فيلم زقزقة العصافير


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7795 - 2023 / 11 / 14 - 22:14
المحور: الادب والفن     

فيلم زقزقة العصافير، من إخراج ماجد مجيدي. هو جوهرة إيرانية تظهر تعاطفا واحتراما كبيرين للبشر وتصور آمالهم وإخفاقاتهم.

يعيش كريم (رضا ناجي) حياة هادئة، مع زوجته نرجس (مريم أكبري) وابنتيه وابنه في قرية صغيرة غرب طهران. يعمل كرئيس حظيرة لتربية النعام، ولديه حب عميق لهذه المهنة.

تتعقد الأمور، وتأخذ منعطفا سيئا بالنسبة لكريم عندما تهرب نعامة ماكرة من المزرعة. يبحث عنها في الغيطان الواسعة المحيطة بالمزرعة على دراجته، ويحاول خداعها من خلال ارتداء زي مضحك يشبه النعامة، لكن كل جهوده باءت بالفشل الزريع. تبلغ قيمة النعامة ألفي دولار، لذلك تم طرد كريم من وظيفته بدون رحمة.

أثناء وجوده في طهران، وهو يبغي استبدال سماعة ابنته المكسورة أو إصلاحها، تم الاعتقاد، عن طريق الخطأ، بأنه سائق موتوسيكل أجرة يقوم بتوصيل الركاب، وسرعان ما وجد رزقا مستمرا من رجال الأعمال الذين هم على استعداد للركوب معه في شوارع المدينة المزدحمة في مقابل أجر زهيد.

يصادف كريم بعض الركاب الكرماء، وعدد قليل ممن يحاولون استغلاله وابتزازه. أحدهم يكلفه بحمل ممتلكاته إلى مكان جديد. يحتج كريم بأنه ليس حمالا لكن الرجل يصر على ذلك.

كريم رجل طيب وأب يراعي زوجته وأولاده الصغار، يعيش بتقاليد القرية القديمة. لكن عمله في المدينة بدأ يغيره. يصبح مهووسا بجمع الأشياء وتخزينها في منزله.

هوائي جديد للتلفزيون، بدلا من الهوائي القديم المصنوع باليد من طبقين ألومنيوم، وإطار نافذة قد يحتاجون إليه، ولكن أيضا الكثير من الخردة والحدادة.

عندما تسمح نرجس زوجته لأحد الجيران بأخذ باب أزرق كان قد أحضره إلى المنزل، فإنه يغضب ويذهب للجارة كي يستعيده منها. لكن الزوجة تبكي، فهي كريمة حنونة، وهو يحرجها مع جيرنها بفعلته هذه.

يبدو أن ابنه الصغير حسين (حامد أغازي)، يقوم هو ورفاقه بتنظيف خزان مياه بفكرة تربية أسماك الزينة الذهبية هناك ثم بيعها.

الصبي مقتنع بأنه يمكن أن يصبح مليونيرا من هذا العمل. لكنه في نهاية الفيلم، يسكب برميل السمك الزريعة على الأسفلت، لكي تموت كل الأسماك ويتبدد الحلم الكبير بأن يصبح مليونيرا، لكن تجاهد سمكة واحدة، وتصل إلى الماء سالمة. أي أنه لا زال هناك أملا في هذه الحياة.

ماجد مجيدي هو أحد المخرجين الإيرانيين المفضلين. كل قصصه لها تأثير روحي، ويقوم بتقديمها بتعاطف واحترام كبيرين للبشر وإخفاقاتهم.

من بين هذه الأفلام، أطفال السماء، لون الجنة، باران، وشجرة الصفصاف. في هذه الأفلام، نذوب في حياة شخصياتها، وتظهر لنا الأبعاد الروحية للحياة اليومية، والطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين. فيلم زقزقة العصافير، كان مرشحا لجوائز الأوسكار لعام 2008 لأفضل أجنبي.

كتب المخرج في تعليقه على الفيلم: "كان هدفي هو تصوير الناس البسطاء اليوم في مواجهة العالم الحديث، من أجل إظهار ضغوط الحداثة الخانقة على البشر.

لا أعني بهذا أنني أعارض الحداثة في حد ذاتها. ولكن أعني أن يكون التحديث في خدمة البشر. بدون أن نبتعد عن قيمنا الإنسانية.

كل قيمنا، بما في ذلك الصداقة والأخلاق والجمال والرحمة، تصبح أقل أهمية يوما بعد يوم. وكان هدفي هو القول إنه يجب علينا العودة إلى جوهرنا الإنساني، وإلا سنواجه كارثة كبيرة في المستقبل ".

انهيار حياة كريم في الفيلم، يفتح الباب أمام تقدمه الروحي. فبينما كان يتسلق كومة الخردة والحدايد التي تم جمعها من المدينة، سقط وأصيب بجروح بالغة.

بينما هو طريح الفراش، مجبسا وملفوفا بالشاش الطبي، يدرك مدى اعتماده على لطف زوجته وجيرانه وأصدقائه. فيعود كريم إلى التواصل مع جمال العالم والطبيعة من حوله، ويتعرف على عصفور محاصر في منزله. عندما يطلقه للفضاء الفسيح، يعلم أنه الآن أصبح مستعدا حقا للتغيير.

إنها متعة أن تكون على سطح منزلك مع زوجتك التي تحبها، حيث النسيم العليل، بينما يشاهد أطفالك التلفزيون في وقت متأخر من المساء؟ أو عندما تطبخ زوجتك بيضة نعامة كبيرة، كي تعمل منها عجة، لا تنسى جيرانها فترسل أطباقا منها لهم. لمثل هذه اللحظات الرائعة والعديد من لحظات الحياة الثمينة الأخرى ، يجب مشاهدة هذا الفيلم.

التصوير السينمائي للمناظر الطبيعية للأراضي الإيرانية الوعرة، مع لقطات فنية وتوظيف الألوان بطريقة رائعة. فمثلا مشهد كريم وهو يحمل بابا أزرق عبر المناظر الطبيعية القاتمة الشبيهة بالصحراء في الريف الإيراني، بالإضافة إلى بعض المشاهد الأخرى التي تخطف الأنفاس وتعد متعة للعين. أما الموسيقى، فهي إيرانية كلاسيكية خالصة، تأخذ الألباب وتخدر المشاعر وتغذي الأرواح.

لقد استمتعت حقا برؤية الإيرانيين وطريقة حياتهم في هذا الفيلم. فهو جاد ومضحك ودافئ وجيد. نوع عائلي نظيف لا يعتمد على مشاهد العنف أو الجنس. التمثيل رائع، والشخصيات محببة. هو من أفضل الأفلام الأجنبية التي شاهدتها منذ مدة. يذكرنا بالفيلم الإيطالي سارق الدراجة.

في أسعد لحظات الفيلم، يغني كريم، محاطا بالأطفال على ظهر شاحنة، وعيناه نصف مغلقتين، وابتسامة على وجهه. "العالم كذبة. العالم حلم». تصل حماسته بنشوة إلى قلبك بدون واسطة أو خداع.

يمكن مشاهد الفيلم مترجما إلى العربية من هذا الموقع:
https://www.google.com/search?client=firefox-b-1-d&q=%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%85+%D8%B2%D9%82%D8%B2%D9%82%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%B1#fpstate=ive&vld=cid:e6154a2a,vid:onYrH_hT7co,st:0