أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - الأسس الفلسفية لليبرالية















المزيد.....

الأسس الفلسفية لليبرالية


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 2071 - 2007 / 10 / 17 - 12:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أثيرت العديد من الشكوك والتحفظات حول "التسامح" منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وتردد صداها بشكل قوى فى الموسوعة الفلسفية لـ " لالاند" الذى ناقش مفهوم التسامح مناقشة مستفيضة ، ولم يقبل فى النهاية هذا اللفظ إلا على مضض ، ومع كثير من التسامح ، مؤكداً ضرورة أن يعمد الفيلسوف عندما يريد استعماله إلى التنبيه بوضوح إلى المعنى الذى يريده منه .. وإليك بعض مفارقات لفظة "التسامح" كما وردت فى الموسوعة : كلمة "تسامح" تتضمن فى لساننا فكرة اللياقة ، وأحياناً الشفقة ، وأحياناً اللامبالاة .
كلمة "تسامح" تتضمن الازدراء والتعالى بل والطغيان أيضاً ، ويبدو أن فى الأمر شيئاً من الازدراء حين نقول لشخص ما إننا (نتسامح) فيما يفكر به . فهذا معناه "أن ما تفكر به لا قيمة له ؛ لكننى أوافق على إغماض عينى" .
كلمة تسامح ارتدت معنى دونياً ، ومهيناً تقريباً للكرامة الإنسانية . وكما قال "اميل بوترو" : "لا أحب كلمة تسامح هذه ، فلنتحدث عن الاحترام والتواد والحب .
أن التسامح ليس مثالاً ، وليس حداً أقصى ، إنه حد أدنى لأنه يرتفع بالإنسان إلى مستوى الاحترام والمودة . فالتسامح الذى يكمن فى ترك الحرية لكل فرد للتعبير عن آرائه ، حتى وإن كنا لا نشاطره إياها ، ينبع من الاحترام .
فى كل هذه المعانى والتفسيرات لـ "التسامح" قدر من الحقيقة ، لكن جانباً مهماً من القصة لا يزال ناقصاً ، ذلك أن مصطلح التسامح لا يصف كميات دقيقة يمكن تدوينها وضبطها فى صيغ رياضية ، وإنما هو تعبير عما يسمعه الناس فيه ، أو يريدون سماعه فيه . فلهذا المصطلح تاريخ طويل ، وهو يدل منذ قرون عديدة ،علي أنه فضيلة يصعب تطبيقها تماماً فى كل عصر ، وفى كل الأمور . والتسامح بالمعنى الحديث يقتضى ، لا أن يتخلى المرء عن مبادئه ، أو يكف عن اظهارها والدفاع عنها والدعوة لها ، وإنما يعنى الامتناع عن استعمال أية وسيلة من وسائل العنف والتجريح والتدليس ، وبكلمة واحدة ! احترام الآراء وليس فرضها .
ولا يتأتى ذلك إلا بالبحث عن أرضية مشتركة للأنا والآخر ، من أجل الوصول إلى جوهر الحقيقة التى تقف فى ثنايا الكليات ، وهذا يفتح الباب أمام إمكانية أن أكون "أنا" على خطأ ، و "الآخر" على صواب ، وربما من خلال الحوار نصل سوياً إلى الحقيقة أو على الأقل نقترب منها .
فالإنسان مرهون بالمغايرة والاختلاف وعدم التطابق ، ولا معنى للتسامح أصلاً إذا كانت الأمور كلها تستدعى التماثل سواء فى الفكر أو العقيدة ، وربما كان التسامح هو الوئام فى سياق الاختلاف والتباين .
من هنا يختلف التسامح تمام الاختلاف عن اللامبالاة أو عدم الاكتراث أو التنازل لشخص كتعبير عن الأدب ، باعتبار اشتقاق الكلمة من لفظة (س.م.ح) . فمن غير المعقول أن أعيش دون معتقدات ولا أهتم بمعتقدات الآخرين ثم أدعى أننى أبدى تسامحاً إزاء أندادى فى العقيدة أو المختلفين معى .
أضف إلى ذلك أن التسامح لا يعنى تقبل الظلم الاجتماعى أو تنحى المرء عن معتقداته والتهاون بشأنها ، كما لا يعنى ممارسة دور الحرباء بالتلون بفكر وآخر والقفز من عقيدة إلى عقيدة أخرى ، أو المواطنة الجبانة ، ذلك لأن التسامح هو التعبير الأكثر كمالاً لحرية الإيمان والتفكير والتعبير ، أنه تأكيد لمشاعر الضمير والإحساس .
بيد أن خشيتنا المبالغ فيها نحن معشر المؤمنين بالتسامح من أن نصبح نحن أنفسنا غير متسامحين ، هى التى أدت بنا إلى الموقف الخطأ ، والخطير الذى يوجب علينا أن نتسامح مع كل شئ .
أن التسامح اللامحدود يدمر التسامح ، وقد ناقش الفيلسوف الأمريكى "جون رولز" فى كتابه "نظرية العدالة" مسألة القدرة على التسامح مع غير المتسامحين نقاشاً مفصلاً . وقسم السؤال : هل ينبغى التسامح مع غير المتسامحين إلى قسمين : الأول هو .. هل ينبغى للجماعات غير المتسامحة أن تتذمر عندما لا يجرى التسامح معها ؟ . والثانى هو .. هل للجماعات أو الحكومات المتسامحة الحق فى ألا تتسامح مع غير المتسامحين ؟ .
للإجابة عن السؤال الأول يمكن الرجوع إلى القاعدة الذهبية : "عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به" .. وبالتالى ليس للجماعات غير المتسامحة الحق أن تتذمر عندما لا يجرى التسامح معها .
أما بالنسبة للسؤال الثانى فرأى رولز أنه حين لا يتهدد سريان الدستور العادل ، فمن الأفضل التسامح مع غير المتسامحين ، أى عندما يكون الدستور آمناً فلا داعى لقمع حرية عدم التسامح . غير أن التسامح هو أكثر من قبول الآخر أو الاعتراف بحقه فى التباين والاختلاف ، أنه قبول "حق الخطأ" كحق من حقوق الإنسان والمواطن كما جاء فى إعلان 1789 الذى صادقت عليه الجمعية الوطنية الفرنسية .
فالحرية التى يولد الناس عليها ، كما تقول المادة الأولى من الاعلان ، هى حرية مطلقة لا قيد عليها إلا القيد الذى يجعل الناس سواسية فى التمتع بها . وعبر "ميرابو" خطيب الثورة الفرنسية الأشهر عن هذه الحقيقة جيداً ، فلا توجد فى نظره حقيقة خارجية ، حقيقة مستقلة عن الوعى أو سابقة عليه ، إنما الحقيقة بنت الوعى ، إنها ما يراه الفرد فى داخل وعيه ويعتقده الحقيقة .
ولذا فالآراء كلها ، صحيحها وزائفها ، ذات قيمة متساوية . فحرية الفكر فى إعلان 1789 هى إذن حرية مطلقة .
هذا المفهوم الليبرالى للحقيقة يجعل الخطأ له حق مساو لما للصواب من حق ، وهنا تكمن بذور التسامح وأسسه فى الليبرالية المعرفية ونظرياتها عن الإنسان ، فمن ناحية معرفية فإن محدودية العقل وقابليته للخطأ هى أساس التسامح ، وحيث لا يمكن للعقل الوصول إلى الحقيقة ، بمعنى أنه لا يستطيع تحديد صحة أفكاره وعقائده وصوابها ، فإنه مطالب بأن يسلك منهج التسامح إزاء عقائد الآخرين وأفكارهم ، لأن الحقيقة تملكنا جميعاً ولا يستطيع أى منا امتلاكها .
نخلص من ذلك إلى أن التسامح لا يمكن فهمه جيداً إلا إذا وضعناه ضمن سياقه التاريخى فالأفكار لا تنشأ فى الفراغ ولا تنتشر إلا إذا كانت تلبى حاجة تاريخية معينة . وهو كمفهوم أخذ حيويته ومجاله فى الغرب سواء فى التنظير أو الممارسة ، بل أنه منظومة "حقوق" كاملة ، وليس مجرد قيمة دينية أو أخلاقية فحسب كما يتشدق الأصوليون دوماً ، ومن ثم فإن أية مقاربة مفاهيمية أو فكرية بيننا وبين الغرب بالنسبة لهذا المفهوم تحديداً مسألة حرجة وعويصة ، فما يزال "التسامح" هشاً متلعثماً فى عالمنا العربى والإسلامى ، بينما هو منظومة ثقافية حضارية هدرت فقرت .



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسائل تخص العقل والإيمان
- أليست فكرة جديرة بالتمثل ؟
- ماذا بقي من الدولة ؟
- آخر .. ما بعد الحداثة
- دين حقوق الإنسان
- العنف والحق الطبيعي (3)
- العنف والحق الطبيعي (2)
- العنف والحق الطبيعي (1)
- مشروعية العنف
- محور مفاهيم الحداثة
- دوامة العنف الكوني
- دين الفلاسفة
- هوبز المفتري عليه
- اللا مفكر فيه .. عربيا
- نقد التسامح الخالص
- قاضي العالم الأعلي
- أزمة الحداثة
- الأخلاق والدين
- الدين في النطاق العام
- ما قبل ويست فاليا .. بعدها


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - الأسس الفلسفية لليبرالية