أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسقيل قوجمان - هل نفقات الحرب عبء على الدولة الغازية ام هدف من اهداف حربها؟















المزيد.....



هل نفقات الحرب عبء على الدولة الغازية ام هدف من اهداف حربها؟


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 2146 - 2007 / 12 / 31 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعيش العالم حربا عالمية منذ انهيار البرجين التوأمين والبرج الثالث والهجوم على البنتاغون في ۱۱/ ٩/ ۲۰۰۱ وما زالت سجالا وانتشارا وما زالت تزداد فظاعة يوما بعد يوم. ولكن الكثير من الشعوب لم تدرك بعد انها تعيش حربا عالمية لا تقل في فظاعتها عن الحربين السابقتين بل تزيد لانها حرب من نوع اخر تختلف في طبيعتها عن الحربين السابقتين بكونها حرب ضد عدو وهمي لا سلاح له لا جيش له لا وطن له لا هوية له ولا تعريف لمعناه هو الارهاب. فالحرب حرب عالمية ضد ارهاب لم تكلف الدول المحاربة والدول الموالية لها نفسها في تعريفه وتحديد معناه. فكل من ليس معنا هو ضدنا وهو اما ارهابي او موال للارهاب. وهذه الحرب الحالية اكثر فظاعة من الحربين السابقتين لانها تشن حرب ابادة على الشعوب وتبيد مدنا امنة وتستخدم اشد انواع السلاح فتكا وتفتك بالاجيال الحالية وبالاجيال القادمة لالاف السنين.
تختلف الاراء فيما يتعلق بالاسباب التي ادت الى اعلان الحرب وفيما يتعلق باهداف الحرب. فالحكومة الاميركية تؤيدها حليفاتها الفعالة وغير الفعالة تعتبر القاعدة وبن لادن مسؤولين عن الهجوم على التوأمين مما استوجب اعلان الحرب العالمية على الارهاب او اعلانها حربا صليبية او حربا لنشر الديمقراطية الاميركية على العالم بقوة السلاح او حربا على الفاشية الاسلامية او حربا استباقية لمنع الهجوم على الولايات المتحدة او غير ذلك من التسميات.
وهناك فئات اميركية وعالمية تعتبر ان الهجوم على التوأمين وانهيارهما وانهيار ناطحة السحاب الثالثة بدون الهجوم عليها والهجوم على البنتاغون ليس في الحقيقة سوى تدبير ذاتي من قبل الحكومة الاميركية لاتخاذه حجة وتبريرا لاعلان الحرب. وتاريخ الامبريالية حافل بتدبير مثل هذه الهجومات المفتعلة ضدها لتبرير شن الحروب على من تريد شن الحروب عليهم.
وتختلف الاراء فيما يتعلق بالحرب ذاتها. فهناك من يشكر ويمتن للولايات المتحدة على تضحياتها بالنفس والنفيس في سبيل تحرير الشعوب من حكوماتها الارهابية الدكتاتورية كتحرير الشعب الافغاني وتحرير الشعب العراقي وتحقيق الديمقراطية فيهما ويعتبرون ان الولايات المتحدة ضحت بالالاف من ابنائها وبمئات المليارات من دولاراتها في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل، هدف تحرير الشعوب من الارهاب وخلق عالم جديد خال من الارهاب يعمه السلام والامان. فقد اعلن مجرم الحرب بوش فور احتلال العراق ان العالم اصبح اكثر امانا بعد الحرب. وقد كان من علامات هذا العالم الاكثر امانا ان قتلى الاميركان في العراق لم يبلغ سوى مليون عراقي خلال اربع سنوات من سني الامان التي حققها. وهناك من يعتبر الحرب على افغانستان والعراق احتلالا واستعمارا مباشرا جديدا يزيد في فظاعته عن الاستعمار القديم ويعتبرون ان الاحتلال قد ادى الى تدمير البلدان المحتلة وشعوبها ودولها وهويتها وشن حرب ابادة على شعوبها وتقسيم البلدان الى دويلات كما حدث في يوغوسلافيا ويحدث اليوم في العراق ويؤملون حدوثه في بلدان الشرق الاوسط كله تحت شعار الشرق الاوسط الجديد او الشرق الاوسط الكبير.
كثر الحديث في هذه المواضيع وكثر الحديث عن تورط الولايات المتحدة والمأزق الذي هي فيه والمستنقع الذي وجدت فيه نفسها في افغانستان والعراق وفي عجزها عن الخروج منه مع الابقاء على هيبتها والمحافظة على ماء وجهها امام شعبها وامام العالم. ليس هذا موضوع المقال. ان موضوع المقال هو بحث طبيعة نفقات الحرب التي اصبح احصاؤها بالتريليونات وليس بالبليونات او المليارات كما هو الحال في الحروب السابقة. ففي العراق وحده مثلا يتوقع المحللون ان تبلغ نفقات الولايات المتحدة في حربها اكثر من تريليون دولار في هذه السنوات الخمس من الاحتلال. وتختلف الاراء حول هذه النفقات فيعتبرها مؤيدو الولايات المتحدة وعملاؤها تضحية كبرى في سبيل انقاذ العالم من الارهاب ومن اجل تحرير الشعوب ويعتبرها الاخرون ثمنا لاستعباد هذه الشعوب ولنهب ثرواتها.
فما هي الطبيعة الحقيقية لهذه النفقات الخيالية على حرب الولايات المتحدة العالمية القائمة؟ ومن هو الخاسر الحقيقي لهذه التريليونات من الدولارات؟ اعتقد ان الاجابة على مثل هذه الاسئلة يجب دراستها كما تدرس كل ظاهرة اخرى في المجتمعات الطبقية وخصوصا اعلاها المجتمع الامبريالي الذي بلغ اقصى درجات تفسخه بتحليلها تحليلا طبقيا. فليس في المجتمع الطبقي ظاهرة يمكن بحثها والتوصل الى حلول حقيقية بشأنها بدون تحليلها تحليلا طبقيا. ونفقات الحرب العالمية الحالية وغيرها من الحروب الامبريالية ظاهرة من هذه الظواهر التي لا يمكن التوصل الى طبيعتها الحقيقية بدون دراستها دراسة طبقية.
منذ نشوء النظام الاقتصادي الراسمالي وحتى اليوم كانت الدولة دولة الطبقات الراسمالية في جميع مراحل تطور الاقتصاد الراسمالي. ففي فترة سيادة الراسمال التجاري كانت الدولة دولة الراسمال التجاري وفي فترة سيادة الراسمال الصناعي كانت الدولة دولة الراسمال الصناعي وفي فترة سيادة الراسمال المالي اصبحت الدولة دولة الراسمال المالي. وفترة سيادة الراسمال المالي هي ما يسمى بالمرحلة الامبريالية. هذا لا يعني ان الدولة في مرحلة الراسمال المالي اي المرحلة الامبريالية تعمل ضد الراسمال الصناعي او الراسمال التجاري ولكن ذلك يعني ان الدولة تساند الراسمالية المالية اكثر من مساندتها النوعين الاخرين وهي لا تبدي معارضة حين ترى ان الراسمال المالي يبتلع ويلتهم الشركات التجارية والصناعية الصغرى خصوصا اثناء الازمات الاقتصادية المتتالية في عصر الامبريالية.
وسيطرة الراسمال المالي اتصفت بتصدير الاموال بدل البضائع اي استخدام رؤوس الاموال في استغلال الايدي العاملة الرخيصة في المستعمرات والمواد الخام المنهوبة فيها في انتاج البضائع وتوزيعها في العالم. وفي هذه الفترة تم اقتسام العالم كله بين عدد من الدول الامبريالية وهو ما ادى الى الحربين العالميتين السابقتين من اجل اعادة اقتسام العالم. ولا تختلف الحرب العالمية الثالثة او الرابعة اذا اعتبرنا الحرب الباردة حربا عالمية ثالثة عن سابقاتها من الحروب التي تهدف الى اعادة اقتسام العالم. فمن المفروض ان العالم تمتلكه اليوم سبع دول امبريالية كبرى او ثماني دول اذا اضيفت اليها روسيا الامبريالية الحالية.
والصراع العالمي حول اعادة اقتسام العالم اليوم يتصف بكون الامبريالية الاميركية تعمل على امتلاك العالم كله بسلب ممتلكات الدول الامبريالية الاخرى شريكاتها في امتلاك العالم. فالعالم يرى اغتصاب الولايات المتحدة لمناطق نفوذ شريكاتها الدول الامبريالية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اليوم. اضف الى ذلك تعمل الولايات المتحدة على اغتصاب ما تبقى للمستعمرات والبلدان التابعة من ملكيات لم تغتصبها الدول الامبريالية فيما قبل وهو ما يسمى اليوم العولمة واحد صفاتها الاساسية ظاهرة الخصخصة. فالخصخصة تعني نهب المشاريع التي مازالت لحد الان ملكا للدول المستعمرة والدول التابعة وحتى الدول الامبريالية الكبرى. وليس خافيا على احد اليوم خصخصة المشاريع الامبريالية الكبرى في البلدان الامبريالية ببيع مشاريع الدولة الامبريالية باسعار بخسة تقرب من المجان بحجة الخصخصة او مكافحة الاشتراكية لكي تستولي عليها الشركات الاميركية الكبرى بالدرجة الرئيسية.
اضافة الى الطبقات الراسمالية المتقلصة عدديا والمتوسعة ماليا توجد في البلدان الراسمالية وفي جميع بلدان العالم شعوب كادحة من الطبقة العاملة والفلاحين والمراتب المتوسطة التي لا تستطيع الطبقات الراسمالية مواصلة الحياة وزيادة الارباح بدونها. ومهمة الحكومات الامبريالية هي ضمان بقاء الطبقات الراسمالية واستمرار استغلالها لشعوبها وشعوب العالم ونهب ثرواتها لزيادة ارباحها باستخدام افظع وسائل العنف والاضطهاد وابادة كل حركة تنذر بخطر على بقاء هذه الطبقات الامبريالية المستغلة.
ومصيبة الراسمالية هي ان تطورها ذاته يقلل من معدل ارباحها. وهذا هو ظاهرة انخفاض معدل الربح الذي يجري بصورة طبيعية لدى تطور الراسمالية بدون ان تستطيع الراسمالية عمل اي شيء لانه قانون طبيعي من قوانين النظام الراسمالي يتحقق بصرف النظر عن ارادة الراسماليين. فان تطور الانتاج الراسمالي يعني زيادة الراسمال الثابت المستخدم في الانتاج اي الراسمال المتستخدم في بناء المصانع الكبرى وتجهيزها بالمكائن الحديثة وخفض الراسمال المتغير المستخدم في شراء قوة عمل العمال نسبيا. فالمصانع الكبرى المتطورة اليوم تتطلب راسمالا خياليا ولكنها لا تحتاج الا الى عدد متقلص جدا نسبيا من العمال وحتى باستعمال الروبوتات للانتاج بدلا من البشر. وبما ان مصدر ارباح الراسماليين الحقيقي يتحقق عن طريق الربح الذي يتأتى من استغلال قوة عمل العمال فقط فان الارباح الناجمة لابد ان تنخفض نسبيا كلما ازداد الراسمال الثابت بالقياس الى الراسمال المتغير الذي يستخدم لشراء قوة عمل العمال. هذا القانون عمل وما زال يعمل رغم ارادة الراسماليين وليس في استطاعة الراسماليين التغلب على مفعول هذا القانون باية صورة. فان مجموع الارباح التي تجنيها الراسمالية من استخدام العمال، او فائض القيمة كما سماه كارل ماركس، على نطاق العالم كله هو مجموع ارباح الراسمالية كلها ولا تحصل الراسمالية على اي ربح حقيقي يزيد على ذلك. وما يحصل في الواقع هو عملية تقاسم هذه الارباح بين الطبقات الراسمالية في العالم كله. وهذا ما ادى الى مئات الحروب بين الدول الراسمالية وبين الدول الراسمالية من جهة وشعوب المستعمرات والبلدان التابعة من جهة اخرى. وهذا يشمل الحربين العالميتين السابقتين والحرب العالمية الجارية اليوم.
قد يتصور البعض ان انخفاض معدل الربح يعني انخفاض كمية ارباح الراسماليين العالمية وهذا غير صحيح. فان انخفاض معدل الربح يعني ان نسبة الارباح الناجمة عن فائض القيمة الاجمالي في العالم تنخفض بصورة مستمرة نظرا الى ان المنافسة والرغبة في زيادة الارباح تضطر الراسماليين الى استخدام درجات اعلى من التكنولوجيا وهذا يتطلب استخدام كميات اكبر من الراسمال الثابت والى تخفيض عدد العمال بالنسبة لنفس الكمية من الراسمال الثابت. وهذا قانون طبيعي ليس للراسماليين اية قدرة على تحاشيه او الغائه. فاذا احذنا امثلة تاريخية في تطور الانتاج الراسمالي نجد ان الراسمال الثابت في مرحلة ما يسمى بعصر المانيفكتورا لم يكن يزيد كثيرا على المواد الخام التي يقدمها الراسمال التجاري الى العامل الذي يعمل في بيته بالادوات الاولية التي كان يستخدمها قبل ان يصبح عاملا للراسمالي. اما في عهد الراسمالية الصناعية فكان الراسمالي مضطرا الى بناء المصانع وتجهيزها باحدث المكائن الممكنة في كل فترة. اما في العهد الامبريالي فقد تضاعف الراسمال الثابت اضعافا مضاعفة لقاء تقليص عدد العمال في المصنع. ووجود الملايين من العاطلين وجودا دائما في البلدان الراسمالية تعبير عن ذلك.
ولكن مجموع ارباح الراسماليين العالميين يزداد باطراد لان زيادة الارباح امر اختياري ارادي وليس امرا طبيعيا مثل قانون انخفاض معدل الربح. وللراسماليين وسائل عديدة لزيادة ارباحهم الحقيقية الناجمة عن استغلال الطبقة العاملة. فالراسمال المالي الذي يعني تصدير رؤوس الاموال لتوظيفها في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث من شأنه ان يتيح للراسماليين عدة فرص لزيادة ارباحها. مثل استخدام الايدي العاملة الرخيصة في هذه البلدان بدلا من الايدي العاملة الاغلى في البلدان الراسمالية. ومنها امكانية اطالة يوم العمل في بلدان العالم الثالث. ففي بعض البلدان يستخدم العامل خمس عشرة ساعة في اليوم بدلا من ثمان ساعات او اربعين ساعة في الاسبوع في البلدان الراسمالية. وبامكان الراسماليين ان يستخدموا المواد الخام المنهوبة في موقعها بدلا من نقلها الى البلدان الراسمالية واستخدامها هناك. وبامكان الراسمالية ان توسع نطاق استخدام العمال بادخال مئات الملايين من العمال الجدد في شتى بلدان العالم وفي انتاج بضائع من نوع جديد كما نراه كالهاتف المحمول وسائر المنتجات الالكترونية التي لم يكن لها وجود سابقا. فمجموع ارباح الراسماليين الحقيقية الناجمة عن فائض القيمة يزداد باطراد وهذا لا يتناقض مع مفعول قانون انخفاض معدل الربح.
ومع ذلك لا تكفي زيادة ارباح الراسمال العالمية لاشباع جشع الراسماليين لزيادة ارباحهم فيفتعلون وسائل اخرى لزيادة الارباح زيادة رقمية ولكنها وهمية. فالبورصة على انواعها البضاعية والنقدية والسهمية ليست سوى مؤسسات مقامرة يحصل فيها اساطين الراسمال على ارباح عن طريق تحطيم الراسماليين الصغار. فكما ان ما يربحه الانسان المقامر على مائدة الروليت ليس سوى انتقال النقود من جيب اللاعب الخاسر الى جيب اللاعب الرابح فان الارباح الناجمة عن طريق البورصات ليست سوى انتقال الاموال من جيب الراسمالي الخاسر الى جيب الراسمالي الرابح. ولكن هذه الارباح تسجل كأرباح في دفاتر حسابات الشركات الرابحة وتسجل في دفاتر حسابات الشركات الخاسرة كخسائر. انها ارباح وهمية تتضخم ارباح الراسماليين التسجيلية بها ولكنها ليست ارباحا حقيقية لانها لا تزيد مجموع الارباح الحقيقية الناجمة عن فائض القيمة للراسمالية العالمية دولارا واحدا.
ووسيلة اخرى من وسائل زيادة الارباح زيادة وهمية هي طباعة العملات الورقية بكميات غير محدودة. فالدولة تلقي اوراقا نقدية لا تكلفها اكثر من اثمان طباعتها في الاسواق للحصول على الخدمات والبضائع. وزيادة النقود في المجتمع عن الكمية المطلوبة الضرورية لتسيير التبادل تؤدي بالضرورة الى انخفاض قيمة الاوراق النقدية الشرائية وهذا ما يسمى عادة التضخم النقدي. فاسعار المواد بالنقود ترتفع نتيجة للتضخم النقدي والاموال الناجمة عن بيع نفس الكمية من المنتجات تزداد زيادة خيالية. وهذه الزيادة تظهر في دفاتر حسابات الشركات الراسمالية كأرباح تحصى بملايين او مليارات الدولارات او الجنيهات ولكنها في الحقيقة لا تزيد في قيمها الشرائية عن الارباح التي كانت تتوفر لو بقيت البلاد بدون التضخم النقدي وبقي التعبير عن الارباح فيها بالقيمة الشرائية القديمة للنقود. فعلى سبيل المثال اشتريت بيتا قبل ثلاثين عاما بسعر اربعين الف جنيه وفيتها خلال عشرين عاما. وقد استهلكت البيت ثلاثين عاما وكان من الواجب ان ينخفض سعره بمقدار استهلاكي له ولكن سعره لو اردت بيعه اليوم قد يبلغ عشرة امثال السعر الذي دفعته في شرائه. فما هي حقيقة ارتفاع سعر البيت الضخم هذا؟ انها كون قيمة النقود الشرائية التي دفعتها قبل ثلاثين عاما هي اكثر من عشرة اضعافها في الحال الحاضر.
كل هذه التدابير لا تنقذ الراسمالية من ازماتها الاقتصادية والعامة المتكررة او حتى الدائمة في العقود الاخيرة. فالراسمالية تعاني بين حين واخر ازمة تراكم البضائع والاموال في جهة من المجتمع وتراكم العوز والجوع والحاجة في الجهة الثانية من المجتمع. فالطبقات الكادحة التي تزداد حاجتها الى البضائع لمواصلة الحياة لا تجد النقود الكافية لشرائها والراسمالية تعاني من تراكم البضائع ولا تجد من يشتريها. ومعروف تاريخيا كيف تقوم الراسمالية بالتخلص من هذه البضائع بحرقها والقائها في البحر وتدميرها وببيعها باسعار قد لا تزيد عن تكاليف انتاجها كما يجري في التنزيلات المتكررة في البلدان الراسمالية.
ولكن الراسمالية وجدت سلعة تختلف عن السلع المنتجة والمبيعة في الاسواق التجارية هي سلعة السلاح. فالسلاح سلعة تختلف كثيرا عن سائر السلع ويمكن ان تنقذ الراسمالية من ازمتها احيانا او تخفف من ازماتها على الاقل أحيانا اخرى. فلسلعة السلاح صفات خاصة لا تتوفر في السلع المدنية. بخلاف السلع المدنية يجري بيع السلاح عادة وبالدرجة الرئيسية للحكومات. والحكومات لها القدرة على ايجاد الاموال اللازمة لشراء الاسلحة ولذلك تختلف سلعة السلاح عن السلع المدنية التي يجب على الراسمالية ان توصلها الى الملايين من الناس وان تقنعهم بشرائها. فبما ان سلعة السلاح تباع الى قلة من المشترين والمستهلكين هي الحكومات فانها تضمن تصريفها وايجاد المشترين لها وتوفر الكثير من النفقات اللازمة لنقل وتوزيع وبيع وترويج السلع المدنية.
وسلعة السلاح تختلف عن السلع المدنية في طريقة بيعها. فالراسماليون لا يستطيعون معرفة امكانية بيع وتصريف بضائعهم المدنية قبل ان ينزلوها الى السوق لمحاولة بيعها. فالطلب على السلع المدنية يتحدد عند عرضها في الاسواق ولا يستطيع الراسمالي المنتج للسلع المدنية معرفة مقدار الطلب الحقيقي عليها الا بعد عرضها. فاذا كان الطلب عليها جيدا استطاعوا بيعها بسهولة وسرعوا انتاجها واذا كان الطلب عليها ضعيفا او منعدما تراكمت في مخازن الراسماليين بدون استطاعتهم بيعها وكفوا عن انتاجها الى حين تغير الطلب عليها. اما سلعة السلاح فهي عادة تباع قبل انتاجها. فيجري الطلب عليها من قبل الحكومات والمفاوضات على شرائها والاتفاق على سعرها قبل انتاجها. ولذلك فهي لا تتراكم لديهم كما تتراكم السلع المدنية ومنتجو الاسلحة يعرفون سلفا مقدار الطلب عليها لانهم ينتجون ما سبق لهم الاتفاق على بيعه.
وسلعة السلاح تختلف عن السلع المدنية في عملية تخزينها. فنعلم ان السلع المدنية تبقى في حوزة منتجيها وبائعيها حتى تجد مشترين لها. ولذلك تبقى في مخازن الراسماليين حتى يتحقق بيعها الى المستهلكين. ولكن سلعة السلاح تختلف عن السلع المدنية في هذا المجال. فان السلع حين تباع الى الحكومات تختزن في مخازن الحكومات المشترية لها وليس في مخازن الراسماليين المنتجين والبائعين لها. ولذلك فان الراسماليين لا يعانون من مشكلة تراكم السلع في مخازنهم بحثا عن المشترين ولا يحتاجون الى الكثير من النفقات للدعاية لاقناع المشترين بشرائها.
وسلعة السلاح في ايامنا سريعة التغير والتطور بحيث ان الحكومات المشترية للسلاح قد تجد ان السلاح الذي سبق لها ان اشترته وطلبته من الشركات المنتجة للسلاح او حكوماتها اصبحت قديمة قبل استلامها وان عليها لكي تضمن تقدمها وحوزتها على احدث الاسلحة ان تطلب وتشتري الاسلحة الجديدة المتطورة لان الاسلحة القديمة تجعلها متخلفة عن جاراتها مما يضعفها امام الحكومات الحائزة على الاسلحة الجديدة.
وتختلف سلعة السلاح عن السلع المدنية في اسعار بيعها. فبينما تؤدي المنافسة بين مختلف الشركات المنتجة للسلع المدنية الى خفض اسعارها فان اسعار سلعة السلاح التي يجري بيعها بواسطة حكومات الشركات المنتجة الى الحكومات المشترية تحدد بصورة تجعل بامكان الشركات المنتجة ان تفرض اسعارا احتكارية عالية على اسلحتها.
واستهلاك الاسلحة هو الاخر يختلف عن استهلاك السلع المدنية. فبينما يشتري الانسان سلعا مدنية من اجل استهلاكها في حياته اليومية وفي بيته وحياته الاجتماعية فان استهلاك الاسلحة الحقيقي هو الحرب. فليس للاسلحة استخدام حقيقي سوى الحرب. وحيثما تتراكم الاسلحة يكثر حافز الحرب لاستهلاكها. واذا تتبعنا تاريخ المجتمع البشري نجد ان الحروب استغرقت من تاريخه اكثر مما استغرقته الحياة السلمية.
ولكن الاسلحة لا تنتج من اجل الحرب وحدها وانما تنتج لغرض خزنها وعدم استخدامها ايضا. فالقنبلة الذرية مثلا لم تستخدم الى اليوم الا مرة واحدة في هيروشيما وناكازاكي. ولكن الحكومات المالكة للقنابل الذرية تحوز اليوم من القنابل ما يكفي لابادة الحياة على الكرة الارضية مئات المرات. ويصدق نفس الشيء على القنابل الهيدروجينية والالتكرونية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل وتشمل الصواريخ العابرة للقارات القادرة على حمل القنابل الذرية وتشمل جدار الصواريخ المضادة للصواريخ الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على العالم حتى قبل التأكد من نجاعته. ولكن الحكومات الذرية ما زالت تنتج وتختزن المزيد من هذه القنابل والاسلحة المدمرة للبشرية. فانتاج هذه الاسلحة واختزانها لدى الحكومات الذرية لا يقصد به الدفاع عن هذه الحكومات ولا ردع الحكومات المعادية عن الهجوم وانما تنتج هذه الاسلحة وتشتريها الحكومات الذرية لغرض الانتاج ذاته وليس لغرض اخر. وغرض الانتاج يعني زيادة ارباح الشركات الامبريالية المنتجة له. فلا تستطيع هذه الحكومات ابادة الحياة على الكرة الارضية اكثر من مرة واحدة تقضي على حياة هذه الحكومات وعلى قنابلها الذرية والهيدروجينية والالكترونية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل وعلى شركاتها الامبريالية مرة واحدة فقط. فمواصلة انتاج مثل هذه الاسلحة بكميات كبيرة اخرى لا يقصد بها استخدامها في الحرب الهجومية او الحروب الرادعة او الدفاعية وانما يجري انتاجها لاجل الانتاج ذاته.
ومن صفات سلعة السلاح انها تفيد في غزو الفضاء الخارجي ايضا. فان عملية اكتشاف الفضاء قد تكون لها اهمية علمية تفيد البشرية وتساعد على تحقيق عالم افضل وتؤدي الى تمكين البشرية من التخلص من اخطار الحوادث الطبيعية التي تؤدي في كثير من الاحيان الى خسائر بشرية ومادية كبيرة. ولكن غزو الفضاء لم يقتصر على الجوانب العلمية وعلى دراسة الكون دراسة اكثر نجاحا وانما ادى الى حرب النجوم كما يسمونها. فتسليح الفضاء الخارجي ظاهرة جديدة يستخدمها الراسماليون لا لغرض الحرب فعلا لان الحرب في هذه الحال تؤدي الى فناء الحياة على الكرة الارضية وفناء منتجي هذه الاسلحة معها وانما تنتج من اجل انتاجها المحض من اجل مضاعفة ارباح الشركات المنتجة لها. وحتى الجانب العلمي من غزو الفضاء هو كالاسلحة تنتج الشركات الامبريالية مواده العالية الثمن لمضاعفة ارباحها. فالشركات الامبريالية لا تنتج اجهزة غزو الفضاء لاغراض علمية بحتة وانما لاغراض ربحية بحتة.
وسلعة السلاح تختلف عن السلع المدنية ايضا في طريقة بيعها. فان اكثر صفقات بيع الاسلحة المتطورة ترافقها شروط تفرضها الحكومة البائعة للسلاح او حكومة الشركات المنتجة للسلاح على الحكومات المشترية. وهذه الشروط تخل عادة باستقلال وحرية هذه الحكومات المشترية وتقيدها من حيث حرية استخدام سلاحها في حروبها. فدول الخليج مثلا تشتري الاسلحة بمليارات الدولارات سنة بعد سنة ولكنها لم تستطع استخدامها ضد اسرائيل مثلا او لم تستطع ان تقدم مسدسا واحدا للفلسطينيين لاستخدامه في الدفاع عن انفسهم وتحرير وطنهم من الاستعمار الاسرائيلي. اذ ان اي استخدام للاسلحة يخالف شروط بيعها يعتبر خرقا للاتفاقات المفروضة على الحكومات المشترية عند شراء الاسلحة.
نعود الان الى طبيعة الدولة الامبريالية في كونها دولة الشركات الامبريالية. فمهمة الدولة الاساسية هي ضمان ارباح شركاتها الامبريالية وضمان بقاء هذه الشركات تجاه نضالات شعوبها وشعوب مستعمراتها ضدها. ففي الحروب الاستعمارية التي تشنها هذه الحكومات تقوم هذه الحكومات باستخدام الاسلحة التي تشتريها من الشركات المنتجة للاسلحة. لهذا اذا تتبع انسان كتب الاقتصاد الامبريالية يجد ان علماء الاقتصاد يعتبرون فترات الحروب فترات رخاء وفترات انفراج للازمات الاقتصادية وفترات رواج كما يسمونها. والحكومات المحاربة تنفق المليارات بل التريليونات من الدولارات على حروبها كما هو الحال في العراق وافغانستان في الحرب الحالية. فمن هو الدافع الحقيقي لنفقات هذه الحروب الخيالية الثمن؟ ان الحكومة المستخدمة للاسلحة في حروبها هي التي تدفع اثمان الاسلحة الى شركاتها. فالحكومات المحاربة هي التي تتحمل مباشرة اثمان هذه الاسلحة. ولذلك نقول ان الحرب في العراق كلفت الولايات المتحدة حتى الان تريليون دولار. فمن اين تحصل حكومة الولايات المتحدة على هذه المبالغ الخيالية؟ ان المصدر الاول والاساسي هو دافع الضريبة الاميركي. فحكومة الولايات المتحدة تستخدم الجزء الاكبر من مواردها من دافعي الضرائب في شراء هذه الاسلحة. فالخاسر الاكبر هو الشعب الاميركي. والمصدر الاخر لنفقات الحرب من هذه الاسلحة هو البلدان التي تحتلها الدول الامبريالية. ان الشعب العراقي والشعب الافغاني في حالتنا الحاضرة هما مصدر اخر من مصادر نفقات الاسلحة التي تستخدمها الدولة الامبريالية في حربها. ولكن هذين المصدرين رغم عظمهما لا يكفيان لسد نفقات حرب عالمية كالحرب التي تشنها الولايات المتحدة على نظاق العالم منذ خمس سنوات. ولابد لها ان تبحث عن مصدر اخر هو القروض. فالولايات المتحدة هي اكثر دولة مدينة في العالم اليوم اذ بلغت قروضها اكثر من تسع تريليونات من الدولارات. وهذه القروض ماهي في الواقع الا ضرائب مستقبلية يتحمل عبء تسديدها ودفع فوائدها الشعب الاميركي نفسه باجياله المستقبلية. فالاجيال القادمة من الشعب الاميركي هي التي تتحمل جزءا كبيرا من نفقات هذه الحرب الحالية. ومن هو الرابح الوحيد من هذه الحروب؟ انها الشركات الامبريالية سواء عن طريق بيع الاسلحة اللازمة للحرب او عن طريق نهب ثروات البلاد التي تحتلها الحكومات الامبريالية في حربها. ومثال العراق اليوم اكبر برهان على ذلك اذ ان ثروات العراق بنفطه واثاره وكل ثرواته اصبحت نهبا متوفرا للشركات الامبريالية. لذا فان الاسلحة التي تستخدمها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الامبريالية ليست في الواقع سوى عملية تحويل اموال شعوب الحكومات الامبريالية وشعوب مستعمراتها الى الشركات الامبريالية. وان نفقات الحرب ليست تضحية او عبءا تتحمله الحكومات المحاربة وانما وسيلة من وسائل مضاعفة ارباح الشركات التي تمثلها الدولة وادامة وجودها وانقاذها ولو مؤقتا من ازماتها الاقتصادية. ان نفقات الحرب هي هدف من اهداف الحرب وليست عبءا على الحكومة المحاربة. وكلما ازدادت هذه النفقات ازدادت ارباح الشركات المنتجة للاسلحة وسائر المواد المستخدمة لاغراض الحرب.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات من محاكمة بخارين
- الجبهة الوطنية عملية طبقية (اخيرة)
- الجبهة الوطنية عملية طبقية (اولى)
- طبيعة ثورة اكتوبر 1917
- حق تقرير المصير بالمفهوم الماركسي (اخيرة)
- حق تقرير المصير بالمفهوم الماركسي (اولى)
- مشكلة الاقليات العرقية والدينية في منطقة الشرق الاوسط
- برلمان يخاف منتخبيه
- ملاحظة حول مشروع نظام مؤسسة الحوار المتمدن
- وداعا صديقي وعزيزي ابو شريف سلمان شكر
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (اخيرة)
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (3)
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (2)
- كاظم حبيب والشيخ الستاليني -القح- حسقيل قوجمان (1)
- جواب على رسالة قارئ
- حول مقال -كفى خداعا للنفس وخداعا للاخرين-
- حوار مع الاخ هاشم الخالدي
- تعقيب على مقال الاخ باقر ابراهيم
- الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (2)
- الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (1)


المزيد.....




- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...
- حسين هريدي: نتنياهو يراهن على عودة ترامب إلى البيت الأبيض
- ميرفت التلاوي: مبارك كان يضع العراقيل أمام تنمية سيناء (فيدي ...
- النيابة المصرية تكشف تفاصيل صادمة عن جريمة قتل -صغير شبرا-
- لماذا تراجعت الولايات المتحدة في مؤشر حرية الصحافة؟
- اليوم العالمي لحرية الصحافة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسقيل قوجمان - هل نفقات الحرب عبء على الدولة الغازية ام هدف من اهداف حربها؟