ثمانينات القرن الماضي