تاريخ إنجلترا – 16 جيمس الأول


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7788 - 2023 / 11 / 7 - 09:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الفصل الثاني والثلاثون


جيمس الأول، 1602-1625.



بعد وفاة الملكة إليزابيث، كان الوريث التالي هو جيمس الأول، ابن ماري، ملكة اسكتلندا، وكان يحكم هناك منذ طرد والدته، باسم "جيمس السادس". لقد تربى بصرامة شديدة على أيدي إصلاحيين اسكتلنديين، أجادوا تعليمه، ودربوه على ضبط النفس، أمام ما يمر به من مغريات.

كان خجولا، لا يتحمل رؤية سيف مسلول. وكان خائفا جدا من القتل، لدرجة أنه اعتاد ارتداء ثوب مبطن ومحشو بالصوف، مما جعله يبدو أخرق أو عبيط، على غير طبيعته.

لم يكن الإنجليز معجبين كثيرا بملكهم الجديد، بالرغم من أنها كانت حقا نعمة عظيمة أن تكون إنجلترا واسكتلندا تحت حكم نفس الملك، وذلك لإنهاء جميع الحروب الطويلة الدموية، التي قامت بينهما، واستمرت لسنوات عديدة.

ومع ذلك، اعتقد المتشددون دينيا أن جيمس، الذي نشأ في ظروف تماثل ظروفهم، سيسمح لهم بإجراء جميع التغييرات التي أوقفتها الملكة إليزابيث. وتذكر الروم الكاثوليك أنه ابن الملكة ماري، وأنه قد تم تعليمه عن طريق الإصلاحيين، لذلك وضعوا كل آمالهم عليه.

لكنهم كانوا مخطئين. لقد كان جيمس يقرأ ويفكر كثيرا، وكان رجلا أكثر حكمة في الواقع مما كان يظن به، بالرغم من طريقته البغيضة في الحديث. وكان يعتقد أن الكنيسة الإنجليزية على حق، وكان يتمنى فقط أن تسير الأمور على حالها في إنجلترا.

لكن، بالرغم من أنه لم يستطع تغيير الاسكتلنديين مرة واحدة، إلا أنه جعل أفضل العلماء ورجال الدين في مملكته يقومون بترجمة الكتاب المقدس، وهي الترجمة المعروفة بنسخة الملك جيمس.

قبل ذلك بوقت طويل، دبر بعض الروم الكاثوليك مؤامرة للتخلص من جميع كبار القوم في المملكة. يظنون بذلك أنهم يعيدون السلطة الدينية لبابا الروم الكاثوليك.

بيد أنه كان هناك، من بين الروم الكاثوليك، من يرى أن مثل هذا الفعل، لن يكون سهلا، وسوف يقابل برد فعل شديد. إلا أن البعض منهم كانوا متعصبين، يكفرون من يختلفون معهم في العقيدة.

ومن ثم، اتفق هؤلاء الرجال على أنه في يوم اجتماع البرلمان، عند حضور الملك، والملكة وأمير ويلز، وأعضاء مجلسي اللوردات والعموم، سيقومون بتفجيرهم جميعا بالبارود.

وبينما تكون البلاد كلها في حالة هرج ومرج، بعد قتل الملك، وجميع اللوردات، وأصحاب الإقطاعيات، سيأخذون أطفال الملك الصغار، إليزابيث وتشارلز، كي يربونهما على ديانة الروم الكاثوليك، ويعدون أحدهما لحكم إنجلترا.

استأجروا بعض الأقبية تحت مجلسي البرلمان، وأودعوا فيها براميل البارود. وكان الوقت قد حان تقريبا، عندما تلقى أحد اللوردات، اسمه مونتيجل، رسالة حيرته كثيرا، تنصحه بعدم حضور اجتماع البرلمان، لأن كل من يحضر، سيتم تفجيره.

لا أحد يعرف كاتب الرسالة، وعلى الأرجح أنها كتبت بأحد اللوردات الذين طلب منهم الانضمام إلى المؤامرة ولكنه رفض لسبب ما. وبالرغم من أنه لم يكن يرغب في خيانة أصدقائه المتآمرين، إلا أنه لم يرد قتل اللورد مونتيجل أيضا.

رفع اللورد مونتيجل الرسالة إلى المجلس، وهناك، تساءل عما إذا كانت مزحة سخيفة أم أمر جلل. قال الملك إن البارود ربما يكون هو وسيلة التدمير المفاجئة.

لذلك، تم الاتفاق على أنه من الأحوط أخذ الأمر بجدية، وفحص أماكن التخزين بالقصر. فكلفت مجموعة للبحث والتحري، وهناك وجدوا كل البارود جاهزا للتفجير. علاوة على ذلك، وجدوا رجلا يحمل فانوسا، هو "جاي فوكس"، الموكل إليه إشعال النار في فتيل البارود، والهرب قبل الانفجار الرهيب.

تم القبض عليه في الوقت المناسب، وأجبر على الاعتراف. لكن، هرب معظم اللوردات المشتركين في المؤامرة، وأغلقوا عليهم الأبواب في منزل محصن.

هناك، وهذا من عجائب الأمور، تفجر برميل بارود كان في حوزتهم، فأصيب الكثيرون منهم إصابات بالغة. وكأن الأقدار أبت إلا أن تذيقهم نتيجة أفعالهم، بنفس الطريقة التي أرادوها للآخرين.

5 نوفمبر، هو اليوم الذي تقرر فيه تنفيذ المؤامرة. لقد صار عيدا للشكر، يحتفل به الناس في جميع أنحاء البلاد، بإشعال النيران وإطلاق الألعاب النارية، وإحراق دمية تمثل شخصية "جاي فوكس". لكن الناس أصبحوا الآن أكثر حكمة وعقلانية، وجنحوا إلى نسيان الأعياد التي تذكرهم بجرائم الكراهية المؤلمة السابقة.

هنري، أمير ويلز، كان فتى جيدا، مغرما بكل ما هو جيد. وكان مثل هنري الخامس، مغرما جدا بالسفن والبحرية، سعيدا بمشاهدة بناء سفينة كبيرة كانت ستأخذ أخته إليزابيث عبر البحار، عندما كانت ستتزوج من كونت بالاتين. قبل الزفاف، مرض الأمير هنري فجأة وتوفي.

كان الملك جيمس يبغي صداقة أشخاص معينين، كما كانت إليزابيث دائما. لكن أسوأ شيء فعله على الإطلاق، هو إبقاء السير والتر رالي في البرج لسنوات عديدة، قبل أن يقطع رأسه في نهايتها.

فلقد تم التأكد من أن السير والتر قد حاول، عندما جاء جيمس لأول إلى الحكم، تنصيب سيدة تدعى أرابيلا ستيوارت ملكة على البلاد. لكن، إذا كان الأمر كذلك، وبات يستحق العقوبة، لماذا لا تكون فورية، بدلا من أن يبقي الحكم معلقا فوق رأسه لسنوات عديدة.

الحقيقة هي أن السير والتر كان عدوا كبيرا للإسبان، وأراد جيمس أن ينول رضاهم، بتزويج ابنه تشارلز من ابنة ملك إسبانيا.

أراد تشارلز رؤيتها أولا، فانطلق إلى إسبانيا، متنكرا في هيئة نبيل، مع دوق باكنغهام، الذي كان صديقا له، وأعظم المفضلين لدى والده. لكن، عندما وصل إلى مدريد، وجد أنه لا يسمح للأميرات بالتحدث إلى أي رجل غريب، ولا يظهرن له وجوههن.

فقام تشارلز بتسلق سور القصر، على أمل أن يراها ويتحدث معها عندما تأتي لتمشي في الحديقة. لكن، توسل إليه أحد الحراس كي يغادر المكان فورا، وإلا عوقب كل الخدم بالقصر.

عاد تشارلز بخفي حنين، يجر أذيال الخيبة. وفي طريقه، عرج على باريس، فرأى هنريتا ماريا، أخت ملك فرنسا، ذات العيون الساحرة المشرقة، فخفق لها قلبه، وقرر الزواج منها.

قبل إتمام مراسيم الزواج، أصيب الملك جيمس بمرض الدوسنطاريا وتوفي، في عام 1625. هو أول ملك لعائلة ستيوارت، وكان مثقفا للغاية. لكنه، مثل الملكة إليزابيث، كان يمزج المكر بالحكمة، ويؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة، شأن معظم الملوك والحكام في كل مكان وكل أوان.