أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - حرب حكومية على -أفيون الفقراء-!














المزيد.....

حرب حكومية على -أفيون الفقراء-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2272 - 2008 / 5 / 5 - 11:10
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


وكأنَّ الحكومة تريد لشعبها مزيداً من الجوع والفقر بقرارها اللا ذهبي رفع أسعار السجائر من خلال زيادة الضرائب الجمركية وضريبة المبيعات، فالمدمنون على التدخين، ولكونهم مدمنين، يفضِّلون مزيداً من الجوع، ومن العجز عن تلبية حاجاتهم الأولية والأساسية، على الإضراب عن التدخين، أو خفض استهلاكهم اليومي من السجائر. حتى الآباء والأمَّهات لن يشذوا عن هذا الالتزام القوي، ويمكن، بالتالي، أن يحوِّلوا إلى سجائر بعضاً من "مال الحياة"، أي المال الذي يجب أن يُنْفَق للحصول على القوت اليومي لأطفالهم وأبنائهم.

ولا شكَّ في أنَّ الحكومة تعلم ذلك علم اليقين؛ ومع ذلك اتَّخذت هذا القرار، بدعوى أنَّ بعضاً من الغلاء، كغلاء أسعار السجائر، يمكن أن يقيها شرَّ الفقر المالي وهي تحارِب الفقر الشعبي العام، بإنفاقها مزيداً من المال العام على شكل معونة ومساعدة للفئات الأكثر فقراً، أو بتنازلها عن ضرائب ورسوم كانت تجبيها من قبل.

و"القرار"، الذي تفوح منه رائحة العداء الزائف للشعب المدخِّن، إنَّما ينمُّ عن ذكاء سياسي حكومي، فالنقمة الشديد للمكتوين بنار الغلاء العام لن تكون على الحكومة والطواغيت من التجار، وإنما على المدخنين من معيلي أُسَرِهم، فهؤلاء، باستمرارهم في تدخين السجائر الغالية، هم وحدهم المسؤولون عن جوع وفقر عائلاتهم، أي عن جوع وفقر الشعب في آخر المطاف!

و"القرار" هو أجمل لباس يمكن أن ترتديه الحكومة في زمن الغلاء، مع ما يولِّده من غليان شعبي، فهو يلبسها لبوس الحرص على صحَّة مواطنيها، وعلى نظافة ونقاوة الهواء، وعلى صحَّة البيئة على وجه العموم؛ وقد يقع موقعاً حسناً من نفوس كثير من المواطنين الذين يميلون إلى الأخذ بفتاوى دينية تحرِّم التدخين، أو تجعله في حُكم المكروه دينياً.

ذات يوم، أوقفني شرطي المرور ليحرِّر محضراً في مخالفة ارتكبتها هي عدم وضعي حزام الأمان في أثناء قيادتي السيارة، فقلت له، قبل أن أقبل على مضض استلام المخالفة، إنَّ عدم وضعي حزام الأمان لا يضر أحداً سواي، وأنا لست بمقتنع بأنَّ الحكومة تُغرِّمني من فرط حرصها على سلامتي، فهي إنما تظهر هذا الحرص على سلامتي لكونه يعود عليها بالنفع المالي، الذي قلَّما يتحوَّل إلى نفع عام.

وذات يوم، قرأت في إحدى صحفنا اليومية تصريحاً أدلى به تاجر صغير، واقترح فيه على الحكومة إجراءً بسيطاً؛ ولكن مجدياً على ما بدا لي، لمكافحة الغلاء إذا ما كانت جادةً حقاً في مكافحته. لقد "أخبر" الحكومة أولاً أنَّ من أهم الأسباب الداخلية للغلاء هو "تجار الجملة"، فهؤلاء يبيعون البضائع لتجار المُفرَّق بأسعار مرتفعة؛ ثم اقترح عليها أن تجعل المؤسستين المدنية والعسكرية تستوردان ما يستورده، أو معظم ما يستورده، تجار الجملة من بضائع، وأن تقوما، من ثم، ببيعها بأسعار رخيصة إلى تجار المُفرَّق، حتى يمكنهم، عندئذٍ، بيعها للمستهلكين بأسعار يمكنهم احتمالها؛ ولكن كلامه لم يقع على أسماع حكومية تشبه أسماعه وأسماع المواطنين، فمصالح تجار الجملة يمكن أن تلغي حتى البديهيات الهندسية إذا ما عارضتها، كما أنَّ الحكومة لا تقبل أن تُتَّهم بالمروق من ديانة السوق الحرة.

إننا مع حكومة غنية، تغتني بمزيد من الضرائب والرسوم، فيغتني المجتمع بغناها؛ ولكننا ضد أن تغتني، أو تدرأ عنها الفقر المالي، بضرائب ضد الشعب المدخِّن، فَلِمَ لا تتوفَّر على جمع وجباية الضرائب من المتهربين من دفعها وهم كثر، ومن أولئك الذين لا يُقْبِلون على تجارة أو استثمار إلا إذا كان معدل الربح في منتهى الوحشية؟!

ثم لماذا يُسمح للأغنياء بأن يستفيدوا من معونات ومساعدات حكومية مقرَّرة للفقراء وذوي الدخل المحدود في غير مجال وناحية؟!

إنَّ كثيراً من أبناء الذَّوات يتلقون معونات ومساعدات حكومية جامعية مع أنَّهم في غنى عنها، ومع أنَّ تلك المعونات والمساعدات ليست من حقَّهم، وإنَّما من حق الطلاب الفقراء.

لقد حان للحكومة أن تنحاز إلى الشعب المكتوي بنار الغلاء ضد أولئك الذين لا رادع يردعهم عن جني مزيد من الأرباح عبر مزيد من الغلاء؛ وأن تعلم أنَّ قوَّتها من قوَّة الدينار، الذي نقيس قوَّته ووزنه ليس من خلال سعره الدولاري، وإنما من خلال كمية البضائع التي يمكن أن نشتريها به، فوزنه بهذا الميزان الحقيقي في تضاؤل مستمر ومتزايد ومتسارع. ولقد اقترب اليوم الذي ينفق فيه الموظَّف أو العامل جلَّ راتبه أو أجره من أجل الحصول على ما يبقيه على قيد الحياة، وكأنَّ الضروريات قيد التحوُّل إلى كماليات، مع أنَّ الحضارة في معنى من معانيها هي تحوُّل الكماليات إلى ضروريات!

اقترب اليوم الذي نرى فيه سوقين اثنتين: سوق عامة، أي للشعب، لا وجود فيها إلاَّ للخبز والفول والعدس والسكر والشاي.. ، وسوق ضيقة للخاصة، فيها كل شيء، وأجود شيء، وبضائعها رخيصة، ورخيصة جداً، نسبةً إلى القدرة الشرائية لمرتاديها.

الغلاء ليس بعامٍ على ما يزعمون، فثمة مواطنون، هم المواطنون غير العاديين، يرون في الغلاء المتزايد لأسعار البضائع رخصاً متزايداً؛ ذلك لأنَّ قدراتهم الشرائية تنمو مع نمو الغلاء؛ أمَّا المواطنون العاديون فكثير منهم، إنْ لم يكن معظمهم، لا خيار لديهم إلا أن يشعلوا مزيداً من السجائر، لعلَّ نارها تطفئ في نفوسهم ومشاعرهم نار الغلاء، فَلِمَ قرَّرت الحكومة شن الحرب على "أفيون الفقراء"؟!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فوضى الكلام عن السلام!
- أما حان لعمال العالم أن يتَّحِدوا؟!
- تعريف جديد ل -المرأة الزانية-!
- -حماس- تتحدَّث بلسانين!
- من بروكسل جاء الجواب!
- طوفان التصويب وأحزاب سفينة نوح!
- الكامن في شروط إسرائيل -غير التعجيزية-!
- -أحكام عرفية- ضدَّ -الغلاء-!
- مأساة تَحْبَل بانفجار!
- -عالم شايلوك يهوه- أم -عالم شكسبير-؟!
- هل تَعْرِف مَنْ أنتَ؟!
- بن اليعازر يتكلَّم ب -لسان نووي-!
- الغلاء يُولِّد الإضراب!
- -قرارٌ-.. أسأنا فهمه كثيراً!
- الجوع يَحْكُم العالَم!
- أهو حلٌّ قيد الطبخ؟!
- -نجاح- لم يُبْقِ من معنى ل -الفشل-!
- أذِلُّوهم بتجاهلهم!
- قمة بدأت أعمالها بعد إعلان نتائجها!
- القمة العربية الفضلى هي التي لم تُعْقَد بعد!


المزيد.....




- takaful.naf.gov.jo.. رابط الدعم النقدي الموحد تكافل الأردن 2 ...
- كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على خارطة الطاقة العالمية؟
- مقتل رجل أعمال إسرائيلي في الإسكندرية شمال مصر.. ماذا نعرف ح ...
- هل في جعبة تركيا أوراق ضغط اقتصادية ضد إسرائيل لم تستخدمها ب ...
- اقوي سيارة اقتصادية.. مواصفات ومميزات سيارة سوزوكي سياز… سيا ...
- من هنا.. رابط الاستعلام عن الدعم النقدي الموحد في الأردن تكا ...
- رغم زيادة الإنتاج.. انخفاض أرباح بريتيش بتروليوم 40%
- المقاطعة تخفض صافي دخل -أمريكانا للمطاعم- 52%
- 1.2 مليار دولار أرباح أدنوك للغاز في الربع الأول
- 27.3 مليار دولار أرباح أرامكو السعودية في 3 أشهر


المزيد.....

- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - حرب حكومية على -أفيون الفقراء-!