هل النسبية مثالية برجوازية رجعية ام مادية اشتراكية تقدمية؟

حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 2234 - 2008 / 3 / 28 - 11:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في الحلقة السابقة فحصنا ما اذا كان الكاتبان اللذان كتبا عن موقف العلماء السوفييت من النسبية ذكرا ان ستالين قال او كتب او اعتقد ان النسبية نظرية برجوازية مثالية رجعية. وتبين من الموجز المقتبس او الفقرة المقتبسة ان الكاتبين لم يذكرا اسم ستالين شخصيا وانما تحدثا عن فترة حكم ستالين. وتبين ان العلماء السوفييت لم يتحدثوا عما اذا كانت النسبية رجعية ام تقدمية وانما ناقشوا وكونوا اراء مختلفة عن النظرية النسبية كعلم. وهذا امر طبيعي جرى في العالم الراسمالي كما في العالم السوفييتي. وكل ما جاء في هذين الاقتباسين يشير الى سيطرة الدولة على النطاق العلمي واضطهاد الاتحاد السوفييتي الستاليني للعلم او ما سمي الحرب الستالينية على العلم.
الان نأتي الى صلب الموضوع. هل يستطيع انسان سواء كان ستالين او الرئيس بوش ان يعتقد او يقول ان النسبية برجوازية؟ او ان النسبية تقدمية؟ او انها مثالية؟ اذا استطاع انسان ان يقول ان النسبية برجوازية فيستطيع الانسان الذي يخالفه في الراي ان يجيب كلا انها بروليتارية او بتي برجوازية. واذا استطاع انسان ان يقول ان النسبية رجعية فيجيب عليه كلا انها تقدمية او ثورية.
وما قولكم قرائي الاعزاء لو ان انسانا قال ان دوران الارض حول نفسها رجعي اما دورانها حول الشمس فهو تقدمي؟ او قال ان قانون ارخيميدس برجوازي اما قانون الجاذبية فهو بروليتاري؟ لا شك ان المجتمع لابد ان يدخل مثل هؤلاء الاشخاص الى مستشفيات الامراض العقلية.
سبب ذلك ان الظواهر الطبيعية او القوانين الطبيعية هي ظواهر قائمة في الطبيعة تعمل بالاستقلال عن ارادة الانسان. وكل العلاقة بين الانسان والظاهرة الطبيعية هي انه اكتشفها. فليست النسبية هي اينشتاين. وكل علاقة اينشتاين بالنسبية هي انه اكتشفها. فالنسبية كانت ظاهرة طبيعية قبل اينشتاين وبقيت ظاهرة طبيعية بعد اينشتاين. ويصدق نفس الشيء على علاقة الجاذبية بنيوتن وعلاقة كروية الارض بغاليليو.
اما المصطلحات الاخرى، مثل البرجوازية والبروليتارية والبتي برجوازية، المثالية او المادية، الرجعية او التقدمية فهي صفات انسانية بحتة لايمكن اطلاقها على الظواهر الطبيعية. ولا تغير صفات الانسان مهما كانت من طبيعة الظاهرة التي يكتشفها. فقد يتصف الانسان بصفات مختلفة شخصيا في سلوكه وفي افكاره وفي علاقاته الاجتماعية ولكنه اذ يكتشف ظاهرة طبيعية فلا علاقة لها بصفاته الشخصية.
اذا اردنا ان نورد مثالا ساطعا عن ذلك علينا ان نتذكر داروين. ان التطور الذي طرأ في الطبيعة قبل ملايين السنين حين تحولت المواد غير العضوية في ظروف معينة الى مواد عضوية وكونت الحجيرة الحية لا علاقة له بداروين ولكن داروين هو الذي اكتشف هذه الظاهرة وتطورها الى الاحياء في النطاق الحيواني وبلوغها في التطور الى الانسان. ولكن صفات داروين الشخصية لا علاقة لها باكتشافاته العلمية الرائعة. فمن المعروف ان داروين كان رجل دين ولذلك فهو مثالي في تفكيره. ولكن اكتشافاته كانت علمية خالصة. ولا يقلل من اهمية نظرية داروين القول بانه كان مثاليا في افكاره الاجتماعية.
وعلاقة اينشتاين بالنسبية شبيهة بعلاقة داروين بتطور الحياة. ان النسبية كظاهرة طبيعية كانت قبل اينشتاين وبقيت بعد اينشتاين وكان اينشتاين هو الذي اكتشفها. ولكن اينشتاين كشخص، كانسان، له صفاته الخاصة. انا لا اعرف شيئا عن موقف اينشتاين من الدين. فان كان متدينا او نصف متدين فتنطبق عليه صفة المثالية. وان كان لا يعترف بالدين فتنطبق عليه صفة الالحاد والمادية. وانا اقرأ الان مقالا عثرت عليه في احدى المواقع الالكترونية بعنوان "لماذا اشتراكية" بقلم اينشتاين يشرح فيه ضرورة الاشتراكية بصورة فلسفية وبصورة سياسية اقتصادية. هنا يمكن ان نطلق على اينشتاين صفة المثالية او المادية او صورة التقدمية او الرجعية. ويمكن على هذا الاساس اطلاق صفة عليه حسب راي القارئ حول المقال. ولكن هذه الصفة لا علاقة لها بالنسبية التي اكتشفها. كذلك من المعروف انه عرض على اينشتاين ان يكون رئيسا للدولة الاسرائيلية فرفض ذلك. وهنا ايضا يمكن ان نطلق على اينشتاين بعض هذه الصفات الانسانية البحتة حول صهيونيته او معاداته للصهيونية مثلا. كذلك كان اينشتاين الذي كان له دور نظري على الاقل في انتاج القنبلة الذرية في مقدمة العلماء الذين احتجوا واستنكروا القاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي. وهنا يمكن ايضا ان نطلق بعض الصفات على اينشتاين. وحين رفض العلماء الذين قاموا بانتاج القنبلة الذرية مواصلة العمل في انتاج القنبلة الهيدروجينية لم تقم الدولة الاميركية التي لا تحارب العلم بارسال رئيسهم الى السجون السياسية كما فعلت الدولة الستالينية بل ارسلته الى مستشفى المجانين.
لذا يبدو ان القول بان ستالين اعتبر النسبية برجوازية مثالية رجعية قول سخيف لا اساس له ولا يقول ذلك حتى انسان بسيط مالك لقواه العقلية وقارئي يعرف جيدا ان ستالين لم يكن ضمن هؤلاء البسطاء اذ كان واحدا من ثلاثة سجناء ترجموا كتابين كبيرين لستالين هما القضية القومية وقضايا اللينينية ارسلتهما المنظمة هدية للحزب بمناسبة ذكرى ثورة اكتوبر.
في ختام هذه الحلقة اود ان اشير الى فقرة اخرى تضمنتها رسالة قارئي العزيز وهذا نصها:
3. كارل ماركس و"الرأسمال" :
أنا لا أفهم في الأقتصاد. معنوماتي في الأقتصاد السياسي لا تتعدى الفصل الأول من ال-CAPITAL. ومع هذا أنا واثق أن أي وزير أقتصاد في أية دولة من دول العالم, رأسمالية كانت أم أشتراكية أم أقطاعية, أذا كان يدير اقتصاد بلاده في القرن الحادي والعشرين وفقاً لكتاب صدر في القرن التاسع عشر فأنه سيجلب على شعبه الأفلاس والخراب.
هنا ايضا اخطأ قارئي العزيز. انا احترمه لانه اعترف بشحة معلوماته في الاقتصاد السياسي وقلة اطلاعه على كتاب الراسمال. ولكن اعتقاده بان هناك وزير مالية يدير اقتصاد بلاده وفقا لكتاب الراسمال لا اساس له من الصحة. فلم يقترح او يحدد كارل ماركس في كتابه طريقة لادارة الحكم سواء في النظام الراسمالي او النظام الاشتراكي او النظام الاقطاعي وسواء في ايامه ام في المستقبل. ان ما قام به كارل ماركس هو شبيه بما قام به اينشتاين ونيوتن وغاليليو وداروين، قام باكتشاف قوانين طبيعية مثل القوانين التي اكتشفها هؤلاء العلماء ولكنها قوانين فاعلة في المجتمع الانساني، قوانين شبيهة بالقوانين الطبيعية السارية في الطبيعة، قوانين تعمل بالاستقلال عن ارادة الانسان ولا يستطيع الانسان تغييرها او الغاءها او ستبدالها بقوانين من وضعه تماما كما لا يستطيع العلماء تغيير او الغاء القوانين الطبيعية التي تعمل خارج المجتمع في الطبيعة. وما الفرق بين اكتشافات كارل ماركس واكتشافات هؤلاء العلماء سوى ان اكتشافات كارل ماركس سارية في المجتمع بينما اكتشافات هؤلاء العلماء هي اكتشافات سارية في الطبيعة خارج المجتمع الانساني. وهذا الفرق هو السبب في وجود فئات من المجتمع من مصلحتها الاعتراف بالقوانين التي اكتشفها كارل ماركس وفئات تقف ضدها وتنكرها وتحاول نقضها والغاءها.
ان قانون فائض القيمة على سبيل المثال لا الحصر كان فاعلا منذ نشوء اول برجوازي في التاريخ لانه الوسيلة الوحيدة لحصول الراسمالي على الربح. وبقي قانون فائض القيمة فاعلا بعد كارل ماركس وما زال فاعلا وسيبقى فاعلا ما دام هناك وجود للنظام الراسمالي. يمكن ان تطلق على كارل ماركس جميع الصفات الانسانية، كأن يعتبر مثاليا او ماديا، رجعيا او تقدميا، برجوازيا ام بروليتاريا. فطبيعة افكار كارل ماركس الاجتماعية موضوع خلاف بين الناس الذين يتحدثون او يكتبون عنه ولكن هذه الصفات لا علاقة لها بقانون فائض القيمة. ولا يمكن لاي انسان ان يقول عن قانون فائض القيمة انه قانون رجعي او تقدمي او قانون مثالي او مادي، او قانون برجوازي او بروليتاري بالضبط كما لم يكن ذلك ممكنا عن قانون النسبية او دوران الارض حول الشمس او قانون الاحتكاك.
ان دور كارل ماركس في التاريخ هو انه اكتشف قوانين طبيعية فاعلة في المجتمع البشري، قوانين طبيعية لا يستطيع الانسان ان يغيرها او يزيلها او يستبدلها بقوانين اخرى بديلة تماما كقانون الجاذبية وكروية الارض والنسبية. وهذه القوانين ما زالت فاعلة في المجتمع وستبقى فاعلة في المجتمع مادام هناك وجود للمجتمع الراسمالي. ولذلك فان اهمية الكتاب الذي كتب قبل قرن ونصف ما زالت حية اليوم كما لو انه كتب بالامس فقط. فجميع القوانين الطبيعية في المجتمع الانساني التي اكتشفها كارل ماركس ما زالت فاعلة كما كانت في عهد كارل ماركس ولكن تفاقم مفعولها قد تغير بتغير الراسمالية وتوسع سلطاتها ومقدراتها الصناعية والعلمية. فاذا كان جيش العمال الاحتياطي في عهد كارل ماركس مقتصرا على الخدم والمتسولين والعاهرات وغيرهم مثلا اصبح اليوم يتالف من عشرات الملايين من العاطلين في البلدان الامبريالية ومئات الملايين من الذين يموتون جوعا في كافة قارات العالم.
ان قارئي العزيز اخطأ هنا ايضا في فهمه لطبيعة كتاب كارل ماركس الذي كتب في القرن التاسع عشر واخطأ في الاستنتاج الذي توصل اليه من عدم امكانية اي وزير مالية ادارة وزارته وفقا لكتاب كتب قبل قرن ونصف استنادا الى ذلك.

#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات