أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رمضان متولي - عذرا يا شيخنا – نرفض الشهادة!














المزيد.....

عذرا يا شيخنا – نرفض الشهادة!


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 08:58
المحور: حقوق الانسان
    


الفقراء يحبون الحياة ولا يخافون الموت … عبارة خطها فنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي بريشته الحادة الرقيقة كمشرط الجراح في صورة رسمها لرجل يكشف عن صدره أمام العالم وعيناه مليئتان بالتحدي رغم ضلوعه المكشوفة ووجهه النحيل الذي تشقق بتجاعيد البؤس والشقاء وقسوة الحياة.

لم يكن الموت الذي يقصده الفنان العبقري الشهيد هو موت الفقراء انتظارا في طوابير الخبز، ولا في عبارات الفساد وبين أسنان الأسماك المتوحشة، ولا الموت ظلما واستبدادا في سلخانات التعذيب في أقسام الشرطة، ولا الموت غرقا في بحار الغربة هربا من جحيم الموت كمدا داخل بلد ضاقت بهم على اتساعها. إنما كان الموت في مواجهة العدو على جبهة القتال، في معركة شريفة من أجل حرية وحياة كريمة ومستقبل ملك لهم.

لذلك فإن فتوى الشيخ يوسف البدري بأن القتلى في طوابير الخبز شهداء كانت صادمة بالنسبة لي، فهذه الفتوى تطرح علينا سؤالا شديد الأهمية: هل ينبغي لنا أن نفرح لمقتل إنسان في طوابير الخبز ويودعه أهله بالزغاريد لأنه ذاهب إلى جنة الخلد دون حساب؟ الحقيقة أننا لا نستطيع أن نفخر باستشهاد من هذا النوع المشين، فهل يمكن أن تكون الشهادة نفسها عارا نكرهه ونتمنى ألا نتعرض له؟

إننا نحب الحياة، ولا نريد أن نموت هذه الميتة الشائنة الذليلة حتى وإن اعتبرها الشيوخ شهادة. أما الموت الذي ينبغي أن نفخر به، فلم نستطع أن نلقاه وتعذرت علينا وسائله. لو كان موتنا انتقاما ودفاعا عن الطفلة "سماح" التي قتلتها رصاصات الغدر الإسرائيلية على حدودنا وتقاعست همتنا عن القصاص لها، لو كان موتنا احتجاجا على الأوضاع المزرية ونهب مواردنا والفقر والفساد والبطالة وغيرها من الكوارث التي استشرت في بلادنا، لحقت لنا الشهادة وكان على التاريخ أن يسجل لنا ذلك في صفحات نورانية تمجد كفاحنا من أجل الحياة الكريمة.

عذرا يا شيخنا، لسنا في حاجة إلى عزاء من هذا النوع الذي يرقى إلى التخدير. نحن نعلم أن هذه الميتة ميتة ذليلة لا تستحق أن نفخر بها. لا نريد تلك الشهادة التي يترجمها أصحاب السلطة والمال أرباحا وقصورا وسيارات فارهة وغلمان وحور عين في الدنيا على شطآن مارينا وفي منتجعات البحر الأحمر والأبيض المتوسط.

الموت في طوابير الخبز ليس قدرا صنعته كارثة طبيعية أو قوة خارجة عن سيطرة القائمين على الأمر في بلادنا، إنما كان نتيجة لأسلوب عدائي ظالم في توزيع ثروة البلاد وتحديد الأولويات. فقد حددت الدولة أولوياتها بتشجيع الاستثمار والتصدير من خلال إغراء رجال الأعمال بأرباح فائقة وتكاليف متدنية لاستثماراتهم: قدمت لهم الدعم والعمالة الرخيصة، وخفضت عليهم الضرائب والجمارك، ورفعت أي رقابة على تحويل الأموال وتوجيه الاستثمار وتحديد الأسعار. تركت لهم المسرح يلعبون فيه كما يشاءون لتتحول البلاد إلى ساحة كبيرة للمقامرة بحياة الفقراء ولقمة العيش، وقترت على الفقراء وطالبتهم بالصبر والكرم والمروءة. وعندما حلت الكارثة وعم البلاء، رفعت يدها وجاء الشيوخ لتقديم العزاء.

إذا كانت الدولة حقا تريد تجنيب الناس هذه الكوارث، إذا كانت صادقة (ولنا كل الحق أن نشك في ذلك) في حل أزمة الخبز، فعليها أن تدخل مباشرة في صلب الحل. عليها أن توفر الخبز المدعوم بكميات كبيرة، ومن خلال مخابز ومنافذ تديرها الدولة تحت رقابة شعبية مباشرة لضمان عدم تسريب الدعم. عليها أن تقدم الدعم للفلاحين وتشجعهم على إنتاج القمح وطرحه بأسعار رخيصة للمطاحن المصرية بدلا من تقديم الدعم لمنتجي الحديد والأسمنت ومواد البناء الذين ينتهزون فرصة ارتفاع الأسعار العالمية لتصديره للخارج أو تحويله إلى أرباح خيالية ورفع أسعار هذه المواد بالداخل. ولكن رفع أسعار الأسمدة للفلاحين ونقصها في الأسواق يعني أن الحكومة لم تفعل ذلك ولن تفعل – فأرباح الأثرياء أغلى وأقدس عندها من دماء الفقراء.



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأسمالية وطنية وأخرى تابعة!
- معادلة الحرية
- لن نتسول حقوقنا يا رئيس الوزراء!
- قيادة نقابية أم موظف في جمعية دفن الموتى؟
- أبطال المعارك الوهمية
- الشرعية والقانون
- كاليجولا يحاصر الهواء
- حكومة رجال الأعمال لن تحمي مصر من استيراد التضخم
- مجلس الدكتور سرور
- هلفطة
- النظام والفوضى في مجتمع مقهور
- أوهام الأرقام وحقائق الواقع
- الإصلاح السياسي ورقص الصالونات والفنادق الفاخرة
- نقابة للصحفيين أم جهة إدارية
- نقابة الصحفيين تتحول لجهة إدارية تعاقب الصحفيين على سلوك الإ ...
- الصادرات المصرية حصان خاسر في سباق التنمية
- الانتخابات البرلمانية 2005: فزع السلطة وفزاعة الإخوان المسلم ...
- الاشتراكيون الثوريون تحالفوا مع الإخوان … يا لهوي!
- أزمة النظام الحاكم في مصر واحتمالات الانتفاضة - 1
- العمل المشترك بين اليسار مشروط بوحدة الرؤيا والهدف


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رمضان متولي - عذرا يا شيخنا – نرفض الشهادة!