تاريخ إنجلترا - 23 جورج الرابع، ويليام الرابع


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7889 - 2024 / 2 / 16 - 20:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الفصل السادس والأربعون

جورج الرابع،1820 -1830.


لم يكن عمر جورج الرابع، أقل من ستين عاما، عندما جاء إلى العرش، وكان حقا ملكا في كل شيء، لمدة ثماني سنوات. كان متزوجا من الأميرة كارولين، من برونزويك، ضد إرادته. كانت أميرة، لكنه كان يكرهها منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها.

لم يستطع معاملتها، كما عامل هنري الثامن زوجته الخائنة آن كليفز، وكان الاثنان غير سعداء معا، لدرجة أنهما انفصلا ولم يسكنا في نفس المنزل بعد السنة الأولى من الزواج. كان لديهما ابنة واحدة، اسمها شارلوت. هي فتاة طيبة ومشرقة، ذات روح عالية. كانت هي أمل البلاد.

لكن عندما كبرت، واجهت العديد من المشاكل، التي نجمت عن حبها وواجبها تجاه والدها ووالدتها. وبمجرد أن تم السلام بين الدول المتحاربة، ذهبت أميرة ويلز إلى إيطاليا لتعيش هناك.

تزوجت الأميرة شارلوت من الأمير ليوبولد، من ساكس كوبورج، وكانت سعيدة جدا به. لكنها ماتت قبل جدها بعام واحد، وهي في عز شبابها، و حزنت لفقدها كل إنجلترا.

جورج الرابع، المنفصل عن زوجته، كان يستعد لحفل تتويج رائع. وبمجرد أن سمعت زوجته أنه سيتوج ويصبح ملكا، جاءت إلى إنجلترا لكي تتوج معه.

إلا أنه كان غاضبا للغاية، ونهى عن وضع اسمها في كتاب الصلاة كملكة، ودعا مجلس اللوردات إلى فسخ زواجه من امرأة ثبت أنها لا تستحق أن تحمل لقب زوجة.

كانت هناك ضجة كبيرة حول هذا الموضوع. أصدقاء الملك أرادوا أن يتخلص منها، إلا أن كل البلاد كانت تعلم أن معاملته لها لم تكن أفضل من معاملتها له.

قال أحد المدافعين عن كارولين، إنه إذا تم استبعاد اسمها من كتاب الصلاة، فيقوم الناس بالصلاة من أجلها، كشخص مظلوم ومضطهد. وبعد أن تبني الناس قضيتها وباتت أكثر سخونة، اضطر الملك إلى التخلي عن التحقيق في سلوكها. لكنه لا يزال رافضا تتويجها معه كملكة.

في حفل اتسم بالروعة والوقار، في دير وستمنستر، جاءت إلى الباب لكي تركب العربة، لكنها منعت، فعادت إلى غرفتها. ولا يبدو أن الناس كانت مستعدة لمقاطعة العرض، وفعل أي شيء لصالحها، كما توقعت هي وأصدقاؤها.

عادت إلى غرفتها، وهي تكابد خليطا من اليأس والحزن، تسببا في موتها لاحقا. إنه تاريخ حزين، لأن كلاهما يتحمل الكثير من اللوم. ومما يظهر مدى كراهية الملك لها، أنه عندما مات نابليون، قيل له إن أكبر عدو له قد مات، فأجاب ، "متى ماتت؟" أي أنه كان يعتبرها أكبر عدو له.

قام جورج الرابع برحلتين، واحدة إلى اسكتلندا والأخرى إلى أيرلندا. وكان هو الأول من برونزويك، الذي يقوم بزيارة هاتين المملكتين. وتم استقبله في كليهما بروعة وفرح كبيرين. لكن بعد ذلك بدأت صحته تتدهور، وكان لا يحب الظهور في الأماكن العامة.

قضى معظم وقته في منزل، بناه لنفسه في برايتون، يسمى الجناح، وفي وندسور، حيث اعتاد أن يقود عربته في الحديقة الخلفية. وكان لطيفا وكريما مع أولئك الذين ارتبط بهم، لكن عددهم كان أقل ما يمكن.

كان منزعجا وغاضبا من اضطراره إلى الموافقة على مشروع القانون، الذي يسمح للروم الكاثوليك بدخول البرلمان، وشغل مناصب أخرى، بعكس والده. لم يكن السبب ديني، لأنه لم يكن أبدا رجلا متدينا. لكنه كان متخوفا من أن العديد من التغييرات، من شأنها أن تغير كل شيء.

توفي شقيقه التالي، فريدريك، دوق يورك، قبله. وشقيقه الثالث، ويليام، دوق كلارنس، الذي نشأ كضابط في البحرية، وكان صديقا لليمينيين الذين يعارضون الملكية المطلقة (الوجيز)، ولأولئك الذين كانوا على استعداد لإجراء تعديلات.

لكن كانت التغييرات قادمة من تلقاء نفسها، بالرغم من ذلك. لأن الاختراعات كانت تحرز تقدما في وقت السلام هذا. فقد بدأ الناس في اكتشاف القوة العظيمة للبخار، وجعلوه يحرك السفن، التي كانت تعتمد حتى الآن على الرياح، وبالتالي أصبح من الأسهل بكثير السفر من بلد إلى آخر، ونقل البضائع.

كما تم استخدام البخار لتشغيل محركات غزل ونسج القطن والكتان والصوف، وفي الصناعة والتعدين. ما كان يتم حتى الآن صنعه باليد، بأعداد صغيرة من العمال المهرة، يتم عمله الآن بواسطة آلات كبيرة، تعمل بالبخار.

لكن كانت هناك حاجة إلى عدد من العمال لخدمة المحرك. لأن توليد البخار يحتاج إلى نار. والنار تحتاج إلى الفحم. ومعظم الفحم موجود في الأجزاء الشمالية من إنجلترا.

لذلك، تم إنشاء كل هذه المصانع تقريبا فيها، وتوافد الناس للحصول على عمل هناك. وبدأت المدن تنمو بشكل كبير جدا، وكانت مانشستر واحدة منها، مع ليفربول كميناء بحري لاستيراد الأقطان وتصدير المنسوجات. كما اشتهرت شيفيلد وبرمنجهام بأعمال الحديد والصلب، وما إلى ذلك.

كل هذا جعل أصحاب المصانع أغنياء وعظماء مثل اللوردات القدامى، الذين احتفظوا بمعظم السلطة في إنجلترا، بعد أن انتزعوها من الملك بعد الثورة.

مرض جورج الرابع، ومات بعد حكم عملي دام عشرين عاما، ورسمي عشر سنوات. قضى الخمسة الأوائل منها في الحرب، والخمسة عشر الأخيرة في السلم. كان دوق ويلينجتون والسير روبرت بيل، رؤساء وزرائه. الدوق كان واضح الذهن في السلام، كما كان في الحرب.


الفصل السابع والأربعون

وليام الرابع، 1830-1837.


لم يكن لدى جورج الرابع أبناء على قيد الحياة وقت وفاته. وقد توفي قبله شقيقه التالي، فريدريك، دوق يورك، بدون أطفال. لذلك ذهب التاج إلى الابن الثالث لجورج الثالث، ويليام، دوق كلارنس.

كان بحارا في أيام شبابه، لكنه كان مسنا عندما جاء إلى العرش. لم يكن يتسم بالحكمة، لكنه كان وديعا لطيفا ودودا. وكانت زوجته، الملكة أديلايد، من ساكس مينينجن، امرأة ممتازة، احترمها الجميع.

لم يكن لديهم أطفال سوى ابنتين ماتتا في سن الطفولة: وكان الجميع يعلم أن الوريث التالي هي الأميرة فيكتوريا، ابنة الأخ التالي، إدوارد، دوق كينت الذي توفي بعد عام من ولادتها.

كان الملك وليام الرابع ودودا مع اليمينيين، الذين أرادوا أن تكون السلطة في يد الشعب لا الملك. المغالون منهم، يطلق عليهم الراديكاليين. لأنهم كانوا يطلبون إصلاحا جذريا.

في الواقع، حان الوقت لتغيير طريقة انتخاب أعضاء مجلس العموم، لأن بعض المدن قد تغير تعدادها بالزيادة أو النقص. مثل قريتي برمنغهام وبرايتون، اللاتان أصبحتا الآن مدينتين كبيرتين.

أراد دوق ويلينجتون وأصدقاؤه تصحيح هذه الأوضاع. لكن الراديكاليين كانوا على عجلة من أمرهم، أكثر وأسرع مما كان يستطيع أن يسمح به.

كان الفقراء يتوهمون أن الحقوق الجديدة المقترحة ستجعلهم أفضل حالا، وأن كل رجل سيحصل على ما يريد بسهولة. وكانوا غاضبين جدا من أي تأخير، لدرجة أنهم كونوا عصابات تشعل النار في أكوام القش والذرة، لتخويف من بيدهم الأمر.

ونسي الغوغاء، أثناء الغضب، إنجازات الدوق ويلينجتون العظيمة. فتجمعوا حوله، وكانوا على استعداد لإهانته ورشقه بالحجارة أثناء ركوبه. لكنهم، عندما رأوا هدوءه وهو يمضي قدما بلا خوف، دون الالتفات إليهم، لم يرفع أحد يده عليه. لكنهم حطموا نوافذ منزله في لندن.

بعد خروجه من منصبه ودخول اليمينيون، تم تمرير قانون البرلمان الذي أطلق عليه قانون الإصلاح، لأنه أصلح الوضع الذي يتعلق بالمدن التي يجب أن يكون لها عدد أعضاء يتناسب مع حجمها. إلى جانب ذلك، سمح لكل شخص، إذا كان يستأجر منزلا بعشرة جنيهات في السنة، التصويت لعضو البرلمان.

لقد تم العديد من الإصلاحات في عهد الملك ويليام. كما تم تكوين النقابات العظيمة في ذلك الوقت. ولم يعد من السهل الحصول على المساعدة من الأبرشيات، دون الذهاب والعيش في واحدة منها. كان هذا بهدف علاج خمول الناس. لكن أفضل شيء تم القيام به، هو تحرير العبيد.

كان في أمريكا عدد من الجزر، ينمو فيها قصب السكر والقهوة والتوابل. لكن الجو حار جدا بالنسبة للإنجليز لكي يقومون بالعمل هناك.

لذلك، ولأكثر من مائة عام، كانت السفن تذهب إلى إفريقيا. هناك، تقوم باختطاف أو سرقة الرجال والنساء والأطفال الزنوج، أو شرائهم من قبائل الزنوج الشرسين الذين أسروهم، وحملوهم إلى جزر الهند الغربية، حيث يتم بيعهم. تماما كما يتم شراء الماشية وبيعها.

عمل رجل إنجليزي، هو ويليام ويلبرفورس، نصف حياته لحظر تجارة الرقيق الرهيبة هذه. وأخيرا نجح ، في عام 1807، أثناء حكم جورج الثالث.

لكن، بالرغم من عدم جلب المزيد من السود من إفريقيا، لا يزال يسمح للناس في جزر الهند الغربية بالاحتفاظ بالعبيد الذين يمتلكونهم بالفعل، وشرائهم وبيعهم.

لذلك استمر ويلبرفورس وأصدقاؤه في العمل حتى وقت ويليام الرابع، عندما تم تحرير جميع العبيد تحت السيادة البريطانية في عام 1834.

بعد أن اكتشف الناس أنه يمكن تشغيل السفن بالبخار، تم إنشاء السكك الحديدية لقطارات العربات والشاحنات الصغيرة، ليتم سحبها بواسطة محرك بخاري واحد.

وتم افتتاح أول خط سكك حديدية عام 1830، وهو نفس العام الذي توج فيه ويليام الرابع. ثم بدأت تنتشر خطوط السكك الحديدية، حتى أمكن تغطية البلد كلها بشبكة من السكك الحديدية. بحيث يمكن نقل الأشخاص والبضائع بشكل أسرع بكثير مما كان يحلم به في العصور السابقة. بينما السفن البخارية الأكبر، تذهب لمسافات أبعد.

إلى جانب ذلك، وجد الكثير من الناس في إنجلترا أنه لا يوجد عمل أو طعام كاف لهم في بلدهم، فذهبوا للاستقرار في كندا وأستراليا ونيوزيلندا، وكونوا، في كل هذه الأماكن البعيدة، مستعمرات إنجليزية جديدة. وبات الإنجليز شعبا لا تغرب عنه الشمس.

توفي وليام الرابع سنة 1837. كان آخر ملك إنجليزي لديه ولاية هانوفر الألمانية. التاج لا يمكن أن ترثه امرأة، لذلك ذهب إلى شقيقه إرنست، بدلا من ابنة أخته فيكتوريا.