تاريخ إنجلترا – 18 كرومويل، وتشارلز الثاني


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7808 - 2023 / 11 / 27 - 02:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الفصل السادس والثلاثون

أوليفر كرومويل، 1649-1660.


شعر أوليفر كرومويل، أنه لا يوجد أحد في إنجلترا، يمكنه وضع الأمور في نصابها الصحيح مثله. لقد أوضح أن البلاد في حاجة له، إذا قررت الاستغناء عن النظام القديم.

فلم يقتصر الأمر على إعدامه لتشارلز الأول، وهزيمته لأصدقاء وأتباع ابنه في اسكتلندا، ولكنه قد أخمد انتفاضة رهيبة للأيرلنديين، وقمعهم بقسوة أكثر بكثير مما يبدو في الظاهر.

لقد تبين أن البرلمان الطويل القديم، لم يفعل شيئا سوى الأخطاء والكلام الفارغ. لذلك سار كرومويل إلى مجلس النواب، ذات يوم، مع مجموعة من الجنود، وأمر الأعضاء بصرامة بالخروج، مناديا، وهو يشير إلى الصولجان الذي كان ملقى أمام كرسي رئيس البرلمان، "خذوا معكم هذه الحلية".

بعد ذلك، دعا إلى برلمان جديد، لكن كان هناك عدد قليل جدا من الأعضاء، يطيعونه ويفعلون ما يأمرهم به. رئيس البرلمان الجديد، كان يعمل بائعا للجلود يدعى، بيربونز، لذلك كان البرلمان يعرف باسم "برلمان بيربونز".

وقام هؤلاء الأعضاء، بتسمية كرومويل "اللورد حامي إنجلترا". ولأنهم كانوا يفعلون ما يأمر به طواعية، فقد حكم لمدة خمس سنوات متوالية، تماما كما يفعل أي الملك، وأي ملك جيد أيضا.

لم يكن كرومويل، بأي حال من الأحوال، رجلا قاسيا لا يعرف الرحمة. فهو لم يضطهد فارسا أكثر مما ينبغي، للحفاظ على سلطته. بالرغم من أن الفرسان أعوان الملك في مجملهم، قد عانوا كثيرا.

لقد فرضت عليهم غرامات كبيرة، وخسر بعضهم ممتلكاتهم بسبب معارضتهم للبرلمان. واضطر الكثيرون منهم للهرب إلى هولندا أو فرنسا، طلبا للأمان غير المتوافر لهم في إنجلترا. وكانت زوجاتهم يترددن إلى منازلهم لتحصيل إيجاراتهم، والحصول على شيء يقيمون به رمقهم.

كما تم طرد جميع الأساقفة ورجال الدين، ولم يكن مسموحا في الكنيسة باستخدام كتاب الصلاة. لذلك كانت هناك اجتماعات سرية في الغرف، والأقبية، أو في الغابات، حيث يمكن ممارسة الصلوات القديمة، وتقديم القربان المقدس.

لمدة خمس سنوات متوالية، كان كرومويل هو اللورد الحامي للديار، ولكن توفي في عام 1658، بعد أن نصح باختيار ابنه ريتشارد حاميا للديار بدلا منه.

كان الابن، ريتشارد كرومويل، رجلا لطيفا وودودا، لكنه لم يكن ذكيا أو قويا مثل والده، وسرعان ما وجد أن حكم إنجلترا، عبئا ثقيلا، خارج نطاق قدراته. لذلك اعتزل الحكم، وذهب للعيش في منزله مرة أخرى، لذلك أطلق عليه الشعب الإنجليزي الاسم التهكمي، والخارج عن اللياقة: "القضيب المرخي".

لم يكن أحد يدري بالضبط، ما يجب القيام به في ذلك الوقت. لكن الجنرال مونك، الذي كان على رأس الجيش، اعتقد أن أفضل شيء ممكن فعله، هو العمل على إعادة الملك إلى العرش.

فتم انتخاب برلمان جديد، وأرسلت دعوة إلى تشارلز الثاني. ليعود مرة أخرى، كي يتوج ملكا على البلاد مثل أجداده. فتم إرسال الأسطول لإحضاره، وفي 29 مايو 1660، عاد إلى لندن بين إخوته جيمس وهنري.

كانت الشوارع مغطاه بالأغصان الخضراء، والنوافذ مزينة بقطع النسيج والأعلام، وكان الجميع يظهرون فرحا وسرورا شديدين. وقال الملك إنه لا يعرف سبب بقائه بعيدا هذه المدة الطويلة، وكان الجميع سعداء جدا برؤيته مرة أخرى.

لكن فرحة عودته، كانت قد غطت عليها وفاة أخته ماري، أميرة أورانج، ووفاة شقيقه هنري، الذي كان في العشرين من عمره فقط. تركت ماري ابنا، ويليام، أمير أورانج، سنسمع عنه المزيد فيما بعد.

تم استعادة الأساقفة، وبما أنه لم يكن هناك رئيس أساقفة منذ قطع رأس لاود، لهذا أصبح جود جوكسون، الذي حضر وفاة الملك تشارلز، رئيس أساقفة.

كذلك، تم تسريح كل جيش أوليفر كرومويل، وأرسل الجنود إلى منازلهم، باستثناء فوج واحد، جاء من كولدستريم في اسكتلندا. رفض التسريح، وعندما سمع تشارلز الثاني ذلك، قال إنه سيأخذهم كحرس خاص له.

كانت هذه بداية وجود جيش نظامي دائم، العمل الوحيد الموكل لأفراده، هو أن يكونوا جنودا نظاميين، بدلا من نظام الاستدعاء عند الحاجة للجنود الاحتياطيين.

وعد تشارلز الثاني بالعفو عن جميع المتمردين، لكنه حاول إعدام كل المشتركين، أو لهم علاقة بالحكم على والده بالإعدام.


الفصل السابع والثلاثون

تشارلز الثاني، 1660-1685.


من المحزن أن نقول بعد كل ما قيل، إن تشارلز الثاني قد أصاب الجميع بخيبة أمل كبيرة. بعض الإخفاقات كان رغما عن أنفه، والبعض الآخر كان بسبب أخطائه.

اعتقد الأطهار، البيوريتان، بعد أن أعادوه إلى إنجلترا مرة أخرى، أنه الاختيار الأوفق، وأنه سيكون أكثر ملاءمة لهم. لذلك تذمروا من استعادته لرجال الدين السابقين الكاثوليك، وكتاب الصلاة.

وتوقع الفرسان، أنصار الملك، أنه بعد كل ما قد بذلوه من أجله، ومن أجل والده، أنه سيقوم بمكافأتهم أكثر مما فعل. لكنه قال، وكان محقا في قولته هذه، إنه إذا كافأ كل من مد له يد المساعدة، بأن جعله لوردا، فلن يكون هناك متسع، يسع مجلس اللوردات، سوي سهول سالزبوري نفسها.

ثم شعر الأفراد، الذين استدانوا للتبرع لجنود الملك، أو تكبدوا غرامات مالية، أو اضطروا إلى بيع ممتلكاتهم، أنه من الظلم عدم تعويضهم عما فقدوا.

لكن، بعدما قام أعضاء البرلمان بشراء العقارات، كان من الظلم إخراجهم منها. وقد بدا أن "الفرسان" و"ذي الرؤوس المستديرة"، اسمين أكثر سخافة. فبات الفرسان يسمون "توريز"، ويعني اللصوص، والبيوريتان، أصبحوا يعرفون ب "ويجز"، وتعني اللبن الرائب.

كان الأمر يتطلب رجلا قويا وحكيما وصالحا، للتعامل بشكل صحيح مع مجموعتين مختلفتين من الناس. لكن، بالرغم من أن تشارلز الثاني، كان رجلا ذكيا جدا، إلا أنه لم يكن حكيما أو سياسيا.

لم يكن يحب المشاكل، لا يتحمل الإزعاج لنفسه، أو أي شخص آخر. وبدلا من أن يغضب من يطلب منه شيئا بالرفض، كان يلبي طلبه، ويمنحه تقريبا أي شيء يطلبه. لقد كان بشوشا وحيويا للغاية، وكان يجاوب إجابات لطيفة ولطيفة ترضي الجميع، لدرجة أن أحبه كل من اقترب منه.

لكنه لم يكن لديه مبدأ ثابت، أراد فقط أن يرضي الجميع، ويحتفظ بأكبر قدر ممكن من السلطة لنفسه. كان يحب المتعة، أفضل بكثير من التزامه بأداء الواجب. وكان يلديه مجموعة من الأفراد، يقومون بتسليته والترفيه عنه.

لكنهم كانوا وصمة عار على بلاطه وحكمه. إلى درجة أنهم أخذوا رشوة من الملك الفرنسي، لإقناع تشارلز الثاني بعدم مساعدة الهولنديين، في حربهم ضد الفرنسيين.

فخاض الهولنديون حربا مع الإنجليز بسبب ذلك، وكانت هناك العديد من المعارك البحرية الرهيبة، حيث تبين أن جيمس، دوق يورك، شقيق الملك، كان بحارا جيدا وشجاعا.

خلال شتاء عام 1664، ظهر مذنب كبير في السماء، وكان سكان لندن خائفين ويتساءلون ما الحدث الشرير الذي ينبئ به. كانت لندن في ذلك الوقت تتألف من مدينة تبلغ مساحتها 445 فدانًا محاطة بسور المدينة والذي بُنِي أساسًا لإبعاد العصابات المداهمة.

يذكر عام 1665، بأنه العام الذي ظهر فيه وباء الطاعون الرهيب. مات منه الكثير بعد مرض قصير معد، وكان كالقضاء والقدر، لا مهرب منه.

في الأحياء الفقيرة من المدينة، كان من المستحيل الحفاظ على النظافة في الشقق والأماكن المكتظة. لم يكن هناك صرف صحي، وكانت الشوارع متعرجة، بها روث حيوانات، وقمامة، وفضلات ملقاة من المنازل، موحلة ومليئة بالذباب في فصل الصيف وغارقة في مياه المجاري في فصل الشتاء. كانت الرائحة الكريهة شديدة وكان الناس يتجولون وهم يضغطون على أنوفهم بمنديل أو بأكاليل ورود.

عندما كان يمرض به أحد، كانت تثبت علامة صليب أحمر على باب منزله، فلا يسمح لأحد بالخروج منه أو الدخول إليه. وكان يترك الطعام على عتبة الباب لمن في البيت. ثم تأتي العربات لنقل الموتى، الذين يدفنون بالجملة في خنادق طويلة عميقة.

كان الطاعون أسوأ حدة في فصلي الصيف والخريف. مع حلول فصل الشتاء، يتعافى أكثر مما يمرض، وأخيرا انتهى هذا المرض المخيف، والذي لم يأت إلى لندن منذ ذلك الحين.

في العام التالي 1666، شب حريق هائل في لندن، أحرق شوارع بأكملها، مع كنائسها، بما فيها كاتدرائية القديس بولس. ربما كان ذلك مفيدا بعض الشيء، لأنه دمر المنازل القديمة القذرة والشوارع الضيقة المظلمة، والتي كانت لا تزال موبوءة بالطاعون.

لكن الحريق بمجمله، كان مصيبة مخيفة. تم إيقافه أخيرا عن طريق تفجير مساحات محدودة بالبارود، حتى تمنع انتشار النيران بالتلامس. وقام الملك، تشارلز الثاني، هو وأخوه جيمس، بما يلزم من إسعافات، وإيجاد مأوى للعديد من الفقراء والمشردين.

كان هناك قدر كبير من الاضطرابات في اسكتلندا عندما أراد الملك إعادة الأساقفة وكتاب الصلاة. لم يذهب العديد من الاسكتلنديين إلى الكنيسة، واجتمعوا على التلال والمستنقعات لأداء صلواتهم بطريقتهم الخاصة.

فتم إرسال الجنود لتفريقهم، وكان هناك شعور بمرارة كبير، جعلهم يقومون بسحب رئيس الأساقفة، واسمه شارب، من عربته وقتله. ثم اندلعت حرب أهلية، انتصر فيها رجال الملك. لكن البيوريتان، عوملوا بقسوة، وكان هناك استياء كبير بينهم.

كانت البلاد في وضع مضطرب للغاية، لأن الملك والملكة لم يكن لديهما أطفال. وكان دوق يورك كاثوليكيا رومانيا. ثم ظهرت قصة غريبة، مفادها وجود مؤامرة بابوية لقتل الملك تشارلز الثاني، ووضع جيمس أخيه على العرش.

سخر تشارلز نفسه من هذه الشائعة، لأنه كان يعلم أن الجميع يحبونه ويكرهون أخيه، جيمس، الذي خاطبه قائلا: "لن يقتلني أحد لكي يجعلك ملكا". ولكنه، عندما وجد أن كل البلاد تؤيده، وتريد أن تقتل المتآمرين، لم يحاول إنقاذ حياتهم.

بعد فترة وجيزة من هذه المؤامرة الكاذبة، كان هناك مؤامرة حقيقية تسمى مؤامرة منزل الجاودار. منذ فترة طويلة، قام الملك بالزواج من فتاة تدعى لوسي ووترز وأنجبا ابنا جعله دوق مونماوث. لكنه لن يستطع الحكم، لأن الزواج لم يكن صحيحا.

ومع ذلك، فإن اللورد راسل وبعض النبلاء الآخرين، كرهوا فكرة أن يكون دوق يورك ملكا، لدرجة أنهم انضموا إلى المؤامرة لقتل الدوق، وإجبار الملك على جعل ابنه، دوق مونماوث، وريثا له.

بعض الأفراد، الذين انضموا إليهم، كانوا يقصدون إطلاق النار على تشارلز وجيمس معا، وهما في طريقهما لمشاهدة سباقات نيوماركت.

ومع ذلك، تم اكتشاف المؤامرة في حينها، وتم إعدام قادتها. جلست زوجة اللورد راسل، السيدة راشيل، بجانبه طوال وقت محاكمته، وكانت عزاءه الكبير حتى النهاية. وتم العفو عن دوق مونماوث، لكنه هرب بعيدا إلى هولندا.

أفضل شيء يمكن قوله عن تشارلز الثاني، اختياره لأساقفة أكفاء، ولم يغضب، عندما كانوا يقوموه ويتحدثون بجرأة عن أسلوبه المستهتر، ورفاقه السيئين. لكنه، لم يحاول أبدا تركهم، وقضى يوم الأحد الأخير من حياته بينهم، يلعب الورق ويستمع إلى الأغاني الخليعة.

بعد ذلك مباشرة، أصيب بسكتة دماغية. وبينما كان يحتضر على سريره، طلب كاهنا كاثوليكيا رومانيا، وتم استقباله في كنيسة روما، التي كان يؤمن بها حقا معظم حياته، بالرغم من أنه لم يجرؤ أبدا على إعلان ذلك، خوفا من فقدان تاجه.

في هذا العهد، نشر كتابان عظيمان. أحدهما، كتاب الفردوس المفقود، كتبه جون ميلتون، الشاعر الأعمى، الذي كان، قبل أن يفقد بصره، سكرتير أوليفر كرومويل، أو بالأحرى أملاه على بناته. الكتاب الآخر، هو كتاب "هداية الحاج"، كتبه المصلح جون بنيان، الذي كان واعظا بيوريتانيا.