تلبية النداء في الإسلام ...3...؟

مصطفى حقي

الحوار المتمدن-العدد: 2195 - 2008 / 2 / 18 - 06:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أظهر ما تكون طاعة الصحاب لمحمد يتمثل في مسارعتهم إلى قتل أصولهم وفروعهم وأقرب الناس إليهم وأمّسهم رحماً بهم أو الشروع في ذلك – هؤلاء الذين يتفانى الشخص- في الظروف العادية في محبتهم وودادهم والبر بهم والعطف والحدب عليهم والتفاني في خدمتهم ومد يد العون إليهم بشتى الصور- بل والتضحية في سبيلهم بالنفس والنفيس :
1- ( أسند الحاكم عن الوافدي أن عبد الرحمن بن أبي بكر دعا إلى البرازفقام إليه أبوه أبو بكر – ر – ليبارزه فذكر أن رسول الله- ص – قال لأبي بكر: متعنا بنفسك ) (17) .. كما (خرّج ابن أبي شيبة عن أيوب قال : قال عبد الرحمن بن أبي بكر-ر- لأبي بكر – ر - : رأيتك يوم أحد فصرفت عنك، فقال أبو بكر : لكني لو رأيتك ما صرفت عنك )(18)
( وشهد عبد الرحمن بن أبي بكر بدراً وأحداً مع قومه كافراً ودعا إلى البراز فقام إليه أبو بكر ليبارزه فذكر أن رسول الله – ص – قال له : متعنا بنفسك)(19)
هذه أخبار ثلاثة وردت في مصادر موثوقة الأول والثالث يقطعان بأن أبا بكر قام ليبارز أكبر أبنائه – عبد الرحمن – منتوياً قتله لولا حنكة محمد وبعد نظره .
2- ( وقال عمر بن الخطاب لسعيد بن سعيد بن العاص بن أمية : لم أقتل أباك العاص وإنما قتلت خالي العاص بن هشام , وما بي أن أكون أعتذر من قتل مشرك فقال سعيد : لو قتلته كنت على الحق, وكان على الباطل فتعجب عمر من قوله وقال : قريش أفضل الناس أحلاماً)(20)
اعترف عمر في هذا الخبر بقتله خاله ، وأكد لسعيد وهو من بني أمية أنه لم يقتل أباه لأن عمر- وكان قد تولى الخلافة- كان يحرص على أن يترضى الفروع العوالي من قريش : بنى هاشم بني أمية – بني مخزوم – بني المغيرة... إلخ لأن هؤلاء كان في نفوسهم شيء بل أشياء من تولّيه الخلافة لأنّ ابن الخطاب كان من بني عديّ وهم من فروع أقل مكانة منهم ولعل قولته لسعيد عن قريش تؤكد ذلك . وقتل عمر لخاله العاص بن هشام مذكور في غالبية كتب السيرة( ذكره ابن هشام عن أبي عبيدة وغيره من أهل العلم بالمغازي وفي الاستيعاب لابن عبد البر والإصابة لابن حجر العسقلاني )(21)
أما الوافدي فقد ذكر الخبر مطولاً بعض الشيء:
(في غزوة بدر ... وأقبل العاص بن سعيد يحث للقتال فالتقى هو وعليّ – فقتله علي- فكان عمر بن الخطاب يقول لأبنه سعيد بن العاص : أني لأراك معرضاً ، تظن أني قتلت أباك وفي رواية : والله ما قتلت أباك ولا أعتذر من قتل مشرك ولقد قتلت خالي بيدي : العاص بن هشام بن المغيرة فقال سعيد : لو قتلته لكان على الباطل وأنت على الحق قال: قريش أعظم أحلاماً وأعظمها أمانة لا يبغيهم أحد الغوائل إلا كبه الله مخاطباً واحداً من زعماء بني أمية للعلة التي أوردناها .
وعودة إلى السياق : هنا نرى أن عُمر قتل خاله تقرباً من لمحمد وإرضاء له .
3- وصحابي آخر يثب على عمه ويقتله ولا تطرف عينه ولا يتردد : (امرؤ القيس بن عابس الكندي الشاعر له صحبة وشهد فتح النجير باليمن ثم حضر الكنديين الذين ارتدوا فلما أخرجوا ليقتلوا وثب على عمه فقال له : ويحك ياامرأ القيس أتقتل عمك ؟ فقال له : أنت عمي والله عز وحل ربي) (23) فهل بلغت طاعة مثل طاعة الصحاب لمحمد ؟
4-وإذا كان القريب المناويء لمحمدبعيداً عن تمناول اليدفإن الصحابي كان يستأجر قاتلاً محترفاً ليغتاله :(قال ابن اسحاق : وقد حدثني بعض آل يامين : ان رسول الله –ص- قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك وماهمّ به من شأني فجعل يامين لرجل جُعلاً على أن يقتل له عمروبن جحاش فقتله فيما يزعمون وكان يامين بن عمير(أبوكعب)بن عمرو بن جحاش ، وأبو سعدبن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها)(24)
وأورد الوافدي في مغازيه الخبر مطولاًوذكر ذلك الجُعل الذي رصده يامين لقتل ابن عمه وزوج أخته :( فلما أجلاهم (بني النضير) رسول الله- ص – قال لابن يامين : ألم تر إلى ابن عمك عمرو بن جحاش وما همّ به من قتلي ؟ وهو زوج أخته ، كانت الرواع بنت عمر تحت عمرو بن جحاش فقال ابن يامين : أنا أكفيكه يا رسول الله، فجعل لرجل من قيس ة عشرة دنانير على أن يقتل عمرو بن جحاش ويقال خمسة أوسق من تمر ، فاغتاله فقتله ثم جاء ابن يامين إلى النبي – ص – فأخبره بقتله فسر بذلك )(25)
ونلاحظ عنصراً فعالاً يتعلق بالقاتل ابن عمه حثه على ذلك فهو يهودي أسلم حرصاً على استرداد أمواله وقد أومأ إليه محمد بما لقي من ابن عمه- فأسرع باسستئجار من قام بالمهمة استرضاء له ولكي تستمر حيازته لأمواله لأنه لو لم يفعل لأدخل الشك في النفوس على صدق إسلامه وفي هذه الحالة يعتبر مرتداًيحل ماله وحرمه .
5- وهذا صحابي من مشاهير الصحابة قتل عمه في غزوة بدر الكبرى:( فأما نوفل بن خويلد فقتله ابن أخيه الزبير بن العوام يوم بدر ، وكان يقال لنوفل بن خويلد – أسد قريش وأسد المطيبين- وروى أن رسول اله- ص – قال يوم بدر أللهم أكفنا ابن العدوية يعني نوفلاً وكانت أمه من عدي بن خزاعة)(25)مكرر
هذا الخبر أجاب عن سؤال طالما طوّف بذهني وأذهان الكثيرين وهو: كيف قاتل الزبير علياً رغم ما كان بينهما من ود ورحم ورغم مكانة الأخير لدى محمد ولكن الذي يقتل عمه (وعم الرجل صنو أبيه) كما قال محمد كثيراً يسهل عليه أن يقاتل غيره!!!
6- وفي بعض الأحيان لا تبلغ الطاعة حد قتل القريب أو الشروع فيه ولكنها تصل إلى رتبة أقل إنما يفصح صاحبها عن استعداده للقتل إذا صدرله أمر من محمد والأثر يقول(نية المرء خير من عمله): (عن ابن اسحاق قال : حدثني مولى لزيد بن ثابت وهو محمد بن أبي محمد قال حدثتني ابنة محيصة عن أبيها محيّصة أن رسول الله- ص – قال بعد قتل كعب بن الأشرف : من ظفرتم به من يهود فاقتلوه فوثب محيّصة بن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُويصة بن مسعود (أخو محيصة) إذ ذاك لم يسلم وكان أسنّ من محيصة فلما قتل جعل حويصة يضربه ويقول أي عدو الله قتلته؟ أما والله لرب شحم في بطنك من ماله فقال محيصة فقلت له: والله لقد أمرني بقتله مَنْ لو أمرني بقتلك لقتلتك)(26)
يصرح الصحابي محيصة بأنه لو تلقى أمراً بقتل أخيه الكبير حويصة وهو الذي كفله صغيراُوكان بمثابة والده لبادر بإزهاق روحه على الفور. (ولماأمر محمد بإخراج المنافقين من المسجد :
قام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه روى ابن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجاً عنيفاً وأفف منه وقال : غلب عليك الشيطان وأمره. وذلك تنفيذاً لأمر رسول الله – ص – بإخراج المنافقين من المسجد )(27)
لعل الأخ الذي سارع إلى إخراج أخيه المنافق من المسجد لم تكن المطاوعة وحدها هي الدافع الباعث له على ذلك بل ليثبت لمحمد أنه من أتباعه المؤمنين بدعوته بغير شك ولا نفاق وقدم براهين على ذلك هي :
أ- الإخراج العنيف وكان يكفيه الإخراج اللطيف .
ب- التأفيف من أخيه لأنه بنفاقه غدا نجساً وأشبه بالجيفة .
ج-السب واللعن .
وصورة أخرى لو انها أخف من سابقتيها ولكنها أيضاً وقعت بين أخوين وبطلها صحابي مشهور هو مصعب بن عمير:
( في غزوة بدر الكبرى طلب مصعب بن عمير من الأنصاري الذي كان بيده أمر أخيه أبي عزيز أن يشد يده به أو عليه)(28) فهنا يطلب مصعب من الآسرأن يشدّ وثاق أخيه أبي عزيز وحتى لا ينفلت منه .
ولعل الرقة النسبية في طلب مصعب مردها أنه لامجال لاتهامه بنفاق أو ممالاة لأعداء محمد لأنه من السابقين في الإسلام وهاجر إلى الحبشة ثم إلى يثرب مبكراً وشهد بدراً ووالى دولة محمد لأنه قرشي ويعلم أن الدولة التي يُعلى بنيانها محمد هي دولة قريش قبيلته هو أيضاً .
وثالثاً لأنه نشأ نشأة منعمة في أسرة ثرية فقد كان(فتى مكة شباباً وجمالاً وتيهاًوكان أبواه بحياته وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وكان اعطر أهل مكة ، يلبس الحضر من النعال وكان رسول الله – ص – يذكره فيقول: ما رأيت بمكة أحسن لُمّة ولا أرق حلّة ولا أنعن نعمة من مصعب بن عمير)(29) فصاحب هذه النشأة الراقية لا ينظر منه إلا الرقة حتى في مواطن البأس- إذن قد لا يصل الانقياد لمحمد إلى حد القتل أو الشروع فيه إنما إلى رتبة التهديد بالقتل تارة والعنف أخرى والتشديد بالقول ثالثة وذلك بين الإخوة حتى ولو كان الأخ المخاطب بذلك هو الأكبر أو في مقام الأب .
(17) حياة الصحابة ص-192ج-2 (18)في المستدرك وكنز العمال الصفحة والجزء نفسه (19) الاستيعاب مج 2 ص-842 (20)الاستيعاب مج-2 ص-622 (21) حياة الصحابة ج-2 ص-193 (22)المغازي مج-1 ص-92 (23)الاستيعاب مج-1 ص-104 وفي أنساب العرب ص-429 (24)السيرة النبوية ص-241ج-3 (25)المغازي ج-1 ص-374 (25)مكرر جمهرة أنساب العرب 384-56ع هـ ص-120 (26)أسد الغابة مج-2 ص-75 (27)السيرة النبوية ص-262ج-2 (28)السيرة النبوية ج-3 ص-54 (29)الاستيعاب مج-4 ص1474
-من كتاب شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة لمؤلفه خليل عبد الكريم .

#مصطفى_حقي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات