أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (2)















المزيد.....


الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (2)


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 12:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نشأ النقاش عن كون الدولة السوفييتية هي مجرد راسمالية دولة ام هي دولة اشتراكية استنادا الى ان الدولة السوفييتية هي التي مارست ادارة النظام الاقتصادي بصورة كاملة بعد تحقيق القضاء على بقايا النظام الاقتصادي الراسمالي. ولهذا يتصور البعض ان قيام الدولة بادارة الاقتصاد يعني راسمالية الدولة خصوصا لبقاء نظام الاجور والنقود والاستهلاك في المجتمع الاشتراكي. اي ان الملكية الخاصة للاقتصاد تحولت من ملكية الراسماليين الخاصة الى ملكية الدولة السوفييتية. ولكن الحقيقة هي ان الملكية في الدولة الاشتراكية اصبحت ملكية عامة لكامل شعوب الاتحاد السوفييتي ومهمة الدولة السوفييتية تقتصر على ادارة وتطوير هذه الملكية نيابة عن الطبقات الكادحة اي الشعوب السوفييتية.
ماذا تعني راسمالية الدولة؟ راسمالية الدولة تعني ان الدولة تعمل بصفة مشروع راسمالي كبير يضم مشاريع كبرى قد لا يستطيع الراسمال الخاص ان يديرها او تدير مشروعات راسمالية كانت معرضة للافلاس لتنقذها وتحفظ مصالح الرسماليين فيها او للابقاء عليها وتحويلها الى الراسمالية الفردية بعد ذلك كما نراه واضحا فيما يسمى حاليا الخصخصة. ولكن المهم في راسمالية الدولة ان الدولة تعمل على اساس راسمالي فتقوم بشراء قوة العمل من الطبقة العاملة وتستخدمها في الانتاج للحصول على فائض القيمة ثم تبيع المنتجات السلعية لتحقيق الارباح الراسمالية منها. فليس ثمة فرق بين المشاريع الراسمالية الخاصة وبين راسمالية الدولة الا في حجم المشاريع وتصرف الدولة باموال دافعي الضرائب لانقاذ بعض الصناعات وادامتها. راسمالية الدولة هي مشروع راسمالي كبير يديم استغلال الطبقة الراسمالية للطبقة العاملة والكادحين ويخدم مصالح الراسماليين في تلك الدولة. ولا نحتاج في هذا المجال الى شرح معنى الخصخصة الذي يعني تحويل مشاريع راسمالية الدولة او ما يحلو للبعض تسميته القطاع العام الى مشاريع راسمالية خاصة او القطاع الخاص.
هل ينطبق هذا التعريف لراسمالية الدولة على الدولة الاشتراكية ومثلها الحي الوحيد في تاريخ البشرية هو النموذج السوفييتي؟ ان الدولة في الاتحاد السوفييتي في مرحلة بناء الاشتراكية كانت بعيدة عن مثل هذا الوصف ولا ينطبق عليها اي تعريف من تعاريف راسمالية الدولة.
قبل مناقشة الادارة الاقتصادية للنظام الاشتراكي اود ان اتطرق قليلا الى نظام العائلة حتى في النظام الراسمالي القائم في ارجاء العالم. فالعائلة الطبيعية في مجتمعاتنا تتألف عادة من ابوين وعدد من الاطفال. وللعائلة حسب وضعها الاقتصادي بعض الملكية سواء اكانت ملكية صغيرة ام كبيرة. ويقوم احد الوالدين عادة بادارة الجانب الاقتصادي للعائلة فيخصص ما تحتاجه العائلة من نفقات التغذية ونفقات السكن ونفقات الملبس ونفقات تربية الاطفال وتمويل مدارسهم وتخصيص بعض المال للترفيه عن العائلة لدى العائلات المرفهة التي تسمح ظروفها الاقتصادية بذلك الى اخر ذلك من هذه الاعمال الادارية التي تحتاجها كل عائلة لا يكون رئيسها مقامرا او سكيرا يبدد اموال العائلة في مجالات ليست من مصلحة العائلة. فهل يعني كون رئيس العائلة هو الذي يدير وينظم مصالح العائلة انه المالك الوحيد لثروة العائلة التي يقوم هو بالتصرف بها؟ لا شك ان الثروة العائلية هي ملك للعائلة كلها وليست ملكا للفرد الذي يقوم بادارة شؤون العائلة الاقتصادية. حتى من الناحية القانونية وقوانين الوراثة في الانظمة الطبقية تعتبر ثروة العائلة ملكا لجميع افراد العائلة وليس لرئيسها. ولا يجري الانفاق في اقتصاد العائلة على اساس الربح وانما يجري وفقا لمصالح العائلة المباشرة والبعيدة. فنفقات تعليم الاطفال مثلا ليست نفقات مربحة بالمفهوم المباشر للربح اذ ان ارسال الطفل للعمل بعمر مبكر يزيد ارباح العائلة المباشرة. ولكن العائلة الطبيعية تنفق على تعليم اطفالها لسنوات عديدة بدون ان تعير موضوع الربح المباشر اية قيمة. فمصالح العائلة هي التي تقرر كيفية انفاق اموالها وليس الارباح الناجمة عن كل مبلغ يجري انفاقه.
النظام الاشتراكي يشبه هذه العائلة الطبيعية. فالمجتمع الاشتراكي عائلة واحدة كبيرة تمتلك جميع الثروات في المجتمع بصورة جماعية. واذا كانت العائلة البسيطة المؤلفة من عدة اشخاص بحاجة الى من يدير اموالها وثرواتها فان هذه العائلة الاشتراكية احوج منها الى من يدير اموالها وثرواتها. وهنا تظهر الحاجة الى جهاز يقوم بهذه الادارة وكان على النظام الاشتراكي ان يختار صورة ما لهذا الجهاز فاقتبس الجهاز الذي انشأته الانظمة السابقة، الدولة، لهذه المهمة. ولكن الدولة في النظام الاشتراكي تختلف اختلافا جوهريا عن الدولة في النظام الراسمالي والنظم التي سبقته. فبينما كانت الدولة في النظام الراسمالي دولة تدير وتخدم مصالح الطبقة الراسمالية وتصون استغلال الطبقة الراسمالية للطبقات الكادحة اصبحت الدولة في النظام الاشتراكي دولة تدير وتخدم مصالح شعوب الاتحاد السوفييتي وتصون مصالحها. فالدولة في الاتحاد السوفييتي في فترة بناء الاشتراكية كانت دولة للشعوب السوفييتية تدير شؤونها ومن الناحية الاقتصادية تدير ثرواتها واموالها وفقا لمصالح الطبقة العاملة. فالدولة في الاتحاد السوفييتي الاشتراكي الحقيقي عبارة عن رئيس العائلة السوفييتية المؤلفة من كافة شعوب الاتحاد السوفييتي.
ما هي الصفات الاساسية لراسمالية الدولة؟ راسمالية الدولة عبارة عن مشروع راسمالي اعتيادي لا يختلف عن المشاريع الراسمالية الخاصة الاخرى الا بكونه يدار من قبل الدولة، وقد يكون مشروع راسمالية الدولة اكبر من المشاريع الراسمالية الاخرى ولا تستطيع المشاريع الراسمالية الخاصة ادارته. ثم ان الراسمال لدى الشركات الراسمالية الخاصة محدود مهما كبر ولكن الراسمال لدى الدولة غير محدود وقابل للتوسع المستمر لانه يتضمن ضرائب دافع الضرائب واصدار النقود الورقية بكميات غير محدودة ويتضمن القروض الوطنية التي تعني استغلال الاجيال القادمة بدلا من الاجيال القائمة.
وكيف يعمل مشروع راسمالية الدولة؟ انه يعمل ككل مشروع راسمالي خاص، يشتري قوة عمل العمال لكي يستغلها في الانتاج اذا كان مشروعا منتجا ثم ينزل السلع المنتجة الى الاسواق من اجل تحقيق الارباح الناتجة عن فائض القيمة. وفي مجمل عمل راسمالية الدولة تؤخذ مصالح الطبقة الراسمالية بعين الاعتبار وتحول ارباح الدولة بطرق شتى الى ارباح للطبقة الراسمالية. فليس بين الراسمال الخاص وراسمال الدولة فرق سوى كون ملكية الراسمال الخاص هي ملكية خاصة للراسماليين وكون راسمالية الدولة ملكية خاصة للطبقة الراسمالية بكاملها.
وكيف كانت الدولة في الاتحاد السوفييتي في فترة الدولة الاشتراكية الحقيقية تدير ملكية الشعوب السوفييتية؟ ليس في عمل الدولة الاشتراكية اي شبه بعمل راسمالية الدولة. فالدولة قبل كل شيء ليست مشروعا راسماليا. فالانتاج في الاتحاد السوفييتي لم يكن انتاجا سلعيا يتوخى الربح ويعمل على زيادة الربح. فان انتاج الدولة والمجتمع السوفييتي يبقى ملكا للمجتمع ولا يباع ويشترى. فحين توجه الدولة كميات من الفولاذ مثلا لاحد المصانع فان الفولاذ لا يباع الى المصنع كسلعة ولا يقوم المصنع بدفع مقابل للفولاذ ولا يصبح الفولاذ ملكا للمصنع ولا يصبح المصنع ملكا خاصا لمديريه ولا تصبح منتجات المصنع سلعة تباع من اجل تحقيق الارباح منها. ان قطاع انتاج السلع محدود جدا في الاتحاد السوفييتي وهو قطاع دائم الزيادة كميا ودائم الانخفاض نسبيا اي ان كمية السلع المنتجة في هذا القطاع تزداد كلما تقدم المجتمع ولكن نسبتها الى مجموع الانتاج تنخفض عند تطوره. فالدولة تعمل جهدها على زيادة وسائل الاستهلاك المباشر والذي يباع كسلعة او يجري تبادله لقاء شهادة كمية العمل التي يقدمها العامل كجزء من يوم العمل الاجتماعي اي مجموع العمل الذي تقوم به شعوب الاتحاد السوفييتي. وتعمل الدولة باستمرار على خفض اسعار هذه المواد الاستهلاكية وعلى تقليص يوم العمل للعامل لمنحه الفرصة الكافية لتطوير نفسه ثقافيا وللتمتع بملاذ الحياة التي كان العامل في النظام الراسمالي وما يزال محروما منها كقضاء مدة في احلى مصايف ومنتجعات الاتحاد السوفييتي وفي حضور المسارح ومسارح الباليه والحفلات الموسيقية وحفلات الرقص التي جعلت اسعارها رخيصة يستطيع كل عامل في الاتحاد السوفييتي ان يزورها وتمنح العمال فرصة لقضاء بعض الوقت للدراسة ولتطوير انفسهم ثقافيا وفنيا وهذا ما لا يحلم به العامل في النظام الراسمالي الذي يعيش على الاجور الضئيلة التي يعمل الراسمالي باستمرار على خفضها وزيادة استغلال فائض القيمة.
فيما عدا المواد الاستهلاكية المباشرة وتبادل الانتاج بين الريف والمدينة او بين الصناعة والزراعة لا توجد سلعة في الاتحاد السوفييتي. فكافة منتجات المجتمع تبقى ملكا للمجتمع بدون ان تتحول الى ملكية خاصة لاي انسان في الاتحاد السوفييتي. وتكون الخدمات بها عامة لجميع الشعوب السوفييتية بدون تمييز اي تصبح جزءا من القطاع الشيوعي في النظام الاشتراكي اي تقدم لكل حسب حاجته كما يتطلبه النظام الشيوعي.
وكما ان النظام الراسمالي تتحكم به قوانين اقتصادية طبيعية خارجة عن ارادة الانسان وعن ارادة الراسمالي كقانون فوضى الانتاج وقانون القيمة والقوانين الاخرى التي اكتشفها وشرحها كارل ماركس، تظهر في النظام الاشتراكي ايضا قوانين اقتصادية طبيعية اخرى خارجة عن ارادة الدولة السوفييتية وعن ارادة الانسان السوفييتي. فقانون القيمة مثلا ما زال ذا مفعول وذا اهمية في النظام الاشتراكي وخصوصا في حساب ربحية المشروع المباشرة او عدم ربحيته ولكنه ليس القانون المتحكم بالاقتصاد الاشتراكي كما هو في النظام الراسمالي.
يتعذر في مقال كهذا بحث جميع القوانين الطبيعية للاقتصاد السوفييتي ولكني اود هنا ان اشير الى قانون طبيعي من قوانين النظام الاشتراكي هو قانون التطور المتوازن او النسبي للاقتصاد الاشتراكي. فما هو قانون التطور المتوازن للاقتصاد؟ انه قانون يحتم تطوير الاقتصاد بصورة متوازنة تقضي على فوضى الانتاج الذي كان سائدا في النظام الراسمالي. وهذا يعني ان تطوير قطاع من الانتاج يجب ان يكون مناسبا او متوازنا مع كل قطاعات الانتاج الاخرى. وهذا القانون يحتم ادارة الاقتصاد الاشتراكي بصورة مبرمجة. فبرمجة الاقتصاد الاشتراكي يجب ان تكون مطابقة او مقاربة قدر الامكان لمتطلبات قانون التطور المتوازن للاقتصاد الاشتراكي.
هناك سؤالان ينبغي الاجابة عليهما وكانا من اهم اتهامات الاهمال او النواقص في الاقتصاد السوفييتي وفي سياسة ستالين يمكن تفسيرهما وفقا لقانون التطور المتوازن ويمكن فهم معنى قانون التطور المتوازن عن طريق شرحهما. فقد انصب انتقاد الاقتصاد الاشتراكي لدى استيلاء الخروشوفيين على الحكم على ان الدولة السوفييتية اولا احتفظت بمشاريع غير ربحية وثانيا قصرت في انتاج المواد الاستهلاكية لحساب الصناعة الثقيلة.
ان مفهوم الربحية في النظام الاشتراكي يختلف عن مفهوم الربحية في النظام الراسمالي. ففي النظام الراسمالي يجب ان يكون كل مشروع راسمالي مربحا فاذا لم يكن مربحا يجري تحويل الراسمال الى مشروع اخر يكون مشروعا مربحا. وهذا ما يسمى فوضى الانتاج في النظام الراسمالي. فالراسمالي يحول راسماله من مشروع الى اخر متوخيا زيادة الربح بصرف النظر عن اهمية المشروع الخاسر للمجتمع او ضرر المشروع المربح للمجتمع. وهذا ما يفسر لنا تحول الراسمال الامبريالي بالدرجة الرئيسية الى انتاج الاسلحة واسلحة الدمار الشامل وانتاج القنابل الذرية والهيدروجينية الكافية لتدمير العالم كله مئات المرات. فالمقياس هنا هو ربحية المشروع الراسمالي المباشرة وليس فائدته للمجتمع.
ولكن مفهوم الربحية بموجب قانون التطور المتوازن للاقتصاد هو ربحية المجتمع كله. فاهمية اية مشروع اقتصادي لا تقاس بربحية المشروع المباشرة ذاتها وانما تقاس بدور المشروع في ربحية المجتمع كله اي في تطور هذا المجتمع. فاذا كان ثمة مشروع كمشروع انتاج التراكتورات او انتاج الفولاذ غير مربح اذا اخذناه بالمفهوم الراسمالي لقانون القيمة اي ان المشروع مشروع خاسر بالمفهوم الراسمالي للربح فذلك لا يغير من اهمية المشروع للاقتصاد الاشتراكي ككل وضرورته لتطوير المجتمع الاشتراكي هي المقياس لربحية هذا المشروع الخاسر بالمفهوم الراسمالي للربحية. فاذا كان المشروع مهما وضروريا لادارة الاقتصاد وفقا لقانون التطور المتوازن للاقتصاد فهو مشروع رابح بالمفهوم الاشتراكي للربح لانه يساهم في جعل الاقتصاد الاشتراكي كله مشروعا رابحا رغم ان المشروع وفقا لقانون القيمة المسيطر في النظام الراسمالي مشروع خاسر. وقد جاء انتقاد الاقتصاد الاشتراكي من قبل الخروشوفيين بعقلية النظام الراسمالي وليس بعقلية النظام الاشتراكي. ان مفهوم الربح في الاقتصاد الاشتراكي هو ربح الاقتصاد الاشتراكي كله وليس مفهوم ربح كل مشروع على حدة رغم ان ادارة الاقتصاد الاشتراكي كانت تعمل على جعل كل مشروع مربحا حتى وفقا لقانون القيمة ولكن هذا لم يكن ضروريا او متحكما في اقامة المشروع او ادامته طالما يشكل المشروع جزءا حيويا في تنظيم الاقتصاد الاشتراكي الدائم التطور.
هنا لابد ان نتطرق الى سر التطور السريع للاقتصاد الاشتراكي حيث تطور في ظرف عقدين اكثر مما تطور الاقتصاد الراسمالي في عدة قرون. ففي اقل من عقدين من الزمان تحول الاتحاد السوفييتي من بلد زراعي دمرت الحرب صناعته وزراعته الى ثاني دولة صناعية في العالم بعد الولايات المتحدة واول دولة زراعية في العالم. لا يمكن تفسير هذا التقدم الهائل الذي لم يعرف تاريخ البشرية مثيلا له بمجرد حماس ومجهود المواطن السوفييتي الذي شعر بان اي تقدم للاقتصاد الاشتراكي يعني تقدما لحياة ورفاه كل مواطن سوفييتي. لكي نفسر هذا التقدم السريع اقتصاديا علينا ان نبحثه من الجانب الاقتصادي البحت.
في النظام الراسمالي تتألف ارباح الراسمال من تجمع القيمة الزائدة التي يحصل عليها مجموع الراسمال من استغلال قوة عمل العمال. ولكن هذه الارباح الراسمالية تتجمع في خزائن الراسماليين كملكيتهم الخاصة ولا تساهم في تطور الاقتصاد الا عن طريق المنافسة الراسمالية والتطوير الاقتصادي الناجم عن هذه المنافسة. دع عنك الحديث عن تدمير الاقتصاد الراسمالي كما نراه في الازمات الاقتصادية وفي الحروب المتكررة وفي تدمير البيئة وتشويه طبيعة سطح الارض وجوها وباطن الارض دونما اعارة اي اهتمام بمستقبل الكرة الارضية ومستقبل حياة الاجيال القادمة. وهو ما نراه واضحا في الغلاف الجوي للارض وفي الارتفاع الحراري لجونا وفي تفاقم الحوادث الطبيعية كالزلازل والبراكين وهي الاخطار التي يتحدث عنها حتى علماء النظام الراسمالي ولكن الطبقة الراسمالية لا تعير لذلك اي اهتمام ولا تفكر الا في زيادة ارباحها المباشرة الانية.
وفي النظام الاشتراكي يقوم العامل كما هو الحال في النظام الراسمالي بانتاج ما يزيد على متطلبات اعادة انتاج قوة عمله. كانت هذه الزيادة تشكل فائض القيمة في النظام الراسمالي ولكنها اصبحت تزيد ثروة المجتمع الاشتراكي في النظام الاشتراكي. فكل ما يزيد عن تلبية الحاجات الاستهلاكية الضرورية لاعادة انتاج قوة عمل العامل تتحول الى مصادر ثروة للاقتصاد الاشتراكي وتستخدم لتطوير المجتمع وليس لزيادة ثروات وملكيات اشخاص في المجتمع. لم يعد يوم عمل العامل في النظام الاشتراكي مقسما الى العمل الضروري والعمل الفائض كما هو الحال في النظام الراسمالي وانما اصبح كل عمل العامل عملا ضروريا للمجتمع الاشتراكي يخصص قسم منه لاعادة انتاج قوة عمل العامل وهو ما تمثله الاجور والسلع الاستهلاكية ويخصص القسم الاخر لتطوير الاقتصاد الاشتراكي كله. هذا الفائض الهائل الذي ينتجه العمال اضافة الى انتاج المواد الضرورية لانتاج قوة عملهم يصبح كله ثروة تضاف الى ثروة المجتمع كله ويستعمل كله في تطوير الاقتصاد الاشتراكي وهذا هو السر الاقتصادي لتطور الاقتصاد الاشتراكي بهذه السرعة المذهلة التي اذهلت العالم الراسمالي.
والاتهام الاخر الذي اتهمته الزمرة الخروشوفية للاقتصاد الاشتراكي ولستالين هو تفضيل الصناعة الثقيلة على انتاج المواد الاستهلاكية الضرورية. ووعد الخروشوفيون بتصفية المشاريع غير المربحة وتحويلها الى مشاريع تلبي مستلزمات معيشة العمال عن طريق زيادة انتاج المواد الاستهلاكية. وعدوا بترجيح الانتاج الاستهلاكي على حساب تقليص الانتاج الصناعي الثقيل. ولكن مجهوداتهم في هذا المجال ادت الى تحطيم الانتاج الاشتراكي وليس الى تطويره.
فكيف نفسر عدم تطوير انتاج المواد الاستهلاكية لدرجة التوصل بالانتاج الى ما يتطلبه المجتمع الشيوعي من توفير المواد الاستهلاكية المباشرة لكل حسب حاجته؟ ان الجواب على هذا السؤال يفسره قانون التطور المتوازن للاقتصاد الاشتراكي.
لو فرضنا ان الدولة او الحكومة السوفييتية تريد ان تضاعف انتاج الانسجة القطنية. فطبيعي ان هذا يتطلب قبل كل شيء زيادة انتاج القطن بالنسبة المطلوبة بدون ان يؤثر ذلك على سائر الانتاج الزراعي اي لا تجري زيادة انتاج القطن على حساب تقليص زراعة القمح مثلا. وزيادة انتاج القطن تتطلب توسيع المساحة الزراعية المزروعة قطنا وتحسين البذور والطرق الزراعية وزيادة المكائن الزراعية واستبدال المكائن الزراعية التي اصبحت قديمة بمكائن جديدة وهذا يتطلب زيادة في معامل انتاج المكائن الزراعية اي في الصناعة الثقيلة التي تنتج مصانع المكائن الزراعية. واذا تحققت زيادة انتاج القطن بنجاح ينبغي ان توفر الدولة المواصلات التي تضمن نقل القطن المنتج الى مصانع النسيج وهذا يتطلب زيادة كبيرة في وسائل المواصلات وتعبيد الطرق ومد خطوط السكك الحديدية وغيرها. وقد شاهدنا في الثمانينات في ظل الحكومات الخروشوفية كيف تفسخت الاف الاطنان من المواد الزراعية في مكانها لعدم توفر المواصلات الكافية لنقلها الى المدينة. وكذلك شاهدنا فشل الحملة التي اثارها خروشوف فيما سمي في حينه اصلاح الاراضي البور حيث تفسخ الانتاج لعدم وجود الطرق المناسبة لنقل الانتاح وعدم توفر وسائل المواصلات الكافية لنقلها. وزيادة المواصلات هي الاخرى تتطلب زيادة في الصناعة الثقيلة. ولكي يمكن تحويل القطن الخام الى نسيج يجب تهيئة المعامل الجديدة بالقدر الذي يكفي لنسج الزيادة في القطن الذي يصل اليها من المزارع التعاونية في كل المراحل التي تحول القطن الى مواد استهلاكية للاستعمال الشخصي. ينبغي بناء عمارات جديدة ومعامل جديدة وتجهيز هذه المعامل بادوات الانتاج الكافية لتلبية الزيادة المطلوبة. ولكي تتحقق كل هذه التغيرات في الصناعة وفي البناء ينبغي توفير الوقود اللازم لذلك. من هذا نرى ان زيادة اي انتاج سواء أكان في النظاق الاستهلاكي ام في نطاق تطوير الصناعة والزراعة والمواصلات يتطلب تفعيل كامل الجهاز الصناعي في البلاد. وقد نجح الاتحاد السوفييتي فعلا في تحقيق هذه الزيادات الهائلة في كافة ميادين الانتاج في المشاريع الخمسية الثلاثة.
ما هو سر النجاح المنقطع النظير في هذه المشاريع الخمسية؟ السر هو ان واضعي البرامج كانوا يأخذون في نظر الاعتبار مستلزمات قانون التطور المتوازن للاقتصاد الاشتراكي. كانت هذه البرامج اقرب ما يكون من هذه المستلزمات. كان تطوير الاقتصاد يجري على اساس حاجة الاقتصاد السوفييتي كله بدون الاخلال بالتوازن بين قطاع معين على حساب قطاع اخر من الانتاج وهذا سر نجاحها. هذه هي ميزات الاقتصاد المبرمج. ولكن الحكومات الخروشوفية هي الاخرى وضعت برامج خمسية او سباعية. ولكنها فشلت جميعا ولم تحقق الاهداف التي وضعت لها بل دمرت الاقتصاد السوفييتي الاشتراكي وقادته الى التحول الى نظام اقتصادي راسمالي بكل مساوئه. وسر ذلك هو ان هذه البرامج لم تأخذ مستلزمات قانون التطور المتوازن للاقتصاد الاشتراكي بنظر الاعتبار.
ان قانون التطور المتوازن للاقتصاد الاشتراكي هو قانون طبيعي نشأ مع نشوء النظام الاشتراكي. وهو قانون يتحكم في النظام الاقتصادي للمجتمع الاشتراكي كما كان قانون القيمة يتحكم في انتاج النظام الراسمالي. وهذا القانون كسائر القوانين الطبيعية خارج عن ارادة الانسان. ومن ميزات الحكومات السوفييتية في فترة بناء الاشتراكية وعلى راسها ستالين هو انها ادركت اهمية هذا القانون ووضعت برامجها الخمسية وفقا لمتطلباته.
من كل هذا نرى ان النظام الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي كان بعيدا كل البعد عن راسمالية الدولة وكان نظاما اشتراكيا كامل التطور سائرا سيرا حثيثا في طريق التقدم نحو المجتمع الشيوعي. ولم يغير من هذا وجود بقايا شبيهة بما يجري في النظام الاقتصادي الراسمالي كوجود الاجور والسلع والنقود بنطاق ضيق اذ ان وجود هذه البقايا بصورتها المطورة وفقا لمتطلبات المجتمع الاشتراكي هو ظاهرة تؤكد وجود المجتمع الاشتراكي ولا تنقضه اذ ان الاقتصاد الاشتراكي يتضمن وجود هذه البقايا وان اختفاءها يعني تحول النظام من نظام اشتراكي الى نظام شيوعي. هذا هو المجتمع الذي استلمته الزمرة الخروشوفية التحريفية وهذا هو المجتمع الذي تطلب تحطيمه اربعين عاما اي ضعف مدة بنائه.



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (1)
- مع سعاد خيري في محنتها
- وأد ثورة تموز في مهدها
- شكرا اخي احمد على تعقيبك
- ترك الحزب الشيوعي المنحرف ام العمل على استعادته؟
- الماركسية المتجددة الحلقة الثانية
- الماركسية المتجددة والديالكتيك المتجدد
- المصالحة في عرف بوشتشيني
- تفاوتات الثروة في المجتمعات الراسمالية
- يهود العراق سابقا وحاليا
- علاقة حزب الطبقة العاملة بالنقابات والمنظمات الاجتماعية
- غناء واناشيد السجون
- الى الاخ عارف معروف
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي الحلقة الثالثة - المنظمات ...
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي
- حول مقال دحام التكريتي
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي - الحلقة الاولى -النقابة
- المصالحة الطبقية ظاهرة تاريخية
- حول دراسة الاقتصاد السياسي والصراع الطبقي
- اكتشاف قانون الحركة في ظرف معين


المزيد.....




- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- حزب يساري بألمانيا يتبنى مقترحا بالبرلمان لدعم سعر وجبة -الش ...
- الشرطة الألمانية تفرق مئات المتظاهرين الداعمين لغزة في جامعة ...
- -لوسِد- تتوقع ارتفاع الإنفاق الرأسمالي لعام 2024
- بيرني ساندرز يقف في مواجهة ترامب ويحذر: -غزة قد تكون فيتنام ...
- الشرطة الهولندية تداهم مخيم متظاهرين طلبة مؤيدين لفلسطين وتع ...
- طلبة محتجون في نيويورك يغلقون أكبر شوارع المدينة تضامنا مع غ ...
- تايمز: مجموعة ضغط إسلامية تحدد 18 شرطا للتصويت لحزب العمال ا ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- استطلاع يورونيوز: تقدم اليمين المتطرف في إيطاليا قبل الانتخ ...


المزيد.....

- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - الاشتراكية كنظرية وحركة والاشتراكية كنظام اجتماعي (2)