أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - المنصور جعفر - إنتقاد مقالات السر: حياة الوطن في تقدم الحزب الشيوعي لا في عملية إسعاف جثة الدولة















المزيد.....



إنتقاد مقالات السر: حياة الوطن في تقدم الحزب الشيوعي لا في عملية إسعاف جثة الدولة


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 10:20
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


حياة الوطن في تقدم الحزب الشيوعي لا في عملية إسعاف جثة الدولة !
تقوية الليبرالية بإسم الديمقراطية يزيد أزمة تركز ملكية الموارد والسلطة ويؤجج عنصرياتها
يحاول هذا المقال كشف جانب من الأزمة البنيوية في موضوع الديمقراطية الليبرالية في السودان وفشلها فيه وفي أكثر دول العالم التابعة لسياسات المراكز الرأسمالية، وعجزها عن تحقيق تنمية متوازنة وتقدم متناسق لحركة تطور الحياة والمعاش.

وهو فشل إستشري في السودان بطبيعة النظام العام لتوزيع موارد الإنتاج والعيش والحياة وهو نظام ليبرالي يصون حرية تملك الأفراد وإمكان قبضهم موارد عيش وحياة الناس! إضافة إلى إنتاج هذا النظام الليبرالي بشكل مباشر وغير مباشر لستة ديكتاتوريات قاتلة ، إن توالت جميعها ليبرالية مع حرية قبض المال وتركيزه موارد الحياة فبأشكال سياسية عددا: واشج بعضها أول الإستقلال بقوامة الجلابة والطائفية على الحكم والدولة، وكانت ثانيتها عسكرية أمريكية منفتحة، وإنتصبت الديكتاتورية الثالثة ديكتاتورية مدنية أمريكية بريطانية، بينما نبتت الرابعة بين بين ثم صارت أمريكية إسلامية، ثم جاءت ديكتاتورية تصفية الإنتقاضة وإتقاذ القوى الرأسمالية من اعدائها الثلاثة : من التفتت، ومن النضال النقابي، ومن النضال العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، إذ تم نقل الرأسمالية والإنتقال بها من تلك الهشاشة إلى حالة ديكتاتورية السوق ذات الإطار العسكري-الإسلامي. وقد كانت جميع هذه الديكتاتوريات أقرت حرية السوق وبالنظر في الحساب الإجمالي المقارن لحسنات الرأسمالية في السودان وسيئاتها، نجد إنها كانت بضمانها حرية النشاط الرأسمالي ديكتاتوريات قاتلة لكينونة السودان وحقوق النشاط الإجتماعي فيه.

وإذ يحاول هذا المقال كشف جزء من الأزمة البنيوية للنوع الليبرالي من الممارسة الديمقراطية أي النوع القائم على حرية التملك الإنفرادي الخاص للموارد العامة وحرية السوق وقواه الكبرى في المتاجرة بها ...كأسلوب سياسي لتحقيق تنمية وتقدم عام للمجتمع!! فإن محاولة هذا المقال كشف هذه الأزمة البنيوية للنظام الليبرالي في شكله (الديمقراطي) تتبلور وتتأثل بإنتقاد بعض المقالات الملتزمة صدر هذه القضايا الحيوية الشعبية بشكل جيد الصنع ومفيد في مضمونه بسمة عملية ترجح واثقة -بشكل قارب الموضوعية- إتخاذ الإسعاف السياسي والطريق البرلماني والتقارب بين القوى الرأسمالية والقوى المستغلة والمهمشة نهجاً وغاية تكتيكة لحل أزمات السودان، توطئة لتغيير أسلوب حياة البلاد والعباد فيما بعد! وإن كان هذا التصور موصولاً بشيئ فبمنطق الإعتقاد بوجوب الإسعاف قبل ممارسة الطب، وهو-بشكل عام- إعتقاد ومنطق سليم لا يعيبه أو يفسد سلامته سوى ان المطلوب إسعافه... ميت!

وهذه المقالات الإسعاف التي كتبها الأستاذ تاج السر عثمان وينصب عليها جهد هذي المحاولة الإنتقادية جاء بعضها منشوراً في صحيفة الميدان الغراء المثقلة بالرقابة الإسلامية وبالمثاقل الغربية التي يحاول بعض في حزبنا عدم إغضابها تأميناً له، كما زانت مقالات السر بتتابع موقع الميدان الأغر في شبكة الإتصال نشرت فيه بشكل سريع متوال ومؤتمر "الحزب الشيوعي السوداني" على وشك الإنعقاد.

وقد حدث تزامن ما لجزء من هذا النشر مع حجب عدد من مقالاتي السياسية السودانية في موقع سودانيزأون لاين في شبكة الإتصالات العالمية وكذلك حجب مقالاتي في الميدان حيث غيبت تماماً ومنعت عن النشر في أي من شكلي الميدان لسبب حدده جوابها لي أن مقالاتي علمية أكثر من كونها صُحافية!! وفق رسالة متاخرة وجهتها "الميدان" لجهدي المتنوع وشخصي الضعيف. ولعل لذلك صلة بإنتقاداتي خط الرفيق نُقد لتصفية الحزب الشيوعي وتفريغه ما أمكن من الإتجاهات الديمقراطية الثورية ومن الإتجاهات الليبرالية الأخرى. وإذ جاء هذا التنبيه و(المنع) الفوقي متأخراً إلي ففي وقت كانت نضالات الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية الثورية واالقوى لليبرالية مستعرة موقدة خارج الحزب ضاجة ضد تقييد حرية النشر داعيةً لإحترام الرأي الأخر وتقديره بصورة موضوعية ونقاش كريم دون قمع أو منع !

ويمكن تبين حقيقة هذا التطفيف الفني أو السياسي أو الخطأ العفوي وضلاله في الموقف الموضوعي والحزبي الرسمي من حرية التعبير بمراجعة كل من عدد المقالات المنشور عن السودان والحزب في موقعي القائم بعراق "الحوار المتمدن" وعدد ونوع ما سمح بنشره في أي من شكلي صدور "الميدان" ومن هذه المراجعة المقارنة يأتي للحاسب فصل الخطاب.

وكانت أكثر مقالاتي السودانية المغيبة في الميدان قد عارضت إتجاهات الثقافة السائدة في الدولة والمجتمع والحزب ودافعت عن الأهمية الموضوعية لكل من قضايا التأميم والتخطيط والديمقراطية الشعبية ورميت إلى وضع قضية التهميش الطبقي والإقليمي في السودان كقضية مركزية موجهة للحزب الشيوعي بدونها يغدو الحديث عن الإستغلال والثورة الوطنية الديمقراطية كلام ساكت، كذلك أكدت تلك المقالات المؤودة على أهمية تأخير موضوع الديمقراطية الليبرالية بكل ملكياتها وبنوكها ونشاطاتها الطفيلية الإستغلالية ووضعه تالياً وبعداً ولاحقاً لموضوع تأميم موارد الإنتاج والعيش والحياة وأهمية نزعها من سيطرة وقبضة الرأسمالية المحلية والدولية وهو النزع والتأميم الذي رأيت في تلك المقالات أوليته وصدارته لتحقيق إمكانات متناسقة لإحداث تنمية متوازنة.

إن كان الأمر مجرد تزامن غير مقصود فالخطأ يشوب إعتقادي ان الإتجاه الليبرالي الحاضر في طروح حزبي الشيوعي السوداني العزيز قد غيب عمداً هذه المقالات وتبقى صدفةً حالة الكثافة والتلاحق الفردي المريب في عملية نشر المقالات الإسعافية والبرلمانية التي كتبها في سياق ليبرالي (غير مقصود) الأستاذ الرفيق تاج السر عثمان وإن هم فيها نضالاً وفكراً وقلماً بتقدم الحزب والسودان.

وإن إضطرب مقال السر في عرض همه هذا لعوامل عددا فبطرحه ما يعتقده إتجاهاً شيوعياً طرحاً متنافراً بشكل متناقض يخلط حيناً بين "الليبرالية" و"الديمقراطية"، ويمايز أحياناً أخرى ويفصل بين التطور السياسي والمحرك الإقتصادي-الإجتماعي الطبقي اللازم له!

وقد ورد هذا الخلط والميز في عدد من مفاضلات مقاله بين "ضرورة الثورة" و"ضرورة النهج البرلماني للتغيير" وبشكل غائم هلام غابت فيه منطقية ونسقية التمايز الموضوعي بين كل من "الإستراتيجيا" و"التكتيك" وهو ما أضعف بعض النقاط الرئيسة التي طرحتها مقالات السر في مواضعات وقضايا طبيعة تنمية السودان وخلاص وتقدم مجتمعه من حالة النقص في الموارد والتكالب عليها إلى حال كفاية في إنتاجها وعدل وإقساط في توزيعها وبالتالي أدت هذه النقاط الليبرالية التي سيتناولها الأنتقاد بالتفصيل لإضعاف أصول ومقاصد عرض السر لمواضعات وقضايا طبيعة تنمية الحزب الشيوعي السوداني وتكريبه للقيام بالدور الثوري في إحداث التغيير الجذري للأسس الإقتصادية الإجتماعية والثقافية للسياسة السودانية بكل هيئاتها وأعمالها.

ولأن مقالات تاج السر الجيدة إحتوت عدداً من الأخطاء الجسيمة في صدد تصور إمكان إسعاف أمور السودان القديم قبل الشروع في الثورة على أسسه وأشكاله الظالمة! لذا فإن إنتقاد هذا الإتجاه الليبرالي في تلك المقالات يفتح مجالاً لتقدم تنظيرات الثورة الشعبية في السودان ولنشاط قواها النظرية والعملية ضد عوامل القهر والإستغلال والتهميش والإستعمار الداخلي والدولي وهي عوامل ضد هادمة وآكلة لكينونة السودان وآفاق الإنسانية.

ووفقاً لما سبق فإن هذا المقال الإنتقاد يحاول تبيين بعض التعارضات الموضوعية والتناقضات الذاتية في قيام تلك المقالات وجانب سائد في الحزب بل والحياة العامة والثقافة السائدة بالإتجاه إلى إسعاف (إنقاذ) جثة السودان وذلك بداية من المقال الأول حول النهج الماركسي الذي تكرر فيه ما تم في السودان سابقاً بين إصطلاحي "الديمقراطية" و"التوالي" بدعوى الظروف الخاصة والسياسة الواقعية وليس نهاية بمقالي السر حول إسم الحزب الشيوعي ودالات رسوخه أو دالات تغييره وتبديله (وفق) كل (مرحلة )!!؟








1- ثبت بالمقالات التي يتناولها هذا الإنتقاد:

[الثبت بخاصية تفاعل إليكتروني يمكن من خلاله النفوذ عبر العنوان إلى المقالة نفسها]

1. كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي؟ بقلم تاج السر عثمان
2. المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية الفترة: 1967- 2007م بقلم: تاج السر عثمان
3. الماركسية وقضايا المناطق المهمشة في السودان بقلم تاج السر عثمان
4. كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم والجديد؟ بقلم تاج السر عثمان
5. تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات التصفوية - بقلم تاج السر عثمان
6. الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني (ثلاثة حلقات) بقلم تاج السر عثمان
7. حول تجربة الإسلام السياسي في السودان الفترة: (1967- 2007م) - بقلم تاج السر عثمان
8. حول إسم الحزب - بقلم تاج السر عثمان
9. الماركسية وتحرير المرأة - بقلم تاج السر عثمان
10. المسألة القومية فى السودان - بقلم تاج السر عثمان
11. حوار حول اسم الحزب - بقلم تاج السر عثمان

2- نقاط الإنتقاد: (كل نقطة وفق كل مقالة )

1- في النهج العلمي والنهج الماركسي والنهج الماركسي اللينيني:

في المقال الأول "كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي؟ " تناول الأستاذ الرفيق تاج السر ضعف مشروع التقرير السياسي في طرح "النهج الماركسي" معتبراً إياه أي النهج الماركسي أوسع تطبيقات "النهج العلمي" وقد أوضح السر شؤون وشجون هذه العلاقة الجدلية-العلمية في خلاصة مقاله حيث كتب:

المنهج الماركسي أو منهج الديالكتيك المادي، يدرس الواقع من اجل فهمه واستيعابه وتغييره، وأنه يعتمد على الدراسة الباطنية الملموسة، على الأرض، للواقع، واستخلاص نتائج من الواقع لا من تصورات ذهنية مسبقة، ويتعامل مع الظواهر والمستجدات في الطبيعة والمجتمع بذهن مفتوح، ويتخصب بالحوار، دون الاستعلاء، مع التيارات السياسية والفكرية الأخر، وأنه في جوهره نقدي وثوري، كما أنه لا يدعى الحقيقة المطلقة والنهائية، وهو ينظر للظواهر في شمولها وحركتها وتغيرها الدائم، وهو طريقة في البحث، ويصل للحقائق من الواقع وبذهن مفتوح، ولا يخضع الواقع للنظرية، بل تخضع النظرية للواقع، النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغنى وتخصب النظرية، كما يأخذ في الاعتبار الخصائص والظروف التاريخية لكل بلد في الاعتبار، وأن هذا المنهج يتم تطبيقه تطبيقا خلاقا ومستقلا حسب واقع وظروف كل بلد، بالتالي هو في جوهره المنهج العلمي في أوسع معانيه.

في هذا الطرح الثر المفيد خلط طفيف الملأ ..جسيم الأثر بين كل من "النهج الماركسي" و"الأسلوب العلمي"، وهو خطأ شائع بينما لكل منهما تاريخه المعين وتميزه الخاص فما يسميه المقال النهج الماركسي يتصل بالتعامل مع التاريخ وفق معالمه الموضوعية المادية في حياة المجتمع والنسق الجدلي لحركته وهو بهذه السمات الخاصة يختلف من حيث الكم والنوع عن الأسلوب العلمي العام في كشف معالم الأشياء والتحقق منها، ولكن الخطأ الأعظم المضمر في هذا السياق و في كل مشروع التقرير السياسي هو تجزئة النهج الماركسي- اللينيني وفصمه، وهو نهج زوج ثنوي متحد جدلياً بتعلية العلاقة بين الماركسية والعلم وخفض العلاقة العلمية بين الماركسية واللينينية .

فلو نظرت أيها القارئي الكريم إلى الإيضاحات العامة لـ"النهج الماركسي" التي قدمها المقال لوجدتها واقعة في خطأ هذه الجزئية والأحدية والبعد عن المنطق الجدلي التاريخي لأحوال المجتمع كما تجدها غامضة عن إيضاح العلاقة العضوية الحيوية بين كل من "الماركسية" بطابعها الإنتقادي النظري و"اللينينية" بطابعها الثوري في مجال العمل السياسي والممارسة الحزبية لتحرر الطبقة العاملة:

فإذ تجلت "الماركسية" في نصوصها وتطور ممارساتها كنهج ثوري تبلورت وتركزت موضوعيته أساساً في جملة سياقات وفهوم وتنظيرات وحتى ممارسات البنى الفوقية للتفكير العلمي (الفلسفة والتاريخ والإقتصاد السياسي وأسس العلوم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية والحقوقية والإنسانيات والآدآب والفنون المتصلة بها) إذ تبلورت الماركسية فوقيةً كحركة ثورية في مسآئل تغيير الفهوم والأفكار والعقليات مع جانب قليل العدد - كثيف النوع- من النشاط العملي في تغيير بنى المجتمع التحتية. وهو التغيير الذي تواصلت حركته بتبلور الماركسية نفسها بحكم التسلسل التاريخي لتكون وتطور الأشياء حتى حدثت نتيجة معينة من تراكم وتواشج إتجاهات التغيير بما فيه التبلور الاولي الماركسية إذ نشأت في خضمات هذا التراكم والتواشج فهوم وممارسات "اللينينية" التي صارت لجينات الماركسية وعظامها لحماً ودم.

وقد تركزت موضوعية "اللينينية "جملةً في تأسيس وتفعيل حزب ووضع ثوري شمولي لبنى العملية السياسية لتغيير نمط الحياة المادية للناس ونصبها بثورية وشمولية ضد كل الأشكال الإصلاحية الجزئية البعيدة عن أصل التغيير في علاقات تملك موارد وأدوات معيشة الناس . وإن كانت همة "اللينينية" مولودة وظاهرة في شؤون الحياة العملية - مع وجود الفيض الماركسي في مجال تنظير العقليات- فقد إهتمت اللينينية أيضاً ولأسباب عملية موضوعية بجانب قليل ولكنه غني من بنى النظرية والفلسفة خاصة في مجال ضبط تنظير "المادة" في الطبيعة الإجتماعية، وضبط تنظير "المادية" في السياسة وبالتحديد في مجال التغيير السياسي الجذري وتكوين وطبيعة حزب هذا التغيير الجذري وطبيعة تحالفاته وأبعاد وعمق أهدافه الجذرية وشيء ليس بقليل من تكتيكاته الأولية والمتوسطة .

ومن التفاعل الجدلي بين المهام النظرية والعملية لتغيير طبيعة حياة المجتمعات كان نشوء وتمحور (اللينينية) وسؤدد ثوريتها في بناء "الحزب من النوع الجديد" اللازم للتغيير أي الحزب الشيوعي حزب التغيير الجذري الشامل بمختلف وسائل النضال: الحزب الطليعي في أفكاره وحركته ذي السمت العام الشعبي والنضالي الثوري (أي الحزب اللاشخصي واللاعنصري واللاديني واللاإصلاحي جزئي) وهو الحزب الضروري بحكم قوانين الطبيعة المادية والإجتماعية لإجراء عمليتي التغيير الجذري الطبقي والإجتماعي معاً.

ودون هذا التطبيق الذي كرسته اللينينية تبقى التنظيرات الماركسية إما معلقة في الهواء أو ملقاة على مائدة التوافق والتراضي الوطني ينتقي منها البرجواز بعض أجزاء يموهون بها حقيقة ديكتاتورية (=سلطة) الطبقة الرأسمالية إيما كانت هذه السلطة في شكلها المدني أو العسكري، العلماني السمة أو الديني.

من هذا الإيضاح يمكن إنتقاد مقولة "الماركسية" التي أوردها السر نضفة وعلقة على نحو مفصوم من كينونتها وحياتها "اللينينية"، بإعتبار إن إيراد "الماركسية" هيكل آلة نظرية منفصلة عن الطبيعة المادية التاريخية لتركيب وترتيب ونشاط عناصرها ، وتقديمها عظاماً دون لحم يشكل وجهاً مبدداً أو عدواً لكينونة الوحدة الجدلية لكل من النظرية والممارسة الثورية الفعالة: وهو وجه جديد قديم يختلف بجزئيته وتجريبيته عن طبيعة تناسق ووحدة التقدم الطبقي وكينوناته وأشكاله الثقافية والسياسية والإجتماعية مما تبلور في نهاية مرحلة إيضاح الطبيعة الثورية لعملية لإعداد الأولى للتغيير الإجتماعي والإنساني وتكللها من ثم بالعملية الحزبية والثورية التي قادها لينين بقوة الثورة الإشتراكية وقادت إلى تبلور وتطور ونشوء وإرتقاء "الماركسية اللينينية".

هذا الفصم العفوي أو القصدي في مقال السر بين كل من "الماركسية" و"اللينينية" يعزز ديكتاتوريات رأس المال ويفاقم تركز السلطة والتملك الإنفرادي لموارد الثروة الإجتماعية. بينما الأنجع لتغيير وقائع الإستغلال والتهميش في السودان والعالم هو زيادة وتائر التنظير والتطبيق الخلاق المتناسق لتفكير وممارسة "الماركسية اللينينية" معاً وحدة جدلية متناسقة الابعاد والمواضعات في السودان، لا تختلف سياستها عن إقتصادها ولا خطها للتغيير الإجتماعي عن ثقافتها الثورية.

وفي جزء محوري منها فإن نسقية تقدم المجتمع السوداني في تلبية حاجاته الضرورة تتحقق في إطار عملية التنمية الثورية النظرية والعملية لنشاط الحزب الشيوعي في المجتمعات التي يروم تغييرها. وذلك بقيام الحزب بضفر كل من نضالات الريف ونضالات المدن في كينونات نضال مشترك سري وعلني ينشط ضد كافة أسس وأشكال المصالح والسلطات المحلية والدولية لحلف شبه الإقطاع و رأس المال.

أما مجرد إتجاه مقال السر لـ(إيضاح) "الماركسية" مفردة رمزية دون كينونتها وبرامجها اللينينية في الفعل الحزبي والإكتفاء أو الإنكفاء منها بإضافة بعض تفصيلات إقتصادية سياسية نظرية عن تطورات الوضع الإنتاجي والطبقي في السودان والعالم فهو قصور خطير في مقال السر رغم أهمية إضافة مقاله بعض تفصيلات تطور الوضع الإقتصادي للنشاط الرأسمالي وبعض التنظيرات المغربة وكذلك زيادته الإيضاح الناتج منها في كثير من النواحي النظرية والعملية. فالقنوع بذكر هذه المزيات والإكتفاء من تحليلها بإيضاح بعض مقومات "الماركسية" كان هو نقطة النقص الرئيسة التي أجدبت مشروع التقرير السياسي وهلهلت بنائه وتأآخرت به عن أهدافـ(ـه ) وبتكرار ذات الخطأ إندرج المقال كما مشروع التقرير السياسي في ذات إنكفاءه في خانة عزل وتجفيف "اللينينية" وإقصاءها بشكل مضمر وبشكل واضح عن جملة التبلور الماركسي في الصيغة اللينينية وهو ما يستلب من النشاط الحزبي كينونته الشيوعية!

هذا الفصل لطائر الماركسية عن أجنحته اللينينية أي عن كينونته العملية والتغييرية في الحياة تم بصيغة الإستلاب الذي شكلته كثرة الكلام عن "الماركسية والعلم" مع إختزال أو حزف اللينينية منهما ، والسكوت عن نهجها الثوري في بناء قوى وإتجاهات التغيير الشامل.
هذه التجزئة السرية لوجود ومهمة الحزب الشيوعي في الحياة موصولة في تصريفه وتصريفها بتصور كونها مجرد مهمة ثقافية واحدة تتعلق فقط بـ(نشر) الوعي بأنشطة ومقالات مرخصة أوحتى غير مرخصة من ديكتاتوريات البرجوازية المدنية والعسكرية،في أشكالها العلمانية والدينية دون تغيير فعال للسلطات والبنى المادية التي تستغل الناس وتهمش وجودهم وتغيب عنهم الوعي وتغبشه.
الأنجع هو التذكير بأن الشيوعية بإعتبارها علم تحرير الطبقة العاملة، تقوم في بنائها النظري والعملي على الإتساقات الماركسية اللينينية وهي الإتساقات التي تشكل البنية النسبية النظرية والعملية لحركة عناصر وصور الجدل التاريخي بين تركيبة المعارف وتركيبة الأوضاع والنضالات البشرية وإتجاهها بهما إلى تغيير الأوضاع التأسيسة المؤثرة في المجتمع وخروجه من حالة التفاوت والتناقض اللاموضوعي بين تاريخه ومستقبله وحاجاته وقدراته إلى حالة موضوعية من الإتساق والإنسجام في تاريخ المجتمع وفي نشاطه.









2- تطور الرأسمالية السودانية من حالة السمات الفردية والمحلية إلى حالة تواشج البنوك والدولة:

في المقال الثاني ذا العنوان "المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية الفترة: 1967- 2007م" تم إيضاح جانب مهم من أشكال أزمة النهج الرأسمالي في الإقتصاد السوداني ولكن بإعتبارها أسباباً له !؟ وهذا صحيح لحد كبير وقد شملت تلك الإيضاحات بإغفال الفترة من سنة 1967 إلى سنة 1969 أربعة مراحل تشمل :

(1) عملية التأميم المايوية بتركيز مقال السر على سلبياتها دون موجباتها، مما يعطب موضوعية تقييمه لتكونها وإنهدامها

(2) عملية إستسلام الدولة لقروض وفروض المؤسسات المالية الدولية بعد أزمة إرتفاع أسعار النفط في غضون العامين 1972-1974 وما أدت إليه من إفلاس أو بالأصح تفليس مؤسسات الدولة وزباد مراكمة الأموال وتركيزها بفعل تضافر حرية السوق البنوك عند الرأسماليين، وهو الأساس الذي أدخلت به المؤسسات المالية الدولية جملة البلاد في عملية "الخصخصة" بداية من أوآخر السبعينيات وحتى خضوع الدولة لها بشكل كامل في أوائل السنين التسعينيات وما واشج كل هذه الخطوات الرأسمالية من فساد (و) طفيلية وهمـ(ـا) جزء عضوي في بنية النظام الرأسمالي تتراوح طبيعته بين حالة إستثمار القوانين والدولة وحالة الخروج على شكلها العاصي على مصالحه. ثم يأتي المقال إلى نقطته الفاصلة الموضحة تالياً

(3) في هذه النقطة يودع الكاتب النحرير ملاحظات إنتقادية مدعمة بإحصاءات قيمة مفيدة وثرة في معلوماتها وبياناتها ومنطقها توضح إرتباط نمو الرأسمالية في السودان في الزمان المتمدد بين الأعوام 1978 و1989 ببعض عوامل دولية منها إرتفاع سعر النفط وإنخفاض سعر الجنيه وعوامل أخرى مواشجة للعامل الدولي يمكن تسميتها عوامل محلية ماثلة في تقدم حرية السوق والبنوك وما إتصل بها من تضعضع الإنتاج المحلي وإبخاسه في عملية التبادل الرأسمالي الدولي للمنافع، وكيف زاد من هذا الوضع المطفف المبخس في الإنتاج الإتجاه التجاري إلى الإستيراد الضروري والكمالي حيث نشطت البنوك العامة والخاصة العلمانية والإسلامية بالذات في تمويل عمليات إستيراد الكمالات الباهظة لفائدة إستهلاك بعض الشرائح الميسورة في المدن مثلما نشطت تلك البنوك في نزح وتجريف وإخراج الأرباح الضخمة المتحققة بهذا الإستيراد وتصديرها إلى حسابات خارج السودان لتحقيق أرباح أخرى في بلاد أخرى والناس جوعى.في عقد السنوات البنكدولية والبنك إسلامية 1978- 1989

(4) وبعد ذا العرض المفصل الموثق الجزيل لهذه الفقرات الثلاثة إنتقل مقال السر إلى عرض تطور الرأسمالية في السودان بين السنوات المأسآة 1989-2007 موضحاً زيادة تداخل وتداغم النشاط الرأسمالي ببعضه وبالسياسة والدولة على نحو أقوى وأظهر مما كان مألوفاً في السودان: حيث تفاقمت عمليات تزجية العطاءات والرخص التجارية والحرمان المباشر وغير المباشر من الحقوق مع قمع الحريات العامة وإنتهاك حتى (الحقوق) الرأسمالية المألوفة سابقاً كالحق في حرية التعامل التجاري والحق في (سرية) الحسابات. وذلك في تدمير منظوم تولت كبره الشريحة الإسلامية لقوى السوق ومارسته بشوكة وقوة ضد كافة الأطر والأعراف السياسية والقانونية والتجارية والإجتماعية للنشاط الرأسمالي السابق تمكيناً لنفسها من السيطرة على السوق ومضاعفة أرباحها (الظاهرية) ونزحها وتجريفها إلى خارج السودان، لفائدة معاملات أخر وقد ألهاها هذا القبض والتكاثر الظاهري في الأموال والأولاد والغرور بهما عن الله حتى ألقت بأيديها وأيدي معاملات المجتمع إلى التهلكة الماثلة في جفاف السوق الداخلي وزيادة الضغوط الخارجية المتصلة بغسل الأموال ومكافحة الإرهاب ..إلخ.

يمكن وصف جملة هذا التغير الراق في أحوال الرأسمالية في السودان بأنه إتحاد من نوع جديد لأقوى عناصر السياسة الرأسمالية (البنوك والموسسات الإسلامية ) مع أقوى هيئات جهاز الدولة (الجيش والأمن) وثورتهم معاً المضادة أو الحداثية على الوضع الرأسمالي والسياسي القديم الذي كان معقوداً بدائرتي الطائفية ووكلاءهما وبالوكالات الأجنبية وبعض التجار الكبار وقلة من الرأسماليين الصناعيين يتلاعبون جمعاً وأفراداً بسياسات الأحزاب وقادتها وتتلاعب بهم. وهذا جانب موجب نوعاً ما في تطور الرأسمالية في السودان لأن إسلامها السياسي خرج بها من ضيق ومحدودية الإستثمار في خدمات النقل والتجارة وسمسرة الأراضي والبيوت وأعمال الورش ومصانع الصلصة ومعاصر الزيوت نافذاً بها إلى أقطار أعمال البنوك والنفط والذهب والإتصالات والتجارات الغاسلة للأموال والصناعات العسكرية والرسملة البنكية للقطاع التقليدي القديم بكل ثرواته الحيوانية والزراعية المهدرة. وهو تطور مهم لإحداث تغيير سياسي جذري مع مرارة حقائقه وعِظم آلامه الإجتماعية والإقتصادية السياسية والثقافية يتجاوز مسألة البكاء في حزبنا الشيوعي على تطور الرأسمالية وحرمانها من (الفُرص)! كما يتجاوز فيه ايضاً حالة الإنتظار القدري لتطور الرأسمالية في السودان في مناخ دولي إمبريالي!

وقد تم هذا التقدم الكبير في التطور الرأسمالي في السودان وسيتواصل فيه في يحموم الحالة السياسية الليبرالية السائدة الماثلة في غياب وتغييب وإقصاء سياسات متناسقة للتأميم والتخطيط وتنظيم الإنتاج والإستهلاك بعملية تنمية متوازنة. وتعني الليبرالية بشكل رئيس حرية أصحاب الأموال في السيطرة على موارد المجتمع للتربح بها والتملك الليبرالي للموارد العامة هو الحالة التي واشجت تطور الرأسمالية في السودان وفي العالم مسببة تدهور ضرورات الحياة والعيش في أكثر مناطق السودان ولأكثر السكان ولأكثر الرأسماليين. وهي حالة موصولة بزيادة حرية وتركز ملكية موارد العيش ووسائل الإنتاج (الأراضي والمشاريع الزراعية ، المصانع، وحدات الخدمات ) والميل (الطبيعي) بهذه الحالة الليبرالية لزيادة الأسعار والربح وزيادة الإستهلاك الترفي ووضع تكاليف هذا الوضع الظالم بآلية الأسعارالغالية وبآلية الضرائب الباهظة على عاتق الناس وبالتالي زيادة حرمانهم من إمكانات الإنتاج والعيش الكريم.


تأخر مقال السر في عرض تجليات ونتائج التطور النوعي التاريخي للرأسمالية وإن إهتم بعرض بعض أحداثه الكبرى مقدمَةَ بإسهام دكتور صدقي كبلو الثر، وقد ذهب مقال السر في وصف الظاهرة السياسية لتطور الرأسمالية أكثر من عرضه تفصيلات التطور الإقتصادي مما كرر إتجاه د. صدقي كبلو، بل مشى السر في وصف تطور الرأسمالية من الخارج مغلباً السياسة على الإقتصاد فتعثر في إستخلاص موقف موضوعي من تناقض حالة "تبعية الرأسمالية لمصالحها ونشاطاتها وتمويلاتها الدولية"، والحالة الزاعمة أو الموكدة أو الراغبة أوالمنتظرة لظهور "وطنية" هذه الرأسمالية رغم هذه التبعية البنيوية السائدة في أكثر دول العالم المهمشة أو ضد هذه التبعية في آن معاً"!!!!.

لعل لهذا التأخر كان تلجلج مقال السر وضعف في فرز الموقف الموضوعي جهة إستقطاب العناصر الإصلاحية الإجتماعية في صفوف الرأسماليين وجذبهم إلى صفوف الثورة ضد أسس وأشكال التسلط والسيبان الرأسمالي في السودان. و قد كان ذلك اللج والضعف في مقال السر لأن هذا الموقف الإنفتاحي الكريم لا يتحقق بممارسة جزئية تتصل بالنظر إلى وضعية النشاط الرأسمالي القائمة في مجرد لحظة زمانية سياسية معينة أو حتى بسياسة اللاحرب واللاسلم معها (= التحالف والصراع أو التعايش السلمي مع الرأسمالية) بل تتحقق الموضوعية الثورية فعلاً -كما يذكرنا دوماً الأستاذ حسن عبد الحميد الطاهر: ((في زمانها المحدد في واقعها المحدد بفعلها الملموس)) بالنظر إلى عاملين هما :

(1) الشكل التاريخي لوجود الحركة الرأسمالية وإنفرازها ككل طبقي مائز بإمكانات تملكها وحرية نشاطها في السودان بداية من عهد الحكم الإسلامي العثماني ثم إرتقاء طبيعة التطور العام لهذا الوجود الرأسمالي منذ آيام الإستعمار البريطاني في الماضي الحاضر وكذا تطوره الطبيعي الحاضر وإنسرابه في المستقبلين القريب والبعيد ضمن نهايات هذه المرحلة التاريخية المأزومة.

(2) حساب تأثير رأس المال -السالب غالباً في هذه المرحلة - على الإمكانات الثقافية والسياسية لتطور الثورة الشعبية.


أما حالة إقعاد آليات التغيير الثوري وآليات التغيير السياسي في السودان إنتظاراً لتطور الرأسمالية والبلاد لتصلح الأمور من بعد ذلك للتفكير والنشاط الإشتراكي والشيوعي في تقدمها!! فهو خطل يطلب النتيجة (التطور) قبل إحداث الفعل التغييري!! ومثله في ذلك كمثل إنتظار إقتناع أفراد الراسمالية المؤثرين الطغاة أو أفرادها المصلحين ولو كانوا لا يمثلون قيمة مالية كبرى، وقيامهم وفق تحنيس الحزب ومطايبته خواطرهم بالإلتزام ببرنامج ثوري وطني ديمقراطي لتقدم المجتمع على أسس أشتراكية تضمحل بها حريتهم في تملك موارد المجتمع والمتاجرة بها!!!؟

ولكن بحكم ظواهر الدمار الشامل التي أنتجتها الرأسمالية وسممت بها أسس وأشكال الحياة في السودان فإن النقيض لهذا العشم في الرأسمالية (المنتجة) هو الصحيح بمعيار التناسب في الفعل ورد الفعل مع الحقائق التاريخية: إذ ان تحقق موقف موضوعي جهة جملة الموارد الطبيعية والمالية والبشرية في إقتصاد السودان يتصل بنشاط الحزب الشيوعي في تقدير ووضع وإنفاذ وتقويم وتنمية نظام لارأسمالي للتنمية الشاملة للعناصر الرئيسة في حياة السودان بداية من العناصر الرئيسة في ثقافة وأسلوب عيش المجتمع إلى العناصر الرئيسة في إقتصاده وسياساته الداخلية والخارجية.

دون تغيير شمولي في إتجاه إشتراكي للتنمية ستتفاقم في الحزب وفي عموم السودان بكل تكويناته وأحزابه مواقف المثالية الفكرية والمراوحة البزينطية في فلسفة الأسماء والإصطلاحات ونسبيتها، وما في ذلك من صراعات لا مبدئية تستهلك بالقطعة والتقسيط والتجزئة مفردات النهج المادي التاريخي وتفتت جدليته الأساس في تناسب قوى وعلاقات الإنتاج تمسخها إلى مجرد جدالات ثانوية صغرى ومراوحات وإلى سجالات لغوية وإدارية مغلقة حول أبعاد هذا الإصطلاح أو ذاك، وحول صلاحية الرئيس أو المرؤوس في الحزب، ودقة هيئآته للتعامل به في وقت معين، وإمكان التحالف مع هذه الرأسمالية أو تلك لتغيير الوضع الرأسمالي العام دون نظر معتبر إلى مسألة فاعلية التحديد الطبقي العمالي النظامفكرية (=الآيديولوجية) لقياس الإصطلاحات وصلاحية عيارهابصورة عامة في سياق كل مرحلة تاريخية من مراحل الصراع الطبقي أكرر: في سياق كل مرحلة تاريخية، بدلاً عن قلب الأمور على رأسها بعملية تفصيل المراحل التاريخية ووضعها على معانى ومغازي كل فترة زمنية وإصطلاح وشيج بها جاء من تلافيف الثقافة السائدة إلى نشاط الحزب لمجرد وجود أو محاولة إيجاد صلات طيبة ما لبعض الرأسماليين السودانيين أو الإجانب بالفكر أو بالتنظيم أو بالنشاط الشيوعي السوداني ومحاولة تشويع هذه الصلات وإشاعتها وبثها في حياة السودان والحزب بمقابل بخس للحزب الماركسي-اللينيني إن وجد المقابل بعد هذا التنازل المبدئي، أو وهذا هو الحنظل: إن وجد الحزب الشيوعي نفسه وذاته بعد إطفاء لينينيته وإبداء القلق بل والندم على لارأسماليته.

في حيز عناية نقاش الحزب بالرأسمالية الحاضرة أو المعشوم تحققها في المستقبل نجد مقصاً:

فتح إصطلاح الطبقة العاملة الصناعية في جهتين : جهة البرجوازية الصغيرة بسياق مماثل "نقابة المنشأة" التي تجمع العامل والمدير، وإغلاق لإصطلاح الطبقة العاملة في جهة الكادحين والمهمشين، بإعتبارهم منتجين صغار وبروليتاريا رثة خارج الفعل الثوري وخارج الفعل السياسي ، وهو أمر يرعاه الإتجاه السائد في المجتمع الطبقي وفي نقاش الحزب مضيقاً وقابضاً معناه عن جهة الكادحين والمهمشين في مدن السودان وأريافه بإعتباره المهمش صغارا، شتات، لا ثبات ولاقرار ولا كبير إعتبار لهم بسياسة البلاد أو الحزب!!

في ناحية فتح مفهوم الطبقة العاملة جهة البرجوازية الصغيرة وتضييقه جهة البروليتاريا (= عموم العمال والكادحين) نجد إلتباس المقال والتقرير وإختلاطهما إختلاطاً شديداً فبدلاً عن إنتقاد تناول ووضع المسألة الرأسمالية في قلب مشروع التقرير السياسي بتلك الصورة التي أزاحت الوضع العمالي والإقتصادي العام وجملة ثقافته الثورية من المركز الطبيعي لها في قلب الحياة والتقرير وطردتها منه إلى مكانة هامش في فقرات مشروع التقرير نجد مقال السر قد ساير حالة مشروع التقرير السياسي في خطئه! ويمكن الإشارة إلى صور من ذاك الخلط وردت منذ بداية تناول مقال السر للمسألة الرأسمالية الواردة في مشروع التقرير السياسي الذي أعدته لجنة المناقشة العامة أخذها كما قدمت من ناحية شكلها في التقرير، أي بإعتباره وجودها المتعالي ذاك هو مسألة صحيحة مسلم بها (نوعاً ما) وهي في ذاك الوجود مجرد جزئية غائمة من تقديم وتحليل (مشروع) تقرير لجنة المناقشة العامة بصورة ضعيفة مهلهلة للوضع السياسي، وليست جزئية من تقديم وتحليل متناسق لجملة الوضع العام الداخلي بأعظم عناصره وأهم أبعاده الإقتصادية الإجتماعية والثقافية والسياسية وطرح متناسق لسياسات تكتيكية عامة لتغييره. ولو كان مقال السر إنتبه إلى هذه النقطة الشمسية لأضاف قوة حقيقية لموقفه ومقاله الإنتقادي الجسور.

كما كان ضرورة لفعالية مقال السر إنتقاد إزاحة المسألة العمالية والقومية من قلب مشروع التقرير السياسي وإبدالها بوضع عجيب للمسألة الرأسمالية في محلها مع تهميش وضع الركائز الطبقية والقومية لتنسيق وبلترة الثورة الشعبية القائمة فعلاً في كل نواحي السودان.

ولعل إنتقاد السر للخطأ الرئيس في مشروع االتقرير السياسي الإسعافي الإتجاه الذي اعدته لجنة المناقشة العامة بجهد جهيد من المناقشة المنهكة أصلاً بالخط المترهل لبنيتها الهلام الذي وضعه قلم السكرتير السياسي بشكل فردي وما تبعه من تغيب محاولة لجنة الحزب المركزية إصلاحها بأثر تواترات الأحداث ومتوالياتها بإمكانه تهديد الموقع المعنوي للسر -وهو مناضل نضير- في قلب مؤسسة القيادة الحزبية الثرية بالمناضلين (على علاتهم)، ولكنه إنتقاد لو حدث منه ضد هذا التهميش لحفظ للطبقة العاملة والشعب وللحزب وللوطن ولمقاله إمكانية أكبر للتغيير الجذري والإصلاح الشامل المتناسق بدلا عن إيراده الإنتقاد الطفيف الذي شنف به مقاله في ذوق رفيع وأدب حزبي جم زاد في تجاوزه عن الأخطاء وغفرانه لها أو إرجاءه مناقشتها لحين المؤتمر حتى غاير المقال لحد ما موضوعه وهدفه.



ان مقال السر بمناقشاته أمر الرأسمالية دون إنتقاد لطبيعة وضعها الديكتاتوري في مركز البرنامج العجيب المقترح للحزب (الشيوعي) بمجرد صياغة لجنة المناقشة أو تقدير السكرتارية، نقل من حيث يدري أو لا يدري موضوع الرأسمالية ودورها المخرب في السودان من حالة الوجود في داخل الحزب بالأسس الموضوعية التاريخية لدستوره وبرنامجه ولائحته في الصيغة الثورية الوطنية الديمقراطية إلى حالة القبول بل الإذعان والخضوع لوجود أفكار ومصالح الرأسمالية القديمة في قمة القيادة النظرية والعملية للحزب.

وبتحقق التغيير الرأسمالي في الكيان النظري والسياسي للحزب، سيفقد الحزب الشيوعي كينونة ثوريته وكينونة شيوعيته. وذلك رغم عوف السر وإنقباضه علناً وظاهراً من مسألة قيادة الرأسمالية لحركة الحزب و لجبهة أو تجمع لقوى (النضال) أو (التحول) الوطني الديمقراطي! رغم إن طرحه المنقبض كان ضمن سياق(أهمية الرأسمالية في مجال النضال الشيوعي) بتناقض أن يحققها عملاً ويعزز إنفاذها كأحد مغيرات إتجاه الحزب من الإشتراكية العلمية إلى نهج التجريب والصبر والمطايبة والتراضي والإنقاذ والإسعاف!!

كيف وقع مقال السر في هذا التناقض ؟

أولاً: إستلاب المقال بإعتبار المداخل المختلفة إما إلى طبيعة الرأسمالية وممارستها في السودان أو إلى أبعاد تطورها، وهي نظرة كونها المقال بتجاوزه الخاصة الطبقية في كتاب د.فاطمة بابكر وكتاب د.صدقي كبلو مما أضعف إمكانات عددا لزيادة البحث العلمي-السياسي في الموضوع، كما خلخلت في المقال أداة التغيير الجذري الثوري والتغيير السياسي. فبدلاً عن إتجاه المقال إلى البداية مما هو مشترك بينهما -وهو كثير- إستسلم المقال للناحية السلب والفرق البيزنطي بين المدخلين المختلفين في المقالين الكريمين بينما كان لمقال السر الإتجاه مباشرة إلى جهة الإيجاب والتعزيز والضفر بين عناصر جدل الرأيين، مما ينفذ الجدل الخلاق إلى قطر رأي جديد أكثر نضجاً من رأي الدكتورين فاطمة وكبلو بعيداً عن المحاولة المظهرية للحياد الموضوعي بينهما كرأيين ساكنين وهما ضدان جدليان .

ثانياً: سهو المقال عن تفاوت المداخل وجدلية طرحه عولج قليلاً ولكنه لم يمسك الحلقة الرئيسة لإدارة هذا الإختلاف التاريخي الثر والمفيد للخروج منه بإتجاه جديد من النوع الذي قمت بطرحه بصورة نظامية في "نقاط في دستور الحزب ولائحة وبرنامج الحزب"!

وجه هذا الفوات هونزوع المقال إلى التوفيق وجمع عناصر الإختلاف إلى بعضها ساكنة جامدة بمحاولته المواشجة الظاهرية بين الضدين الشيوعيين وإختلافهما لا في تقدير الوضع التاريخي للرأسمالية في السودان، بل في كيفية تقديرها حزبياً أبداية من سمتها العالمي وكينونتها الدولية المتمركزة أو من إتجاه سياسة معينة لإستقطابها. ويورد الأستاذ تاج السر بحرفية عالية مقاطع من أراء الأستاذين الفاضلين معقباً عليها بلا إنتقاد لأي منها وبصورة نورد في الفقرة التالية أهم ما فيها مما كان يمكن جمعه وحلجه وضفره وغزله في نسيج ثوري جديد:

يقول أستاذ السر تعقيباً على نظر د. فاطمة بابكر إلى الطبيعة التابعة والعميلة لرأس المال الأجنبي في كينونة الرأسمالية في السودان :

وفي اعتقادي أن الخلل الذي جاء في دورة اللجنة المركزية يوليو 1977م، انها لم تطرح مواصلة نهج الماركسية وقضايا الثورة السودانية في مواصلة الدراسة الباطنية لمواصلة اكتشاف مواقع الرأسمالية الوطنية التي تنزع للاستقلال عن رأس المال الاجنبي ، رغم ان ماجاء في الدورة صحيح من زاوية( علي الطبقة العاملة وحزبها ان تصارعا ضد مساعى البورجوازية الوطنية لقيادة الحركة الشعبية ، فحتى القادة الوطنيين المنحدرين منها يبقون اسري برنامجها الاجتماعي الذي يقود بالضرورة الي الارتداد علي التطور الوطني الديمقراطي)( ص، 17- 18 ).

هذا اضافة للدراسات التي انجزها الحزب الشيوعي في تلك الفترة مثل : ازمة طريق التطور الرأسمالي، 1973، دراسة حول الاصلاح الزراعي في مشروع الجزيرة ونشرت في مجلة الشيوعي العدد 145، القطاع التقليدي والثورة الوطنية الديمقراطية 1976، المتغيرات في القطاع الزراعي 1986، البنوك الاسلامية 1978، البترول، أزمة النظام المصرفي وبعد انقلاب يونيو 1989 صدرت دراسة عن الرأسمالية الطفيلية في نشرة دراسات اقتصادية 1996-1997، كما تابعت دورة اللجنة المركزية في اغسطس 2001 المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية بعد انقلاب الجبهة القومية، اضافات لدراسات مثل الخصخصة وغيرها.

فالقضية الاساسية في اعتقادي أنه ليس الغاء دور الرأسمالية الوطنية المنتجة في البرنامج الوطني الديمقراطي ، ولكن في عجز الرأسمالية الوطنية عن قيادة الثورة الديمقراطية كما اكدت تجارب حركات التحرر الوطني ، وبالتالي لايمكن أن تسند اليها الدور القيادي

بينما يقول الأستاذ السر تعقيبا على نظر د. صدقي كبلو إلى وجود تطور عددي ونوعي في النشاط الرأسمالي في السودان، وإلى تمييزه الأخلاقوي-الإقتصادوي بين ما يسمى بإسم "الرأسمالية الطفيلية "وما يسمى بإسم "الرأسمالية الوطنية" (العاملة في الإنتاج !) :

ولكن من المهم أن نأخذ في الاعتبار ان طبيعة التراكم الرأسمالي تتفاوت ولاتتغير طالما كان الهدف من اسلوب الانتاج الرأسمالي تحقيق اقصي قدر من الربح، وفي مؤلفه(الرأسمال)، المجلد الاول، يشير ماركس الي مصادر التراكم البدائي لرأس المال بقوله (ان اكتشاف الذهب والفضة في امريكا ، وافناء السكان الاصليين واسترقاقهم ودفنهم في المناجم وبداية غزو ونهب جزر الهند الغربية ، وتحول افريقيا الي منطقة لصيد ذوى البشرة السوداء علي نطاق تجاري، كل ذلك اعلن الفجر الوردي لعصر الانتاج الرأسمالي)(ماركس : رأس المال، المجلد الاول، موسكو 1974، ص 703). فالتراكم البدائي لراس المال، اذن تم عن طريق النهب، ثم انتقل بعد ذلك الي الاستثمار في الزراعة والصناعة وبقية الخدمات، وحتي في المجالات الانتاجية(الزراعة، الصناعة،..)، فان التراكم الرأسمالي يقوم علي نهب فائض القيمة من العاملين بايديهم وادمغتهم. فالرأسمالية الطفيلية في السودان التي حققت ارباحا سريعة عن طريق الفساد ونهب قطاع الدولة والتداول السريع لرأس المال وغير ذلك من الاساليب البشعة للتراكم البدائي لرأس المال، اصبحت جزءا من الرأسمالية السودانية، ومن المؤكد أن هناك اقسام منها سوف تنتقل الي انشطة انتاجية، وسوف تحقق اقصي قدر من الارباح طالما كانت الدولة التي تعبر عن مصالحها تصادر حرية العمل النقابي، وبالتالي ليس هناك فرق جوهري بين النشاط الرأسمالي الطفيلي والنشاط الرأسمالي الانتاجي، باعتبارهما من مكونات الرأسمالية السودانية، ولكن خطورة الدور القيادي للنشاط الرأسمالي الطفيلي [إنه]يترك البلاد لقمة سائغة للمؤسسات الرأسمالية الدولية ويعجل بتبعيتها لها، وبفقدان البلاد لسيادتها الوطنية، كما اكدت فترة مايو والانقاذ.


في كل واحد من التعقيبين الكريمين يركز مقال السر على طبيعة ((مسألة وجود الرأسمالية في قيادة التغيير)) وإن لم يوضح بكثافة طبيعة التغيير: هل هو تغيير تكتيكي سياسي عابر من النوع الذي يسميه "المشروع الوطني الديمقراطي"؟ أم هو تغيير ثوري جذري الطبيعة من النوع الذي يسمى بصدق موضوعي "الثورة الوطنية الديمقراطية"؟ وقد يكون رأيي تفضيل النوع الثاني الثوري الجذري للتغيير رأياً خاطئاً بإعتبار ان أي تغيير جزئي تكتيكي بحساب معين قد يؤثر كثيراً بالسلب أو بالموجبية على إمكانات تحقيق الهدف، ولكنه في هذا السياق أدق من مقال السر وقوة سعيه المتواصل والجاد في سبيل إمالة رأس المال إلى لكلكة أو برنامج "المشروع الوطني الديمقراطي" [وهو مشروع يشطب إسمه ومضمونه مفردة "الثورة" ومقوماتها] مما يشبه "برنامج غوتا" الذي نقضه ماركس: حيث نجد مقال السر في الظاهر يرواح في تناقضه خبطا وتضارباً بينما في مضمر وصريح قوله ترويج لأهمية وجود الرأسمالية وموجبيتها في برنامج الحزب (ومن سياق الوضع هو الحزب البرجوازي القادم بعد المؤتمر) وهو بالأحق برنامج لحرف وتغيير الحزب الشيوعي الحاضر على علاته عن إتجاه الشيوعية بعدما تم إطفاء النزعة الثورية فيه بإسم محاربة الستالينية ونقض إرثه النضالي السوفييتي القديم بكل حسناته بحجة نقد سلبياته!! ومع هذا التبخيس لإمكانات التفكير والتغيير الإشتراكي في العالم وفي السودان يمكن العثور على الإتجاه العام لقبول السر كينونة الرأسمالية في القمة النظرية والعملية للحزب (الشيوعي) بفحص تسلسل التناقضات البنيوية في مقاله وذلك على النحو التالي :

في جهة معينة فإن مقال السر عن تغيرات وتغييرات الرأسمالية في السودان يقوم بممارسة إنتقاد عام لطبيعة وكينونة النشاط الرأسمالي كنشاط إستغلالي طفيلي يأخذ الكثير ويعطي القليل وذلك بقوله :(( التشابك بين رأس المال التجاري وروؤس الاموال في البنوك المشتركة وشركات التامين، والي ان الهدف تحقيق اقصي عائد من الارباح ، وبالتالى لايهمهم توفير ضروريات المواطنين، وبالتالي يقفون وراء عمليات التهريب والسوق الاسود وتجارة العملة..الخ.)) وبقوله : ((ليس هناك فرق جوهري بين النشاط الرأسمالي الطفيلي والنشاط الرأسمالي الانتاجي، باعتبارهما من مكونات الرأسمالية السودانية)) ، بينما في جهة أخيرة من مقاله الحيوي يعطي قلم السر للرأسمالية دوراً فعالاً في التنمية الذاتية بقوله:(( وهذا يتطلب لجم النشاط الرأسمالي الطفيلي ودعم الرأسمالية الوطنية المنتجة في القطاعين الزراعي والصناعي)) ويعزز تاج السر هذا التعارض والتناقض مع نظره الأول بقوله الأخير :((تلعب الرأسمالية الوطنية المنتجة دورا هاما في اطار السياسة العامة للدولة الوطنية الديمقراطية))!!!


فلك أيها القارئي الصبور الكريم ان تنظر في هذه المقتطفات وأن تتأمل تفارقاتها ثم لك من ثم أن تنظر في عموم مقال السر إنتشار هذا التناقض العنقودي المتصل بمحاباة الرأسمالية ومناهضة النزعتين العمالية والريفية الذي يعصف لا بكينونة وجود ومشروعية الحزب الشيوعي السوداني فحسب بل عصف ويعصف أيضاً بكينونة وجود كثير من الأحزاب الشيوعية (الماركسية) مثل رفيقنا الحزب الشيوعي البريطاني الذي راد أو تابع نهج المنشفيك في اللعب والمحاورة مع الرأسمالية بدلاً لنهج الصراع الثوري ضدها فإنقسم ثلاثة إتجاهات+.

إن عملية البحث عن دور موضوعي للرأسمالية خارج نطاق الأزمة البنيوية للرأسمالية محلياً ودولياً وهي الأزمة الماثلة من تناقض إتجاه المشروعات الرأسمالية إلى زيادة الأرباح بتخديم التكنولوجيا والآلآت وتقليل الأجور وزيادة الأسعار والحروب هو إتجاه يضعف قدرة السوق على التصريف وبالتالي يخفض الأرباح الحقيقية للرأسمالية، مماهو مفصل في عدد هائل من المراجع وكذلك في مقالتي المؤودة في الميدان عن الأزمة الأمبريالية.


من هنا تتبين طبيعة مقال السر كمجرد عملية نظرية تحاول بشكل فوقي وسياسي أن تتجاوز الطبيعة اللابرلمانية للصراع الطبقي على الأرض والموارد في أضعف حلقات النظام الرأسمالي العالمي أي في مناطق النزاعات في الدول الفاشلة رأسماليةً، فالناظر إلى الشكل القومي وحتى الشكل القبائلي المسلح لصدام المصالح الطبقية في السودان وإعتراكها العام على سلطة الدولة وطبيعة تنظيمها وتوزيعها لموارد الإنتاج والعيش وطبيعة ترتيبها لأوضاع وسائل وقوى الإنتاج ومدى قسطها جهوده وتوزيعها ثمراته، يكشف بقوة وضوحه عن الحاجة الموضوعية إلى خروج حزبنا الشيوعي من الحالة المنشفية لإنتظار التطور النوعي للرأسمالية ومن بؤس المحاولة العبثية والتضحيات المجانية لإمالة الرأسمالية إلى صفوف النضال الطبقي ضد الرأسمالية !


صحيح أن الرأسمالية جزء مؤثر في تركيبة المجتمع السوداني ولكن كما هو معروف فإن ضرر هذا الجزء كان ولم يزل أكثر من نفعه، وإزاء قيام الرأسمالية وحرية السوق بإستغلال وتهميش الناس ونهبها منهم موارد وإمكانات الحياة في القرى والمدن، وصحيح إن هناك تفاوت في تقدير موضع دائرة السرقة الكبرى في تاريخ السودان وإقتصاده السياسي أتقع في طريق الغرب أو في نفط البلاد أو في أراضي النوية أو في مشاريع الشمال أو حتى في مشروع سندس؟ أو في نهب البرجوازية الكبيرة والصغيرة وتبديدهما أعمار المنتجين والكادحين وقيام هتين البرجوازيتين بإستهلاك آمالهم وجهودهم؟


أما في صحة وقائع الإستغلال والتهميش والنهب المادي والمعنوي لموارد وجهود وخيرات الإنتاج من عموم المنتجين والكادحين وفي قلبهم الطبقة العاملة الصناعية والزراع والرعاة فالأنجع لوجود حزبنا الشيوعي السوداني أن يخرج كحزب ثوري من الكمين الذي أوقعته فيه سياسات الإنقاذ والإمبريالي، ليس بالخروج من البرلمان الإنتقالي فحسب وهوخروج حميد لأنه سالب على وضع الحكم ككل، بل تفعيل هذا الخروج بحركة موجبة لحدوث إجتماع سوداني جديد، حركة أشد من سابقاتها لا أرخى منها حركة تخرج بالقوة الثورية للطبقة العاملة وعموم الكادحين وأزر مناضليها في العاصمة وفي مدن الريف إلى توسيع وتكريب تحالفات الحزب الشيوعي مع نضالات المهمشين في أنحاء السودان وضواحي مدنه.


ويمثل تحقيق هذا الخروج المطلوب من الحزب فعلاً موجباً يوقد له سراج النضال ويمتشق لتحقيقه سيوف الحقيقة والفداء لأنه يمثل توفيراً وتحضيراً لإمكانات أكبر لعملية بناء أسس مجتمع متناسق في موارده وفي جهوده وعائداتها تناسقاً قيماُ مستداماً بصورة إشتراكية علمية متقدمة تتقدم بقوى المجتمع من حالة نقص الموارد والتكالب عليها إلى حال تنمية متوازنة تتيح إمكانات متناسقة في مناطق السودان وبين قواه العاملة لإنتاج ضرورات العيش والحياة وشيئ من كمالاتها دون قدر زنيم من الإستغلال والتهميش.



ولكن أيكون المانع من إتجاه حزبنا إلى قوى المهمشين في مشروع التقرير السياسي وفي مقالة الأستاذ تاج السر عثمان هو: الطبيعة الثقافية الإجتماعية لغالبية قيادة الحزب؟ ففي تقرير أعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي 1977:(( القادة الوطنيين المنحدرين منها [=البرجوازية] يبقون اسري برنامجها الاجتماعي الذي يقود بالضرورة الي الارتداد علي التطور الوطني الديمقراطي))؟؟.

ربما هو ذا السبب الذي جعل التيار المسيطر في حزبنا طيلة السنوات بعد 1971 باشاً رحباً في التعامل والتجاوب مع قوى شبه الإقطاع والرأسمالية ومبادراتها السياسية الإنتهازية وحتي تعامله الأخير مع سلطة إنقلاب الجبهة الإسلامية رغم كل الجرائم التي أرتكبها ولم يزل موغلاً فيها بدعوى الإستجابة لضرورات "السلام" رغم ان حزبنا حذر في التعامل مع قوى الهامش ونضالاتهم المسلحة بضرورات "العدل" !!! لا يلقي قادة الحزب إليها هماً أو بالاً.

هم طرح قادة الحزب ومقال السر بـ"السلام" في تبرير تعاملهم مع سلطة جرائم الحرب دون هم بـ"العدل " في التعامل مع نضال حركات التحرير يسفه حقيقة مادية تاريخية واضحة بينة هي إن نضالات التحريرأخرجت فعلاً ثلاثة أرباع البلاد من السلطة المباشرة للحكم الرأسمالي المركزي وشكله العسكري الإسلامي فلم يبق لأهل سلطانه إلا مثلث حمدي يزين فيه إنتقالية حكم مزعومة بوضع بعض القادة الوطنيين مغلقين في قاعة البرلمان وبالسماح لبضعة صحف بالصدور مراقبة مقيدة مغلولة أن لا تنشر -غالباً- إلا ماهو مرخص ومسموح بنشره!

إضافة إلى الأبعاد الخطيرة على موضوعية وحقيقية السلام بخلب هذا الإنتقال الزيف من شكل رأسمالي ضار إلى شكل رأسمالي خبيث وتقديمه بالصورة الضعيفة تنظيمياً وفكرياً كحل للأزمة العامة الطبقية-الإقليمية التي إنتجت ولم تزل تنتج الحروب .

في رأي ان تخديم مفردة "السلام" تم لصالح التصورات الليبرالية وإسعاف جثة هيئتها الماثلة في دولة السودان القديم، تخديماً ضد وجود وتقدم الحزب: حيث جُعل المفهوم الليبرالي للسلام ختاماً فضفاضاً لكثير من تفاصيل المناقشة القديمة في حزبنا ومتوالياتها وتمركزها العبثاً حول (أهمية) الرأسمالية في التغيير الشامل!! وذلك في عناية أكثر بدور الطبقة العاملة وأهميتها النوعية في قيادة تقدم مجتمع متخلف زراعي رعوي ذي تركيبة صناعية وخدمية مشوهة رغم إزدحام بلاد هذا المجتمع بكم كثير من الأيادي والثروات الطبيعية والنفطية والبشرية والمالية، ورغم توافر قدر زائد يومياً من (الإنفراج الدولي) بعد تآكل وتكسر كل من سياسات "المحافظة الجديدة" وسياسات "الليبرالية الجديدة" وتحطم غطرستها في إنحاء العالم المسالمة وأنحاء العالم المحاربة.

هنا من المهم ذكر التأثير الموجب في الحالة السودانيةً للمقاومة العالمية لشروط النظام العالمي الجديد مع توالي خسائر الجيش الأمريكي وتوابعه في أفغانستان وفي العراق وفي الصين الشعبية وفي كوريا الديمقراطية الشعبية التي أجبرت أمريكا بالضغط النووي وبتسليح كوريا د.ش. الدول العدوة للنظام العالمي الجديد وبدعم المقاومة الشعبية على سحب عشرات ألوف من قواتها في كوريا الجنوبية) وفي أمريكا الجنوبية وفي الهند وفي نيبال وفي قبرص وحتى في كثير من دول جنوب أفريقيا، ورغم إنهيار تناسبات التكاليف والمدفوعات والتصاريف وأرباحها ومصارفها في تلافيف ومظاهر صدمة الأسعار وعموم الأزمة الإمبريالية الحاضرة !!












3- التناولات الفوقية والسطحية لجدل المسألة الطبقية والمسألة الوطنية:

في عرض شيق وسلاسة سلسبيل تناول الأستاذ تاج السر عثمان جدل المسألتين القومية والطبقية في السودان في مقالتين منفصلتين من سلسلة مقالاته المتصلة بسد جانب من نواقص مشروع التقرير السياسي وعموم الثقافة الثورية والشيوعية في السودان والعالم ولكني في هذا المقال الإنتقادي أشتغل عليهما معاً في هذه الفقرة لأسباب ثلاثة من موضوعية تواصلهما، ومنعاً للتكرار، ولوحدة تناولهما للشأن العام من ضلعي هذه الزاوية الهامة في البناء الثوري والوطني، وقد جاءت عناوين مقالي السر في هذا الخصوص على النحو الأتي:

1- "الماركسية وقضايا المناطق المهمشة في السودان"
2- "المسألة القومية في السودان"

جاء في صدر المقال الأول المذكور آنفاً تحذير يحمل في طياته المثير الخطر وهو التحذير المضمر في الفقرة التالية:

أشار مشروع التقرير الي سياسات الرأسمالية الطفيلية التي قادت الي( تفاقم المسألة القومية والجهوية والهبت نيرانها، فاطلت برأسها كافرازات طبيعية والتوجه الحضاري الأحادي ، ومن ثم تعذر الحياة المشتركة لمكونات شعب السودان الحضارية، دعاوي الانفصال التي يغذيها اهل الانقاذ من جهة وغلاة القوميين في حركة الاقليات القومية والجهوية المهمشة من جهة اخري. ان هذا الوضع يهدد وحدة السودان ويضعف من قدرات شعب السودان علي مواجهة التحديات الماثلة من قبل حركة العولمة والنظام العالمي الجديد في سعيهما لفرض نهج التبعية وتكريسه وتمزيق وحدة البلاد ، وهذا واقع يتطلب المشاركة النشطة في المنبر العالمي المناهض لسياسات العولمة وتوجهاتها

في جهة التحذير القويم الوارد في هذا القول الماضي والإنذار به من حالة قيام دعاوى الإستقلال في أمصار وأقاليم السودان بنفع مصالح العولمة وإضرارها بـ"المصلحة الوطنية"!! ينشأ سؤآل إنتقادي ثنائي راكز إلى منطق الضرورة الأولية، وصيغة السؤآل هي:

هل الذي يضعف قدرات (شعب) السودان جهة المظالم المحلية والمظالم الدولية هو الفعل الرأسمالي الإستغلالي التهميشي الأصيل الذي يراكم ويركز الثروات والسلطات والحقوق بواسطة حرية السوق في التحكم في الموارد الطبيعية والمالية وأمور التشغيل وحجم المدفوعات إلى الضرائب وتواليات الإستيراد والتصدير والرخص التجارية والسياسية وشراكاتهم وما يقود إليه هذا التحكم الجلابي في موارد المجتمع السوداني من تحكم في السلطة وفي توزيع تخديمات الدخل (القومي) وفي توجيه الرسالة العامة لوسائط الإعلام والثقافة بتغييب رسالة التغيير والتنمية والعدالة والمساواة في الحقوق وإعلاء رسالة المحافظة على الوضع الظالم والتجهيل بأسسه وتغبيش نظر الناس إلى طرق تغييره؟، أم ان الأصل الأصيل في ضعف قدرات الشعب (=الكادحين والمهمشين وعموم المستضعفين) وفي معاناته هو فقط حالة رد الفعل التلقائي الغاضب لحقوقه أو رد الفعل الحركي المسطر والمنظوم من هؤلاء المستضعفين أو من طلائع التغيير في مجتمعاتهم ونهوضهم به على بعض ما فيه من قصور ضد أشكال ومؤسسات سياسة الظلم الثقافي الإقتصادي والإجتماعي ونظام الحكم القائم بها؟

من الجواب المنطقي على السؤآلين السابقين بأن الإستضعاف والتهميش في السودان ناتج أصيل من طبيعة النظام الإقتصادي الرأسمالي فإننا إذ نقف إزاء الحقيقة السودانية التاريخية الماثلة في إن الظلم الطبقي الرأسمالي المركزي للأقاليم وأريافها ومدنها هو الذي يقيد ويؤجج المقاومة ضده، فبالإمكان القول بأن الحركة الدولية للأنشطة الإمبريالية المسماة بإسم "حرية السوق" وبإسم"العولمة" كحركة تدخل وتحكم دولية ستفشل حتماً في السودان بأكثر من فشلها الحقيقي الحاضر لو أن رأي مشروع التقرير بصورته المجسدة في مقال السر -وهو رأي للحزب- خرج من دائرة الإشفاق والحذر الشديد في النظر إلى مقاومة المستضعفين في أنحاء السودان لنظام التبعية في الخرطوم وترك إعتباره المشفق من نضالاتهم وتحولها عملية رجعية في المستقبل ستنصر بشكل مباشر أو غير مباشر خطط التجزئة والتحكم التي يعولمها الإستعمار الجديد !! وهو منطق يشبه قبولاً ضمنياً بالظلم القومي الحاضر ورفضاً لمقاومته مقاومة عنفية إحتراساً وخوفاً على وجود السودان القديم ولو كان ذلك الوجود السوداني وجوداً سليمانياً أي كوجود النبي الملك الوارث سليمان إذ جاوز وجوده حد الوفاة والموت إلا تبادل الإرتكاز مع عصاه، فكذا حكم السودان وجملة وجودهالقديم بكل ما فيه فهو ميت فاقد لأصل ومعنى وجوده ومثله باق ظاهر لأنه متكئ مثله على عصا في المركز، فلماذا لا يكون الحزب هو النمل الأرضي الذي حرر الناس من سطوة السلطان والكيان الميت!!

صحيح إن بعض عشواء المقاومة الشعبية في السودان وشعث رؤوسها وتغبر أطرافها بتحول أقسام منها إلى المساومة وتفتت أقسام أخرى وذهاب أخرى إلى الإحباط (راجع رسالة البطل الفدائي هاشم بدر الدين حول نشاط الدول الغربية في تفتيت حركات دارفور) قد يفيد خطط الإستعمار المتحكم أصلاً في تمويل السودان وتجارته الخارجية وكثير من وجوه تجارته وسياسته الداخلية، لكن التصرف الأنجع في تجنب ويلات الإستغلال والتهميش الداخلي وتجنب ويلات الإستغلال والتهميش الدولية لا يكون بالطلب من المقاومين الدخول في مساومة جماعية على أبسط حقوق وجودهم وحماية حياة مجتمعاتهم وقراهم من الحرق والقذف ونساءهم من الإغتصاب وعيالهم من التهجير والقتل والفظائع، الأنجع حتماً لإزالة الظلم الأصيل وويلاته ووقف نيرانه وقتل أسسه وأشكاله هو بعد الحزب الشيوعي من سخف وتوالي إغراء وإسترضاء الرأسمالية وجملة المنظومة الجلابية للإقتصاد ومركزها الأقل من 1% من سكان السودان وهي مؤئل دمار المجتمع حاضراً ومستقبلاً ، بل وصرف همة الحزب الشيوعي كليةً عن المحاولة العنيدة لإسعاف السودان القديم الذي فقد في مختلف بنياته جميع شروط الحياة الحرة الكريمة، والإتجاه من هذه الحالة العبث الدمار إلى حال حديثة لتنظيم جديد لوجود وقوى وجهود المجتمع والحزب الشيوعي السوداني وذلك لأجل تغيير نظام الإقتصاد والحكم تغييراً جذرياً بالتعاون والتعاضد مع حركات وقوى الثورة الشعبية في أرياف السودان. فبهذا التغيير الجذري -وحده- تتمكن القوى الثورية في السودان من التعامل الجدلي الفاعل والحذق والحاسم مع موضوع تجفيف وإزالة أصول التهميش والإستغلال وتسوية أشكالها الماثلة في إنفرادات وتركيزات حالة التخصيص والعولمة.

والظروف الدولية في الوقت الحاضر موجبة في جهة زيادة النشاط الشيوعي في السودان والعالم وتقدمه خاصة مع تفاقم الأزمة الموضوعية وعموم الخسائر الإمبريالية في المستويات العسكرية والإقتصادية والسياسية الدولية بل وتفاقم هذاالتفاقم في الدول (الولايات) المتحدة الأمريكية نفسها بنهاية العهد الجمهوري وتحطم صروح وطروح وديكتاتوريات "الليبرالية الجديدة" و "المحافظة الجديدة" وخروج التيار البوشي من حكمها ملوماً حسيرا وقد خسرت به أمريكا أكثر كثيراً مما ربحت. وهو الأمر الذي سبقت الإشارة إليه.

وفي ظل تحسن الظروف الدولية وكونها أرحب حاضراً ومستقبلاً لشؤون الثورة الوطنية الديمقراطية بجذورها الطبقية العمالية ومناطقها النازفة المهمشة وآفاقها التقدمية الإشتراكية في أمور الموارد والحكم وخاصة من ناحية إن أي محاولة موضوعية للخروج من الأزمة الإمبريالية ونهاياتها في مراكزها ستتصل منطقاً بعملية تجديد للسياسات الأمريكية بصورة تميل إلى تقدير المطالب العادلة للشعوب وإلى التفاعل الموجب مع حركاتها ونظمها الوطنية بدلاً عن السياسات الديكتاتورية القديمة التي زادت الدين الامريكي وأرهقت العملات والتمويلات بتذبذبها ورفعت تكاليف الإستثمار وأساءت توزيع الدخل وحطمت الفاعلية الامريكية داخل بلادها وجعلتها والأنظمة التابعة لها في العالم محلاً لهجمات فكرية وسياسية وحتى عسكرية (إرهابية) زائدة بصورة غير مسبوقة، إلا في فل الحديد للحديد.

وتوكيد هذا التوقع ومعطياته الحاضرة المفيدة لتقدم النشاط الثوري والشيوعي الخلاق في السودان والعالم موصول بمتابعة تسلسل الوضع السياسي في القلعة الإمبريالية إذ نجد ان المقاومة الواسعة في العالم للغطرسة الأمريكية وتدخلها الوقح في شؤون الدول قد غلبت صوراً من الإعتدال في إتجاه سياسات أمريكا المستقبلية غلبةً واضحة على الباقي من سياسات الغطرسة الإمبريالية التي أوردت أمريكا موارد الخسائر العسكرية والمالية المتصلة. أما لو زاد أمر الولايات المتحدة سوءاً فمن مقومات الأمان الموضوعي لوجود وحرية الحزب الشيوعي السوداني هي تعزيزه الإلتحام المبكروالعميق بمواقع الحركة الجماهيرية في البلاد والدفاع المتقدم عن قضايا حقوق مجتمعاتها وحريتها من حالة النقص في موارد العيش وتكالب الناس عليها وتقدمها إلى أحوال للكفاية من هذه الموارد والعدل في توزيعها والحرية في تنمية قواها مواردها بشكل إشتراكي علمي متناسق منظوم ، فالأمان الموضوعي للحزب الشيوعي بعيد عن إخضاعه للقوى الرجعية الرأسمالية ونائي (مثل موقف كتلة المناضل الجسور عبدالواحد محمد نور) عن إجابة الضغوط والإغراءات الدولية والنفاذ بها والدخول بهيلها وهيلمانها في برلمان عاجز في بنيته وتركيبته عن تغيير أي أمر في الدولة الظالمة إلى مصلحة الجماهير المستغلة والمهمشة.

ولكن لماذا تناول مشروع التقرير وهذه الفقرة المحبذة المقتضفة له في مقال السر موضوع العدالة الطبقية في أمر أمصار وأقاليم السودان ومقاومتها الظلم وأخذها خارج سياقها المعروف مأخذاً دولياً سالباً؟ إذ حلل مقال السر مألآت المقاومة الشعبية للمظالم في الاقاليم من جهة الفائدة التي يمكن أن تتحقق للإستعمار الحديث، بالتجزئة السياسية للإرادة الوطنية تجزئة يراها مقال السر ناتجة من المقاومة الشعبية للمظالم وبروز غلاة القوميين فيها من الناحيتين، وذلك دون أن يأخذ مقال السر بقوة أكثر موضوع العدالة الطبقية وأثرها الموجب في الوحدة الشعبية والوطنية لجهة حقوق ومصالح السكان والمواطنين في الأقاليم والتقدم من هذه الناحية المفيدة إلى ناحية أكثر وأعم فائدة ماثلة في أهمية إلتحام الحزب - كل الحزب- بنضال المستضعفين لأجل سودان جديد وضفره نضالات ثورييه في مدن السودان بنضال طلائع مجتمعات الأقاليم؟ أي بإختصار.. لماذا إتجهت فقرة مقال السر بإشفاق إلى تناول إنفجار مكونات السودان القديم في جانب وحيد وسالب من العوامل الدولية دون أن يتناول بتفصيل وموجبية كثير من العوامل الأخرى المفيدة والموجبة لفائدة هذا الإنفجار ونفعه في تطور النضال الطبقي للعمال والكادحين وتطور نضال الحزب معها وزيادتها وزيادته إمكانات بناء سودان جديد إشتراكي متحد؟

إن كان العذر والمبرر العام لهذا الحذر من مخططات الإمبريالية والإستعمار هو "الحرص الوطني" على وجود السودان القديم فلم لم يظهر هذا الحرص الوطني بهذه القوة في المقالات الأخرى التي ناقشت موضوع الرأسمالية في مشروع التقرير السياسي؟ فالرأسمالية كما ما هو معروف العدوة الأول للوطنية الحقة وهي بطبقيتها المفتت الأعظم للوحدة الشعبية والوطنية والثقافية! ولماذا لم يظهر هذا الحرص الوطني بأي شكل عملي في موضوعات وطنية جداً من شاكلة "التأميم" وضرورة سيطرة ديكتاتورية الشعب وحكوماته الوطنية الديمقراطية على أراضي الزراعة والمشروعات الصناعية والخدمية الكبرى والبنوك وإستثمارات النفط والذهب التجارة الخارجية؟ ولماذا غُيبت كثيراً في المقالات وفي النقاشات وفي أدآب الحزب وفي صحيفته -إلا مرة واحدة- مسألة "التخطيط" ؟ رغم ان التخطيط التنموي الإشتراكي الموازن بين كل من الموارد العامة، والحاجات، والقدرات البشرية والمادية، يعد بصورة عامة بيت الوطنية والعدالة الإجتماعية ولبها الرئيس في الإقتصاد ، مثلما ان الإقتصاد كعملية إنتاج وتوزيع لموارد العيش والحياة في المجتمع يعد عصب الحياة الداخلية والخارجية للدولة وموئل إحترامها لحقوق مواطنيها في الداخل وموئل إحترام حقوقها كدولة في العالم!.

هذا الإختلال بين كل من العرض السلبي لحق شعوب السودان القديم في مقاومة المظالم التي يتعرضون لها والخوف من آثاره السالبة على الوطن الممزق طبقياً والمُحتكر سياسياً والمتعنصر إجتماعاً وثقافة، والعرض الموجب لـ(حق) الرأسمالية في الوجود داخل التنظيرات الموجهة للحزب ونشاطاته، بل وفي طبيعة وشكل القيادة السياسية الجماهيرية التي يتوخاها، دون وجل أو خوف مماثل من مفاقمة تخريب النظام السوقي لتوازن وحياة البلاد والعباد! إنما يمثل تطفيفاً بيناً يشوب العدل والإوفاء في كيل وميزان الحرص الوطني داخل الحزب.

وهذا التطفيف في ميزان مقال السر بين حقوق الإقاليم المهمشة طبقياً وحقوق برجوازية المدن وجلابتها في الحفاظ على نمط الحياة والدولة القديم توجب الحالة الحاضرة لتآكل جثة التنظيم الإستعماري الداخلي في الوطن الذي أشرف به على الإندثار، توجب إوفاءه نظراً وعملاً بالتمحيص والتدقيق والإتجاه إلى بناء سودان جديد بدلاً عن الوضع السليماني الماثل ليس بتفعيل نشاط الحزب الشيوعي ضد الظلم الطبقي المركزي الظالم للأمصار والأقاليم فحسب بل إن هذه الحالة الحزن توجب إعتبار المسألة المركزية في التركيبة الطبقية الثورية لدستور وبرنامج ولائحة الحزب الشيوعي هي مسألة تحقيق العدالة والحرية في التقدم الإجتماعي المادي والثقافي المتناسق خروجاً من حالة نقص ضرورات ومعينات الحياة وتكالب الناس عليها إلى حال عدل وقسط وإشتراكية أيادي الناس في كسب مواردها وتوزيع جهودها وثمراتها، والكفاية بهذه العدالة الإشتراكية في توزيع الموارد والجهود والخيرات الناتجة منها من إنتاج أكثر تناسقاً في عدده ونوعه مع التقدم الحتمي في ضرورات ومعينات الحياة الإجتماعية الجديدة في كافة المجالات المجتمعية والإقتصادية السياسية والثقافية، بحيث يعيش الناس كافة وكافة الأمصار والأقاليم والمناطق فق مبدأ التكافوء في الحقوق والواجبات العامة تملكاً وإنتاجاً وخيرا.

أما ما جاء ببنية ونصوص مقال السر من إستمرار في الكيل بمكيالين بين حقوق الناس: مرة بالخشية على دولتهم ومجتمعهم الأكبر من التمزق جراء النضال! ومرة نقيضة للمرة الأولى إتسمت بالخشية عليهم من طغيان الدولة أو الإتجاهات العنصرية!! ودعوته ضد ذلك لحمايتهم من التهميش ووالده الإستغلال وإشهاره دفاعاً متوسطاً عن موجبات الرسملة ووطنيتها وإنتاجيتها المشكلة هذا الإستغلال والتهميش فهو خطأ شائع وأمر مكرور في الثقافة السياسية (= إشفاق المستعمر على المتحرر من إستعماره أن يواجه صعوبات جمة!!)
ولكن منذ ما قبل الإستقلال وفي طول عالم المستعمرات والمستضعفات القديم إنكشف أمر قيام الطغاة ومواليهم بتخويف الناس وإقعادهم عن الثورة على أسباب المظالم حفاظاً على ما يصورونه زيفاً بأنه "مكتسبات الشعب والوطن"! ، لحال إمكان إعتبار هذا النوع من التردد في دعم ومساندة الإتجاه الطبقي الحديث في تجديد وقائع الحياة بالنضال الضاري، سهماً قاتلاً من قواتل السودان القديم، كانت نتيجته الإصطفائية القديمة تمييز بعض المجموعات العنصرية بحقوق تملك الموارد العامة وإختصاصها وإستئثارها بالأيدي العليا في الإدارة العامة لهذه الموارد ومجتمعها وبأقاليمها وبلادها ، مع تهميش باقي المجموعات العنصرية للسكان وتعطيل كسبها هذه الحقوق وخسف إمكانية تطورها التي نشأت مع أوهام وحقائق الإستقلال السياسي آنذاك.

وكما كانت تلك الأقواس والسهام قاتلة لشباب البلاد ومدمرة لكيان دولة السودان السياسي الإقتصادي والثقافي القديم في آخر عمر تلك الدولة وإحتضارها فكذلك تبقى ذات السهام الفكرية المسمة مسمة قاتلة في تدمير مشروع الوطن والسودان الجديد سوى إنه في هذه المرة ذات الشكل الداخلي الجديد لتبلور حركات التحرر الوطني (على علاتها) فإن هذا النوع من السهام المسمومة المضادة للحرية والتقدم الإجتماعي المتناسق بفعل سيادة ثقافة الطبقة السائدة في المجتمع القديم يجري حملها في كنانات الحزب الشيوعي كما في مقال السر وفي بعض تصريحات السكرتير السياسي ضد العملية الطبقية لتوزيع موارد السودان القديم في أقاليمه! بل ويجري إطلاق هذه الأسهم ووبلها ضد التحرر الداخلي فتاكة صارعة من نبلة وقوس حزبنا الشيوعي ونشابه، يشل بها تقدم حرية المجتمعات المستضعفة في السودان القديم الميت بينما ينسحب الحزب في ذات الآن من الإشتراك الفعال لا الرمزي مع تلك الحركات في صناعة السودان الجديد الإشتراكي المتحد.

بعد ذلك ينطلق مقال السر في تناول حركة الطلائع الثورية للمجتمعات المستضعفة يقدم موجباتها والسلبيات التي يتوجس منها في تحولات تاريخها ومستقبلها ، يقول في هذا الصدد :

كما أنه من ايجابيات هذه الحركات اثارتها لقضايا الكادحين والمستضعفين في الارض، ولكن نجاحها يعتمد علي الوضوح الفكري حول اسباب البؤس والفقر وفي قدرتها علي رفع الوعي الطبقي لا تغبيشه، و عدم احلال الصراع الجهوي والاقليمي محل الصراع الطبقي الذي يتجلي في اشكال اقتصادية وسياسية وثقافية. اضافة الي الربط العميق بين ما هو محلي والشأن العام في البلاد ككل، فقضايا الكادحين واحدة غض النظر عن اعراقهم واقاليمهم. ولكن الجانب السلبي في الحركات الجهوية هو خطورة تحولها الي حركات عنصرية استعلائية تكرس التمايز الاثني والعرقي ، مما يقود لتمزيق وحدة البلاد ويتم اعادة انتاج احداث رواندا. وعندما تتحول الحركات الي هذا الجانب الخطير، فانها تغبش الوعي الطبقي للكادحين وتزج بهم في آتون معارك اثنية خاسرة تقودهم في النهاية الي جرائم الحرب كما حدث في دارفور، عندما تم استهداف قبائل محددة علي اساس اثني.

إحتواء مقال االسر هذا التقويم الآنف المتوازن شكلاً بين الضحية والجلاد الشعبي أو الوطني الرسمي مشوب بالتناقض العميق ويبتعد كثيراً عن أوليات التاريخ الثوري للإشتراكية: فمقال السر يشفق صادقاً على الحركات النضالية لمستضعفي المركز الرأسمالي للإقتصاد والحكم أن تتحول حركاتهم في الأمصار والأقاليم إلى عنصرية ضاغنة ضد المركز وأهالي وقبائل سادته (ومعظم الحزب منها)، ولكن وجه التناقض بين داع الإشفاق ووواجب التحريض والتنظيم الثوري يظهر في ان هذا التقويم "الماركسي" اللالينيني لمختلف جداً عن التقويم "الماركسي اللينيني" العديل خاصة في مسألة الخشية على هذه الحركات الغضة من الأثار السالبة التي ينتجها نقص الوعي الطبقي فالسر والسكرتير السياسي يقبلان التخفيف والإستغناء عن مقومات الوعي الطبقي النظرية والعملية الرئيسة الماثلة في مفردات وخطابات: "الأيديولوجيا"، و"الثورة" و"التأميم" و"التخطيط الإشتراكي" و"المركزية الأممية"، و"إسم الحزب" وبالتالي طبيعته الطبقية وبالتالي طبيعته الفعلية في المسألة الوطنية-الإقليمية وفي الوعي بها فكلما إقترب الحزب الشيوعي من الليبرالية والرأسمالية والجلابة إبتعد موضوعيةً عن قضايا الهامش وعموم المستضعفين وإقترب من الثقافة العنصرية السائدة.

وفي الجهة الضد فإن المقال المنذر المحذر من إنحراف الحركات الإقليمية إلى جماعات وهجومات عنصرية هوجاء لا يلقي بالاً إلى الأثار الفادحة والنتائج العنصرية لتوجس وحذر سكرتارية الحزب الشيوعي نفسه من تذبذب نضال هذه الحركات وتغبش وعيها: فنهر السر يصب وهو المناضل المخضرم في محور إرتهان أغلب حزبنا الشيوعي للعمل القانوني وسياسات المدينة كليةً وتماماً وإبتعاده بمختلف المحاذير والتوجسات عن النضال المشترك مع هذه الحركات التحريرية وعن ضفر حركة ثورييه في المدن والعاصمة معها.

ان ابتعاد وحذر الحزب الشيوعي السوداني من حركات التحرير في السودان وحتى التعامل معها كحركات إقليمية لا قومية يسبب غباشاً أكبر في نظر الحركات إلى طبيعة العلاقات الإجتماعية والقبائلية والعنصرية المضمرة في السياسة السودانية أو في طبيعة تقديرها للطبيعة العنصرية لما يسمى "السياسة القومية" في السودان بطابعها المركزي الإستغلالي والتهميشي وبنزوعها الإصطفائي والإقصائي جهة الموارد والبشر: فمع آنفة الحزب الشيوعي من نضالها وترفعه عليه يزيد هاجس العنصرية في بعض هذه الحركات حين يرون قادة الحزب الكبار في البرلمان ولا يرون واحداً منهم في الميدان! وذلك بإفتراض غلبة الإستقراء السياسي الصرف في تقدير تلك الحركات لتدهور حالة حزبنا رغم إن قوة علاقات القرابة وصلة الرحم العائلية وشيئ كثير من عنصريات الزمان القديم لم تزل أقوى كثيراً في السودان والعالم من الروابط السياسية والحزبية وحتى من الروابط الدينية، وكل هذه الروابط السياسية وغيرها لا تحد المشاعر االنبيلة بالحقد الطبقي وإتجاهاته النضالية العامة النبيلة والموضوعية ولو سأل مقال السر الطبيب الثائر أحمد عثمان سراج الدين في أمر التقويم العلمي النفسي الإجتماعي للتواصل الحميم بين القوى السياسية في المركز وصولاً إلى حالة الود الدائم الذي لا تفسده قضية ما بين ظالم ومظلوم أو بالأصح لعدم التواصل بين الأحزاب النشطة في المركز والقوى المسلحة المعترضة على المظالم التي سببها هذا المركز في الأمصار والأقاليم لأتاه بالخبر اليقين

الوجس من حركات النضال الشعبي المسلح في أرياف السودان، وإمكانية دفعها لعنصريات عددا قد يبدأ تصحيحه بسوآل بسيط هو: كيف يكون من العدل والإنصاف مطالبة الجديد بالتوازن السياسي والعقلانية الطبقية بينما ذات القديم (الراسخ) الذي يطالبه بالإتزان يتعثر في الإلتزام بأبسط المقومات النظرية للإشتراكية العلمية؟
فبلاحديث عن المقومات العملية الجماهيرية للتغيير، وأهمها وجود خط سياسي طبقي حزبي واضح غيبته في الحزب كثرة المناورات والمداورات والمحاورات والإئتلافات والتحالفات اللاطبقية البعيدة عن حاجات وقدرات وآمال الطبقة العاملة وعموم الكادحين نجد إن الرأى الواجس بإنخفاض الحس والوعي الطبقي في هذه الحركات كان بالإمكان أن يغدو أكثر حرصاً وفاعلية جهتها لو انه تخلص من الحالة (الوسطية) والنزعة الجلابية التي تسود التكوين القومي والعنصري للجنة المركزية لحزبنا الشيوعي السوداني.

وهذه الحالة حالة تدفع إلى تذكر الموقف الخذول(نسبيةً) للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفرنسي من نضال الشعب الجزائري ومن نضال الشعوب الكمبودية والفياتنامية في سبيل الحرية والإستقلال وكذلك موقف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البوليفي في الستينيات وحذره من الحركة الثورية لأهل المناطق المهمشة في بوليفيا والتي تصدى لقيادة بعضها -بحكم الصدفة التاريخية- الثائر الشيوعي القح جيفارا باذلاً ورفاقه الأبطال كل وعيهم وجهدهم لتقدمها ضد مراكز سلطة التبعية للإمبريالية حيث وقفت تلك اللجنة المركزية العاصمية السمات تتفرج على نضاله ونضال مجموعته الطليعية الفدائية منتظرة تفسيراً طبقياً متماسكاً وأمنا على المستويين المحلي والدولي والأممي للموقف الماركسي أو الماركسي-اللينيني من ثورات الأرياف!! حتى إنتهت أمور أمريكا الجنوبية تخوم تلك المعركة لديكاتوريات رأسمالية رهيبة أنتجت حفاري قبورها خارج الأحزاب الشيوعية (الرسمية) وولدت بهم نضالات أقسى وأشد مثابرة وعنفاً وصلت إلى إنتصار معسكر النضال الشعبي المسلح في أرياف السكان الأصليين مما فتح الطريق لتحقق الإنتصارات الإنتخابية في مقرن سنوات القرنين العشرين والواحد والعشرين، وفي شأن مقارب لهذه المسألة يطلق الشاعر الشيوعي العراقي المجيد مظفر النواب شعره الخالد في نقده ضعف الموقف الشيوعي من الثوار الدينيين الذين لجأوا إلى الحرم المكي حتى تم قتلهم جميعاً قال بصوته الجهورالحزن:
((أيحتاج دم بهذا الوضوح إلى معجم طبقي لكي نفهمه؟))

بعد هذه الملمة بفقرات يتجه مقال السر من ذلك التطفيف إلى الإعتدال والعدل في وزن الامور وقسطها بشكل قيم حسن وذلك من خلال إيضاحه بعض الجوانب في العلاقة بين الإتجاه الرأسمالي والمظالم الطبقية والقومية للمركز في أمصار السودان وأقاليمه وكان ذلك من السر على نحو ذرب يسير إذ قال:

معلوم ان الفئات الرأسمالية التي حكمت السودان بعد الاستقلال سارت علي طريق التنمية الرأسمالي الذي كرس الفقر والاستعلاء العنصري والديني والعرقي، باسم العروبة والاسلام وتعميق التهميش التنموي والثقافي، وبالتالي ، فان الصراع ليس اثنيا أو دينيا ولكنه صراع حول اى الطريق نسلك؟: طريق التطور الرأسمالي الذي يعمق التفاوت الطبقي والاثني والديني والثقافي والتهميش ام طريق الثورة الوطنية الديمقراطية الذي يفضي الي ازالة التفاوت الطبقي والتهميش الديني والثقافي، ويرسخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟.

كما اشرنا سابقا، أن طريق التنمية الرأسمالية بطبيعته يفرز التهميش بمختلف اشكاله الاقتصاية والثقافية والتفاوت بين المرأة والرجل وفي توزيع الثروة وتعميق النظرات العنصرية والشوفينية لتغبيش الوعي الطبقي للعاملين والكادحين حتي لايستطيعون ان يحددوا اين مصدر الظلم والوعي به وبالتالي العمل علي ازالته، وان الايديولوجية التي تقوم علي الاستعلاء العرقي والديني واللغوي تشكل الغطاء للنهب والاستغلال وسجن الجماهير في حدود مصالح وتطلعات ورؤى المركز الطبقي الحاكم، وان الايديولوجية التي تقوم علي العنصرية والاستعلاء العرقي تغرق الكادحين في حروب اثنية لن يجني منها الكادحون غير ان يكونوا وقود لتلك الحروب الدينية والعنصرية كما فعل هتلر وموسوليني في الحرب العالمية الثانية، وكما فعل نظام الجبهة القومية الاسلامية بعد انقلاب 30/يونيو/1989 ، بتحويل حرب الجنوب الي حرب دينية وعمّق الاستعلاء والتهميش التنموي والثقافي واللغوي، حتي نهضت الحركات المسلحة في دارفور وشرق السودان وغير المسلحة في الشمال تطالب بحقوقها ومطالبها المشروعة في ازالة التهميش التنموي والثقافي واللغوي. كانت تلك الايديولوجية الاستعلائية هي الغطاء للنهب والثراء باسم الدين وتعميق الفوارق الطبقية في البلاد حتي وصلت نسبة الفقر 95% ، واتخذت الدولة سياسات معادية للكادحين بسحب دعم الدولة للتعليم والخدمات الصحية والخصخصة التي شردت مئات الالاف من الكادحين واسرهم وزادتهم رهقا علي رهق، حتي اتسع مفهوم التهميش نفسه والذي اصبح يشمل الكادحين من المناطق المهمشة والكادحين في المدن الذي لاتغطي اجورهم تكاليف الحياة، اضافة للتهميش الثقافي والاثني واللغوي والجنسي والديني.

في الفقرة أعلاه يظهر الخطأ الرئيس لمقال السر بوضوح أكثر يساعد على تجنبه فكون المصالح الطبقية هي التي تنتج المظالم والإفئتئاتات العنصرية بمختلف أشكالها وهذه حقيقة تاريخية عامة، فالأولى إتجاه حزبنا الشيوعي بقوة أكثر إلى إزالة مؤسسات وآليات هذه المصالح الرأسمالية لتتمكن عناصر السودان من تنمية أحوالها بصورة جديدة متناسقة. أما تخفيف عيار الإنشاء والكلم والتغيير الثوري وزيادة الفصل بين المصالح السياسية والمصالح الإجتماعية أملاً في آمان وسلامة الحزب فلا محيص إنه فعل يلطف الأمور لكنه يزيد حالات الإستغلال والعنصرية معاً، بل وينمي بقوة في الأمصار والأقاليم المستضعفة لحد التطهير العرقي مشاعر الإستقلال والحرية ويدفعها إلى التخلص من الأطر القهرية الإستغلالية والتهميشية بما في ذلك الاطار الوطني القديم المستهلك وكثير من أصوله وهيئاته.

الأنجع لحزبنا أن يزيد مقاومته للسلطة في المركز وفي المحيط وأن يمتن هذه المقاومة في الأقاليم أو بروافد إقليمية، وأن يجعل نفسه رافداً لحركة الثورة في الريف داخل المدن والمؤسسات القائمة في المركز، ولطليعية الطبقة العاملة المدينية في أعماق الريف الثائرة أما أن يصير الحزب الشيوعي بكل تاريخه المجيد على علاته إلى حالة مستدامة من إنتظار المؤتمرات العقيمة بين الضحية والجلاد والجلاد الأكبر فلا يعدو ذلك الإنتظار أن يكون واحداً من ميكانيزمات الدفاع والتضليل التي تنتج في العقل الرأسمالي والعنصري الباطن لأهل الحكم والمعارضة الرسمية. وقد ورد لهذا الإستبطان والإضمار الذهني لعقلية الجلابة ومصالحهم فقرة (متواضعة) من قرارات اللجنة المركزية دورة سبتمبر 1977 يظهر مواقف التلكلك والحذر والتعويل كإنفعالات مصالح وثقافات باطنة تظهر مع ضغط نضالات المستضعفين من أهل الهامش على قوى ومؤسسات المركز وأهاليه وأحزابهم ، وهو تناقض يظهر أيضاً في القول التالي:

...سارت الحكومات المدنية والعسكرية علي خطى التنمية الرأسمالية الاستعمارية التي عمقت الفوارق الطبقية والتفريط في السيادة الوطنية، وتكريس الفقر وتعميق التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والاستعلاء الديني والعنصري والقهر والتسلط باسم الدين، وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق.

فكيف يطلب مقال السر في جانب عام شروطاً إشتراكية (نوعاً ما) لتحقيق السلام والعدل في المجتمع بينما في جوانب أخرى للحزب والوطن ينمي قلم السر كثيراً من الإتجاهات الرأسمالية بأسماء ودعاوى الفعالية والواقعية والتجديد والدور الموضوعي للرأسمالية؟

وكذلك في مقاله الثاني عن "المسألة القومية" يواصل أستاذ السر ذات الإتجاه المتناقض: ففي إيضاحه العلاقة بين الإتجاه الرأسمالي لحكومات السودان القديم وإنفجار تناقضات ذاك الإتجاه الملغوم أصلاً بالأصوليات التجارية العربية الإسلامية التي حلت بهجراتها وممالكها الإقطاعية ومشيخاتها شبه الإقطاعية على حياة السودان الوسيط (زماناً)، يقول السر في هذا الصدد:
كل ذلك ادى الي تعميق مشكلة الجنوب التي انفجرت عام 1955م، وانفجرت مرة اخري بعد فشل اتفاقية اديس ابابا عام 1983م. كما انفجرت الحركات الاقليمية في دارفور وجبال النوبا، واتحادات شمال وجنوب الفونج، بعد ثورة اكتوبر 1964م، وقبل ذلك كان مؤتمر البجا الذي تأسس عام 1958م. طالبت تلك الحركات بمطالب مشروعة تتلخص في : تطورير وتنمية مناطقها وتوفير الخدمات الاساسية لمواطنيها(التعليم، الصحة، الخدمات-كهرباء، مياه - ، العناية البيطرية...الخ). وكانت تلك الحركات ظاهرة صحية حركت سكون وركود تلك المناطق وجذبتها الي حلبة الصراع السياسي والقومي والاثني، وطالبت بالاعتراف بهويتها الثقافية......علي أن المسألة القومية انفجرت بشكل اعمق واوسع في فترة الانقاذ التي عمقت الفوارق الطبقية والتنمية غير المتوازنة والاستعلاء الثقافي واللغوي والديني، حتي اتسع نطاق الحرب الذي شمل الغرب والشرق وجبال النوبا وجنوب النيل الازرق..الخ....

ولكن بعد هذا العرض الجميل يقف مقال السر عن أن يقدم تفسيراً طبقياً واضحاً لتعذر تنفيذ (الحلول) الليبرالية العامة التي تم الوصول إليها بمقتضى الدفع الدولي لإقرار "السلام" ( = حرية السوق في السيطرة على موارد السودان تحت شعار حرية الإستثمار ) لا شك ان وجود مثل هذا التفسير الطبقي سيعيد مقال السر إلى المسألة الرأسمالية التي تفشت أصولها وفروعها بالروابط المعيشية والثقافية الإعلامية وتمركزاتها في الحياة العامة لمدن السودان وأريافه حيث أضحت الرأسمالية بكل مظالمها تمثل العصب الحيوي لسيادة الوجود القومي العربي والإسلامي ووالمعين الأول للتعالي الطبقي لقواه الأكبر في السودان.

ويشمل هذا التعالي الطبقي وشيج العنصرية جميع أهلنا العرب والمستعربين في قيادة الأحزاب الطائفية ذات التركيب الرأسمالي المتخلف التي أضحى حزبنا الشيوعي بفعل التركيبة العضوية العربية والمستعربة لقيادته الجلابية وهمها بالتغيير البرلماني أضحى الحزب مجارياً السياسة السائدة في إتجاهاتها الإقتصادية والثقافية الظاهرة في تحكيم السوق وتديين الثقافة، ومع الأحزاب الرجعية ضد الشكل الأحدث من ذات المسائل الرأسمالية الإسلامية وهو الشكل الأحدث فاعلية والأشد قوة ً وتنظيماً وأدق إنتشاراً في السودان بل وأضحي حزبنا يجاري القوى الرجعية أحياناً قليلة حتى في نزعاتها العنصرية الكريهة التي تتجلى في بعض المواقف العامة مثل ما جاراها زماناً في السكوت على مذابح الجنوب القديمة أحداث متواضعاً بموقفه في أحداث "ود دكونة" وفي أحداث "الكرمك"، وفي الموقف الميت من التصفيات الدموية لـ"المؤآمرة العنصرية" والموقف الميت من مذبحة "الضعين" حيث أحرق وقتل وسحل أكثر من ألفي مواطن جنوبي لأسباب عنصرية. إلتزم الحزب فيها جانب المعرضة العقلانية والدعوة لتكوين لجنة تحقيق ثم سكت على هذه الخسارة الوطنية والإجتماعية والطبقية العظمى بينما ذات حزبنا يقيم الدنيا إذا ما تعرض بعض أفراده للتعذيب أو للإغتيال !!

يمكن رد جانب من هذه الخطايا التي إرتكبتها السكرتارية أو دينموها آنذاك الخاتم عدلان بإسم الحزب إلى تركيبة الجلابة العضوية والذهنية الظاهرة أو الباطنة في تركيبة قيادة الحزب الشيوعي وهو الوضع الذي تناوله مقال جيد آخر لأستاذ السر كشف فيه بقصد أو دونه تضارب الحس (القومي) والوعي الطبقي في قيادة الحزب وكان عنوان ذلك المقال الباسل الفريد في الحياة الثقافية والسياسية السودانية هو: "كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم والجديد؟ " في "كيف تناول ...." يفيد السر قراءه بحقيقة مفزعة وهي إن اللجنة المركزية لحزبنا الشيوعي ((لايوجد بها عامل، يوجد بها زميلتان، يوجد بها زميل واحد من الأقاليم، من حيث التركيبة العمرية كل الاعضاء اعمارهم تتجاوز ال55 عاما ، لايوجد بها مزارع .. الخ)) وهذه التركيبة المفزعة مماثلة في جذورها التاريخية وسماتها العامة لجذور وسمات تركيبة كثير من الأحزاب الشيوعية في العالم، تركيبة أتت لها بالضعف النوعي مقابل كسبها زيادة ظاهرية في عدد أعضاءها سرعان ما تلتهمها الأحداث والظروف والمشاكل والتناقضات الذاتية والبينية الثانوية مع تغييب قيادة مثل هذه اللجان للتناقض الرئيس في المجتمع بتوسلها وإدعاءها إمكان تغيير الأوضاع الإقتصادية الإجتماعية والسياسية والثقافية بالوصول إلى السلطة بالطريق البرلماني الذي يجسد ديكتاتورية السوق في أكثر أشكالها خبثاً وخفة دم. وعمود هذا التصور الرأسي بتراكم النضالات والتغيرات الصغرى والتجارب والخبرات ووصول هذا التراكم إلى نقطة الغليان والإنفجار الثوري الذي ستجعله هذه النوعية من القيادة السلبية يأخذ شكلاً برلمانياً يفضي إلى التغيير الشامل المستدام !! وهو خيال جميل فقير إلى التدقيق في العوامل الرأسمالية التابعة التي تشكل طبيعة الحياة التي تفرضها على الناس بما فيها من إستغلال وتهميش وإستلاب وتشييئ وإغتراب وتغريب للناس عن جملة الموارد والحقوق والحاجات والأحلام التي ينشدون تحقيقها كعوامل مضادة لتبلور وزيادة الوعي، مغيبة له .

ولكن مع إقرار السر في مرات عددا بـ(تواشج الأزمة القومية والأزمة الطبقية في السودان) كما في أوربا وفي آسيا وأمريكا الجنوبية وفي كل البلاد الرأسمالية حتى مع وحدة الديانة واللغة في بعض الأحيان وحتى مع مدنية وعلمانية وديمقراطية الحكم، فالقارئي يجد مقالي السر يراوحان بين إدانة الظلم ومسبباته الطبقية في جهة والترحيب بالحلول السياسية والإدارية (اللاطبقية) في جهة ضد ! أو بالأدق الترحيب الضمني أو حتى العلني بإسم (الواقعية) بالحلول الرأسمالية أي الحلول التي لا تتناول أس الأزمة الطبقية والقومية في علاقات ملكية الأرض والموارد ،وحتى إن تناولتها فهي تتناولها بطريقة عجول ضيقة عبر شعارات عمومية تختزل الحقائق الموضوعية في بلد مثل السودان رغم غناه باكل الموارد فإن إنتاجه النفط صار يمثل فيه أكثر من 70% من قيمة الإنتاج القومي بينما يشكل الإنتاج الصناعي وخدماته حوالى 20% على الأكثر بينما تتدهور قيم إنتاجه الزراعي ومبادلاته البينية مع تدهور العلاقات الطبقية –السياسية في الريف المأزوم أو المشتعل، فرغم خلل هذه النسب بالنظر إلى طبيعة عدد وتوزع الموارد والحاجات والقوى في السودان نجد مقال السر يتجه وفق الثقافة السائدة إلى الترحيب بالطرف الظالم في العلاقة الطبقية والتركيبة العامة للمجتمع عاداً إياه قوة ديمقراطية مختزلاً حالات التناقض الإجتماعي بدلاً عن إيضاح وجوهها وتقديم شرح مفصل يبين قواها ومصالحها وتناقضاتها وكيفية علاج هذه التناقضات!

ضعف هذه النقطة في الجوهرية في مقالي السر قد يكمن في طبيعة الأدب والذوق العام لكاتبهما النحرير إذ عاف السر في مقاله الإطالة والإسهاب وإلتزم خير الكلام الذي يقل ويدل ويمر؟! بينما خير الكلام في شؤون الدولة والحزب يجب أن يأتي واضحاً مفصلاً ومتناسقاً لا تناقض فيه مثلما في مقال السر بين الذكر المطول لتفاصيل تكون الأزمة القومية والعرض المقتضب لتبلورها طبقياً في العصر الحديث، والإختزال القابض والشحيح في عرض الإمكانات والعناصر الطبقية في حل الأزمة و القومية !! وإن كان ذلك كذلك ففي شكل تغيب فيه مفردات هامة في السياق القومي الطبقي مثال لذلك غياب مفردات وفهوم "النضال المشترك"، و"التأميم"، و"التخطيط"، و"الإشتراكية العلمية" ، كما هو مبين في التصور الخاتم لمقال السر المورد هنا طِبقاً لأصله بالشكل التالي:

• الوحدة والتنوع والاندماج والانصهار القومي والثقافي والاثني في السودان، هي نتاج تطور تاريخي.
• الحل لايكمن في الانفصال وتمزيق اوصال البلاد، كما يبشرنا بذلك غلاة الانفصاليين في الشمال وفي حركات الاقليات القومية في المناطق المهمشة، هذا فضلا عن أن ذلك ضد التطور التاريخي للمسألة القومية في السودان، والذي عبرت عنه حضارات وثقافات السودان المتنوعة في الميل الي الوحدة، ولكن الحل يكمن في التكامل والتطور المتوازن والحكم الذاتي والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، والوحدة علي أسس المساواة الحقيقية بين كل الاعراق والاثنيات ونبذ فكرة المواطن من الدرجة الثانية.
• الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع هي الضمان ضد التشرذم والتفتت والانفصال الذي تكرّسه الدولة الدينية
لتمحيص هذا التصور الثلاثي وإزالة تناقضاته يمكن إعمال السؤآل (أ) والسؤآل (ب) الواردين أدناه:
(أ‌) كيف تنتهي حالة مواطن الدرجة الثانية أو الخامسة دون أن تكون لأقليم ذاك المواطن كرامة السيطرة على ثرواته؟
(ب) ماهي صلاحية الفكرة أصلاً وقت أن الأستاذ تاج السر يرفض المركزة الأممية لنشاط الأحزاب الشيوعية في المجال العالمي بمنطق أهل مكة أدرى بشعابها بينما ينادي بفوائد هذه المركزة على مستوى السودان و"فروع" الحزب فيه ؟!

هذا الخطأ الذي واشج مقال السر خطأ شائع في الحياة الحزبية ومن حالاته ودالاته الشهيرة ما ورد في مقال السر عن ان الحركة الشعبية لتحرير السودان حينما رفعت شعار "سودان إشتراكي موحد" عارضها حزبنا الشيوعي مطالباً لها بتقصير إيديولوجيتها بإعتبار إن الإشتراكية ليست هدفاً مباشراً له في تلك "المرحلة" [= يعني الفترة التاريخية] بل هدفه المباشر إسقاط حكم النميري وتأسيس حكم ديمقراطي [= ليبرالي (أي سيادة حرية التملك الفردي للموارد العامة)] !! وحينما رفعت الحركة شعار "الحكم الديمقراطي" المرتبط بديمقراطية شاملة للمجالات الإقتصادية عارضها الحزب بإعتبار إن الديمقراطية تحتاج زمناً طويلاً لتنمو وتنضج في ظروف السودان!!! وعندما قبلت الحركة موقف التفاوض مع الحكم الإسلامي رفض الحزب ثنائية المفاوضات !!!! وحين (نجحت) المفاوضات دخل حزبنا بمقرراتها برلمان السلطة الإنتقالية تحت جناح التجمع الذي دخل البرلمان مستقلاً ولكن كان فعلاً من فضل فصيله االفعال النشيط المبادر : الحركة الشعبية لتحرير السودان!!!!! ولكن بعد تعذر تنفيذ الإتفاق ومد خيراته لأقاليم السودان الأخرى بل وزيادة السلبيات والضغوط الإسلامية والأمريكية والوطنية الجنوبية على نظام وحكم الحركة في جنوب السودان لتوجيه الأمور إلى جهة الإستقلال عن السودان القديم بدلاً لإنتظار مماطلة وتآمر سياسي الشمال عارض حزبنا الشيوعي (عزلة) أو إنكفائية قيادة الحركة !!!!!!
وفي كل الحالات كان الموقف العام لحزبنا -الحريص على الوعي الطبقي- في الأزمة الطبقية الأصل والقومية الشكل في السودان هو موقف المراقب المشير الحريص على وضعه القانوني وعلى قوميته العربية في وضع فاق موقفه كمشارك فاعل أصيل في التغيير الجذري للنظام الطبقي-القومي التراتبي الذي قسم فيه حكم القرش الأحمر مدنياً كان أو عسكرياً علمانياً أو متديناً وفرق الناس لأجناس محظوطة بشيء من الرزق والتعليم والعلاج والإتصال والأمن والثقافة والرفاه، تمثل الأقلية الحاكمة وأولياءها صراحة أو إستفادة ومشاركة في الغنيمة وأجناس أخرى مزرأة أو مرزءوة منكودة لمجرد وقوعها في داخل أو في خارج منطقة إستثمار الجنس الأول من المواطنين تمثل السواد الأعظمفي سكان السودان وقدر من الناس بين بين فيهم سواد العاصمة والمدن ومتوسطيها والمهمشين .
بعد هذا السرد يمكن النظر إلى مدى موضوعية مشروع التقرير السياسي للجنة المناقشة العامة ومشروع البرنامج الجديد الذين واشجهم مقال السر في هذه النقطة الطبقية-العنصرية ومدى إيجاب وفاعلية فك قضايا السودان الجديد وحرية وكرامة الأقاليم المستغلة والمهمشة وعزلها أو إبعادها عن قضية التغيير الطبقي لوضع السودان السياسي!!!!!!!
كما يمكن النظر في مقال السر إلى غرابة فاعلية فك قضية التحول الإجتماعي الثقافي عن قضية التغيير والتحول الطبقي في السودان لصالح ربط نفس قضية التغيير والتحول الطبقي في المجتمع المعين بتنمية علاقات رأسمالية (منتجة) فيه!!!!!!! وفي هذا الصدد قد يكون ربط تحسين أحوال الهامش المضرور بوضع أفضل للرأسمالية التي سببت له الضرر بحرية تملكاتها وسوقها يرتبط هذا التحسين والإسعاف المنشود في مقال السر - نوعاً ما- بشاعرية:(( داوني بالتي كانت هي الداء )).






4- في العمل القيادي لتكسير الحزب:

بمقالة أخرى بديعة تجلى فيها السر بعنوان:" كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم والجديد؟" ذكر الأستاذ الرفيق نصاً من (كتاب) "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" وقد كان إيراد السر ذاك النص لعلاج بعض سلبيات مشروع التقرير السياسي جهة قضية تنمية كوادرالحزب (ضباط حرب الطبقة العاملة وعموم الكادحين في النضال ضد الإستغلال والتهميش) وفي سبيل هذه التنمية الرفاقية تحدث ذلك النص عن:(( تنقية الحياة الداخلية لحزبنا وقيامها علي اسس ماركسية حقا في صراع الافكار المبدئي وبالمسئولية التامة ازاء قضية الحزب والثورة )) [ المصدر:الماركسية وقضايا الثورة السودانية، ص 182، طبعة دار عزة، 2008. ] ولكن مقال السر إتجه بمضمون النص الماضي الذي أورده إلى عرض مسألتين متوازنتين:

• المسألة الأولى: وهي مسألة موجبة تتمثل في نفي حالة تعميم الظواهر السلبية المعاصرة لنشوء الكادر الجديد على جميع أفراده التي أوردها مشروع التقرير (السياسي) بهذا الشكل المخل.

• المسألة الثانية:كانت أكثر إيجابية من المسألة الأولى وواشجت قضية الخلل في العمل القيادي وهو خلل أقترب من تدمير الحزب.

ولكن مقال السر يعرض هاتين المسألتين في إفتتاح نقاشه لنواقص مشروع التقرير وجملة الأنشطة الحزبية على النحو الأتي:
• الخلل الأساسي الذي جاء في صيغة مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس هو التعميم علي كل الكادر الجديد، في حين أن للكادر الجديد شأنه شأن الكادر القديم له ايجابياته وسلبياته، كما أن التقرير السياسي انطلق من تقييم ذاتي لا علاقة له بدراسة عميقة انجزت حول الكادر الجديد. نلاحظ علي سبيل المثال في مديرية الخرطوم ان 39% من الكادر انضم للحزب في فترة الانقاذ، وهذا له دلالاته من حيث تصدي كادر شبابي للعمل القيادي والذي صارع بصلابة ضد نظام الانقاذ، رغم التعتيم الذي فرضه النظام علي هذا الجيل، ويعكس تصدى كادر شاب للعمل القيادي بعد الهجرة الكبيرة التي شملت الكادر بعد الانقاذ، وهذا يستوجب رفع قدرات هذا الكادر الفكرية والسياسية والتنظيمية حتي يواصل نشاطه القيادي باقتدار فهو مستقبل الحزب.
• اما الخلل الثاني في صيغة مشروع التقرير السياسي [فهي] إنه لم يعالج بعمق قضية الخلل في العمل القيادي، والتي كان من نتائجها التوتر بين الكادر القديم والجديد.

ويدعم السر قوله عن أهمية تفعيل الكادر وتنمية أعماله وقدراته بذكر بعض التوكيدات الحزبية الأتي عرضها أدنى هذا السطر :
فمنذ تأسيس الحزب أشارت الوثائق الى اهمية تلك القضية باعتبار أن تقوية وتحسين العمل القيادي من الشروط الهامة لاستقرار الحزب وبنائه ، وضرورة الارتقاء بقدرات الكادر الفكرية والعملية وتنمية الكادر الجديد ، وارتباط الكادر بالواقع والتفكير المستقل وضرورة اشراك الكادر في رسم سياسة الحزب ومحاسبة اللجنة المركزية وتوسيع دائرة العمل القيادي وتوسيع الديمقراطية داخل الحزب ( دورة ل.م 1952 ). كما أشارت الوثيقة الى أنه في بلد كالسودان شاسع مترامى الأطراف وبظروفه الاجتماعية المتخلفة يتطلب وجود كادر بمستوى متقدم يمكنه من قيادة المناطق وتوسيعها وتطويرها دون التدخل المباشر من مركز الحزب ، وهذا أمر يعتمد عليه مستقبل حزبنا.
كما أشارت وثيقة المؤتمر الرابع ( الماركسية وقضايا الثورة السودانية ) الى ضرورة وجود جهاز حديث للحزب يتكون من مجموعة من المختصين في شئون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلام والنشر .. الخ ، كما أشارت الى ضرورة تأهيل وتدريب الكادر في فروع العمل الثوري التي يباشرها ، كما أشارت الى أن مستوى الكادر وقدرته على المشاركة الحقيقية في رسم سياسة الحزب الشيوعي هما الذان يحددان مستوى القيادة الجماعية ، كما أشارت الوثيقة الى ضرورة اختيار الكادر على أساس موضوعي يضع في الاعتبار صلابته في النضال وتاريخ نضاله العملي وكفاءاته لمواجهة الظروف المقبلة.
أما وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر ( دورة ل.م يونيو 1968 ) فقد أشارت الى أن القضية: ( هى انه اليوم بدخول بلادنا مرحلة جديدة من مرحلة التطور الديمقراط اصبح الاصلاح في عمل الحزب يتطلب الشمول ، وينبعث من حاجة جوهرية : وهى أنه اذا لم يستطع الحزب الشيوعي ان يغير من حياته الداخلية، وأن يطور هذه الحياة فسوف يصبح الحزب الشيوعي تنظيما بدائيا ومتخلفا، ولايكون في مقدمة الاحداث، بل يكون خلفها).

كما أشارت الوثيقة الى بناء مواقف الحزب على أساس العلم وامتحانها بالتجارب ، واستخلاص نتائج نظرية من هذه التجارب.كما أشارت الوثيقة الى ضرورة تطوير عملنا القيادي فيما يختص بالتحالف مع البورجوازية الوطنية والصراع ضدها حول مسألة قيادة الحركة الجماهيرية ، تطوير عملنا في القطاع التقليدي والجنوب ، منهج عملنا مع المثقفين ، الدين ، التنظيمات الديمقراطية : وكيف تكون جاذبة لجماهيرها ومتعددة في صورها واشكال عملها حتى تسهم في تغيير تركيب المجتمع.اضافة الى ضرورة تطوير عملنا القيادي والنظري فيما يتعلق بالارتباط الوثيق بين الحقوق الديمقراطية البورجوازية والديمقراطية الجديدة ، اضافة الى تحسين وتطوير العمل القيادي وتدريب وتاهيل الكادر العمالي والخط التنظيمي.هذا فضلا عن استقلال فرع الحزب حتى يكون القائد الحقيقي لجماهيره في الحى والعمل والمؤسسات الدراسية بدون الوصاية عليها.كما أشارت الوثيقة الى أن العمل القيادي اليوم يتطلب مستويات عليا من المعرفة الماركسية ويتطلب مستويات توجب اعمال الفكر وتوجب الانتاج وتوجب الاسهام المثمر في قضايا الحزب وقضايا الحركة الثورية . كما اشارت الوثيقة الى اهمية فرع الحزب والذي يعتبر عمليا لانظريا وحده وليس سواه هو القائد لكل نشاط يجري حوله والمسئول عنه ، لقد عانينا من هذا كثيرا ، عانينا من الوصاية التى تفرض على فرع الحزب ، فتطبع الحزب بطابع واحد عقيم وتسلب عضوية الحزب من ارادتهم وتجعلهم متفرجين في كل ما يختص به من افكار جديدة ، وتجعلهم يحجمون عن اثراء الحزب بافكارهم وتجاربهم ، وهذا الاتجاه الذي يصادر الديمقراطية المركزية يخلق السلبية ويحد من طاقة الفرع.
أما وثيقة في (سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر الرابع) ، دورة ل.م مارس 1969 م ، فقد أشارت الى أن : العمل النظري اصبح يشكل واجبا مقدما للنشاط القيادي ، وفي النشاط العملي واليومي لدى أعضاء الحزب الشيوعي. كما أشارت الى ضرورة العمل الجماهيري الصبور أداة للتغيير بديلا للتكتيك الانقلابي ، كما أشارت الى انه رغم انجازات المؤتمر الرابع في ميدان العمل النظري وفي تجميع الافكار حول قضية بناء الحزب الشيوعي ، وتطبيق الماركسية باستقلال على ظروف السودان ، ولكن المؤتمر لم يحل قضية القيادة الجديدة التى تجئ لسيادة تلك الافكار والانجازات ومعبرة حقا عنها.كما أشارت الى ( التناقض بين الوعي المنتشر بين أعضاء الحزب وبين القدرات الراهنة للنشاط القيادي في الحزب).
كما أشارت الوثائق الى ضرورة تطوير العمل القيادي بعيدا عن الصراعات غير المبدئية أو الصراعات الذاتية المدمرة للعمل القيادي.
بعد يوليو 1971 ، كان من أهم الدورات التى عالجت قضايا العمل القيادي في ظروف الردة وفي ضوء تكتيكات الحزب في تلك الفترة ، دورة يونيو 1975، أشارت الدورة الى دورفرع الحزب وتاهيله ووحدة الفكر والارادة والعمل وتحسين العمل القيادي في حياة الحزب الداخلية من الفرع وحتى اللجنة المركزية ، والارتقاء بالصلة بين القيادة والقاعدة وتحسين العمل القيادي في النشاط الجماهيري ، وتبسيط العمل القيادي واشكال الصلة مع الفروع بحيث تنساب في يسر وسلاسة وبدون حلقات وسيطة كثيرة تباعد بين القيادة والفروع، واستخلاص فروع الحزب لبرامج وخطط عمل من دورات ل.م ، ودراسة الوثائق التى تسهم في تطوير خط اللجنة المركزية.اضافة لتطوير وتحسين عملنا القيادي في الجنوب والقطاع التقليدي وممارسة المركزية الديمقراطية باعادة انتخاب الفروع لمكاتبها.
أما دورة ل.م ، ديسمبر 1978 م فقد طرحت قضية الكادر باعتبارها الحلقة الرئيسية في العمل القيادي وفي مهام بناء الحزب ، كما حددت الشروط لانتقاء الكادر المتفرغ وتأهيله سياسيا وفكريا وتخصصه في فرع من فروع المعرفة ، وتوفير احتياجاته الاساسية حتى يكون من المنتجين والمبدعين في فنون النشاط الحزبي المتنوع.
وجاءت دورة سبتمبر 1984 م بعد 14 عاما من الردة لتحدد اسبقيات العمل القيادي والتى تتلخص في : تحسين ودعم التركيب القيادي ، ترسيخ قواعد العمل السري وانتقاد الخلل في التامين الذي ادى الى ضرب وثائق كثيرة مع الكادر في المركز والمناطق ، الحد الادني والمستقر والدائم من الطباعة ، تحسين التكوين الشيوعي للكادر ، مقرر الزامي للمرشحين ، توسيع حلقة الكادر المتفرغ ، التوجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة.
اشارت الدورة الى أن التمسك بالاسبقيات قضية فكرية في المقام الاول ، فان هذا التمسك يتحقق عبر الصراع الفكري ضد روح التشتت وردود الفعل ، وتقليب ماهو عابر وثانوي على ماهو ثابت وجوهري .( ص 7 ).
كما قدمت سكرتارية اللجنة المركزية نقدا ذاتيا في الدورة على تأخير طرح الاسبقيات لأنها قضية مستقلة عن نهوض وانحسار الحركة الجماهيرية ، ولكونها بهذا المعنى جوهر العمل القيادي ومعيار تقدمه أو تخلفه ، وفعاليته أو ضعفه ، وكان الواجب متابعته منذ طرحه في دورة يونيو 1975 ليس فقط في سكرتارية اللجنة المركزية والهيئات المركزية ، بل في كل هيئات وفروع الحزب.
كما عالجت الدورة ايضا مهام بناء الحزب مثل قضايا الخط التنظيمي ، التركيز على بناء الحزب في المدارس الثانوية والمعلمين ، كما عالجت حالة المكاتب المركزية وحددت الاسبقيات المطلوبة للمكاتب المركزية ومهامها مثل : المكتب التنظيمي ، المكتب المالي ، اللجنة الاقتصادية ، مكتب التعليم الحزبي ، .. الخ.
كما تناولت الدورة حالة الحزب في المناطق وفروع الخارج ومهام بناء الحزب فيها ، وتناولت ايضا تحليل فحص كادر 1978 ، ومهام البناء المستخلصة من ذلك الفحص .
والدورة ماثلة للطباعة ، اى لم تنزل لعضوية الحزب) وقعت انتفاضة مارس – ابريل 1985 ، وبعد الانتفاضة نشأت ظروف مد جماهيري جديدة ، تركت بصماتها على الاسبقيات التى طرحتها دورة سبتمبر 1984 ، وعالجت دورة ابريل 1985 قضايا الانتفاضة ومهام بناء بناء الحزب في الظروف الجديدة استنادا الى الاسبقبات التى طرحتها دورة سبتمبر 1984 مع مراعاة الامكانات الواسعة التى فجرتها الانتفاضة.
واخيرا ، جاءت دورة فبراير 1995 التى عالجت الخلل في العمل القيادي الذي حدث بعد انقلاب 30 يونيو 1989م ، وتم تصحيح مسار العمل القيادي وانتقاد تصعيد الزميلين الخاتم ووراق لسكرتارية اللجنة المركزية من خارج اعضاء ل.م وتصعيد زملاء أعضاء ل.م لسكرتاريتها بدون علم ل.م ، اضافة لتهميش اللجنة المركزية التى لم يعقد لها اجتماع لفترة ست سنوات ، وتصحيح مسار المناقشة العامة حسب ضوابط لائحة الحزب بتحديد اطار عام لها ، وتحديد فترة زمنية لها وآلية لحسمها ، وتحسين العمل في التجمع الوطني الديمقراطي، وضرورة نشاط الحزب المستقل وتوسيع نشاطنا الجماهيري وضرورة اسهام الاعضاء والكادر في المناقشة العامة لتجديد الحزب والتمسك بضوابط العمل السري، كما عالجت الخلل في اختفاء عدد ضخم من الكادر الجماهيري مع تقدير تضحيات ذلك الكادر في الايام الاولى للانقلاب.

يورد هذا المقال نص السجل التاريخي النظري الذي أورده الأستاذ السر لقضية وجود الحزب ممثلةً في وجود وفاعلية كوادره،وهو إيراد وإقتباس طويل، ولكن لأهميته التاريخية والموضوعية كان من المهم عرضه قبل إنتقاد خطأ الحزب ومقال السر الرائع في هذا السياق، ولكن أيضاً قبل الشروع في هذا الإنتقاد يظهر أيضاً تقييم السر للحالة البدائية المتخلفة لعمل قيادة الحزب ومدى تخريبها أسسه قال:
يمكن تلخيص مظاهر الخلل في العمل القيادي والتى لاتخطئها العين في النقاط التالية:
1. ضيق حلقة العمل القيادي في مركز الحزب وعدم التخطيط المنظم لدعم القيادة بكادر جديد في عملية تشترك فيها هيئات وفروع الحزب بدلا من طريقة (علوق الشدة) التى تتم بها حاليا ، وبالتالي تجديد دماء العمل القيادي، هذا اضافة لحالة التشتت وزحمة الكادر القيادي في سكرتارية اللجنة المركزية .
2 -غياب الخطة السنوية للجنة المركزية التى يتم فيها تحديد اهداف عامة يتوخى العمل القيادي تحقيقها في العام المحدد ، وبالتالي رصد ما انجز وما لم ينجز والمحاسبة ومتابعة الانجاز في الخطة القادمة.
3 - عدم التقويم الدوري لأداء الكادر القيادي : انجازاته ، اخفاقاته، في مواقع المسئولية التى يتسنمها.
4 - الخلل المزمن في العمل القيادي والذي اشارت له المناقشة العامة وانتقده مشروع التقرير السياسي، وهو عدم عقد المؤتمر الخامس لمدة اربعين عاما ، وبالتالى تم حرمان مجموع الحزب من عقله الجماعي في تلخيص التجربة وتجديد العمل القيادي، وتطوير الحزب مما ترك القيادة لحلقة ضيقة والحق الضرر الجسيم بالعمل القيادي.
5 - الصراعات غير المبدئية بين الكادر القيادي ، والتى ارهقت قيادة الحزب في تحقيقات كثيرة ، مما اضر بالعمل القيادي ، وحرف وجهته الى اشياء غير مفيدة.
6- عدم وجود السياسات الثابتة مثل :
- لا سياسة عامة لتطوير مالية الحزب ومصادره المالية، حتى اصبح الحزب في اسوأ حالاته في جبهة الأداء المالي، وتلبية احتياجات جبهات العمل المتنوعة.
- لاتوجد سياسة عامة لتطوير الكادر باعتباره عصب الحزب.
- لا سياسة عامة حول التفرغ ، حتى تقلصت حلقة المتفرغين الى اقصى حد منذ تأسيس الحزب.
- لاسياسة عامة لتطوير الأداء في جبهة العمل النظري.
7- اصبحت سكرتارية اللجنة المركزية بديلا للجنة المركزية
8- السلحفائية والبطء في العمل القيادي ، وتأخير الردود على التقارير والرسائل التى تصل من المناطق والمكاتب مما يضعف ويربك العمل القيادي ويفاقم المشاكل التى تحتاج لمعالجات سريعة.
9- -غياب التقرير السنوى الذي يضع امام اللجنة المركزية صورة الوضع في المناطق والمكاتب ، على سبيل المثال آخر تقرير ناقشته اللجنة المركزية عن الوضع في المناطق في دورة يونيو 2000م ، بل حتى تقارير المكاتب المركزية والمناطق لاتمر على اعضاء اللجنة المركزية ، بل اصبحت محصورة في سكرتارية اللجنة المركزية.
وهذا يتطلب رفع القدرات الادارية لتصل تقارير المناطق والمكاتب قبل بداية العام الجديد ، حتى يتم منها اعداد التقرير السنوى وكذلك ولاية الخرطوم ، وهذا يختصر الطريق في تقديم المساعدات الدورية والسنوية للمناطق والمكاتب في تطوير عملها، بدلا من ترك ذلك لرؤية احادية ضيقة لسكرتارية اللجنة المركزية.
10 – غياب المجلة الداخلية ( المنظم) التى تلخص تجارب المناطق والفروع في النشاط الداخلي والجماهيري لأكثر من 17 عاما ، مما اضعف المسك بقضايا ومناهج بناء الحزب ، وتطوير الصراع الداخلي حول ذلك.
11 – تفجر الصراع بين الكادر القديم والجديد ، وعدم وجود المنهج القيادي السليم لاستيعاب الكادر الجديد القادم من الجامعات في فروع السكن والعمل ، وهذا ناتج وتحصيل حاصل من الخلل في العمل القيادي الراهن.
12 – عجز الكادر القيادي في سكرتارية اللجنة المركزية الناتج من تقدم العمر والمرض ، ورغم ذلك يتشبث بالعمل القيادي اللاهث يوميا ، بدلا من وجود المنهج السليم لتجديد دماء العمل القيادي ومساهمة الكادر الذي تقدم في العمر بعمق في تلخيص التجارب والكتابة في جبهة الفكر، بدلا من الجرى والتشبث ، حتى اصبح كالمنبت لاأرضا قطع ولاظهرا ابقي.
13 – العجز والقصور الواضح في جبهة الفكري حول قضية المرأة التى اتسع دورها في الحياة العامة ، مما يعكس الخلل في العمل القيادي والنظري وضرورة تطوير عملنا في هذا الجبهة الهامة. هذا اضافة لضعف وجود الزميلات في الهيئات القيادية من اللجنة المركزية والمكاتب المركزية ولجان المناطق مما يتطلب رفع هذه النسبة.
14 – الاضطراب والارتباك في التصريحات الصحفية وفي اجهزة الاعلام والذي اشارت له اللجنة المركزية ، هذا اضافة للخلط بين الرأى الشخصي ورأى الحزب حول القضية المحددة ، حتى اصبحت هذه التصريحات والمقابلات الصحفية الكثيرة تثير امتعاض أعضاء الحزب.
15 – ضعف منابر الحزب الاعلامية، كما أشارت العديد من ملاحظات الاعضاء والاصدقاء ، مما يتطلب تحسين عملنا في هذا الجانب.
16 – ضعف دورات اللجنة المركزية وخاصة في الجانب السياسي ولاسيما في الفترة :2001 – 2007 م من حيث المحتوى والتحرير أو الاعداد للنشر اضافة لتأخير نزولها ، كما عبر الكثير في ملاحظاتهم ومناقشاتهم لهذه الدورات.
17 – استمرار التناقض الذي ظل ملازما للحزب منذ المؤتمر الرابع ( بل قبله) ، مثل البدائية وحول نفوذ الحزب الجماهيري وارتفاع مستوى وعي أعضائه وعجز العمل القيادي عن تلبية تلك التطلعات، هذا اضافة لضعف القبض باسبقيات العمل القيادي كما أشارت دورة ل.م في سبتمبر 1984 م.
18 – ضعف جبهة الطباعة المركزية كما يتضح من العجز عن اصدار مجلة الشيوعي العدد 170 لاكثر من عامين ، وتراكم الكتيبات والمساهمات دون نشر.
19 – اتخاذ قرارات كانت تحتاج لتشاور واسع مع الكادر والمناطق مثل:قرار المشاركة في المجلس الوطني وتحديد المشاركين، وقرار الاجتماع مع المؤتمر الوطني دون التحديد المسبق لشروط المصالحة والحوار، والتشاور مع القوى السياسية الاخري لتوحيد الموقف التفاوضي.

ويوضح السر سببين أساسيين لتوالد وتراكم هذه الإختلالات التي تجعل حزبنا شبيها بالسودان القديم في موته السليماني هما:
1- عدم عقد المؤتمر الخامس لمدة اربعين عاما من الاسباب الاساسية لذلك الخلل ، نلاحظ أنه في الفترة يوليو:1971 – 1985 م ، لم يطرح في دورات اللجنة المركزية مهمة عقد المؤتمر الخامس ، ولكن طرح في الفترة: 1985 – 1989 ، ورغم الظروف المواتية الا أنه لم يتم عقده وهذا يرجع لمناهج وأساليب العمل القيادي التى كانت سائدة يومئذ ، اضافة لعدم انجاز بعض اللجان مثل لجنة البرنامج مشروع البرنامج حتى قيام انقلاب 30 يونيو1989 م ، نلاحظ استمرار هذا الخلل ، فقد قررت ل.م تكوين لجنة لاعداد مشروع البرنامج في دورتها في ديسمبر 1997 ، وحتى نهاية ديسمبر 2007 م ، أى لاكثر من عشر سنوات ولم ينجز المشروع مما يعكس البدائية والخلل في العمل القيادي. هذا اضافة لخرق لائحة الحزب بتعطيل اعلى سلطة في الحزب لأكثر من اربعين عاما.

2- الخلل الثاني هو الغاء المكتب السياسي واستبداله بسكرتارية للجنة المركزية، في حين أن السكرتارية أو الامانة العامة مهمتها التحضير لاجتماعات المكتب السياسي، التى ادخلت العمل القيادي في عنق الزجاجة واصبحت بديلا للجنة المركزية

بعد عرض هذه الإختلالات الجسيمة التي بقيت مدفونة بشكل ما طيلة نصف قرن تقريباً تأججت فيه نضالات وإنطفاأت فيه نضالات أخرى يقدم الأستاذ تاج السر عثمان جانباً من الحلول الضرورة لإصلاح العمل القيادي في الحزب على النحو الآتي:

انتظام عقد مؤتمرات الحزب ، باعتبار أن المؤتمر هو اعلى سلطة في الحزب وهو الذي يجيز سياسته واهدافه العامة وبرنامجه ودستوره او التعديلات عليهما ، وينتخب اللجنة المركزية الجديدة .

أن تصبح اللجنة المركزية القيادة فعلا لا قولا في الفترة ما بين المؤتمرين ، لقد عانت اللجنة المركزية في الفترة الماضية من التهميش ، على سبيل المثال تم في الفترة اكتوبر 1967 – نهاية ديسمبر 2007 م عقد 54 دورة للجنة المركزية ، تم عقد 17 منها في الفترة:1967 – يوليو 1971 ، اى بمعدل 3 دورات في العام ،بما يتمشى مع لائحة الحزب ، اضافة لوجود مكتب سياسي في تلك الفترة بما يتمشى ايضا مع لائحة الحزب، أما في الفترة : يوليو 1971 – نهاية ديسمبر 2007 م ، فقد تم عقد 37 دورة ، اى بمعدل دورة في العام، اضافة لتكوين سكرتارية للجنة المركزية الغت الدور القيادي للجنة المركزية، كما اشرنا سابقا، وهذا ايضا يتعارض مع اللائحة.على أن اسوأ ما افرزته تجربة السكرتارية هى تكوين سكرتارية مؤقتة في الفترة 1989 – 1995 ، والتى تم فيها تهميش اللجنة المركزية بعدم عقد اجتماعاتها لفترة ست سنوات ، اضافة للخل في العمل القيادي الذي نشأ في هذه الفترة والذي اشرنا له في المقدمة، والذي عالجته دورة ل.م فبراير 1995 م، ومازال هذا الخلل يلقى بظلاله السلبية على العمل القيادي حتى اليوم.

أن يصبح المكتب السياسي هو القيادة المركزية في الفترة بين انعقاد اجتماعات اللجنة المركزية ويقود العمل اليومي ويشرف على صحافة الحزب ومطبوعاته المركزية وعلى المتفرغين وتوزيعهم على فروع العمل المختلفة ، كما يشرف على المكاتب المركزية ولجان المناطق ويتلقى التقارير الدورية المنظمة عن نشاطها ومخططاتها ، كما يدعو لاجتماعات اللجنة المركزية الدورية واذا طلب ثلثا اعضائها ويحضر لها ويقدم تقارير دورية بنشاطه وانجازاته لها وينفذ كل قرارتها، ويعقد اجتماعات دورية ثابتة لقيادة العمل السياسي ومراقبته وتطويره، كما يمثل الحزب في صلاته بالاحزاب والهيئات الاخرى في حالة غياب اللجنة المركزية ، على أن يقدم أعماله في هذا الصدد الى اللجنة المركزية، كما أن اللجنة المركزية هى التى تنتخب المكتب السياسي ويخضع لمحاسبتها، اى أن المكتب السياسي يخضع لمراقبة اللجنة المركزية وليس قيادة لها وحتى لا يتحول الى هيئة أو شلة متكتلة بشكل دائم داخل اللجنة المركزية، وهذا يصحح الوضع الشاذ الذي نشأ باستبدال المكتب السياسي بسكرتارية للجنة مركزية لاوجود لها في دستور الحزب المجاز في مؤتمره الرابع اكتوبر 1967، والتى تحولت بوضع اليد الى قيادة للجنة المركزية لأكثر من 36 عاما ، هذا اضافة لتصعيد زملاء لها في غياب اللجنة المركزية ودون علمها مثل حالة الخاتم ووراق ،اضافة للاثار الضارة التى الحقتها هذه الصيغة بالعمل القيادي والتى اشرنا لها سابقا.

التخلص من حالة التشتت بتحديد اسبقيات العمل القيادي وتوزيع المسئوليات وترسيخ المؤسسية وضوابط دستور الحزب ، واشراك الهيئات والفروع في الاختيار للمكاتب والهيئات المركزية وعرض حصيلة الفحص على اللجنة المركزية ، وأن يكون التصعيد على أساس الكفاءة وليس الاستلطاف والمزاج الشخصي،


يتطور العمل القيادي من خلال الانتاج في مختلف المجالات السياسية والتنظيمية والفكرية وتطوير العمل النظري، والنقد والمحاسبة والتخطيط ودراسة الواقع ورفع قدرات الكادر القيادي الفكرية والسياسية والتنظيمية، اضافة الى بناء ادوات العمل وتحسين الطباعة ووسائل الاعلام الاخرى ، اضافة الى التامين وتحسين مناهج العمل الاداري ورفع كفاءة الاجتماعات وعائدها والتحضير الجيد لها ، باعتبار أن الاجتماع الناجح هو الذي يحقق اكبر عائد في أقل قدر من الزمن، وتطوير موارد الحزب المالية، وتجديد العمل القيادي وتطويره باستمرار، والحفاظ على التوازن بين حماس الكادر الجديد وحكمة وتجربة الكادر القديم، هذا فضلا أن القيادة والادارة اصبحت علما لابد من اتقان مناهجه وفنونه ، وتسليح الكادر القائد بمبادئ علم الادارة والكمبيوتر والتحليل الاحصائي والآساليب والمناهج العلمية في اجراء الاستبيانات والاستطلاعات وقياس الراى العام وسط التنظيم ، وعدم التعجل في اتخاذ قرارات دون دراسة.

تحسين تركيب اللجنة المركزية ، وتلك مهمة المؤتمر الخامس ، فتركيب اللجنة المركزية الحالية مختل وعلى سبيل المثال: لايوجد بها عامل، يوجد بها زميلتان، يوجد بها زميل واحد من الأقاليم، من حيث التركيبة العمرية كل الاعضاء اعمارهم تتجاوز ال55 عاما، لايوجد بها مزارع .. الخ. وبالتالى من المهم تحسين هذا التركيب بحيث يوجد في اللجنة المركزية كوادر مقتدرة من العمال والمزارعين والنساء، اضافة لتحسين التركيبة العمرية بتمثيل الشباب والدمج فيها بين حماس الشباب وحكمة وتجربة الكادر القديم،

تحسين التركيب القيادي لاينفصل عن نضال الحزب السياسي الجماهيري في هذه المرحلة الحرجة التى تقرر مصير البلاد هل تظل موحدة ام تتقسم الى دويلات؟

نقاط إنتقاد مقال السر:
1- جاء هذا المقال الثر البديع الجاهر بحقائقه ومعلوماته وتواريخه ومنطقه وتحليلاته وتقديمه إمكانات موضوعية للإصلاح حافلاً بتركيبة منطقية ثورية لتناول وتغيير كثير من وجوه الحياة الحزبية والسياسية فقد عرض مقال السر مظاهر وجذور وحلول الأزمة العامة لوجود الحزب الشيوعي السوداني بصورة أوضح كثيراً مما يدل عليه العنوان (الإداري) للمقال إذ قام جهد صاحبه بتمكن وبراعة بنقل موضوع "أزمة الكادر" من خانة علاقات العمل والإدارة الداخلية المحلية إلى خانة علاقات الإنتاج داخل دولة الحزب وحتى داخل الدولة السودانية .

2- إنصراف المقال إلى إصلاح الحزب لإصلاح وجود أعضاءه ورفع مستوى فاعليتهم بينما فاقدالشيئ يعجز عن منحه، ومن هنا تظهر حاجة الحزب الشيوعي وعموم الأحزاب النشيطة في مركز إدارة السودان القديم إلى مركزة قضايا وقوى الهامش

3- الإتجاه في مضمون المقال إلى علاج الظواهر السالبة والأزمة العامة في حياة الحزب وكوادره من خلال الإستمرار في نفس الإتجاه السياسي المعيق الذي تكرس في الحياة الحزبية في ظل سيطرة السكرتارية على أمور الحزب وتخريبها هيكل عمله ومقومات فاعليته وهو الإتجاه الليبرالي الذي يؤخر قضايا التحول الثوري والتغيير الجذري في مجالات الإنتاج ويقدم عليها قضايا ما يسمى بالتحول الديمقراطي منتصبة فوق قاعدة إقتصادية ديكتاتورية رأسمالية مهترئة. وكان الأنجع لإتجاه المقال الساطع الجاهر البديع أن يقدم قضايا التغيير الطبقي وتحويل البنى العامة للدولة على قضية (التحول) الحزبي المحصور في مركزها ، والذي سيكون بلا شك تحولاً فوقياً هشاً سرعان ما يرتد عن ظاهر أمره إلى ظاهر آخر بدورة مناورات حزبية تتشظى به أو يتشظى بها أو بدورة مناورات عسكرية برجوازية تنقذ حرية السوق وتحكم قواه في موارد عيش وحياة الناس من فشل الحكم المدني في ضبط الأمور النقابية والثقافية والوطنية لصالح تلك الحرية البغيضة، التي تصور ضمناً في الثقافة السائدة بأنها أمر طبيعي ومستعصي على التحويل، بينما يؤجل الحزب عملية مقاومة ثقافة السوق السياسية وهيمنتها على البلاد مستغرقاً ومعه الأستاذ السر وكثير جداً من الزملاء في تزجية الرأسمالية محكأً للتغيير والحداثة والتقدم في حياة الحزب!، حيث تلاحقت عملية تخريب الحزب بتأطير السكرتير السياسي في أوراق التجديد لعملية التخلص من أيديولوجيا الحزب الشيوعي وثقافته النضالية ومن ملامح الثورية في برنامجه بإسم التخلص من الآيديولوجيا وصولاً في المؤتمر القادم إلى تغيير إسم الحزب وطبيعته، مما لايرفضه تاج السر بنفس الحزم الذي يرفض به إستبعاد الرأسمالية من دائرة التغيير الثوري لأحوال السودان من الواحدية الطبقية والعنصرية في الموارد والسلطة إلى الإشتراكية العلمية فيهما .

5- طروادة....الاتجاهات التصفوية داخل سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني:

في مقاله المهم الخامس ذا العنوان :"تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات التصفوية" تناول الأستاذ السر صراع الحزب ضد الإتجاهات اليمينية الداعية لإبقاء الشيوعية تياراً يسارياً فضفاضاً وسط الحياة السياسية والإقتصادية الليبرالية المتخلفة المشوبة بأحوال شتى من عهود ما قبل الرأسمالية. كذلك تناول السر صراع الحزبيين الشيوعيين ضد الإتجاهات اليسارية التي ترى في طبيعة الممارسة السياسية القانونية للحزب ضمن أطر الدولة البرجوازية ودوائرها الرأسمالية والإقطاعية شيئاً خيانياً لطبيعة نضال الطبقة العاملة وعموم الكادحين في المدن والأرياف،وفي كل تقويم من تقويمات السر لهذه الإنقسامات يجد القارئي إستسلاماً مفرطاً لإستخلاصات الهيئات القائدة للحزب لأبعاد وموضوع كل إنقسام ، دون أن يعمل فيها بكشوف نقدية ساطعة مثلما فعل في مقاله السابق، وأكتفى عن لؤلؤ أعماقها ببعض الأصداف االكثيرة المألوفة الملقاة على شواطئي دراسة الإنقسامات...إذ يقول السر:
أما التيجاني الطيب فقد أشار في مفال صدر في مجلة الشيوعي، العدد 150، الي ضيق العمل القيادي وغياب الديمقراطية في الحزب ككل ، وكانت العلاقة بين اللجنة المركزية والمستويات التنظيمية الأولي تنحصر في اصدار القرارات وتنفيذها ولم يكن في الحسبان مناقشة قرارات ل.م ناهيك عن انتقادها وتم اخفاء دور الحزب المستقل، وضعف صلات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير الثورية ، سيادة الجمود في دراسة النظرية الماركسية، شاعت العلاقات العائلية في التنظيم وضرب باللائحة عرض الحائط ، تدهور حياة الحزب الداخلية وانخفاض مستوي التعليم الماركسي فيه ، سياسة خاطئة أدت الي خروج عشرات المثقفين من الحزب ومن بقي اصابه اليأس، لاخطة للعمل لمواجهة الظروف الجديدة التي نشأت بعد قيام الجمعية التشريعية.
( التيجاني الطيب، الشيوعي 150).

وإذ يورد االسر الإنتقاد الذي إستخلصه الأستاذ الرفيق التيجاني الطيب فدون أن يتطرق في هذا المقال إلى إستمرار صلاحية هذا الإنتقاد حتى الوقت الحاضر كما لم يتطرق إلى فشل السكرتارية التي تقود الحزب بالمخالفة للائحته في الأخذ بذاك النقد وكثير من الأمور وعجزها التام عن علاج السلبيات التي لم يزل هذا النقد القديم يكشفها في حياة حزبنا.
ولكن لو ان مقال السر توخى قسط الأمور وردها إلى نصابها في كل إنقسام لتوجب عليه عرض الظروف الموضوعية المحيطة بالإنقسام بشي من الدقة وبشي من السعة أكثر من رواية (أحداث الجريمة) نفسها وذلك ليكون حكم القارئي لكلماته قائماً على بينة وليس على مجرد شهادة أوحكم صادر من خصم! ولو تناول مقال السر التناقضات بين الجمل الشذرة الآتية لربما خرج بنتيجة موضوعية عامة ضد تغول السكرتارية القديمة على تنظيم الحزب وكذا السكرتارية الجديدة، وربما القادمة أيضاً إن بقي الحزب، ولربما كان طرح السر لإنتقاده الموضوعي الشريف في مقاله السابق يعد حينذاك وحتى الآن خصومة للحزب وللنضال نفسه قد يواجه من جرائه بفنون بدوية ومدينية من الحصر والتعذيب النفسي وحتى الإغتيال المعنوي ! بل إن المتأمل لبعض الجمل التي خفقت في مقال السر ضد الإنقسامات يرى التناقض المنظوم في ثنياتها وهي:

• وهو [= الحزب الشيوعي] مستعد لتكون في داخله أفكار متعددة شرط التقيد بالنظرية اللينينية في التنظيم، فالماركسية اللينينية ليست نظرية فحسب وليست سياسة ولكنها أيضا تنظيم.
• من الاشياء التي اسهمت في ظهور الانقسام، الخلل في العمل القيادي.
• تأييدا لموقف السكرتارية المركزية الحازم من النشاط التكتلي الانقسامي الانتهازي،
• هذا الاستقلال شرط هام لتطور العمل الثوري.
• حول وحدة الحركة الشيوعية العالمية.
• التناول المستقل للماركسية حسب ظروف وخصائص السودان.

من هذه النقاط الجُمل الموردة في الفقرة السابقة تنشأ خمسة أسئلة ؟
1- كيف يكون الحزب الشيوعي ماركسياً لينينياً في تنظيمه مع وجود الخلل الكبير في عمله القيادي وهو 90% الشكل (اللينيني) لعمل أي حزب شيوعي ؟ أي لماذا كان الحزب أو إسمه شيوعياً وهو أصلاً مخالف بل وضد لأسس التنظيم الشيوعي ؟

2- كيف لهيئة قيادة مختلة النظام وعدوة لأسس العمل وتخلق بضعفها الموضوعي الإنقسامات مثل هيئة سكرتارية الحزب ان تكون هي المعيار في تقييم عمل من خالفوها الرأي وقاسموها الإختلاف مع الشكل التقليدي للعمل؟ إلا بطريقة: حلال لنا حرام عليكم!

3- وكيف لحالة حزب مضطربة الأسس ومنقسمة في الداخل أن تكون منصفة في تقييم إنقسام أممي؟

4- كيف تستقيم الدعوة لوحدة الحركة الشيوعية العالمية ضد (الإنقسام) الصيني بينما أستاذ السر نفسه والأستاذ محمد إبراهيم نُقد يرفضان هذه الوحدة لذات سبب الصين في إختلاف وتباين الظروف الخاصة لكل بلد وتباين تقدير موجبات المرحلة التاريخية؟

وفي صدد جدل وحدة النضال الشيوعي بين المبدئية والمرونة في جهة والإنتهازية والتحريفية في جهة ضد، فإن حال الجدل التاريخي لنشاط الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية إذ يتصل مع مثل هذا التبرير (الوطني) الخاص ومع التاريخ الحي للإشتراكية العلمية والأممية في بلاد العالم وموضوع النسبية والعمومية في الإشتراكيات الخاصة العربية والأفريقية والسودانية والنسوية... إلخ ينشأ سؤآل خامس:

5- ماذا لو قام شيوعيو شرق السودان أو غرب السودان أوشماله أو جنوبه (تحقق إنقسام الحزب في الجنوب برعاية السكرتارية) بتأسيس نشاط مستقل عن الحزب في بعض إستراتيجيته أو في تاكتيكاته؟ (قضية منح الأولية والأسبقية لأي عمل؟ وطني أو محلي؟)

وقد حدث بعض هذا التباين والإختلاف بين ماهو هامش وما هو مركز داخل الحزب في تقدير طبيعة ونشاط الحركة الشعبية لتحرير السودان (1983) وكان موقف الحزب (السكرتارية) حذراً منها ثم من تكون (حشود) ومن حركة إنتقال الفدائي ياسر سعيد عرمان من تكوين وسياسات الحزب العاصمي السمة الذي تسيطر عليه سكرتارية مخربة لمبادئي الحزب التنظيمية (حسب المقال) إلى نضال الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتمثلت واحدة من النتائج العامة لسياسة الحزب(السكرتارية) في الفرق المهول والجسيم بين حضور ندوة الأستاذ نُقد الخمسة آلاف فرد!! وغياب كثير من الحزبيين عن حضورها وإستقبال القائد قرنق في ذات الخرطوم والزمان بخمسة ملايين نسمة !!
في صدد تطور الإختلافات الطبيعية بين ماهو أممي ودولي وبين ماهو في العالم وماهو في السودان، وما هو في مركز الحزب وفما هو في قاعدة العمل الثوري في الريف، يجد الأستاذ السر والأستاذ نقد نفسيهما في موقف تناقض وتعارض ذاتي يعارضون فيه بالداخل ما يقبلونه خارجاً ويقبلون فيه داخلاً ما يرفضونه خارجاً! ومثال ذلك كثير.. منه:

1- ان ترفض أدبيات الحزب (السكرتارية) سياسة الصين الخارجية ثم تدعو في ذات الوقت إلى إقامة العلاقات الدولية حسب المصالح.!؟ وإن جاءت هذه الدعوة مع لحن سياسي خفيف عن مراعاة حقوق الإنسان وعزل الديكتاتوريات البرجوازية ..إلخ!؟

2- ترفض ذات الأدبيات المعاني الصينية لسياسة السوق والأنشطة الرأسمالية في وضمن إطار التظيم الإشتراكي العام لموارد البلاد والجهات الجغرافية والإجتماعية الإقتصادية النوعية والعددية للتقدم في تنميتها ثم بعد هذا الرفض الخارجي المبين تقوم ذات الأدبيات الرافضة بالدعوة إلى تقوية الرأسمالية سراً وعلانية في برنامج وإتجاهات ونشاطات الحزب الشيوعي السوداني؟؟

3- سكرتارية اللجنة المركزية ترفض مقررات السلام للجنوب ( 3-3-1972) ، سلبيةَ، بدعاوى المبدئية والصلاحية الطبقية بينما تقوم نفس السكرتارية بتعزيز مقررات السلام في الجنوب (2005) إيجاباً، بدعاوى المرونة وقبول ما يسمى (الأمر الواقع )!!!؟

4- السكرتارية ترفض التدخل الدولي في العراق بينما تقبل التدخل الدولي في السودان !!!!!

5- سكرتارية تتحدث رفضاً عن الفساد والإرهاب وغسل الأموال وترفض الحديث عن تأميم البنوك والشركات (الإسلامية) !

6- سكرتارية تتحدث عن التنمية ولا ترفض حرية الإستثمار ولاترفض حرية التجارة!!؟

ان كل واحدة من هذه العفويات هي مشروع إنقسام في طور التكوين أو ربما في طور النمو أو هي حالة إنقسام باطني عنقودي تحت الأرض دعك عن موضوع المركز والهامش والموقف الوسيط للحزب في الصراع الطبقي المسلح الدائر بين قوى المركز الرأسمالي في أجهزة الدولة ومؤسساتها العسكرية وقوى العدل والحرية في الأقاليم والامصار المستضعفة، إذ يموتون بالمليون والمليونين بينما الحزب صار كالحكومات العربية يشجب ويدين ويدعو ويرجح ويأمل وينتظر على طريقة أنصر أخاك شرط ألا يكون ظالماً ولا مظلوماً!!!

وكان لمقال السر إجتناب هذا الخطأ بعملين هما: أن يورد قائمتين مختصرتين بالمواضيع المختلف عليها بين المركز والهامش في الحزب وبين الحزب والعالم من حوله (أمميةً ودوليةً) فلو عمل السر بهذا الأسلوب الدقيق لوجد تشابها لحد التطابق بين بعض دعاوى الإنقسامات والهامش الحزبي وبعض دعاوى الحزب أو سكرتاريته كهامش في المسائل المركزية الأممية، ولتبين له أن أخطاء العمل القيادي تمددت وتفاقمت حتى شملت في موضوع الإنقسامات علاج الإنقسام بتعزيزه وإدامة جذوره وآفاقه.

ولو وفر المقال رصد وتسجيل ملامح هذا الشبه لسهل إيضاح الخلل في المعايير والأدوات التي حوكمت بها الإنقسامات، وكذلك الخلل في المعايير والادوات التي حاكم بها الإنقساميون أخطاء العمل القيادي في سكرتارية الحزب رغم إن الهدف في الحالين كان تقوية الحزب.
فلو أضاف مقال السر قائمة كهذه إلى فقراته لزاد بها حقائقه سطوعاً، ولنالت أرض الحركة الثورية من مزن صباح مقاله هاطلا نعيماً.

ولكن مقال السر في كل المعارك التي دارت بين الهامش والمركز في الصراع الطبقي الفكري والنضالي داخل الحزب آثر بمقاله أن يقف في إطار الثقافة السائدة والرأي (المنتصر) داخل الحزب والوعي المتآكل بسياسات الأمر الواقع وغير آبه لحالة الإستلاب والإغتراب السائدة في المجتمع وفي الحزب ولا لطبيعة الجلابة االكامنة في الوعي الباطن لعموم جمهور وأعضاء وقيادة الحزب (السكرتارية) وحتى في كاتب هذه السطور وكثير من القراء وهو الوعي الذي تطرقت له بلطف وخفة فقرة من مقررات 1977 حول سلبية طبيعة تأثر القيادات الوطنية بالثقافة السائدة في المجتمع أكثر من تأثرهم بالمقومات الماركسية اللينينية.

إن وحدة قضايا ونضال العمال والكادحين في العالم الذين ينتجون أعظم ثرواته ولا ينالون من إنتاجهم لها إلا معيشة ضنكاً تتطلب إتحاداً ثورياً بين حركة الأحزاب الشيوعية في العالم وهي ضرورة موضوعية في المقام الأول لتناسق وتعاضد عمليات حرية الطبقة العاملة وعموم الكادحين، هذا الإتحاد بين حركة الأحزاب الشيوعية يعالج بأمميته بعض إتجاهات الشوفينية والخصوصية في النضال الوطني والطبقي الشيوعي، تبدو ضرورة منطقية لإستقامة الحديث عن وحدة شعبية ووحدة وطنية في حزب شيوعي تقوده بالعافية سكرتارية ولجنة مركزية لا تنتمي غالبية عناصرها للتركيبة الطبقية والعنصرية لسواد السودان وهامشه في ظرف يحتد فيه الصراع الطبقي الحديث في البلاد في شكل نزاعات مسلحة بين المركز والأقاليم تغذيه بقوة وشدة وتؤججه أوار وعصبيات الصراعات الطبقية القديمة في تاريخ السودان التي تبقى ماثلة في تلافيف الذاكرة والحياة الإجتماعية توقظها كل حين المظالم والفظائع التي تمارسها منذ سنة 1989 السلطة الإسلامية العسكرية للحكم الرأسمالي في السودان .

فدون الوحدة الأممية للأحزاب الشيوعية التي يرفض أستاذ السر وعدد مجهول من أفراد السكرتارية كثير من إحداثياتها، ودون مقاربة في أنشطة وإعلام الحزب في داخل السودان لأيديولوجيا وقضايا لطبقة العاملة وعموم الكادحين وأهل الهامش على حساب آدولوجات وقضايا المركز السياسي-الرأسمالي وإتفاقاته، متأثراً بالشكل المركزي الجغرافي السياسي والثقافي لتبلور نشاط الحزب في المدن الكبرى، ودون جدل حذر بتأميم شامل وتخطيط تنموي متوازن من حرية السوق ومن عموم الأنشطة الرأسمالية مقترب بطبيعة تقدمية ثورية من كافة أشكال التملك الإشتراكي لموارد الإنتاج ووسائله في المجتمع، يتضعضع حديث السر الهميم عن وحدة الشيوعيين في السودان وتقوية نضالهم بإحداثات من السياسة المحلية -الليبرالية- حيث إن هذا الليبرالية بكل الحقوق والإمازات التني تمنحها لضمان تملك بعض الأفراد لموارد وقوى وجهود وثمرات المجتمع تعمق وتؤجج برأسماليتها الجلابية داخل كل مناطق وهيئات السودان القديم الصراعات الطبقية في أشكالها الثقافية والإقليمية والعنصرية حتى إن الرضاء الضمني بجذورها الرأسمالية يغدو به المقال السري رغم كل صدق بذله وجهده وعفو وحسن طويته، يغدو مجرد أماني عذبة وكلام ساكت لاينفع في وحدة الشيوعيين الأممية ولا ينجح في تقوية وحدة الشيوعيين الوطنية بإستثناء نشاط الحزبيين في الجنوب وهم الذين تم قسم نشاطهم من نشاط الحزب الشيوعي السوداني بموافقة السكرتارية وبحجج لا أدري مدى إمكان قبولها جهة نشاط الحزبيين الشيوعيين في مناطق شرق أوفي شمال السودان أو في دارفور أوفي كردفان أوفي جبال النوبا أو في مناطق الأنقسنا والنيل الأزرق أو في مناطق الجزيرة ففي كل واحدة من هذه المناطق هناك ظروف خاصة لنشاط الشيوعين تستدعي إستقلالهم بشؤونهم ما لم ينجح الحزب أو سكرتاريته في بناء هرمي لوحدات العمل ووحدات السكن في كل أقليم.
مايو 1969:

في الفقرة الثالثة من مقال السر عن الإنقسامات عرض لحالة إنقسام الحزب في السنوات الأواخر الستينيات وأول سبعينيات القرن العشرين جهة التعامل مع الديكتاتورية المدنية وجهة التعامل مع القوى العسكرية في المجتمع والدولة.
وفي هذه الفقرة الثرة بالمعلومات والفقيرة في التحليل والإستخلاص مال أستاذ السر أيضاً لعرض تفاصيل الأحداث التي تبلورت من خلالها الإنقسامات بصورة تفوق عرضه الظروف الموضوعية والذاتية للجماهير وللتنظيمات الديمقراطية للشباب والنساء والنقابيين والمثقفين الثوريين والعسكريين، ولآكثر رفاق الحزب وأعضاءه آنذاك! ودون أن يعرض لعموم الموقف القومي والدولي في كلياته الصراعية أوآن الحرب الباردة ، وإن عرض لحالة منه! كذلك قصر مقال السر أن يقوم بعرض قضايا المهمشين والريف السوداني ككتلة موضوعية واحدة أعظم أبعاداً وأعمق أثراً من عرضها ضمن "قضية الجنوب" إ بينما حال الريف والهامش هو حال سواد السكان! كذلك غاب الحياد الموضوعي في مقال السر خاصةً في عرضه القابض المنتقد لرأي الإنقساميين وعرضه الباسط المنشرح برأي سكرتارية الحزب دون رأي المكتب السياسي ودون رأي الهيئات الحزبية الأخرى التي إختلفت بل وتناقضت بقوة مع هيمنة وديكتاتورية (= سلطة) السكرتير العام، وهي السلطة التي لم يزل حزبنا يعاني منها.

بحسب ما كشف في عدد من المقالات في نشرة قضايا سودانية (فاروق محمد إبراهيم والتيجاني الطيب بابكر) وما أفادني به بعض الرفاق الخضارم في بيوت آل زاهرالسادات وآل النور الجريفاوي وكذلك الشهيد الصحافي طه علي (حضارة السودان)، والشهيد الصحافي فضل بشير، والشهيد الطبيب عبدالوهاب سنادة، والمرحوم الأديب سامي سالم (إنقسام العباسية) والشهيد (الجيفاري) بشار الكتبي، وماعرضه العقيد أ.ح (م) محمد محجوب عثمان في كتابه عن الجيش والسياسة في السودان عن حذر العسكريين الشيوعيين التعامل مع هيئات الحزب المدنية آنذاك، وبعض اللمحات في كتب الشهيد المؤرخ د. محمد سعيدالقدال، وفي كتاب العلامة الشهيد محمد أبو القاسم حاج حمد السودان المأزق التاريخي ما ذكره عرضاً بعض الزملاء القدامى والمعاصرين من لدن الرعيل الأول والثاني والثالث من الرفاق والشيوعيين أن الشهيد العظيم عبدالخالق محجوب بوداعته ولطفه وسماحه ورحابته في تعاملاته الشخصية وشيئ كثير من تعاملاته داخل الحزب كان في مواقف الإختلاف الكبرى شخصاً حازماً صارماً رمضانياً في مجال العمل الحزبي وقيل سلطوياً باطشاً بمخالفيه حد الصعوبة والجبروت.

ولعل في هذا التقويم غيرة من أنصار الديمقراطية في الحزب ضد ديكتاتورية أو شخصانية السكرتارية وسلطاتها أو تعزيزاً لرفضهم المواقف التي إتخذها الشهيد عبدالخالق محجوب بقوة وسرعة شديدة آنذاك على المستوى الداخلي والخارجي -بصفته السكرتير العام للحزب- دون إقرار كامل وافي من الهيئات الحزبية، أو حتى دون موافقتها، لشيئ ما رآه فيها، مما سبب فيما بعد أو فاقم في حينه الحالة الديكتاتورية لنشاط السكرتارية وزاد الحس الشخصي فيها على حساب الحس العام حتى تشقق الحزب بها قبل إنشقاقه الكبير ذاك. وهي ذات حالة الجفاف والتشقق التي كانت ولم تزل سائدة في حزبنا والتي عدها السر ضمن أهم الأسباب الذاتية والداخلية لإنقساماته، وإن كان السر قد تناولها في مقاله هذا بلطف فقد تناولها في مقاله السابق عن علاقات الكادر الجديد والقديم بتفصيل شديد وقوة أكثر وإقدام جسور في واحد من الدروس النادرة العظيمة والبليغة عن التدهور والموات في حياة حزبنا الذي يفترض فيه أن يكون لينينياً بطليعيته وثوريته.

عدم وصف الإنقسام كتناقض بين إتجاه إجتماعي وإتجاه سياسي في الحزب لكسر الأزمة الرأسمالية في السودان تكرار لأخطاءه:

كان الإتجاه الإجتماعي لتغيير الوضع الرأسمالي في السودان يميل في داخل الحزب إلى الإعتماد في إحداث هذا التغيير التراكمي الوئيد أو -الإصلاحي في قول ضد - على تطور (مستقل) للحركة الجماهيرية عبر القضايا والصراعات والمعارك الجزئية إلى أن تصل الجماهير بخلاصة تراكم تجاربها ونضالاتها وقواها إلى مرحلة الإضراب العام والعصيان السياسي لتغيير الوضع الحكومي لتسلط النظام الرأسمالي ولم يأبه هذا الإتجاه إلى تخلخل التراكمات وإنهيارها أو إلى دور السوق والحكم في إمتصاصها أوتغيير إتجاهها أوشرذمتها.

أما الإتجاه السياسي فكان أقرب في داخل الحزب إلى تقدير الدور المحوري للدولة وهيئاتها المنظومة الواسعة النفوذ في أداء الأعمال الأساسية والبنية التحتية لعملية تطور المجتمعات الحديثة أي عمليات نظيم الإقتصاد،خدمات المياه والكهرباء والتعليم والصحة والمرافق العامة، الثقافة والإعلام...إلخ ، وتخديم هذا الدور في إنهاء بقايا النظام الإقطاعي وزيادة إمكانات فتح الطريق الوطني الديمقراطي بالإجراءات الثورية السياسية والإقتصادية الإجتماعية والثقافية المعروفة في كل التحولات التقدمية في مجتمعات ذاك الزمان بداية من الحسم العسكري بالإنقلاب لتداول عناصر بقايا نظام الإقطاع (الطائفي) والبرجوازيين السلطة فيما بينهم دولة أغنياء. ولم يأبه هذا الإتجاه لإمكانات إرتداد قوى الدولة عليه وإنقلاب برجوازيتها الصغيرة أو الكبيرة على أسس أوعلى أهداف التغيير الإجتماعي وخصختها له.

تجنب هذا الوصف البسيط لطبيعة الإتجاهين أدخل مقال السر منطقة التحليلات الإدارية لنزاعات العمل بين الرئيس والمرؤوس، لا بين (أ) و ( أ) السياسة. وحتى في هذا السياق أهملت عروض السر للأحداث بعض القرارات المصدرة من المكتب السياسي واللجنة المركزية ضد تيار السكرتارية. كذلك أهمل المقال عرض حيثيات قرارات الأغلبية في مكاتب قيادة التنظيمات العمالية والمهنية والإجتماعية، وتجنب المقال عرض جملة أراء المثقفين الثوريين التكنوقراط والديمقراط والبيروقراط وأرآء كثير من المثقفين التقدميين والشيوعيين حول الديكتاتورية المدنية وضرورة وقفها والتصدي لهجومها الغاشم على الحقوق والواجبات الوطنية والديمقراطية ! كما أهمل ذكر أخطاء الشهيد العظيم لحزبنا عبدالخالق محجوب عثمان في خضم تلك الأزمة التي ولد منها إضافة لمحاولة "الحزب الإشتراكي" تكوين "الحزب الشيوعي" الذي فاز بالإسم ونعيش الآن محاولات تصفيته بقيادة الأستاذ محمد إبراهيم نُقد و"الحزب الشيوعي ذا القيادة الثورية" وسؤدده الأستاذ محمد إبراهيم كبج، كما خرج مع الإنقسام أو ولد به نظام إقتصادي إجتماعي زاد معدلات الحداثة في السودان بداية من نشوءه في 25 مايو 1969 وحتى تغيير مسار قطاره –بفعل الإنقسام- إلى الخط الرأسمالي بداية من معارضة السكرتارية له ونقدها العنيف جداً بل والزائد لنقاط ضعف ذلك النظام (التقدمي) حتى إنتهى ذلك النظام إلى التحول من الخط العلمي والجماهيري للإشتراكية التي تأسس عليها وتوخى تحقيقها كإنقلاب ديمقراطي ثوري ضد الديكتاتورية المدنية للحكم الرأسمالي القديم وإنتهى من توخيه المعالي الإشتراكية بأسلوبه إلى إنحدار يميني سرعان ما سقط به قطار مايو السريع متقلباً في سقوطه حتى إنتهى إلى الدمار مع إشتعال الحريق وتأججه ليس في القطار فحسب بل في كل النظام االرأسمالي لتسيير قطارات المجتمع مما تأججت تصادماته وتقلباته وإنفجاراته في المستوى السوداني الداخلي بداية من سياسات (تحرير) قيمة العملة وحرية السوق وقمع النقابات والحريات العامة ومصادرة الإصلاحات الجزئية في مجال الخدمات وفي مجال علاقات العمل وفي الجنوب حتى إنفجر الجنوب وإمتد الحريق إلى كل المناطق المهملة اليابسة المهمشة بفعل رياح حرية السوق وتحكمه في موارد المجتمع وفي سلطاته بالتالي وتخصيصه لهما فتبلور الخراب الشامل الذي أنتجه النظام الليبرالي لحكومات مابعد الإستقلال بكل ديكتاتوريتها الطائفية ، والعسكرية ، فالمدنية، وديكتاتورية مايو، وحتى ديمقراطية المتكلم الواحد (الصادق المهدي) ثم تفاقمات تراكمات هذا الخراب مع الشكل العسكري الإسلامي لحرية السوق والنظام الليبرالي لتملك المنافع الذي تكون في زماننا الحاضر لإنقاذ حرية التملك ودعمها وشحذها ضد فتوة وعنفوان الحركة النقابية والحركة الشعبية لتحرير السودان في السنوات 1986-1989هو ما تحاول الطلائع الحية للكادحين والمهمشين الذين يرفضون حرية السوق وتحكمه في موارد المجتمع وفي سلطاته، إستثمار عناصر قوته في القيام بمشروع تجديد حقيقي لكل البنية السودانية القديمة المهترئة التي شبعت موتاً، بكل طوائفها وأحزابها وجيوشها ونقاباتها وسكرتارياتها وأهم معالم هذا التجديد الشمولي اللاجزئي واللاإنقسامي الذي أجتهد أيضاً إلى تحقيقه هي:

1- تقوية النضال المشترك بين طلائع الكادحين والمهمشين في العاصمة والمدن والأرياف ضد الديكتاتورية السائدة.

2- التأميم والتخطيط الإقتصادي أهم مقومات تأسيس نظام إقتصادي جديد لإشتراكية الناس في كل أقاليم السودان في موارد مجتمعاتهم ووسائل عيشهم وحياتهم، ويسير هذا النظام في تنمية هذه الموارد والوسائل بصورة إشتراكية علمية متوازنة متناسقة مع حاجات الناس وقدراتهم.

3- القيادة السياسية المشتركة للدولة بتجمع قوى الأحزاب والنقابات والقوى العسكرية والقوى المدنية والهيئات العلمية الراسخة.

4- الحكم الذاتي لكل مناطق وأقاليم السودان من أبسط وحدة إدارية فيها صعوداً إلى تكوين إتحاد جديد لأقاليم أوجمهوريات السودان

5- علاقات خارجية منفتحة على كل الدول تكون منظومة ومتناسقة مع تكوين وحاجات ومصالح السودان والتواشج العالمي لقضايا وجوده وحريته وكرامته في كل الأطر الإقليمية والعالمية.

في حاضر تعفن بنية السودان رغم وقوفه رمزاً متكئا على عصا السوق العربية والإسلامية وبعض الخيوط البريطانية في مواجهة التمدد الأمريكي والفرنسي وفي مواجهة تفاقم التناقض الداخلي، وفي حاضر فشل الوجود القديم لحزبنا الشيوعي السوداني العظيم في تغيير هذا الوضع إثر حالة تيبس وتعفن آلياته الحيوية بمغبة سياسة الطريق البرلماني (=خطوة واحدة إلى لأمام و10 خطوات إلى الخلف) التي يمارسها بحذق شديد وذكاء نادر وجهد صبور قائدنا المناضل الأستاذ محمد إبراهيم نُقد. كان مهماً في حاضر أليم كهذا لمقال السر أن يبتعد عن تقييم إنقسامات الحزب بصورة إدارية كنسق لإصطدام الرئيس بالمرؤوس وأن يأخذ التركيبة الإقتصادية الإجتماعية والثقافية السياسية للإنقسامات ضمن خط التطور التاريخي للمجتمع لا ضمن ظرف الزمان الحزبي الحاضر حينها.

فالأنجع لللإعتبار والإفادة من مكونات القوة ومكونات الضعف في الإنقسامات الفكرية-التنظيمية القديمة والحاضرة في الحزب الشيوعي وفي غيره من الأحزاب هو النشاط إلى درسها دراسة موضوعية لا التمحور في تجديد إتهام الطرف الخاسر فيها ومحاكمته، والعكوف على التمايز والإدانة دون التواشج والتفاعل والمعاملة وهو خطأها الذاتي الرئيس، أي نأخذها بشكل لتعلم كيفية إدارة التناقضات والأزمة بدلاً عن شكل تفجير الأزمة، فالتخلص من الإنقسامات و ظلال أفكارها سهل كما هو واضح في تاريخ الحزب الشيوعي الذي هونفسه نتيجة سلسلة إنقسامات سابقة لوجوده، ولكن تبقى دائماً مع بقاء الأزمة الرأسمالية العامة وتباين عناصر التناقض الطبقي والحزبي الخاصة العامة في مختلف فترات وحوادث الصراع الطبقي المواشج لها تبقى البذور والجذور والعوامل التي ولدت التناقض والأزمة والأثار الإجتماعية السياسية والثقافية التي نتجت من تصفيتها بصورة إدارية فوقية دون تشكيل بنى تستوعب حاجاتها وقدراتها وتنمي العناصر الموجبة فيها لمصلحة التقدم الإشتراكي لقوى المجتمع الكادحة والمهمشة.

فبدلاً من التعامل الموجب فيها ومعها كانت الإنقسامات وتصفية الإنقسامات تتم بصورة غضبية من نوع (الويل لك يا هذا أتريد أن ..) وكذا بصورة شامتة من نوع (ألم أقل لكم...) وهي صور قطعية لاتاريخية وظلال أكثر من كونها أجسام. وهي في فنون الحياة تبقى صوراً مسرحية ضعيفة لا تغني الذهن ولا تنمي العقل ولا تفتح الوعي ولا تنير الوجدان وإذ تدور في المسارح النمطية ففي شكل رتيب تافه ثنائي ومثالي للصراع بين كل من (الخير) و(الشر) حسبما تعرضه في تلك المسارح الآداب والأعمال الفنية البسيطة بينما الحياة الحزبية والسياسية والإجتماعية والثقافية أكثرعناصراً وأشد من ذلك شجناً وتعقيداً: ففي كثير من حوادث التمايزات والتضاد والإنقسامات يدور الصراع بين ثلاثة أنماط أو أنواع من (الخير) وتضحى قضية الأولوية والأسبقية وتناسبها مع الزمن السياسي الخاص ومع الزمن العام ودرجة التركز والتفاوت والتواشج في المصالح المختلفة الطبقية والثقافية تضحى هي معيار صلاحية الرأي. وفي أحيان أخرى يدور الصراع بين ثلاثة قوى أو أراء داخل نسق ضد نسق أو أنساق أخرى مغايرة له في الشكل والعيار وأخرى متناقضة جذراً معه ويضحى عامل العدد والكثرة في المؤتمر وفي الإستفتاءات الشعبية وحتى في الإنتخابات هو المقرر لـ(صلاحية) رأي واحد منهم.

وهذا اللون من قطع الحال العام بالحال النسبي أو قطع الحال النسبي بالحال العام السائد في الكتابات يمثل خطأ جسيماً آخر واشج مقال السر، فالرأي لا تقاس أو تدرك صلاحيته بالعدد، وإلا لكانت القوى الطأئفية أصح ما في السودان بكثرة تابعيها، ولكانت الصين أصح دول العالم بكثرة سكانها وإتفاق غالبيتهم على شؤونها الشعبية والشيوعية والسوقية، ولبقى الإتحاد السوفييتي حياً وفق الإستفتاء الذي تم لأجل تحديد مصيره حيث وافق على بقاءه 75% من الذين أدلوا برأيهم في جملة جمهورياته الستة عشر . وإن كان العدد قياساً لصلاحية الرأي لأضحى قرار هيئة ما كحزب الأمة أصح من قرارات الحزب الشيوعي لكثرة أنصار حزب الأمة رملاً وحصى وقلة الشيوعيين كالذهب.

ولأن الميل في الحساب والقرار السياسي إلى العدد عند كافة السياسيين بما فيهم قادة حزبنا أمر نقض مضطرب فكثيراً ما جنح مقال السر في حصف موضوع الإنقسامات لقياس صلاحية الرأي فيها بعدد الأراء المؤيد أو الرافض لها في هيئات حدوثها !! وهو أمر يرفضه أستاذ السر عند ديمقراطية السوق والصادق المهدي ويقبله لدى ديمقراطية السكرتارية وكذلك في تقديره مكانة وصلاحية الكيان الحسمي فيما بعد والإنقسامي حينها المسمي "مؤتمر أغسطس 1970" فذاك المؤتمر نفسه جزء أصيل من تفاصيل الإنقسام وليس كياناً منزهاً منه، أو حاسماً له إلا في جهة حزبنا إلا أن تكون العدالة في تقويمه أو تقييمه مرتبطةً بمنطق العدد لا بعدد ونوع الحجج المنطقية.

وفي بعض الأحيان بفعل تمايز موضوع العدد وموضوع صلاحية الرأي يأخذ التناقض الرئيس مقال السر عن التناقضات الثانوية الهامة وتراكمها الخاص الذي ولد التناقض العام، وفي بعض الأحيان يأخذه التناقض الثانوي عن التناقض الرئيس، والمثال الحي على ذلك التردد النظري والعملي بين المبدئية والعملية بل معارضة النظام الفكري (الإيديولوجيا) بتكتيكات البرنامج مما يمكن ملاحظته بإستقراء بعض الفقرات الأكثر من عشرة التي أوردها مقال السر عن بعض من وقائع الإنقسام الخامس تقريباً في هذا الحزب الستيني العمر، ومن تلك الفقرات ما يلي:






1. في الإنقسام الحزبي و الصراع الطبقي الإقتصادي الإجتماعي:

• واجبنا هو ايقاظ الملايين من جماهير المزارعين للعمل الثوري وخلق تحالف ثابت بينهم وبين الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي. هو نشر الوعي الاجتماعي بين مختلف فئات الكادحين اعتمادا علي النظرية الماركسية اللينينية..الخ، هذه المهمة التاريخية تنهض بها الطبقة العاملة وطلائعها الشيوعيون بكل طاقاتها وكل قيد علي حرية الطبقة العاملة وكل سد يقام لحبس هذه الطاقات يعوق من تنفيذ هذا الواجب ومن احداث ثورة اجتماعية عميقة في البلاد.
-----------------------*********--------------*********---------------------*******------------**********
• إدخال الطمأنينة في قلوب اصحاب المال الذين تحتاج اليهم البلاد الي استثماراتهم في هذه الفترة مدركين جيدا أن العلاقات الرأسمالية مازالت تمتد الي اعماق مجتمعنا، الي خلاياه الأساسية...

لو تأمل السر المقطعين المتناقضين الذين أوردهما في مقاله المنحاز بطبيعة مصدر تقويمه للإنقسامات وهما مقطعين مصدرين عن جهة حزبية واحدة لقدم لنا نموذجاً واضحاً لبعض التناقضات التي شابت موقف سكرتارية الحزب وعمقت فيه الإنقسام، فكيف يتوافق جوف رجل واحد على قيادة عمليتين متناقضتين أن يُدخل الطمأنينة في قلوب أصحاب المال بينما يسعى لإيقاظ الملايين من جماهير المزارعين للعمل الثوري وخلق تحالف ثابت بينهم وبين الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي!!

إن وجود الحزب الشيوعي هو مصدر القلق الأعظم لقوى الإستغلال والتهميش، ولكنها لايمكن أن تطمئن إليه فقط لنشاط بعض قيادته في الهجوم على تأميم أموال شركة المرحوم عثمان صالح، أو حديث د.كبلو عن ضرورات التعامل الموضوعي مع الرأسمالية. ولكن القطاع التقليدي((=أعماق مجتمعنا)) يئن من إستنزاف رأس المال لموارده وتهميشها قدراته وحاجاته وهو أساس رفد المجتمع الرأسمالي الحديث بالمواد الخام للغذاء وبالعمالة الرخيصة ولم يجد من يدافع عنه في الحزب آنذاك وحتى الآن بتلك الحماسة وقد لعب سعي الحزب للتحالف مع الرأسمالية المنتجة دوراً معنوياً في تعزيز الزحف الرأسمالي على الريف حتى أبقاه بعد عشرة سنوات من الإستثمار قاعاً صفصفاً يابساً حتى إحترق بالمجاعة المصطنعة بنوكياً سنوات 1983-1985 لتندلع من جفافه وتصحره وويلات البنوك الدولية والإسلامية التي أرزأته عيشةً ضنكا الثورات القائمة عددا في أنحاء السودان الآن. بالإمكان طبعاً إدارة نقاش موضوعي حول هذا الرأي والإفادة به وبإقتراحاته بدلاً عن القضاء عليه.

2. في الإنقسام الحزبي والصراع الطبقي في مجال التعليم:

هل ما يجري الآن في بلادنا من تطبيق لسلم تعليمي جديد وتغيير في بعض المناهج هو الثورة الثقافية التي ننشدها جميعا؟

في ذا المناخ الإتهامي الغليظ كان صعباً الدفاع عن أن ما جرى لم يكن هو عين الثورة الثقافية التي ينشدها (الجميع) بل كان مجرد مقدمة وخطوات أولية وتأسيسية لتلك الثورة التي تعطلت بإنقسام جانبي الحزب آنذاك إنقساماً غير حميد أفقر تلك الثورة ولوث هوائها.وإذ تفاقمت أخطاء أزمة الإنقسام السياسي والحزبي في مجال التعليم بالذات والفلسفة والنواهج التي يسير عليها فقد كانت نتيجة من نتائج إضعاف السكرتارية طوال خمس سنوات من 1965-1969 لنهج العمل الجماهيري في المنظمات الشيوعية والإشتراكية والديمقراطية بهيمنة السكرتير العام خيراً أو شراً على كل كبيرة أو صغيرة متصلة بحياة الحزب.

وحتى الآن فإن تقويمات موضوعية من اليونيسكو وكليات التربية ورابطة المعلمين الإشتراكيين لم تقطع بـ(فشل) تنظير أو تنفيذ عملية الإرتقاء التربوي والتعليمي والتوطين أو التعريب في السلم التعليمي من حيث هو وقد كان تطبيقاً لمقررات اليونسكو في مجال التعليم في الدول المستقلة حديثاً بزيادة سنتين في التحصيل الأساسي وخفضهما من التعليم العالي، وزيادة التعليم المهني الزراعي والصناعي والتجاري، وأن يكون التعليم باللغة الوطنية، وتوطين مراجع البحث العلمي العالي وليس في هذا التنظير التقدمي الذي دفعت به الدول والنضالات الإشتراكية والإتجاهات الإشتراكية العلمية في علوم التربية والتعليم خطأ ، بل وقد تحققت به في الدول الناهضة والإشتراكية أرفع معدلات التعليم في العالم عدداً ونوعاً إلا إنه أقعد في السودان حينذاك حيث تفاقمات الأخطاء والتناقضات لأسباب تتعلق بطبيعة التنظيم العام المركزي القابض لأمور إدارة شؤون الدولة وطبيعة طرح وتمويل المشروعات وطبيعة الإنقسام السياسي والإنقسام الحزبي نفسه داخل إدارات قطاعي التخطيط والتعليم. وعامة فرقي أو تدهور جانب في التعليم ليس حكماً على صلاحية جانب واحد في الإنقسام.

3. الديكتاتورية المدنية للأحزاب الدينية بديلاً لـ (ثورة ) 25 مايو 1969:

تجلى في مقال السر وجه ثراء بمعلومات وكثير من تفاصيل إنقسام حزبنا الشيوعي السوداني منذ تخوم مؤتمره الرابع حتى تجلي الإنقسام عياناً بياناً في قيام كتلتي اللجنة المركزية للحزب بفصل بعضهما البعض: كان الفصل الأول في تاريخ 24-09-1970 وكان الفصل الثاني في تاريخ 21-10-1970 بعد ذلك بدأ الصدام بقوة ليس بين جناحي الحزب الشيوعي فقط بل وبين كثير من الأجنحة المدنية والأجنحة العسكرية لأحزاب القوى الإشتراكية والتقدمية في تلك الفترة التاريخية من الحرب الباردة والصراع الطبقي الوطني والعالمي، مما غذته عوامل داخلية وعوامل خارجية بريطانية وأمريكية كانت لها أيضاً تمايزات مصالح وصراعات في الشرق الأوسط وفي العالم.

ويمكن إختزال المعركة الواسعة آنذاك إنها كانت ككل معركة بين القوى الليبرالية والقوى الإشتراكية إنتهت إلى هزيمة جميع أطرافها وقد واشجها في السودان تشكل كيان حداثي جديد لاهو رأسمالي صرف كما صار بعد ذلك ولا هو إشتراكي كما إدعى وحاول، بل كان شتاتاً لتبعثر عناصر من سياسات الثورة الوطنية الديمقراطية وسياسات القطاع عام ورأسمالية الدولة الليبرالية قبل أن ينتهي بتناقض كل أولياته وعناصره إلى الإنهيار والتحول لمشروع ليبرالي صرف ذي شرعية إسلامية باطشة في السنوات من 1977 إلى 1985 .

يُزعم ان سلطة 25 مايو 1969 إفترقت عن آخر جانب شيوعي في تكوينها الإقتصادي وهو ضبط القطاع المصرفي في سنة 1976 بأثر إرتفاع سعر النفط وعجز هيكل وقوى الإنتاج الذي لم تغير علاقاته،عن مواجهة تطفيف السوق الدولية وتبدد إمكانات الإدخار وزيادة المصروفات عن الدخل العام للدولة، فحينذاك بدأ الحلف الضاري لقيادة دولتها مع القوى الليبرالية في شكلها الدولي (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير) ثم في شكلها المحلي الإسلامي (البنوك الإسلامية) منتجة مقاصة مالية –دينية –سياسية رهيبة حيث أضحت حرية السوق = الشريعة! والشريعة بكل متغيراتها وإختلاف معاملاتها = الإيمان بالله! والإيمان بالله = الإيمان بدولته الجديدة وسياسات ولايتها الثانية والثالثة الذي يساوي = الإيمان بحرية السوق في التصدير والإسنيراد ! وهو الأمر الذي أرزا الناس عيشة ضنكاً وأقام حياتهم على شفا جرف هار إنهار بها.

بدأت مايو أول السنوات السبعين نوعاً من نظم التحديث والإصلاح الزراعي والصناعي المحدود وكانت (بداية) التغيير من الطموح إلى الممكن في نوفمبر 1970 بعد أن قام كل قسم في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بفصل نديده لاعناً إياه (سبتمبر |أكتوبر1970) عندذاك أحكم عسكريو القوميون العرب قبضتهم على الحكم وتم إخراج ضباط ووزراء شيوعيين (المخالفين لـ"خط "الثورة!!) وأجلهم الضابط البطل الشهيد (فيما بعد) المقدم بابكر النور عثمان سوارالدهب والضابط البطل الشهيد (فيما بعد) الرائد هاشم العطا والضابط الوطني الديمقراطي البطل الشهيد (فيما بعد) الرائد فاروق عثمان حمدناالله أخرجوا من مجلس قيادة الثورة ذا الطابع الجبهوي الإشتراكي!!.

وكان إمساك القوميين العرب بالحلقة الرئيسة في السلطة وبدفة أمور السودان في وقت بدأ فيه تحول وإنفتاح في المنطقة نحو الرأسمالية إضافة إلى حركتها وتغلغلها وإجتياحها الهادئي لتماسك النظم الجديدة التي أسست دويلات غضة شعاراتها الوحدة والإشتراكية والحرية!! فقد زاد التقدم الغربي الإمبريالي بأثر الوفاة الفجأة للزعيم الرئيس جمال عبدالناصر وتولي محمد السادات بهذه الوفاة حكم مصر التي كانت حينذاك هي النجمة اللألاء الساطعة في سماء التحرر الوطني حتى أضلمها السادات محولاً إياها لقاعدة إستعمارية متقدمة تتحكم في شؤونها الإقتصادية والعسكرية والديبلوماسية -عن طريق أمريكا- إلى حد ما- عدوتها السابقة دولة إسرائيل.

كذلك كانت هناك عوامل التنسيق البريطاني-الأمريكي –الخليجي وعوامل تصاعد الخلافات بين القوى التقدمية والقوى الإشتراكية حول الأسبقيات الداخلية والخارجية وبين الرافدين الأساسيين للفكر الثوري في المنطقة والسودان وهما الفكر القومي العربي بنزعتيه الكبيرتين : وهما النزعة المادية التاريخية والنزعة التاريخية الدينية ، التفكير الإشتراكي العلمي بنزعتيه الكبيرتين:

• النزعة الإصلاحية السياسية الراكزة إلى تغييرالمجتمع بواسطة هيئات الدولة في التعليم والخدمات ..إلخ

• والنزعة الإصلاحية الإجتماعية التي تركز تغييراتها على الهيئات الإجتماعية الأدنى ومراكمتها للخبرات والمنافع والنضالات.


كذلك كانت من مجالات وعلامات تفاقم الإختلافات والخلافات حول أصول وفروع القضايا العامة والحلول المناسبة لعلاجها التي ترك مقال السر جوانباً مهمة منها دون تمحيص جانب زيادة وتفاقم : جدل طبيعة التنمية وإمكاناتها وحجاجاتها في الريف و في المدينة ، وجدل طبيعة عمل أو عمليات طرد الإستعمار القديم والحديث، وجدل الفهوم التقدمية للحرية والخلاص من الفقر والجهل والمرض، وجدل طبيعة الوحدة العربية ، وأبعاد وزوايا من مفهوم "الديمقراطية الإجتماعية": (إلغاء الإقطاع وإمتيازاته وألقابه وإحتكاره الأراضي وسوية الناس في الحقوق والواجبات العامة وضمان الدولة العام لحق الناس في التعليم والعلاج والعمل دون تمييز سالب ضد النساء أو وفق العنصر العرقي أوالطبقي أو الخلفية العائلية) ومفهوم "الديمقراطية الإقتصادية": (إلغاء الإمتيازات الأجنبية، وتأميم وتوطين الشركات والبنوك الكبرى التي كانت تنزف موارد البلاد وجهود المواطنين) و كذا المفهوم المشترك منهما المعرف بإصطلاح "الديمقراطية الإقتصادية-الإجتماعية" الذي حوى دوراً أكبر للنقابات وقوى الشعب العاملة في إدارة الدولة (في صورته العامة النظريةً)

بحكم كل التنوعات والتمايزات والتضادات السابقة تفاقمت الخلافات الداخلية وأشرعت فيها أطراف التنوع والتمايز والإختلاف التفاوتات الدقيقة في الأصول النظرية وطبيعة تواشجها مع المعاني الحياتية وإختلاف هذه المعاني بين كل مرحلة تاريخية وأخرى وكل فترة زمنية وأخرى سابقة أو تالية أومكررة لها ونشط النهل من الفلسفات والأفكار والإصطلاحات التقدمية العامة ( الحرية التعاضد والإخاء والمساواة) وكذلك من الفلسفات والأفكار والإصطلاحات الثورية والماركسية اللينينية حتى صارت تناظير الفلسفة الإشتراكية حالة يومية تتداول جداً وهزلاً في مطابخ البيوت وفي المقاهي وفي الأغاني وفي مقالات الصحف والأخبار وفي كتب الفقه الديني الحديثة، ذاعت و زادت بين الناس إلى ما قد يمكن أن يكون زائداً عن حدها الموضوعي. تضع بسهولة لينين وعبدالناصر رأساً لرأس.

كذا كان لزيادة الضغط الخارجي الديبلوماسي والمالي والتجاري والإعلامي والإستخباري والعسكري الخارجي الإمبريالي-الصهيوني على دول ومجتمعات وقوى المنطقة أثره القوي في مفاقمة الأزمة التقدمية في منطقة الشرق الأوسط والسودان وتفاقم المسألة اليهودية في الأحزاب الشيوعية وتحالفاتها في ناحيتين موجبة وسالبة حيث لم تزل أحزابنا ومجتمعاتنا وثقافاتنا تعيش الآثار السلبية أكثر .

منذلك زيادة التفاوت الداخلي والخارجي في منطلقات ومفاهيم وممارسات التحرر الوطني في فترة ما بعد المؤتمر العشرين1956 (إستيلاء المناشفة على الحزب الشيوعي السوفيياتي طاردين بالتدريج ثم بعقد ذاك المؤتمر ما بقى من البلاشفة والكتلة الرئيسة لتناظير وممارسات لينين-ستالين الإشتراكية العلمية التي ذكاها القائد يوسف ستالين حتى وفاته 1954 حيث بدلت في تخوم وخضم المؤتمر بإحياء السياسات الليبرالية للقياس المزدوج لقيمة العمل إذ سوفتها المناشفة بحساب قيمة العمل الإجتماعي بصورة إداريةً وخدمية عامة ذات مكافاءات معنوية وترقيات صورية في مجال الإنتاج تقابلها بصورة مادية مالية نقودية لحساب قيمة العمل في مجال توزيع منافع الإنتاج ! ، حيث لايكفي المرتب تكاليف "السوق الموازية" وحيث يتطور إقتصاد الظل (الفساد) على حساب تماسك المجتمع والإقتصاد والسياسة والنظرية وعلى حساب الإتساق في المواقف الدولية والأممية!!! وكذا التحوير الخبيث للإنتظام الحزبي الشيوعي في المجتمع من تنظيم لتحسين الدولة وتذويب ما بينها وبين المجتمع إلى حالة بناء دولة التنظيم!!، وكذا أسهم المؤتمر الشؤم في تحويل مجريات التحرر الوطني في العالم من حال القيادة الثورية إلى حالة قيادة مختلطة منتجة بتضاد عناصرها الثورية والبرجوازية الصغيرة لسياسة "محلك سر" وهي سياسة رجعية مع تقدم التحالفات والتنسيقات الإمبريالية والرأسمالية الأمريكية والأوربية والصهيونية والخليجية وتوابعها في الأحزاب الطائفية والرجعية، ومن تلافيف الصراع السوفييتي والحرب الباردة ضد السوفييت تبلورت "حركة عدم الإنحياز " وكثير من الفهوم البريطانية في حركات التحرر الوطني في مرحلة ما بعد الحربين الحرب العالمية ضد روسيا والحرب العالمية الأولى والثانية ضد ألمانيا.

في خضم هذا الصراع الكبير تختلف قياسات صحة المواقف الأولية لحكم 25 مايو 1969 بين المعايير الداخلية الكثيرة التي تصدى بها الشهيد العظيم عبد الخالق محجوب عثمان قائد التيار الإجتماعي النسق لقضايا وسياسات تقدم السودان رافضاً بها إتجاهات التيار السياسي االمعتني بدور الدولة واجهزتها في تقدم المجتمع، وهي إتجاهات توافق التيار السياسي على التوائم والتواشج معها وعدم التخلي عن الإنجاز التقدمي الماثل في تحويل الضباط الأحرار للسلطة عن الحالة البشعة القديمة للديكتاتورية المدنية الرجعية الباطشة وفرض تقدمية السلطة ضداً لها لينال المجتمع المقيد بالفقر والجهل والمرض إمكاناً للتطورالأولي والحداثة ليسهم الشعب المتعلم المعافى مستقبلاً في التخلص التام من جذور وبذور ديكتاتورية النفوذ الطائفي ووليه النفوذ الأجنبي وسيطرتهما على موارد وجهود العيش والحياة في السودان. والإمساك بالسلطة التقدمية للضباط الأحرار بكل أحزابهم (غالبية التنظيم القيادي للضباط الأحرار كان من الشيوعيين والديمقراط) وعدم تركها في العراء مفردة سائغة للهجوم الإمبريالي الرجعي الشرس في المنطقة ( الحلف الإسلامي الإمبريالي والدستور الإسلامي ) وهي معايير دولية ووطنية تختلف عن معيار التطور الخطي الصاعد للنضال الجماهيري في تقدم الحياة السودانية الذي تبناه الشهيد عبد الخالق.

في ظل هذه التناقضات العامة والجزئية يمكن فهم حالة تصعيد النشاط (القومي-العسكري) ضد التيار الإجتماعي في الحزب الشيوعي وهو التيار الذي كان ينادي بوصول المجتمع إلى حال الكفاية من الموارد والعدل في توزيعها وفق تطور مدني جماهيري سلمي ديمقراطي ينتقل به الناس من أسر التخلف وضيق الفقر والجهل والمرض إلى حالة تقدمية رحبة بفعل التراكم العفوي والقصدي لمطالبهم وخبرة معاركهم وتواشجها مع تراكم الخبرات الصغيرة في حياتهم الطبيعية حيث ينتقلون عبر إتصال وتفاعل التراكمات الصغرى وصعودها إلى مجال أكبر أكثر سعة في وتناسقاً في إمكانات الحياة وهو خط لم يأبه صائغه الشهيد العظيم إلى أثر العلاقات المتخلفة في مجالات الإقتصاد وأسلوب العيش المتخلف وفقر التعليم وتوالي الأمراض الإجتماعية والجسمية والثقافية في الحد من تبلوره ومن تراكمه ومن تقدمه ومن نجاحه.

وإن كان البطل الشهيد عبدالخالق محجوب ساخراً من عشم التيار الشيوعي الآخر في إصلاح أمور المجتمع بواسطة جهاز الدولة، فلأن نظرة السكرتير العام البطل الشهيد إلى الدولة بشقيها العسكري والمدني كانت تعتبرها (=الدولة) هي الداء الأعظم والخطر الوبيل على المجتمع ، داءاً وخطراً يفوق أعطاب الرأسمالية المحلية والعالمية التي تفسد الحياة الإجتماعية والسياسية وكل آلية الدولة في المجتمع !!! .وهو موقف فريد يختلف مع الجزء الأغلب من طروحه المعادية للرجعية والإستعمار وللطريق البرلماني ولإتجاهات عزل الحزب من حركة التحرر الوطني والثورة العربية وطموحات الشعب ووضعه هامشاً في أحزاب واحلاف الرأسمالية وشبه الإقطاع مثلما هو حال الحزب الآن بعد حوالى خمسين سنة من تبلور ذاك الصراع. وهو الحال الذي يستند إلى تلك المواقف التي خرج عليها المناضل الشهيد مفضلاً لؤم البرجوازية الكبيرة وشبه الإقطاع على أفضال البرجوازية الصغيرة و...تقلباتها.




موقف تيارات البديل الإسلامي من البديل التقدمي وموقف تيارات البديل االتقدمي من الموقف الإسلامي ! :

ليس بعيداً عن الموقف الدولي، كان البديل لسلطة مايو 1969 واضحاً تماماً أمام التيارين الشيوعيين الإجتماعي منهما والسياسي حيث ورد في مقال السر ما يفيد ان القوى الليبرالية الدينية والعلمانية التي عارضت الإتجاه الوطني-التقدمي لثورة 25 مايو وضعت شرطاً أساس للحد من هجومها السياسي والديني والعسكري والإعلامي والدولي ضد قوى وإتجاهات تلك الثورة التقدمية وكان ذاك الشرط الإذعاني هو: العودة للوضع السابق عليها وقد وضح مقال السر هذا البديل الموت بفقرات مقتطفات وافية أهمها في جهة نظري :

أن تكون مسودة الدستور الاسلامي التي اعدت قبيل حركة مايو هي الأساس لاقرار دستور دائم.

ومسودة الدستور الإسلامي هذا هي الصيغة الدينية الإسلامية لحكم السودان التي توافقت بل وأجمعت عليها قوى الأحزاب اللليبرالية في أثوابها العلمانية والدينية المختلفة، وهي صيغة خالية من بنية الدولة وهيكلة هيئاتها ومفارزها !؟ كما إن مسودة دستور الإسلاميين التقليديين والحُدث هذا جاءت عجفاء ظلماء بهماء عجماء في ستينيات القرن العشرين إذ جاءت -وهي وثيقة دستور دولة - صفراء بقيع خالية من إقرار وتناظيم الحقوق والحريات السياسية والمدنية الفردية والحزبية، ومن إقرار وتنظيم الحقوق والحريات النقابية وجملة الحقوق والضمانات الإقتصادية الإجتماعية المتصلة بشؤون العمل والإنتاج وحياة المنتجين، كما خلت وثيقة الإسلام السياسي الدستور هذه من جملة وقوام الحقوق والحريات االثقافية والإعلامية !

ولا أدري في ضوء هذه الشروط الديمقراطية التي أقرتها قوى الأغلبية السياسية في السودان بطوعها وحر إرادتها وبموافقة أولياءها اليهود والنصارى في بريطانيا وأمريكا ومؤسساتهم الديمقراطية بدوائرها الإقتصادية والسياسية والإستخبارية والعسكرية والإعلامية كيف حدث التغيير في التصور العام للجناح الإجتماعي في الحزب بقيادة الشهيد العظيم عبدالخالق محجوب عثمان ومفارقته كثير من أراءه السابقة الشهيرة حول أزمة وفشل ورأسمالية الطريق البرلماني أن يتغير إلى تصور ( متكامل) ان بالإمكان ان يستمر تطور وتراكم الحركة الجماهيرية حتى تصل لمرحلة فتح الثورة الوطنية الديمقراطية لآفاق التطور الإشتراكي!

وهو تحول ورأي غريب في ظرف زمانه اللحظي وظرف زمانه التاريخي : إذ ان مجرد نفاذ هذا الدستور أو حتى السطر الأول من مقدمته يلغي الحياة السياسية القائمة على مداولة الحُكم والمصالح الإقتصادية ويحرفها ويحولها إلى حياة دينية وقبائلية قد تجدي في تنظيم بعض الأمور كالزواج والإرث والمؤونة في بعض التجمعات البدوية القديمة البسيطة العدد والعلاقات ولكنها لا تنفع في تنمية المجتمعات الحضرية الحديثة بكل الزيادات الكبرى والكثيرة في عدد سكانها وحاجاتهم وشح مواردهم وزيادة معارفهم وتطلعاتهم وطاقاتهم وأرتفاع حاجات مستوى إنتاجهم وتقدم أحوالهم إنتظاماً وإقساطاً في مجالات الحقوق والواجبات العامة والسوية والزيادة في مجال الحريات وفي الحق افي التنمية .

ولكن بحكم الإرتباط الوجداني والواجب الأدبي والإرث الحسيني والحمية الأنصارية في كرري وسمات هذا التاريخ في جيلنا من جراء إستشهاد قادة حزبنا الأبطال في تلك المعركة التي ضمخت شاراتها الدموية منذ 1971 أذهاننا ووجداننا وأطرت طريقة حياتنا الحزبية فـ:

• لم تزل مؤتمرات الفروع (على علاتها) وسكرتارية حزبنا ولجنته المركزية ومقالات السر على سرعة تسلسلها تواصل التمسك بهذه الأسطورة المثالية: ان بالإمكان بناء التغيير الإشتراكي أو حتى التغيير الثوري الوطني الديمقراطي عن طريق البرلمان سياسة "أخوي واخوك" والحصول فيه على إقتناع غالبية أعضاءه الكبراء الأثرياء الموسرين وموافقتهم على التخلص من التملك الفردي لموارد المجتمع الذي در ويدر عليهم في نفس المجتمع بل وحتى في خارجه عناصر التفوق المالي والإجتماعي والسياسي في ظل سيادتهم وتحكمهم الإقتصادي رأسمالية على موارد وجهود المعيشة داخل السودان !

• ولم يزل الأمل معقوداً في حزبنا أن الطريق الرأسمالي يمكن أن يفضي بجدلياته إلى وعي سياسي خال من الإستلاب والإغتراب!!

• كان ولم يزل حزبنا رائداً للعشم في "إصلاح" المجتمع والدولة ثم تحول إلى حزب قائد للعشم في "إسعاف" مجرد وجود الدولة مستمراً في هذا الخطل والوهم لأسباب باطنية عددا تصر على أن السودان القديم حي يمكن إسعافه ( في هذه المرحلة !!) وذلك رغم إحتراق كينونات وأقاليم البلاد وموت الناس بالملايين وتشردهم بالملايين وموت الدولة نفسها بتصلب الطغيان وتوالد المقاومات الوطنية في كل أقليم وتحكم وكالات الأمم المتحدة، وشركاتها المحظوظة في أمور ما تبقى من إقتصاد بلادنا وماهو قادم فيه، وتحول عصبة الدولة الحاكمة إلى مجرد عصبة أفاكين وسفاكين للدماء مؤججين بالمال للنعرات القبيلية يخدمونها في أطار مشروعهم الرسالي الرأسمالي كأدوات حماية وأدوات كسب وأدوات ترهيب وأدوات إبتزاز حتى إهترأت الدولة بموت كل جذورها ومعانيها التقليدية المثالية كآلة تجديد وصيانة إجتماعية ،وبكل معانيها الحديثة كجهاز لإدارة المصالح والعلاقات والقوى الرأسمالية ضد العوامل المضادة لنمو أرباحهم.

ورغم كل هذه الدمار المقيم والهلاك السياسي لمجتمعات السودان بالغنى الباذخ والثراء السفيه لحكامه وسادة موارده وبالفقر المدقع والإملاق الشديد لأكثر من 95% من الشعب فإن حزبنا في تيه لجنته المركزية الخالية من العمال والمزارعين وغرامها بالديمقراطية الليبرالية لا يجد إمكانية لإنتقاد موقفه القديم ضد الديمقراطية الثورية وأهميتها وقتذاك وفي المستقبل لكسر حدة الهجوم الرأسمالي الجارف والمتحد على موارد الناس وكينونة التنمية في مجتمعاتهم، ومقابل هذا السكوت فإن إنتقادات حزبنا للرأسمالية أضحت أكثر فنية وأقل سياسية وحتى في فنياتها خفت موازينها الإجتماعية.



4-العنف بين تيار الأنصار التقليدي في جزيرة أبا وتيار الأنصار المتعلمين في جهاز الدولة الحديث، وتيار الدولة نفسها:

في ذلك الصراع بين التيارات التقدمية القومية والشيوعية مؤتلفة متنازعة في كل من الجبهة الإشتراكية وسلطة 25 مايو 1969 والتيارات الليبرالية لحرية تملك الأفراد لموارد المجتمع وحرية متاجرتهم بها بشقيها العلماني والإسلامي متحدة في مشروع الدستور الإسلامي ، وتصادم إتجاهاته معاً في ذات اليسار وفي ذات اليمين، تبلور الموقف الأنصاري وموقف حزب الأمة في ثلاثة تيارات هي :

1- التيار التقليدي الديني الولاء والنزوع وشمسه وعلامته السيد الإمام الهادي عبدالرحمن المهدي، صدر المهدية وصحنها وكلمتها وسيفها الضرغام في تلك السنوات التي سادتها الحداثة وغلبت فيها السياسة على القداسة ، وكان تمركزه في القصر العالي في جزيرة أبا بكل فوارقها الطبقية الهائلة ووحدتها الدينية الطائفية الغلبا .

2- تيار الأنصار الثاني كان ماثلاً في أشخاص مائزين متعلمين بيارق في مختلف أجهزة الحكم والدولة والجيش والمخابرات لهم صلات ولاء للإمامة المهدية في السودان ولبعضهم صلات سياسة معها نجومهم مآئة وأفضالهم حتما مئآت بل وألوف، ليت الإمام الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي أو رماحه الكاتبة ومنهم محمد الحسن أو خالد عويس يعلمنا بهم في كتاب مستقل يحف بموجبات كل منهم وميله إلى جانب التقدم أو إلى جانب الثبات في أمور الحكم والسياسة وشؤون البلاد. وقد كان طوال هذا التيار وأشهر أعلامه يقدرون موضوعية تغيير جهاز الدولة القديم وتحديث وعلمنة السمات العامة لعموم هيئاتها والضرورة الوطنية والشعبية لمعيشة وحياة الناس لنشل الدولة من وهدة الطائفية الشديدة وما تضعه أياديها اللطيفة أو أياديها الثقيلة في حياة الناس وما تجره في تنظيمات حياتهم التعليمية والصحية والتنموية من حبال التآلف الشديد أوالتنافر الممزق لمصالح القوى المهمة لعيشهم وحياتهم دون ان يكون لأصحاب الحل والعقد في كل أمر من أمور امعيشة الناس وحياتهم شيئ مناسب لخبرته ومسؤوليته عن هذا الأمر الحياتي ، وقد تمتع هؤلاء الأنصار الرواجح بقسط مهم في عملية تحديث الحيياة السودانية بداية من عهد الإستقلال وحتى اليوم.

3- التيار الثالث كان مزجخلط بين التيارين الديني والسياسي، وكان محركه الإمام (فيما بعد) الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي، ومستشاره البريطاني بدأ بنزاع عمه على زعامة حزب الأمة مثلما ما نازع فيما بعد عمه الثاني السيد أحمد عبدالرحمن المهدي على الإمامة ، وفي هذا النزاع الأسري على الإرث الألهي ، تكاسب الصادق الفائدة والعون من الحركة الإشتراكية والحزب الشيوعي السوداني ومن الحركة الإسلامية بتيار الأخوان المسلمين الذين كانوا يبحثون عن الزعيم الإجتماعي يستهلكون زعامته وتيار صديقه الترابي في حركتهم يستدوي بدائهم مصطنعاً تجديدات شكلانية عدداً في أصول الطائفة والحزب والممارسة السياسية ذات التقعير وذات التحديب اللفظي الشديد ناقلاً بها عصب السياسة في السودان من حالة الفعل إلى حالة الكلام الساكت.

كان التيار الثالث بقيادة الصادق ومستشاره من القابلين للجدل مع السلطة التقدمية الجديدة بل كانوا من المستحثين عناصرها لتولى السلطة وكان التيار الثاني كما سبق القول من كبار وأواسط ألمعيي الدولة وهيئاتها حاله غير الحال القديم الذي حكاه الهجاء فقد كان هؤلاء الحداثيون في قلوبهم مع معاوية (=إمتيازات سيد الطائفة) ولكن سيوفهم الماثلة في أرائهم ونفوذهم في الطبقة الوسطى بكل مصالحها وقبائليتها المنبتة، وبكل علاقاتهم الدولية كانت مع علي (= الدولة الحديثة المنظومة)

ومن الظاهر إن امور الأنصاروالدين في طائفتهم تمركزت مع الإمام الهادي عبدالرحمن المهدي في الجزيرة أبا يحوطه عسكريي ومخابراتيي الأخوان المسلمين مثل الشيخ فيما بعد مهدي إبراهيم والشيخ فيما بعد إبراهيم السنوسي تتنزل عليهم في تلك الجزيرة لأسلحة والذخائر البريطانية والأمريكية من لدن ملك الملوك المازح بالأسود هيلاسلاسي يناصره معه كلمة ومالاً وسلاحاً جميع ملوك العرب!

في جزيرة أبا تحولت حالة الإعتزال عن تغيير 25 مايو 1969 إلى حالة عصيان مسلح وتمرد منظوم بدأ بمنع سير الأمور الأولى للدولة في داخل الجزيرة وما جاورها ولم ينته الأمر في قريظية حصن الجزيرة وحكمه إلا والجزيرة وأهلها -المذنب منهم والبرئي- وقد تركوا حطاماً وهباءاً منثورأ في واقعة حرة تبادل الطرفان فيها الإتهام بالوحشية وزاد أهل الجزيرة عدد قتلاهم وجرحاهم من المئات إلى عشرات الألف حسب تقديرات متأخرة ألف بها البهاء محمد أحمد محجوب كتابه الديمقراطية في الميزان سنة 1975 والرجل رئيس وزراء حزب الأمة الماضي والقادم (حينذاك) القاضي المحام المهندس الكاتب والشاعر وقلب النقائض العنصرية البدوي والزنوجي في الثفافة الحضرية العربية المصرية و السيد العربي النائم عن زنوجته في ثقافة السودان. وفي تحول تيار الإمام من الإعتزال إلى العصيان ثم إلى الحرب سالت دماء زاكية كان بإلامكان إجتنابها لكن التاريخ لا يعتبر منه بطريقة "لو...". (= لو ان كذا وكذ لكان كذا)
قدر الرئيس الأديب محمد أحمدالمحجوب الموقف الذي لم يحضره قال:

بلغ مجموع المقيمين علي القطاع الضيق من الأرض بطول 30 ميلا في أوائل 1970م، حوالي 40 ألف شخص وقدر مجلس قيادة الثورة عدد القتلي 120 من الانصار و60 من الجرحي، وقد قتل جنديان ، ولكن مصدرا مستقلا قدر عدد الاصابات بالف شخص، وفي وقت لاحق وضعت التقديرات لعدد القتلي في الجزيرة ابا وحدها من 27/مارس الي 31/مارس 1970م منه بين خمسة الف قتيل واثنتي عشر الف قتيل (المحجوب: الديمقراطية في الميزان، ص 241)



ضرورة مقارنة طبيعة برنامج 25 مايو بطبيعة مطالب المركز الرئيس التيار الليبرالي في السودان حينذاك:

في مقابلة الامام الهادي المهدي لمبعوث مجلس قيادة الثورة اللواء أبو الدهب 25/3/1970م طلب الإمام الآتي:

1- وجوب ازالة الواجهة الشيوعية من السلطة فورا.
2- أن تكون مسودة الدستور الاسلامي التي اعدت قبيل حركة مايو هي الأساس لاقرار دستور دائم.
3- اجواء انتخابات حوة في البلاد.
4- اطلاق سراح السجناء السياسيين وعلي رأسهم الصادق المهدي.
5- ايقاف جميع الاتفاقات مع المعسكر الاشتراكي.
6- ايقاف التدخل الليبي المصري في شئون السودان،

بالطبع لم تكن لهذه االطلبات الأوامر إلامعنى واحد هو إشهار الحرب على هيئة الدولة الجديدة بكل قومييها وشيوعييها وتقدمييها وتحديثييها بل وعلى أصلاء واتباع الطائفة الإسلامية الأخرى ومن والاها من طرق ومن صيغة وطبيعة تاريخ هذه الطلبات الأوامر بدأ إن السلاح الرجيم لتلك الحرب الرجعية التي لن تبقي ولن تذر سيكون هو سلاح الدستور الإسلامي.

من مقال السر نجد ان مطالب الإمام لم تكون جديداً في عملية تقويم الحزب للوضع ، لا حين الأزمة ولا حتى في الوقت الحاضر ولعل ذلك السفه لسبب من حالة مقتل الإمام الهادي عبدالرحمن المهدي عقب نهاية المواجهة وهزيمة قواته وتأهبه للإنتقال إلى (دار الهجرة) في إثيوبيا، حيث قٌتل الإمام في ضواحي الكُرمُك جرحاً ونزيفاً بعدما قاوم آسريه بإطلاقه الرصاص (برأتهم محكمة عادلة في الثمانينيات) لكن طرح الدستور الإسلامي بقى هو الإطار العام لمعارضي الحكم الجديد، ولعملية تسنمهم وإستهلاكهم هذا الحكم. ولعل الدستور الإسلامي أو هو قطعاً الذي شكل طبيعة التغيير السياسي الداخلي في السودان ودينية سلطته منذ مرحلة الإستسلام لضغوط صندوق النقد الدولي وحتى الآن. وهي نقطة تلافتها كثير من الرؤى السائدة في الحزب بإصرارعجيب على تناول الأمر كمجرد حلف تكتيكي طارئي نشأ بين الرأسماليين والعسكريين الإسلاميين كقمم في الإقتصاد والسلطة مما تسميه (السكرتارية) مرةَ بإسم "الرأسمالية الإسلامية الطفيلية " ومرةً بإسم "الرأسمالية الطفيلية الإسلامية" أو ما سمته مرة بتساهل شديد "الإسلاربوية" بتفريق غلط بين فهوم الإسلام وفهوم الربا في عوالم الإنتاج والتجارة والتمويل دون نظر من السكرتارية إلى ربا العمل الذي يجمع بين الإثنين. مثلما يجمعهما والديكتاتوريات العسكرية الإسلامية حيث حرية السوق والليبرالية في عموم الإقتصاد هي التي بشكل مباشر أو غير مباشر تفرض التدين في قمة الدولة ومحاولة وقف تناقضاتها الحياتية المعيشية بربطها بحبل إصلاح يظنونه من الدين وهو حبل من مسد. .

كان تقييم مقال السر للوضع العام للدولة والمجتمع وتيارات أسبقياتهم في داخل الحزب الشيوعي وفي جناح حزبنا السائد الآن وأحد طرفي الإنقسام أوآن ذاك تقييماً بسيطاً. قام على تحليل بعض نقاط العنف والعنف المضاد، والعقلانية والحكومة الدينية، والثورة والتمرد!

ولم يرتبط تحليل السر بنظرة موضوعية إلى:

الطبيعة الليبرالية للمطالب (الديمقراطية) ذات الشكل الإقطاعي الرجعي التي تقدم بها الإمام الهادي عبدالرحمن المهدي قائد المعسكر المضاد لنشوء الحكم التقدمي وطبيعة ليبرالية ودنيوية قيادته التي تؤشرإلى قوة نفوذ صاحبها له الرحمة وعليه السلام وزيادة سطوته على تابعيه بأثر الإطار الرأسمالي للتبعيىة المحلية والوطنية والدولية الذي نمى به الإمام قوته.

الكينونة الليبرالية لمطالب الإمام الدينية-الدنيوية وزعامته القوى الديمقراطية الليبرالية بفضل ذلك الإطار الإقتصادي والعصب الحيوي الذي ثبتته بريطانيا في مناطق جزيرة أبا وبعض المناطق التاخمة للنيل الأبيض بمجموعة مشاريع القطن محولة به وبها القوة الحية الباقية في كيان الأنصار إلى حالة "مهاجرية" قوامها نوع من الغنى بالله والزهد والعفاف الشديد بل وهب النفس والجهد لمصلحة العقيدة وتمتين الركيزة البشرية الكبرى التي تقوم عليها هذه العقيدة مجسدة في شخص الأمام وعائلته المبجلة المقدسة تمتيناً مخلوط بنوع من الإستعباد الذاتي في مجال العمل والإنتاج ونوع من السيادة الإقطاعية الدينية السطوة في مجال التنظيم وتملك وتوزيع موارد ومنافع هذا الإنتاج .

تجاهل مقال السر الطبيعة الإمبريالية لقيام بريطانيا بتأسيس تلك المشاريع مجال التأميم ونفعها بها من حيث تخديمها في جمع وتحوير وتحويل جموع أعدائها السابقين إلى قوة موالية لها تخدمها بريطانيا ضد غرمائها الباقين في السودان من توابع قوى الخلافة الإسلامية العثمانية ذات السطوة المصرية وجنودها الجهادية ومشايخ القبائل العربية التي نقضت (مظالم) الدولة المهدية بعد تحورها وتحولها من ثورة إلى دولة!

مقال السر في تحليله الفوقي لإنقسام الحزب وأخذه كموضوع لمخالفة مرؤوس قواعد العمل ومعارضته سياسة الرئيس غيب موضوعية تمحيص حالة "المهدية الجديدة" التي نشأت في السودان بأثر الإقرار والتمويل والدعم البريطاني لعملية رسملة السيد الإمام عبدالرحمن المهدي عليه السلام وتحويله من رأس للثورة القادمة إلى رأس مال ومن رجل حرب قادمة إلى رجل أعمال تجارية وصناعية تسيطر عليها دوائر التمويل البريطانية ثم الأمريكية بشكل مباشر وغير مباشر. فات مقال السر في برق عرضه لموضوعيات الإنقسام ومزنه بأحداثه إن حالة "المهدية الجديدة" لم تكن سوى شريعة محلية أو وطنية لتثبيت وتوسع المشروع الرأسمالي العالمي الكبير خاصة مع نمو وضع القطن في التجارة الدولية ونمو علاقات دائرة آل المهدي (شركة خاصة) وبنك باركليز و البنك الإثيوبي ذي العلاقات الأمريكية وغيره من مؤسسات الإمبريالية مما أكسب الطائفة بهذا النفوذ الإقتصادي الخارجي-الداخلي نوعاً من السياسة الأسد أرنبية حيث تمتعت حالة الإمامة والأئمة بقوة هائلة في السيطرة على مواليها وكذلك بقوة هائلة في التبعية للمصالح الإمبريالية في آن معاً!!

بتغييب موضوعية تحليل هام في التاريخ السياسي للسودان مثل تحليل "المهدية الجديدة" غابت عن مقال السر إمكانات تحليل أكثر موضوعية لأحداث مايو 1969 - أغسطس 1970 التي شكلت فقط الجزء الأخير من تسلسل جدل الأحداث، حيث لم يكن إنفتاح طريق التأميم الوطني لوكالات رأس المال العالمي بداية من تحول إتجاه حركة السلطة في 25 مايو 1969 من اليمين إلى اليسار إلا بداية النهاية لهذه الصيغة الإستعمارية الكمبرادورية، التي أعاقت بواحديتها وقطنيتها إمكانات التنمية المتوازنة في السودان .

كما أظهرت العملية التقدمية في تجفيف منابع تمويل دوائر السادة الأسس الدنيوية والتجارية للقداسة في القرن العشرين وما يليه، كما عبر رفض الإمام الديني والمسلح لتقدمية السلطة ونفعها تطور جماهيره عن ضعف سياسته وإستلاب وعيه بمغارز الدوائر الأنجلو أمريكية .

وكذا أوضحت معركة أبا ضعف سياسية الحكام الجدد. فلو وجدت هذه النظرة الموضوعية لعملية نشوء وتطور ورقي "المهدية الجديدة" أوآن ذاك الإختلاف بين التيار السياسي لتغيير المجتمع والتيار الإجتماعي لتغيير الدولة في الحزب الشيوعي لتحول طرفي الإنقسام إلى إتحاد متين بدلاً لتماقتهم في حضرة مصالح عدوهم .

مقال السر لم ينتبه إلى هذه التفصيلة المهمة ولدورها العقلاني كآداة نظرية في قرآءة أحوال وأحداث إنقسام الحزب بل وإنقسام الدولة والمجتمع في الآتون الطبقي لتلك الفترة من تاريخ تبلور حركة الثورة في السودان وحركة الثورة في العالم ولعل ذلك من غياب الأسس الموضوعية لتوازن الإنتقاد و(إلتزام) مقال السر بطبيعة وضع صاحبه إدانة أحد طرفي الإنقسام مسبقاً ، وبإعتبار الإنقسام نفسه جريمة سياسية وليس إختلافاً موضوعياً وتناقضاً نشأ من تراكمات سابقة غابت في الحزب والمجتمع إمكانات تعضيد عناصره وإستثماره.

فبدلاً عن تمحيص نشوء وتبلور الإنقسام برؤية حصيفة للفرق بين الإمكانات االفعلية لتطور مجتمعات السودان بالطريق الرأسمالي البرلماني والإمكانات الفعلية لتطور مجتمعات السودان بالطريق اللارأسمالي الثوري والوطني أو الشعبي الديمقراطي. و بدلاً لتحليل إمكانية التطور الرأسمالي وإمكانية التطور اللارأسمالي في ضوء التغيرات الإجتماعية الإقتصادية وزيادة حاجات الناس ماضياً ومستقبلاً وحساب وحصف الموقف الأولي لإمكان تلبية هذه الحاجات بصورة متناسقة بأي من الإمكانين في ضوء كل من:

1. الموقف الحاضر آنذاك لبشاعة الديكتاتورية المدنية الإسلامية، وهدمها أركان مشروعية الدولة في حرية الرأي والتعبير والتنظيم وإضرارها العمد بالدستور وبمؤسسات الأحزاب والبرلمان والقضاء والديبلوماسية والإدارة والأمن والجيش وهدها ركائز الوحدة الشعبية والوطنية إضافة لموقفها الضار بفاعلية وجود السودان في مجالات التحرر الأفريقي والعربي والعالمي.

2. الموقف القادم لديكتاتورية الدستور الإسلامي الخالية من الحريات الحزبية والنقابية والرامية لـ"حرق الجنوب"

بدلاً من كل هذه العناصر الضرورة لموضوعية تقييم المواقف السالبة والمواقف الموجبة في جانبي الإنقسام المنتصر منهما والمهزوم نجد إرتكاز تحليل السر وتقييمه للإنقسام في العالم والمجتمع والدولة والحزب محصوراً محدوداً في الحزب بل وفي قمم الحزب دون قطاعاته الأساسية والإنتظامات الجماهيرية المحيطة به مثلما نجده راكزاً إلى العدالة العوراء لنتائج الحروب وتطبيق شرعة الطرف المنتصر فيهاعلى الطرف المهزوم، بينما كان ولم يزل كل من طرفي الإنقسام في الوضع الخاسر، بل وبلغت الخسارة حد موت الحزب والثورة والدولة وكثيراً من هيئات المجتمع موتاً سريعاً أو بطئياً، وفقد الناس فرصة هائلة لتقدمهم.

كذلك في صدد تقييم مقال السر للإنقسام في الحزب بين الكتلة الرامية لتغيير أحوال التخلف الإقتصادي الإجتماعي والثقافي في المجتمع بواسطة تجديد هياكل وخطط أجهزة وهيئات الدولة وعلاقاتها الخارجية والكتلة الرامية لتغيير وضع الدولة وهياكل وخطط هيئاتها وأجهزتها بواسطة النضال الجماهيري والنشاط الحزبي المستقل لـ(نشر) الوعي يمكن القول إن مقال لم يأبه لأثر هذا الإنقسام بين الكتلتين الوطنيتين الديمقراطيتين الشيوعيتين السودانيتين في زيادة في تفاقم الأزمة البنيوية للتنظيم الرأسمالي العالمي لموارد وجهود الأمم المستغلة والمستضعفة وفي زيادة تفاقم الأزمة البنيوية في المناطق الجغرافية السياسية والفكرية للإشتراكية في العالم !

5- المركز الداخلي لتبلور الأزمة والإنقسام :

يورد مقال السر شمساً تساعد كثيراً في إمكان النظر مستقبلاً إلى نشوء إدارة أفضل للإنقسامات الفكرية والنظرية والعملية التي تنشأ في خضم تطور نضال أعضاء الحزب وإنتقال حياتهم النضالية عبر الفترات والعهود الإقتصادية السياسية والإجتماعية الثقافية ضمن المرحلة التاريخية العامة لتأزم الإمبريالية وتوطد إمكانات أكبر لحفاري قبورها لدفنها بمخلفات مظالمها الإقتصادية الإجتماعية والسياسية العسكرية والثقافية والبيئية والعدلية، وقد تمثلت هذه الشمس في الإنتقاد الذاتي الذي وجهه الحزب للضبابية والجزئية والحلقية الضيقة التي سار عليها طرفي إنقسامه (المنتصر منهما والمهزوم) إذ قال:


ان عدم توضيح موقفنا كاملا بطريقة موحدة وبصورة واسعة أمام جماهير الطبقة العاملة والاقسام الأخري من العاملين كان خطا اضر بعلاقة الحزب الشيوعي بطبقته وبالجماهير التي تناضل معه من اجل التقدم والاشتراكية)( ص 133).


تكراراً يظهر من هذين السطرين القرنضوئيين أن الإنقسام في وجهتيه تم بعيداً عن جماهير الطبقة العاملة والأقسام الأخرى من العاملين وأن موقف الطرفين كان غامضاً [ربما لاسباب نظرية وأسباب شخصية] كما كان الإنقسام في كل جوانبه موقفاً جزئياً ضيقاً في منطلقاته وفي طريقة تناوله والتعامل معه وبالطبع في طريقة (حسمه).




6- في الجانب الإقتصادي لإنقسام الإشتراكيين في الحزب والدولة:

في ظرف زماني سياسي ضيق كان للحزب الشيوعي الإتجاه إلى واحد من أمرين:

1- دفع تغيير المستوى القاعدي من علاقات الإنتاج في المشاريع الزراعية والصناعية الحكومية الأصيلة والمؤممة بإدخال نظم لشراكة العاملين بنسب كبرى قد تصل إلى 33.33% الثلث من عائدات إنتاجهم ويتفاوت توزيعها فيهم ثلاثة أوخمسة مستويات كما يتفاوت أو يتوافق حال هذه النسبة بين المؤسسات ضمن نظام مخطط لتسعير وتثمين الموارد مما لم تكن له حينذاك إمكانات عملية وتقنية لإنجازه أو

2- الإتجاه إلى تغيير علاقات الإدارة والإنتاج في القمم الإقتصادية أو في محركات الإقتصاد الحديث الذي لم يكن يشكل في حياة الإنتاج الحال التي كان يشغلها إلى وقت قريب القطاع الأول البدائي المعيشي التقليدي الإنتاج (الرعي والزراعة الكفائية) وإن كان هذا القطاع الحديث بحكم موقعه السياسي في دائرة التنظيم الرأسمالي العالمي لأمور العملات والتمويلات والتجارة الدولية وتأثيره في جانب كبير من سياسات التراخيص والضرائب والجمارك الوطنية يشكل محور التبادلات الداخلية والخارجية للمجتمع والدولة في ظل نظام داخل وخارجي لتبعية القطاعات الأقل صناعة وتمويلاً للقطاعات الأكثر تمويلاً وصناعة في منظومة إستقواء باضعاف يستهلك فيها القطاع الغني القطاع الفقير ويفنيه.

ولكن في خضم الإنقسام وتضارب الأفكار والتناظير والعلاقات الشخصية والعلاقات الإدارية وإنتقال الدولة من حكم إلى حكم بل وإنتقال الحكم من دولة الطبقة المالكة إلى دولة الجماهير الكادحة يظهر مقال السر تناقضاً موصولا بمادة الإنقسام وإقتصادياته مستمر إلى الآن:

المادة االنظرية العملية ( أ) الموصولة بهذا التناقض هي:

من الممكن أن تؤدي الخطة الخمسية الي رفع مستوي معيشة الجماهير نسبيا، وهذا أمر مهم بالنسبة الي الانتاج اذا توفرت التوجيهات السياسية والاقتصادية اللازمة من ناحية توزيع الدخل القومي ومن ناحية رفع المداخيل الحقيقية بالنسبة الي الجماهير العاملة. فالزيادة في دخل الفرد من العائد القومي تصل الي 5 في المائة في وقت ارتفعت فيه تكاليف المعيشة بين مايو 1969 ومايو 1970، بما يعادل 12 في المائة، وهذا يضر بانجاز الخطة الخمسية بنجاح)
وهي رؤية لا تعزل التقدم الإقتصادي السياسي والوطني العام عن التقدم الخاص المحدد في أحوال عمل ومعيشة االعمال والكادحين التي تتطلب لتحسينها تغييراً جذرياً في علاقات حيازة وتوزيع الموارد وتقويماً موضوعياً متوازناً لقيمة الإنتاج المباشر في القطاعات الأكثر ضرورة لحياة الناس. مما شرحنا إمكاناته وصعوباته في مقدمة هذه الفقرة
المادة النظرية العملية (ب) الموصولة بهذا التناقض هي:
الخطة الخمسية ستنجح في حدود بعينها وهي:
1- وقف تدهور الاقتصاد السوداني الناتج عن الظروف الماضية.
2- خلق الاجهزة اللازمة لقيادة بناء الاقتصاد الوطني بعد ذلك.
3- زيادة وزن قطاع الدولة في الاقتصاد السوداني الأمر الذي يسهل عملية بناء الاقتصاد الوطني عبر الطريق اللارأسمالي.
4- تحسين مستوى معيشة السكان الي قدر معين..... الخ

وهي ذات الرؤية الإسعافية السائدة حتى الآن في جميع البنى الرأسمالية التابعة المتعفنة في العالم الثالث تخدم عادة في تأجيل مطالب وإجراءات التغيير الجذري إذ تطلب في شرطها الأول وقف تدهور الإقتصاد رغم إنه تدهور مقيم مستدام سيتفاقم جراء عدم التوازن الهيكلي أو الخلل العددي والنوعي في قطاعات الإنتاج والإستهلاك ويزيد تفاقمه لسبب التطفيف في علاقات الإنتاج والتبادل التي تأكل فيها القطاعات الرأسمالية الأكبر في الخارج والداخل القطاعات الأقل داخل السودان. على طريقة داوني بالتي كانت هي الداء.


رغم أن التركيبة الطبقية للأحزاب والقوى الإشتراكية تغلب عليها خصئص وسمات البرجوازية الصغيرة (=الضيق العددي والنوعي والزماني لتحديد المصالح العامة وإقتضاءها والتآكل السريع لمبدئية عناصرها مع التغير في أوضاعها ) فقد كان وقف التدهور نفسه موصول بإنشقاق أخر في الصفوف الإشتراكية والصفوف الشيوعية : يقول مقال السر:

كانت القوى المحافظة والقوميون العرب بقيادة الوزير السابق احمد عبد الحليم تقاوم وضع الخطة الخمسية وتري أنه من الافضل القيام بمشروعات وعدم الالتزان بخطة، وحتي بعد صراع عنيف تمت اجازة الخطة الخمسية، ولكن عمل الوزير واعوانه لنسف الخطة بعدم توفير الموارد الماليةالضرورية لتنفيذها.

هنا مع بعض الإختلاط في الذاكرة أذكر النقاش الذي تم في الزيارة الأولى لرئيس وزراء بريطانيا سالفاً طوني بلير إلى الجمهورية الفرنسية إبان سياساتها "الإشتراكية" عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران وهي حقيقة سياسة إشتراكية رأسمالية الدولة العامة لرأس المال الخاص، حيث إن كل رأسمالية دولة تتبع الصفة الطبقية العامة لهذه الدولة إما إشتراكية وإما رأسمالية حينها تحدث المشئوم بلير في الجمعية الوطنية الفرنسية عن التخلص من الأفكار والسياسات والمشروعات الكبرى (التي فشلت) والإهتمام بالأعمال والمشروعات الصغيرة وتوفير إمكانية أكبر لتحقيق أهدافها بنجاح، دون أن يحدد كسياسي ليبرالي معيار هذا الإهتمام بدقة وهذا النجاح سوى حديث غائم عائم عن الوطنية المجتمعية وتأسيسها على وجود خدمات عامة جيدة في مجالات التعليم والصحة والإسكان في كلام معقول الشكل ! تصدى له زعيم الأغلبية الإشتراكية موضحاً له إن الإشتراكية جزء أصيل من التاريخ ومن الوطنية في فرنسا، وإن الأفكار والسياسات والمشاريع الكبرى(الإشتراكية) هي التي ولدت أوربا الحديثة عبر الثورة الفرنسية بداية من أفكار وسياسات العمومية والجمهورية والتعاضد والنفع العام وحتى الثورة الصناعية والأفكار والحركات النقابية والتقدمية التي خلقت حزب العمال البريطاني وسياساته ومكنته من بناء بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية ووسعت رقعة الأمن والسلم الأوربيين،وفتحت المجال لوجود نظام دولي متعدد الأقطاب بما فيه المجتمع الأوربي (= الإتحاد الأوربي حاضراً) ليس من المناسب تبديله بممارسات الوصاية والهيمنة على تقديرات التنمية في الدول الأخرى أو تبديل نظم التأمين الإجتماعي فيها بتلاعبات سوقية تحقق أرباحاً هائلة على حساب جودة وإستمرارية هذه النظم التي تتطلب رعاية المجتمع لها وتوافق الدول على صونها ودعمها أممياً .


كانت السياسة التي إتبعها بلير قائمة مشاريع منفصلة في كل مجال تحددها هيئات مشتركة تجارية-علمية تمرر فيها بقوة الرشاوى الإجتماعية والقانونية في مجتمع طبقي عرشي مقترحات المشروعات المربحة لرأس المال في كل مجال في ذلك البلد الذي يعتمد فيه إقتصاده بصورة كبيرة على التحويلات المالية الداخلية الدولية وعائدات الإستعمار الحديث. كانت النتيجة العامة لهذه المشروعات هي الفشل في ذاتها،(قاعة الدوم، خصخصة المواصلات، خصخصة التعليم، خصخصة أصول المستشفيات ، خصخصة الإسكان...إلخ) ولكن العرض العام المجمل للأمور الإقتصادية بطريقة مالية نقودية من حيث صرف الحكومة وعائداتها كان يشير إلى أرقام تبدو صحية بينما كان عرض أحوال العمل نوعيته والفائدة الإجتماعية منه يشير لتفاقم أزمات عددا في قطاعات التعليم والخدمة الوطنية الصحية والمواصلات والإسكان والأمن والشباب والثقافة وإنعكاس ذلك سلباً في قطاع المصارف والرهنيات والقروض مما يوضح مخاتلة هذه الطريقة المحاسبية النقودية في إخفاء سوء الأمور في جانب المجتمع وإظهار الإقتصاد جيداً في جانب الحكومة رغم ما يجمع بينهما من صلات ووشائج؟


على ذات المنطق الفاصم بين الجزئي والكلي إستغربت أن تنجح الخطة الخمسية الأولى بنفس الشكل القديم لهيكل وعلاقات الإنتاج ؟


من هنا -دون دراسة راصدة- كنت أود لو حفزت في الحزب يبدو لي أن إختلافات الإقتصاديين في أمور الحكم والدولة كانت أقوى من إتفاقهم أو إختلافهم النظري في مجال القيمة . فمما لا يفيد كثيراً في تقييم إنقسام الحزب الشيوعي إلى شقين سنة 1970 في جزئية الإقتصاد الحديث عن تآمر القوميين العرب وبالأصح تآمر جماعة منهم ضد وضع خطة خمسية!! ففي سنة 2008 وضح أيضاً إن الأدب السياسي للحزب جاء فقيراً في العناية بموضوع التخطيط الشامل الإقتصادي السياسي الإجتماعي والثقافي بعدما جاء أيضاً خالياً من أي موقف موجب جهة قضايا تأميم المجتمع لملكية ونشاطات بعض الأفراد والبنوك و(حقوقهم ) في السيطرة على موارد المجتمع وجهوده وثرواته وحريتهم في المتاجرة بها .

التردد القديم جهة قضايا التخطيط وضرورة التأميم إنكشفت طبيعته البرجوازية الصغيرة في الإتجاه السائد في طروح التجديد الحاضرة التي لم تبد مقالات السر نقداً لها في جهة تخليها عن ضرورة التأميم. وكانت أشهر معالم هذا التخلي المقال الذي قدمه الأستاذ محمد إبراهيم نُقد مستنداً للنواقص والمخازي التي نابت بعض عمليات التأميم التي تمت في1969-1970بواسطة القوميين العرب وتقدمه منها للهجوم ضد كل عملية التأميم مغيباً ضرورته الموضوعية لعملية ضبط وتخطيط الإنتاج والتمويل المحلي، وفوائده في تنظيم التجارة الخارجية. ولم يظهر إزاء مقال الزميل نُقد أي إنتقاد من الزميل تاج السر وهو مسؤول ثقافة الحزب.




7-إنغلاق النزعة المركزية داخل الحزب ودورها في رفض الإتحاد السوداني ورفض الإتحاد العربي:

يقول مقال السر:
وبعد اعلان الرؤساء انور السادات ومعمر القذافي وجعفر النميري في 8/نوفمبر/1970 الاتفاق علي قيام اتحاد ثلاثي يضم مصر وليبيا والسودان اصدر الحزب الشيوعي بيانا حدد فيه موقفه من هذا الاتحاد، أشار البيان الي أن هذا الاتحاد تم بدون استشارة أى من تلك الشعوب، ناهيك عن موافقتها

كانت الوحدة الأفريقية والوحدة العربية من مشاعل الحركة الجماهيرية والثورية في العالم والسودان ، وهو أمر لم يتمتع في حزبنا بتخطيط دقيق وتحضير جيد لسبب موضوعي من ضغوط الأزمة الوطنية –القطرية وإلحاح مطالبها الآنية . في هذا الصدد تحول موقف الحزب في قضية "الوحدة الوطنية" من شعار (No Fedration for One Nation ) إلى شعار الحكم الذاتي للجنوب قبل أن يتطور هذا الموقف حاضراً إلى مرحلة الإقرار بحق "الجنوب" في تقرير مصيره مع تحبيذ إتجاه هذا الحق إلى جهة الوحدة. وهو موقف مركزي في أصوله وفي كلياته آنف عن طرح موضوع وجود السودان وحل أزمته الطبقية –الإقليمية عن طريق إستقلال حيازة كادحيه وأقاليمه لأمور وأيادي ثرواتهم وسلطتهم على توزيعها وجهودها ومنافعها ومن ثم الإتجاه بهذه الإستقلالية الموضوعية إلى حالة إتحاد لا مركزي بين أقاليمه أو حتى جمهورياته.

بيد إن ذات النزوع المركزي الذي سار بالحزب الشيوعي في يسار الطرح المركزي الذي قدمته القوى الإستعمارية والرجعية بإسم "وحدة السودان" يمكن الإشارة إليه أيضاً في مسألة "الإتحاد العربي" حيث أقل الحزب واجبه تجاه دعم هذه المسألة بإحالته إياها إلى إجراءات جزئية ومحلية، سببت مع عوامل أخرى داخلية وخارجية تخلخل المشروع، وقتكان بإمكان الكادحين في البلاد العربية الإفادة بعملية الإتحاد العربي في مواجهة تقدم التنسيق الإمبريالي الرجعي ضد حركة التقدم والثورة في العالم العربي، وهو التنسيق الذي كان واحد من ثمراته تمزيق وضرب الإتجاهات الثورية في كل بلد على حدة (لبنان، الأردن، مصر، ليبيا، السودان، اليمن، ثم العراق) قبل بلورة سياسات الإنفتاح والتبعية في كل المنطقة العربية على أساس فشل سياسة الوحدة العربية. فهو فشل لنا وللأحزاب الشيوعية الأخرى وبعض أجنحة حزب البعث التي عارضت ذلك البرق الوحدوي لنا جانب في تحقيقه دفع فيه أبطال حزبنا وأبطالهم ثمناً غالياً من دماءهم وحرياتهم وهناء أسرهم وأطفالهم الذين نشأوا يتامى في أحوال ثورية متردية، وجهالات فاشية، وإقتصادات مخصصة، وأوطان ممزقة مستضعفة سياسةً وإقتصاداً ومجتمعات.

نقطة مقال السر حول الإنقسام الحزبي-المايوي جهة مشروع الإتحاد العربي وقصور قيادة حزبنا عن دعمه وتزكيته والتخلص التدريجي من شوائبه ومسالبه تتعامل مع الموضوع بإعتباره مجرد مشروع فاشل طرح على الحزب فرفضه بحيثيات معقولة. بينما الأمر شبيه لعرض البلاشفة القيام بالثورة على المناشفة الذين رأوا بحيثيات معقولة (جهة النظر القصير) تمحيص مسألة الثورة الطبقية-الإقليمية وتأخيرها بل والإستغناء عنها لمزيد من الحداثة والتقدم الرأسمالي ودعم الوحدة الوطنية بينما كان الوطن الروسي وأقاليمه حينذاك الرفض المعقول الذي أبداه المناشفة كان وطناً ممزقاً فقيراً تابعاً جائعاً جاهلاً مريضاً محتلاً متدهوراً منحطاً من أثر تقدم مفاعيل الحلف القيصري- الرأسمالي وإنغلاق مركزيته الطبقية وإحتكارها الثروة والسلطة .

حجة بناء التغييرات الثورية من أسفل إلى أعلى ووضعها كنقيض للإفادة بالإمكانات العامة للدول وسلطاتها الفوقية ونزعاتها الثورية تبدو الآن وقت الحديث عن المرونة والواقعية والإفادة بالعولمة تبدو حجة ًحنبلية.مثلما يبدو الآن الثمن العام المحلي والدولي للفشل في تحقيق إتحاد بين الدول الثلاثة أو حتى تكوين إتحاد بين دول النصف الشمالي من أفريقيا.









8--القوى الإشتراكية (الحزب، النقابات، إتحادات النساء والشباب،الروابط الإشتراكية) والإتحاد الإشتراكي (لقوى الشعب العاملة):

في موضوع تعامل الحزب مع الإتحاد الإشتراكي كتنظيم جبهوي لمرحلة الإنتقال الوطني الديمقراطي إلى الإشتراكية، وفق مشاورات الميثاق الوطني التي كان للأستاذ محمدأبراهيم نقد دور هام فيها ، نجد إن موقف السكرتارية خلال الإنقسام كان موقفاً مزدوجاً فحيث تنشر إعلانات الإنتقاد الجارحة الأشبه بالغضب والرفض من جانب السكرتارية لكثير إن لم يكن لكل الإجراءات التي شرعت فيها السلطة التقدمية، كان الحزب بموافقة السكرتارية يواصل جهده في لجنة الميثاق الوطني المؤسس للإتحاد الإشتراكي حيث كان الإتفاق العام إنهذه المرحلة مرحلة إنتقالية في تطور السودان عامة وفي تطور حركة الثورة فيه خاصة.

مع هذا التذبذب تبدو ثلاثة هزائم أيديولوجية للنزعة المركزية الشديدة لأراء السكرتارية وقد تمثلت هذه الهزائم في:
1- مؤتمر الفكر العربي لطرح رأي القوى الإشتراكية العربية حول طبيعة وأدوات السلطة التقدمية في السودان وعقد في الخرطوم
2- مؤتمر الإشتراكية الأفريقية الذي عقد أروشا بتنزانيا
3- مؤتمر الأحزاب الشيوعية الذي عقد في موسكو

وقد مالت جميع هذه الإئتمارات إلى جهة التنسيق والتآلف والإتحاد بين الشكلين الثوريين: الشكل الحزبي الإجتماعي السياسي في قاعدة المجتمع وعلمه الحزب الشيوعي السوداني والشكل السياسي العام في قمة سلطة الدولة ، ولكن أمام هذه الأغلبية رفع جناح حزبنا في الإنشقاق راية أو قميص "الجبهة الوطنية الديمقراطية"!!!

إمكان العثور على الفرق الموضوعي أو الشخصي بين طرح "الجبهة الوطنية الديمقراطية" وطرح "الإتحاد الإشتراكي" يكمن في تحديد طبيعة موقع السكرتارية في كل منهما وبالتالي في الحياة العامة . وموقع السكرتارية العامة هو المقابل الحزبي لموقع رئيس الجمهورية، الفرق السياسي هنا تم تشطيبه بستة معارك متصلة:

1- معارك جماهيرية حول كل إجراء إتخذته أو بادرت إليه السلطة التقدمية وفيها إنقسم الحزب أوظهر إنقسامه(1969-1970).
2- معارك عسف تظاهرات ومواكب ومسيرات ذات مناشير وإجراءات منع وإعتقالات وتصريحات عدائية.(1970-1971)
3- توترات داخل قيادة الحزب وفي الحزب وداخل مجلس قيادة الثورة وبالتالي في الجيش (1970 1971)
4- الحركة التصحيحية الباسلة المجيدة (1971) وهي حركة كان تأثيرها سيصل إلى داخل تركيبة الحزب وقيادته
5- إنتقال الإنقسام إلى داخل السلطة الجديدة (المنتصرة ) بصراع عناصر التقدم والحداثة والعناصر الرجعية (1971- 1976)
6- إنتصار الحلف الإمبريالي الرجعي في الإنفراد بسلطة مايو وسلطة السودان وإمتلاكها والسير به في طريق ليبرالية السوق وخصخصة موارد البلاد وتخديم قدراتها الجغرافية السياسية في سياق المشروع الرجعي للإمبريالية والإستعمار(1977- الآن)


في هذه التفاصيل تبدو النقطة المركزية في مقال السر عن الإنقسام نقطة تسليم لا إنتقاد فيها لموقف جناحنا وحزبنا بل مجرد إزاحة اللوم منه بإعتباره طرح "الجبهة" ضد طرح "الإتحاد" ! يقول:

هذا ايضا من قضايا الخلاف بين الحزب الشيوعي والسلطة، عندما اعلنت السلطة قيام التنظيم الشعبي( الحزب الواحد)، قاوم الحزب ذلك، وطرح البديل الجبهة الوطنية الديمقراطية، أشار قرار المؤتمر التداولي في اغسطس 1970م(ان الحزب الواحد، بما في ذلك الحزب الشيوعي، لايصلح اداة للتحالفات المطلوبة لانجاز مهام المرحلة الديمقراطية


ثم يتتالي مقال السر بنفس الإيقاع المركزي الصاخب ...يقول :


هل يكون الحزب الشيوعي مستقلا أم يذوب داخل حزب ومؤسسات سلطة البوجوازية الصغيرة، ويتم تكرار تجربة الشيوعيين المصريين؟،

إنتقادي هذا السطر مختصر باطن في تعليقي عليه ان حزبنا الشيوعي السوداني أو بتحديد أكثر جناحنا منه بقى مستقلاً فقط من ناحية صورية وذلك لذوبانه كادراً وجهداً وخسارة في حلف الديمقراطية الليبرالية والطريق البرلماني داخلياً وخارجياً. كما إن الحالة المصرية للإنقسام تكررت في حزبنا وفي جميع الأحزاب الشيوعية لأنها لم تكن حالة مصرية حسب التعبير الشيفوني العنصري بل كانت حالة موضوعية تتصل عواملها بالأيديلوجيا وبالنشاط الحزبي وبالأوضاع الوطنية والإقليمية والنواحي القومية والأممية والعالمية، ومقال السر يدفن رأسه في الرمل إذ لا يرى الإنقسام الحاضر في حزبنا وإذ لا يرى صلته بالطريقة التي عالجت بها سكرتارية الحزب قبل يوليو 1971 وبعدها سير الأمور في الحزب والوطن.

من هذه العلاجات ما يورده مقال السر في الفقرة الآتية عن عيارية التجربة العملية وتوكيدها صواب أو خطأ الأراء، وهذا غلط وخطأ بين في التقدير والنظر وفي الممارسة والعمل فظروف كل تجربة والعومل المحيطة بها قد تؤدي إلى فشلها في زمن وقد تؤدي في زمن آخر إلى نجاحها. ومن هذا التأسيس الأولي في العلم لايصح الإتجاه إلى تعميم فشل أو نجاح أي تجربة إلا في حال إتفاق وتماثل جميع العوامل والظروف المحيطة بها ، أو الأساسية فيها، ولكن بعيداً عن هذا النظر الدقيق إتجه مقال السر لأخذ النواحي العملية معيار صواب وخطأ وفي هذه النواحي العملية إختار من التاريخ ما يوافق تيارنا تياره | حزبنا ضد الإتجاه الآخر، من أعمال الإنقسام حاكماً بها على مدى المشروعية فيها وهو في القانون إجراء عسفي بعيد عن روح العدالة التي تخبو بأجيج وعجيج المعارك الحزبية والوطنية، حيث لم يوضح السر الإنتقادات التي وجهها الشق الآخر من الإنقسام لمشروعية مؤتمر أغسطس، ولا إنتقاداتهم طبيعة عدد اللجنة المركزية، ولاطبيعة عمل السكرتارية، ولم يكشف السر الطبيعة العامة لمعنى إنتقاداتهم الشخصية لأداء الشهيد -فيما بعد- عبد الخالق محجوب في زمن مترع بالوجد الشديد وبالعداء الشديد للإستالينية!!! لو كان مقال السر تناول هذه النقاط وعرضها بأي شكل لكان تاريخه محايداً موضوعياً ولأمكن لأي محكمة تاريخية إعتماد جهة نظره هذه كشهادة متوازنة، في موضوع وإجراءات مختلف عليها، ولكن مقال السر سار في نفس الدرب الخاطئي الذي نهجه حزبنا في حصف وتنظيم وإدارة إنقسام الأراء فيه بمعيار الحق والباطل والطيب والخبيث، دون إتجاه إلى طريقة موضوعية وعلمية أكثر ديمقراطية وإشتراكية مما سبق تكون معيناً لإدارة الأزمات وتوجيهها بعداً من نقاط التأزم والإنفجار العشواء إلى نقاط التركيم المنظوم والتفجير القصدي المحسوب. .

سار مقال السر معززاً التشدد المركزي والتوتر العالي لأعمال سكرتارية حزبنا أوان الإنقسام ولكنه قلل مسؤوليته في إحداث الإنقسام بإيضاحه توتر وتشدد الطرف الآخر في داخل الحزب وفي داخل السلطة !! ...قال:
الجناح الآخر لم يقبل بقرارات المؤتمر ولم يقبل بالديمقراطية الحزبية، أي الالتزام برأي الاغلبية والتمسك بوحدة الحزب والصراع من داخله للدفاع عن رأيه، فالتجربة العملية هي الكفيلة في النهاية بتأكيد صواب أو خطا هذا الرأي أو ذاك.

نهاية المؤتمر مباشرة عقد 12 عضوا من اعضاء اللجنة المركزية(مجموع اعضائها 33) اجتماعا سريا عبروا فيه عن رفضهم لقرارات المؤتمر والتكتيكات التي خرج بها، ثم حضروا اجتماع اللجنة المركزية في 26/8/1970م، دون أن يكشفوا عن خططهم، وبعدها نشروا رسالة وقعوا عليها جميعا، وكان ذلك اعلانا رسميا بالانقسام. وتبع ذلك بيان آخر وقع عليه مايزيد عن الخمسين من بعض كوادر الحزب، وتم عقد اجتماعات في بورتسودان وعطبرة والجزيرة للوقوف ضد قرارات المؤتمر وتبعتها اجتماعات في العاصمة( قدال: المرجع السابق، ص،55).

وكان من نتائج انقلاب 16/نوفمبر/1970م الغاء الوجود المستقل للحزب، والهجوم علي مرتكزاته الفكرية(الماركسية)، والهجوم علي منطلقاته الطبقية( التعبير عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين)، والهجوم علي كادره القيادي(نلاحظ أن جل وثائق انقسامي 1970، كانت هجوما شخصيا علي الشهيد عبد الخالق محجوب

لو حوى مقال السر قائمة بتصريحات كل طرف من طرفي الإنقسام ووقتها وحججهم العامة في موضوع لكان أفضل للحكمة والإعتبار ولكن مقال السر سار إلى تكرار عرض تاريخ الإنقسام في الحزب بذات الشكل الإنتقائي الغائي الذاتي الذي لم يمنع تكراره من قبل تكرار المآسي، إن عرض جدول بمسائل الإختلاف بين فيه موقف كل طرف من الأطراف السبعة القوى التقدمية – جناحا الحزب – جناحا تنظيم القوميين العرب- السلطة (التقدمية) - والقوى الرجعية، يمكن أن يفيد في دراسة أخطائنا في الإنقسام الذي حدث.




^6- إنتقاد اللينينية تحت ستار إنتقاد الإستالينية:


في مقالة السر ذات العنوان "الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني " طرق تاج السر بشكل عدائي لاموضوعية فيه موضوع الإستالينية وبذات الجمود والتوتر العصبي الذي تسرب من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي بعد سيطرة المناشفة عليه، ومحاكمتهم العسفية للينينية من خلال تمزيقهم وتشويههم للإستالينية ففي الفقرة الأولى من مقال تاج السر المعنونة "الستالينية : المفهوم والمصطلح: " ذكر السر تعريفاً جزافاً للإصطلاح هو :
ارتبطت الستالينية كمفهوم ومصطلح بالجمود في الماركسية وتخطي القوانين الموضوعية في التطور، كما حدث في النموذج الاشتراكي الستاليني
ثم دلف مقال السر من هذا الإختزال المريع إلى تناول الإستالينية لا من الحيثيات التاريخية التي ولدتها من جدل المرحلتين الأوليتين للثورة الإشتراكية العظمى وهما مرحلة "شيوعية الحرب"، ومرحلة "شيوعية السوق" التي قُصد بها إنعاش موات الحرب، كما لم يتناولها كمرحلة جامعة لثلاثة مهمات هي مهمةالبناء ومهمة الدفاع والنصر ومهمة إعادة البناء وقد حققت فيها الستالينية نجاحات عالمية قصوى، لكن السر لسبب ما تناول الإستالينية جملة من خلال نظرة كاتب معين إليها قال بأنها بشعة وحمقاء مشنعاً إياها بثلاثة أبعاد:
1- سياسة العزلة أو المواجهة ازاء العالم الخارجي منحته عسكرة الاقتصاد والتنظيم شبه العسكري للحركات الاجتماعية.
2- الارادية والتعجيل المفروض فرضا في عملية التحول الاجتماعي لبناء الاشتراكية من فوق عن طريق سلطة الدولة، وعملية التحديث الاقتصادي بمحاولات ترمى إلى اللحاق بالركب (بالدول الصناعية الرأسمالية)، أساليب قسرية لتحقيق التراكم وانجاز التصنيع واستخدام الموارد استخداما افقيا.
3- سلطة ذات بناء هرمي احتكاري مع اندماج الدولة بالحزب الحاكم، واخضاع المنظمات الاجتماعية إلى هذا الأخير، قاصرا نشاطها على القيام بدور الحزام الناقل بين السلطة المركزية ورعاياها، ومن ثم قهر المجتمع المدني بسلطة دولة متزايدة الاغتراب والتركيز).

وهذه الأبعاد الثلاثة لو نظر إليها السر بقليل من الموضوعية لوجدها تمثل تهريجاً ولكنه إعتمدها رغم كل إلتواءتها عموداً لحركة مقاله :

فالبنسبة للعامل الأول لم تكن الإستالينية متصلة بفكرة القلعة والحصن إلا من خلال الهجومات العسكرية المتتالية التي شنت على الإتحاد السوفييتي منذ ولادة ثورته وحتى وفاة ستالين. (رائد التعيش السلمي)

بالنسبة للعامل الثاني تبدو فكرة تنظيم الإقتصاد وبناء البنية التحتية له في ظروف الهجومات العسكرية آنذاك على روسيا وبناء تلك البنية وتحريك معاملات الإقتصاد وفق قواعد إدارية وعسكرية ميزتها الإنضباط والسرعة والإنجاز المخطط كانت أفضل في عددها وفي نوعيتها لروسيا والعالم من تنظيم الإقتصاد وفق عوامل السوق ومصالح قواه الكبرى.

بالنسبة للعامل الثالث حول هرمية التراتب السياسي الإجتماعي وقتذاك فقد كانت فعلاً مسألة معطلة لنفوذ وتغلغل رأس المال ولعوامل التفكيك الإقتصادي والإجتماعي في تلك البلاد الشاسعة المتعددة الأقوام والإقتصادات والثقافات، وهي هرمية أنتجت 16 ستة عشر جمهورية فعالة .دون أن تباشر إستعماراً أو إستغلالاً لدولة .


كذلك يضيف مقال السر بذات الهوج : ((الجمود النظري والتبسيط المخل للماركسية)) مع إن كل المؤلفات الكاملة والمختارات والمعاهد والجامعات مغذيات العلوم الإجتماعية والشروح والقواميس ودور النشر والمجلات النظرية كانت من نبت المرحلة الستالينية ، لكن تبسيط الماركسية واللينينة لعامة الناس والمسلمين لم يرض جهات بعينها في النزوع الأوربي اليهودي للمناشفة فسموا ذلك جموداً وسموا التوجهات الرأسمالية إنفتاحاً وحيوية.

في ذلك لم يطرح مقال السر مثالاً موضوعياً واحداً لهذا الجمود ! لم يقل إستالين للناس لاتدرسوا تاريخكم وإتبعوا فقط القوانين العامة لحركة التاريخ، بل شيء من هذا نسبه إليه مقال السر دون أن يطرف له جفن!! اما تصور إحد الصهاينة عن إستالين فقد يكون موضوعياً إن أرفقه السر بتصورات مدرسة اخرى تدافع عن الإستالينية ليتسنى للقارئي إمكان المقارنة ومن ثم التقويم الموضعي للإبعاد والعناصر الموجبة والأبعاد والعناصر السالبة في الظاهرة. أما الوسم العام لعهد كامل من تاريحخ النضال السوفييتي بانها مرض نشأ من الخراب ووطن في الأرواح الخراب فيليق ببعض كئابات اليهودي المتشائم كافكا.

ولو تريث السر وكثير من الزملاء في تقويم مراحل تاريخ الإتحاد السوفييتي لوجد نفسه متصلاً بما أورده هو نفسه في مقالة تالية عنوانها (إسم الحزب) مازجاً فيها نظر إنجلز حين قال:
الاشتراكية تحولت الى علم باكتشاف المفهوم المادي للتاريخ ونظرية فائض القيمة التى كشفت جوهر الاستغلال الرأسمالي يومئذ ، وهذا هو ما ميز الاشتراكية العلمية أو الشيوعية العلمية عن بقية المدارس الاشتراكية الاخرى ، واصبح الواجب تطويرها في كل النواحي ، وأن الصراع الباطني أوالتناقضات الكامنة في الرأسمالية سوف تؤدي الى نفيها ديالكتيكيا ، وان الاشتراكية سوف تخرج من رحم الرأسمالية ، وبالتالى سوف تظل حاملة لسماتها لفترة تاريخية طويلة، وانها سوف تستند على منجزات الرأسمالية في التكنيك والانتاج وفي الفكرالسياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وطالما كانت الاشتراكية هى طور ادنى من الشيوعية ، وبالتالى سوف تكون حاملة لكل تناقضات الرأسمالية لفترة طويلة بحيث لايمكن القفز فوق هذه المرحلة التى سوف يكون فيها الحق برجوازيا ، وأن قانون القيمة الذي يعبر عن حركة انتاج وتبادل السلع في الرأسمالية سوف يفعل فعله ، وبالتالى لابد من التحكم في مساره ومجراه ، بتلبية المتطلبات الأساسية للمواطنين وتوفير احتياجاتهم الاساسية في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والسكن وضمان حق الامومة والطفولة والشيخوخة ... الخ ، وان مرحلة الانتقال للمجتمع الشيوعي سوف تستغرق فترة تاريخية طويلة ، كما تفادى ماركس السؤال حول شكل المجتمع الشيوعي القادم بقوله أن العلم هو الكفيل بالاجابة في المستقبل.


كذلك يتجه السر في توكيد لا ستالينيته إلى : منهج عبد الخالق كان ينطلق من دراسة الواقع بذهن مفتوح، لا من المنقول من الكتب، مما يعني عمليا تجاوز الجمود الستاليني فقط للقارئي أن يتامل كيف أورد السر سيرة إستالين موارد الهلاك في مقال غرضه العدل والإنصاف، وكيف إن دراسة الواقع هي مسألة لا إستالينية!!! القهقهة قد تحدث هنا إذ لا بد إن السر يعلم بشكل ما أن ستالين لعلة ما نهى عن دراسة الواقع بذهن مفتوح لمعطياته! وإن هناك نهجاً علمياً إسمه نهج عبدالخالق ينطلق في دراسة الواقع دون شي مكتوب؟!

توفي ستالين سنة 1954 ولكن مقال السر طرح كل التطورات والإنهيارات التي حصلت في حياة الحزب الشيوعي السوداني كمعالم تميز عن الإستالينية رغم إن مقال السر يخلط بين الإستالينية وبين السوفيتية ، وبين الفعل ورد الفعل وبين اليمين في السياسة في السودان وبين اليسار سودانية أو أممية قل تعبيراً عن ذلك: القفزة الكبرى التي تمت في مضمار تجاوز الستالينية، كانت دورة اللجنة المركزية في أغسطس 1977م (الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية .. جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن)

إن مقال السر يعتقد إن قيام اللجنة المركزية التي أشار في مقالة سابقة لسوء تركيبتها ومصادرة السكرتارية لطبيعة وجودها بإعتماد الطريق البرلماني هو مسألة مفيدة لتطور الحركة الثورية وضد أفكار ستالين ولكنه ينسى إن هذا الطريق الذي يهلل له الكثيرون هو ضد أفكار عبدالخالق ولينين أيضاً!!!







بعد ان ولغ مقال السر في الإفتراء على الستالينية تمادي في غيه عليها بنهج خفيف إلى الموضوعية قال :
المهم أن نشير إلى خطورة أن يتحول دمغ الآخرين بالستالينية وفبركة التهم بالستالينية إلى عامل سلبي، يؤدي إلى إحجام البعض عن طرح ارائهم بحرية ومناقشتها، وأن تتحول تهمة الستالينية إلى مكارثية جديدة تسمم حياة الحزب الداخلية، كما كان يحدث في فترة ستالين مثل الاتهام بالتروتسكية والتي أدت إلى تصفية خيرة القيادات الشيوعية، عن طريق الفبركة والتشكيك والاستهداف الشخصي للرأي الآخر المعارض واختلاق التهم .. الخ. وبالتالي يؤدى ذلك إلى تدمير الحزب بحجة محاربة الستالينية.كما أنه من الخطأ والتجني اتهام كل من يدافع عن مبدأ المركزية الديمقراطية بالستالينية

لو سأل السر الأرشيف السوفييتي المفتوح الآن بما فيه أفلام التحقيقات والمحاكمات لوجد أن مسألة فبركة التهم هذه مسألة غير أمينة ولما أقحمها في عرض مقاله المضاد للسمات والخصائص الموضوعية لعهد إستالين في ذلك الزمن الحربي الذي حققت فيه جولة السوفيتات الإنتصار تلو الإنتصار وجعلت من الإتحاد السوفييتي منارة الإنسانية والتحرر الوطني في العالم

ولكن السر لم يفعل مستغنياً عن الطريق اللينيني بالطريق البرلماني.





































7- الإسلام والسياسة :

في مقال بسيط بعنوان "حول تجربة الإسلام السياسي في السودان الفترة: (1967- 2007م)" تناول السر عبر عهود السياسة السودانية بعد الإستقلال الإتجاهين الرئيسين في الحياة السياسية السوةدانية للنفع بالإسلام وهما:
1- الإتجاه الرجعي لتخديم الإسلام في عملية إستغلال الناس وتبرير ودفع النشاط الرأسمالي وحمايته بالقمع
2- والإتجاه التقدمي للدفاع عن الإسلام كقوة لتحقيق مصالح الناس وسلامة معاملاتهم من الظلم الطبقي والسياسي ولدفع وتحسين أحوالهم في عدالة إجتماعية

كما وضح مقال السر راكزاً إلى كتاب الماركسية وقضايا الثورة السودانية عيوب الإتجاه التقدمي في التعامل مع هذا الموضوع شاملة: 1 -التقطع 2- الضعف العددي والنوعي 3-الفقر الفلسفي

ركزت مقدمة مقال السر على إن الحركة الإسلامية السياسية في السودان هي حركة رأسمالية وأن الفقر الذي إنتجته لم يسري على أساس ديني بل شمل المسلم وغير المسلم على أساس إجتماعي- إقتصادي حيث إن نسبة الفقر= 90% من عدد السكان ! وفي هذه النقطة الظاهرة القوة يبدو ضعف المقال في تناول ظاهرة الإسلام والسياسة في السودان :

فإن كانت نسبة الفقر تساوي بين المسلم وغيره من حيث شيوع الضرر فإن نسبة الغنى والثراء والربح من النشاط الرأسمالي الذي يسميه طفيلي تصطفى بشكل عنصري لنسبة كبرى من الجلابة والمسلمين دون غيرهم في دائرة الأرباح ، وهذا بالطبع يرجع لعوامل تاريخية متعلقة بتركيبة "الجلابة" وبتأسيس ونشاط النظام الليبرالي لتملك الأفراد وسيطرتهم على موارد عيش وحياة المجتمع وإحتكارهم النسبي لتوزيعها وتصريف جهود إنتاجها وإستيلاء رؤوس أموالهم على قسط منافعها ، وهنا تتداخل الأزمة الإقتصادية بالأزمة الإجتماعية الثقافية بين المكونات القومية للمجتمعات السودانية والأزمة السياسية القائمة بسيطرة المركز و إتجاه الأمصار والأقاليم إلى التحرر من حالة الإستغلال والتهميش الذي تتعرض له.

ومن تركز المصالح الربحية بين المسلمين أتت عملية تديين السياسة وأسلمتها حفاظاً على هذه المصالح ، ولكن بدلاًعن إتجاه مقال السر إلى تناول هذه النقطة الجذرية في إطار عملية ثورية لتجفيف منابع الإسلام السياسي إحتشدالمقال بالمحفوظات التقليدية عن أهمية الدولة المدنية والعلمانية وأهمية دراسة الدين والتفقه فيه وأشكال شتى للتعامل الفوقي مع الأزمة الإقتصادية السياسية الأصل.

كان العلاج الأنجع هو إتجاه المقال إلى تناول تجفيف الإسلام السياسي من خلال ضرورة تأميم ملكية موارد وأليات الإنتاج وتغيير علاقات ملكية الموارد والقسط في تبادل الجهود والمنافع كأساس لعلمانية ومدنية الدولة ، التي لن تضحى علمانية بالشعارات. والعهود والمواثيق التي تصوغها القوى الرجعية في حربها الرأسمالية بالأصالة وبالوكالة على من تسميهم أعداء الله، وهم جميع الصادعين في وجه طاغوتها بحقوق المستضعفين إزاء حرية أسواقها وتطفيف موازين الإنتاج فيها.

لو نظر مقال السر في تاريخ تأسس العلمانية وسيادتها لوجد التأميم والقضاء على الشكل الكهنوتي للملكية كان من الخطوات الأساسية في تقدم التفكير والنشاط العلماني في كل المجتمعات التي تحولت بحكمها من اللاهوت إلى التقدير البشري لمصالح الناس.

إن تقدم النظر الفلسفي في الدين موصول بتقدمات أخرى في النظر الفلسفي لتاريخ العقائد السودانية القديمة وإسهامها في بلورة التفكير الديني في جميع المناطق المحيطة بشبه الجزيرة العربية وهي الشبه جزيرة التي مثلت بموقعها الجغرافي والتاريخي دور الهامش العام للتفاعلات الحضارية الفلسفية حولها وكانت أضعف حلقة في حلقات النظم الإستعبادية المتصلة بها .

النظرة الدينية للأمور والمنافع ماتت مع نشاط المضاربات وإرتفاعات الأسعار ومع إندلاع ثورات الريف وتخلص أهله (جزئيةً) من سيطرة الطاغوت الديني الباقي الآن التخلص من هيمنة هذا الطاغوت ودفن هذه الهيمنة مع جثة السودان القديم .



8- إسم الحزب!!

تناول الزميل الأستاذ تاج السر عثمان في مقالتين موضوع تغيير إسم الحزب الشيوعي السوداني في المرة الأولى إتجه مقاله إلى بعد عرض موجز لتبلور إسم الحزب الشيوعي إلى طرح التريث في مسألة الإسم لحين نضوج النقاش، وإستواء الإتجهات العامة للبرنامج واللائحة والى حين وضوح الكينونة الطبقية والماركسية للحزب أما في المقال الثاني وهو جزء من حوار مع مجدي عمر فقد إتجه قلم السر إلى الوقوف ضد تغيير الأسم ولكن بطريقة ختمها بأن هو الأهم برنامج الحزب. دون أن يتطرق لكينونة دستور الحزب!

وفي خلاصة رأيه في المقال الثاني المكمل للمقال الأول قال:
ان الهدف المباشر الآن: برنامج اسعافي يتم فيه اصلاح الخراب التي تم في فترة الانقاذ، باعادة تاهيل القطاع الزراعي والصناعي والبنيات الاساسية مثل السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية والبحرية، وان تدعم عائدات النفط التعليم والصحة والخدمات(مياه، كهرباء.الخ)، التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات، السيادة الوطنية، توحيد الوطن علي اسس طوعية وديمقراطية، الحل الشامل لقضية دارفور..الخ، هذا البرنامج الاسعافي يتشابك ويتداخل ولاينفصل عن المهام الوطنية الديمقراطية بقواها وتحالفاتها، اضافة الي أن المرحلة الوطنية الديمقراطية تتشابك ولاتنفصل عن المرحلة الاشتراكية، والاشتراكية نفسها لاتنفصل عن المرحلة الشيوعية، اذ أن الاشتراكية هي الطور الادني من الشيوعية.
اذا امتلكنا هذا الوضوح النظري والمتماسك الذي يربط ربطا ديالكتيكيا بين الاهداف البعيدة والقريبة، فلن تركبنا الحيرة، ولانحتاج لتغيير اسم الحزب، أو نصفي الحزب بحجة استحالة الوصول الي المجتمع الشيوعي بطرح غير سليم لمفهوم الشيوعيةعلما، بان طرح مجدي غير جديد، فقد تبنته احزاب الاممية الثانية بعد وفاة ماركس وانجلز، صحيح انها طرحت جانبا سليما مثل الوصول لللاشتراكية بطريق برلماني، ولكنها حذفت المجتمع الشيوعي كهدف بعيد من برامجها، واكتفت بالاشتراكية فقط، ولكنها في النهاية وقعت في مصيدة الرأسمالية، ولم تنجز حتي تحولات اشتراكية عندما وصلت للسلطة، بل ابقت علي المجتمع الرأسمالي بركائزه


في هذه المعركة لي مطالعات منها:

إن موضوعية الفلسفة المادية للتاريخ والنظر إلى تطور المجتمعات فيه من خلال حساب عناصر إقتصادية محددة فيه كأحوال ملكية الموارد وتوزيع الجهود والمنافع وأخذها جملة كسمات للحساب الإجتماعي السياسي تؤدي إلى نظر سالب إلى فلسفة الأسماء أو فلسفة الذهن التي تحدد موضوعية الأشياء من خلال الإسم الذي تطلقه عليها بما ذلك دخولها في متاهات إختلاف التقديرات (أ) يقول هذا اللون أحمر و(ب) يقول هذا اللون أبيض! فدون معيار موضوعي في هذه الفلسفة المثالية القديمة يغدو تناول كل شيس كإسم ممكن تغييره نوعاً من العبث يحتاج معه وجود النهار إلى دليل. والدليل إلى دليل!

الإلتزام بالفلسفة المادية التاريخية ومنطقها الجدلي ذي السمات الثورية يختلف تما ماً عن حالة العكلتة والتحنيس التي أو صلت بها طريقة السكرتارية (الزميل عبدالرحمن) في فتح النقاش العام بلا ضابط ولا رابط الحالة العامة في الحزب ، تخيل نفسك واقفاًأمام مرآءة تسأل نفسك هل أنا فلان أم إني علاناً ذاك أم أني أنا أنا؟؟!!


الحزب يكون شيوعياً وفق عدد من العوامل منها التميز بهدف بناء المجتمع الشيوعي، أما أن يكون إسم الحزب وفق كل مرحلةوبالأصح وفق كل عهد سياسي فهذا لعب فحاضراً للزمن السياسي عدد من الصفات المختلفة فكيف يتم تفضيل واحد منها على الآخر هناك من يقول هذا عصر العولمة وآخر يقول هذا عصر الأقليات وثالث يتحدث عن إنتصار الإسلام ورابعة تتحدث عن قضية المرأة ! فبدلاً لإحتكار الأراء الأفضل الإتجاه إلى إسم الشيوع الذي يتضمن في إلغاءه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج سيادة كافة أنواع الشيوع الضرورة لمعيشة وإنتظام حياة المجتمع . حزب لشيوعية وسائل الإنتاج و موارده وجهوده وخيراته.


الحزب الشيوعي متصل في كينونته بطليعية الطبقة العاملة من حيث نوعية أداءها في المجتمع أيما كان عددها ونوعها حيث الصناعة هي مفتاح المستقبل، والعمل الصناعي هو الناظم الألي لعملية توزع موارد وجهود وقدرات المجتمع، من هنا فان طليعية الطبقة العاملة الصناعية راكزة إلى:

• لدور النوعي لها في عملية التحويل العام للموارد من الحالة الخام إلى الحال الملبي إحتياجات الناس وتطور معاشهم.

• الكينونة الجماعية والتعاضدية لعملها دون سلب او زيف او إستغلال ودوره في ضيانة الموارد والجهود.

• التمركز النوعي لقضاياها في قلب لوحة التقسيم السياسي لحركة المجتمع بحكم بعدها عن إمكانات الحلول الفردية و الدينية والتجارية

توسيع فهمنا إصطلاح الطبقة العاملة مطلوب ، لكن إلى جهة تختلف عن جهة المهن النظرية التي تحولها والحزب إلى نقابة منشأة ، تلك النقابة التي تجمع في النظم الرأسمالية العامل ومدير الشركة في نقابة واحدة، الأنجع هو فتح الإصطلاح جهة عموم الكادحين والمنتجين الصغار . كذلك الحزب.

محاولة تحويل الحزب بالتصغير إلى جماعة عمل ((Action Group أوتحويله إلى نواة أو إلى جبهة أو تحويله إلى حزب أخر قضية مقلوبة على رأسها: فالقضية الأساس لا القضية الحلم هي تغيير علاقات الإنتاج (ملكية موارد ووسائل وجهودوخيرات الإنتاج)

إذا كان هذا التغيير في السودان يواشج توجيه فائض قيمة الإنتاج الطبقي وفائض قيمة إنتاج الأقاليم إلى تلبية ضرورات الحياة فهي قضية ليس من المناسب حلها بالطريق البرلماني وفي ظل النظم الليبرالية حيث الليبرالية = حرية بعض الأفراد المتمولين في تملك موارد عيش وحياة الناس. ومن المتعذر أن يشكل تغيير الإسم حافزاً لعملية إسعاف جثة الدولة التي جاوزت طور الوفاة إلى طور التمزق والتحلل.

كثير من الناس يعتقد بأن على الحزب تغيير إسمه (هويته) ولكن كم من هؤلاء الناس يمثل الوعي العمالي الثوري ؟ وكم منهم يمثل عملية الصراع الطبقي ؟ وكم منهم يرحب بتغيير علاقات الإنتاج؟ وكم منهم بإمكانه النضال ضد الرأسمالية؟ وكم منهم بإمكانه القبول بفكرة السودان الجديد؟ وعلى أي أساس؟، كم منهم يقبل فكرة التنمية المتوازنة ؟ وعلى أي أساس؟ وكذلك كم منهم يقبل بنظام إقتصادي عالمي جديد وعلى أي أساس ؟ إن طرح وجود الحزب الشيوعي لرغبات هذا وذاك لايمكن أن يكون مفيداً لتطور الحزبولا لتجديده بل هو مفيد فقط في التخلص منه! ولكن هل التخلص من الحزب يفيد قضية العدالة الإجتماعية في السودان؟

هل يفيد تسميم أو قتل الحزب الشيوعي السوداني قضية إشتراكية الناس في موارد ووسائل وجهود وخيرات إنتاجهم وسلطة تنظيمهم لها إشتراكية علمية ؟

الحزب الشيوعي الروسي، والحزب الشيوعي الأمريكي، والحزب الشيوعي الياباني، والحزب الشيوعي البريطاني، والحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي في جنوب أفريقيا، والحزب الشيوعي الهندي (الماركسي والماركسي اللينيني) والحزب الشيوعي ....في كل بلد من بلاد العالم دارت فيه هذه المناقشة بنفس الحجج بقى الحزب الشيوعي متقدماً نحو أهدافه بينما ذهب الزبد جفاءاً.

ولكن التقدم بحياة الحزب الشيوعي كان يتطلب من مقال السر التخلي عن مضار الطريق الرأسمالي والبرلماني المتصل به والتخلي بذلك عن محاولة إسعاف جثة السودان القديم الذي قتلت نفسها الأشياء التي قتلته،ولم يبق إلا أن تأكل أرضتنا عصاه.


إن عملية تسميم أو تشليع الحزب بداية من السخرية من نظامه الفكري ونزولاً إلى طبيعته النظامية والطبقية وبرنامجه ولائحته وشل حيوية تناظيمه الشبابية والنسائية وروابطه المهنية عبر الإستغراق في تحالفات ميتة مع قوى السوق ناقضة العهود والمواثيق وعبر مناقشة مفتوحة الأطر مغلقة الإستقراء والإستخلاص وليس نهاية بالمناقصة على إسمه،هي عملية طويلة يمكن القول إنها إبتدأت بقوة سنة 1974 مع القبول بالطريق البرلماني وتعززت من ثم حتى الآن حيث بدأ الحديث صراحة عن تغيير هوية الحزب وتحويله إلى حزب إشتراكي تارة ووطني ديمقراطي تارة . كأنما وجود حزب من هذا النوع سيحل مشكلات السودان

في هذا الصدد أعتقد بصحة منطق الزميل الشفيع خضر –رغم خطيئة موقفه- فلايمكن أن تغير كل هذه الأجزاء ويبقى الكل كما هو !
فلو كان النقاش العام بدأ بطريقة ماهي أزمات السودان؟ وماهي عواملها الرئيسة؟ وماهي القوى صاحبة المصلحة في تغيير الأوضاع ؟ وماهي الأهداف والوسائل العامة التي تتوخاها لتغيير الأوضاع المأزومة ؟ وكيفية تنظيم هذه القوى ؟ وما هي طبيعة الدستور والبرنامج واللائحة المناسبة لتنظيمها؟ لتمحور النقاش العام بصورة منتظمة حول علاقات الإنتاج في الإقتصاد السياسي والمجتمع والدولة ولأخذ جانب منه عملية تجديد نضالات الحزب بصورة تبث الحيوية في الوطن أما رخي الأمور وثلمها فمن الطبيعي أن تكون نتيجته حل الحزب ، وذهاب السر وجميع أعضاء الحزب (السابق) إلى مواقع أخرى في الحياة.

كان من الأولى على أستاذ السر أن يبدي إعتراضاته على سيرهذه الأمور وحناظلها حين غرسها وزراعتها وقت كانت موسيقى الإشادة بها وبتجديدها هي الصاخبة والعالية لا حين أوآن إثمارها وقطافها وحصد مرارها.

ولكن لا ييأسن أحد فإن قرر المؤتمر حل الحزب أو تغيير الإسم فسيكون هناك أيضاً عدد أخر من الزملاء يناضلون من جديد لذخر نضال المستضعفين في الأرض والسودان بوجود الحزب الشيوعي السوداني.



9-المرأة المرأة:
في المقال الأخير الذي نرومه بالإنتقاد من المجموعة الأولى لمقالات السر المنشورة في موفع "الميدان " في شبكة الإتصالات العالمية وكان بعنوان:( الماركسية وتحرير المرأة) إهتم السر بتوضيح جوانب الإضهاد الطبقي والنوعي للمرأة في جملة التاريخ البشري العالمي والتاريخ السوداني وتوضيح النقاط الشيوعية الخاصة بتحرر المرأة من هذين الإضطهادين وأهمها في جهة نظري ما أورده :

للمسألة شقها الثقافي الذي يتعلق بالبنية الفوقية للمجتمع ،فبمجرد تحرير المجتمع كله من الاضطهاد الطبقي ومساواة المرأة مع الرجل في الأجر وبقية الحقوق ، لايعني ذلك أن قضية المرأة قد تم حلها. ذلك أن لقضية المرأة شقها الثقافي والذي يتعلق بالصراع ضد الايديولوجية التي تكرس اضطهاد المرأة ودونيتها ، والتي هي نتاج قرون طويلة من قمع واضطهاد المرأة ، وبالتالي لابد من مواصلة الصراع في الجبهة الثقافية أو البنية الفوقية للمجتمع، ضد الافكار والمعتقدات التي تكرس دونية المراة والتي كرستها مجتمعات الرق والاقطاع وحتي الرأسمالية التي تعيد انتاج عدم المساواة في توزيع الثروة وبين البلدان المتخلفة والرأسمالية، وتعيد انتاج عدم المساواة بين المرأة والرجل وتجعل منها سلعة واداة للمتعة الدعارة واداة للاعلان الدعاية، اضافة للقهر الطبقي والثقافي والاثني والجنسي.


ننظر لها نظرة شاملة وفي ابعادها المتعددة ومن زاوية: تحررها كجنس ومن الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والنفسي والأبوي، وفي مستوي البنية الثقافية للمجتمع التي تكرس اضطهاد المراة والتي هي نتاج قرون من مجتمعات الرق والاقطاع ولاتزول بين يوم وليلة، بل تحتاج الي نضال ثقافي وفكري شاق.








وحف السر مقاله المحاضرة برؤى المفكرين الثوريين ماركس وإنجلز ولينين:
أشار ماركس وانجلز الي أن الاشتراكية توفر الظروف المادية والحقوقية الضرورية للمرأة ، الا أن الاوهام في ان تؤدي الاشتراكية الي هذا التحرر تلقائيا لم يدر بخلد مؤسسي الماركسية ، ولم يتصور ماركس وانجلز: أنه مع انتصار الاشتراكية ستسود المساواة فورا بين المرأة والرجل ، فقد تناول ماركس الاشتراكية بصورة واقعية مشيرا الي أن الحديث يدور حول تشكيلة اشتراكية تخرج من احشاء الرأسمالية، ولذا سوف تحتفظ بسماتها، التي تعيد انتاج عدم المساواة لفترة طويلة، ولاسيما البنية العلوية التي تكرس اضطهاد المرأة.
كما كان لينين يشير الي أن( المساواة في القانون لايعني المساواة في الحياة) ، وكان لينين يدرك تماما أن عدم المساواة بين الجنسين سيبقي في المجتمع الجديد ، واسطع مثال علي ذلك هو العمل المنزلي يقول لينين(حتى في ظل المساواة التامة في الحقوق يبقي علي كل حال ذلك التقييد الفعلي للمرأة لأنه يلقى علي كاهلها أعباء كل الشئون المنزلية وهذه الشئون المنزلية هي في غالبية الحالات أقل الأعمال التي تقوم بها المرأة انتاجية واكثرها وحشية واشدها وطأة وارهاقا ، وهذا العمل في منتهى الحقارة والصغر ولا ينطوى على شئ من شأنه أن يسهم بقدرما في تطوير المرأة)( لينين المؤلفات الكاملة مجلد 40، ص 157).
كما كان لينين يشير الي (أن الطبقة العاملة لاتستطيع احراز حريتها الكاملة اذا لم تحرز الحرية الكاملة للنساء)
وهذا كله حق صحيح لكن هل يمكن تحقيق التقدم في حل قضايا المرأة بالنهج الإسعافي الذي خطه مقال السر ؟
، هل ادت علاقات الإنتاج القديمة إلى تحسن أم إلى تدهور في وضع المرأة والسودان ؟
هل تأنيث الفقر الذي أضحى من سمات الرأسمالية يمكن ان يسمح للسر وخطه الإسعافي مع تخليه عن موجبات وضرورات التأميم في الإقتصاد مقابل بضعة إجراءات إصلاحية سرعان ما يتم إندثارها هل سيفيد قضية تحرر المراة ؟










السمات العامة لهذه المجموعة من مقالات السر هي :
1- السمات الموجبة:
• صحة التعبير وثراء المعلومات
• العقلانية والموضوعية
• التسلسل من النظري إلى العملي أو من العملي إلى النظري
• الإتساق العام (حتى في التقدير الخاطئي) والتنوع

2- السمات السالبة:
• التردد بين خط الإسعاف والإصلاح وخط الثورة الجامع نضالات الكادحين في المدن والمستضعفين في الأرياف.
• الذاتية في تقدير موضوعية ماهو نسبي عرضي وما هو عام (تقديرات الإنقسام)



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنمية الصاح والتنمية الكشا مشى
- ياااا حسن!! (2 )
- يا اا حسن!
- إلى إحيمر الثوري ضد إحيمر السياسي (بتاع لا نسبية أحمد وحاج أ ...
- الناس دي جنت ولا شنو ؟؟؟!!!
- رفع الكلاش
- تقدم إلى العدالة وأترك الحق والإنصاف لشعبنا
- الفدائي حين يُمتَحنُ
- واجبات القائد الشيوعي حين يلاقي إنتقاداً
- إنقلاب الدقائق الأخيرة في موسم الهجرة إلى اليمين
- النتيجة العامة لتحولات العناصر الأربعة الرئيسة في الوضع العا ...
- الفساد في الأرض والسماء: الأوضاع الطبقية لتدميرالبيئة
- !!!!!!!!!
- 42 مسألة إنتقادية لمشروع التقرير السياسي
- جورج حبش
- نجوم
- الحفارين وأهل الطبقات
- الحوار المسلح (2)
- يا حفيد رسول الله (ص) لا تدعو إلى حرية الإستثمار!
- وقائع موت مُعلن للإنسان


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - المنصور جعفر - إنتقاد مقالات السر: حياة الوطن في تقدم الحزب الشيوعي لا في عملية إسعاف جثة الدولة