تاريخ إنجلترا – 07 هنري الثالث


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7697 - 2023 / 8 / 8 - 09:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الفصل الرابع عشر

هنري الثالث، 1216-1272.


ترك الملك جون ولدين صغيرين، هنري وريتشارد، يبلغان من العمر تسع وسبع سنوات. كان جميع البارونات الإنجليز يفضلون تنصيب هنري ملكا عليهم، بدلا من لويس الثامن الفرنسي، الذي استدعوه عندما كانوا يعانون من حكم جون.

لذلك، عندما توج هنري الصغير في جلوستر، وأقسمت والدته على أن تحكم وفقا لما جاء في "الماجنا كارتا"، ، وتعهد هوبير دي بيرج الطيب بالحكم نيابة عنه، عادت إليه البارونات، الواحد تلو الآخر، وقاموا بهزيمة لويس الثامن في معركة لينكولن.

عندما أرسلت له زوجه المزيد من القوات، جمع هوبير دي بورج قواته، وقام بإغراق العديد من السفن الفرنسية، ودفع الباقي إلى مضيق دوفر. مما أجبر لويس على العودة إلى دياره ومغادرة إنجلترا.

لا بد أن هنري كان أصغر من أن يفهم ماذا يعني القسم على ال "ماجنا كارتا". لأن مشكلة فترة حكمه الطويلة، كانت هي حمله على الالتزام بنصوصها.

لم يكن هنري شريرا مثل والده، بل كان طيب القلب، وديعا للغاية. لم يقل أبدا كلمة "لا"، لأي شخص. لذلك، سيطر عليه المستشارون السيئون عندما كبر، وأقنعوه بالسماح لهم بالقبض على المخلص هوبير دي بيرج وسجنه.

هرب هوبير إلى كنيسة، لكنهم جروه إلى الخارج، وأخذوه إلى حداد، كي يضع السلاسل في قدميه. إلا أن الحداد رفض وضع السلاسل، وقال إنه لن يفعل ذلك أبدا للرجل الذي أنقذ بلاده من الفرنسيين. ثم تم إطلاق سراح دي بورج بعد ذلك، إلى أن توفي في سلام وشرف.

بنى هنري كنائس جميلة، منها دير وستمنستر. وكان نصيرا للفقراء والمساكين، لدرجة أنه تصدق بقيمة وزن أطفاله ذهبا وفضة. وكان يعطي لكل محتاج ولا يرد سائل.

لذلك كان في حاجة دائمة للمال. وأحيانا، لا يستطيع رجاله شراء شيء يأكله الملك والملكة، إلا عن طريق سرقة الأغنام والدواجن من المزارعين الفقراء القريبين من القصر.

لذلك، كانت الأمور سيئة، تقريبا كما كانت في عهد ويليام روفوس. ولأن الملك كان طيبا لدرجة العبط، كان يستجيب لطلبات البابا، ويرسل له ما يريد من أموال. كان يجمعها بدون موافقة البارونات، بما يخالف بنود الماجنا كارتا، التي أقسم على الالتزام بها.

أخبره أصدقاؤه الأجانب، أنه إذا تقيد ببنود الماجنا كارتا، فسوف يزداد فقره ويقل نفوذه، ويصير ملكا بائسا، يختلف عن الملوك التي تفعل ما يحلو لها. وكان كلما استمع إليهم، يقوم بخرق قوانين الماجنا كارتا.

عندما كان يشتكي باروناته من سلوكه ويهددوه، كان يقسم بأنه سيلتزم بالقوانين، إلى أن لم يعد أحد يثق به. كان ضعفه ينعكس على كل أرجاء المملكة.

عندما لم يعد بإمكان البارونات تحمل أفعاله، التقوا به المجلس الذي كان يسمى البرلمان. هذه المرة جاءوا وهم يلبسون الدروع، ومعهم جميع رجالهم المقاتلين. وأعلنوا أنه لم يف بوعوده، وعليهم تعيين بعض اللوردات لمراقبته، ومنعه من مخالفة قوانين الماجنا كارتا بالقوة.

كان الملك غاضبا جدا، لكنه لا يزال تحت سيطرتهم. وتم تعيين سيمون دي مونتفورت، إيرل ليستر، الذي تزوج أخت الملك، من بين اللوردات الذين كانوا يراقبونه.

لم يستطع هنري تحمل هذا الوضع. شعر أنه أقل نفوذا من الملوك الذين سبقوه. حاول أن يتحرر من وعوده. لكن ابنه الشجاع إدوارد، الذي كان قد كبر الآن، اهتم كثيرا بالأمر.

قاما بطرح السؤال على لويس التاسع، ملك فرنسا، ما إذا كان الملك ملزما حقا بالقسم الذي قطعه، ليكون تحت حكم مونتفورت ومجلسه؟

كان لويس التاسع، ابنا للشخص الذي طرده هوبير دي بورج. لقد حاول أن يحكم بشكل صحيح. لكنه بالكاد فكر في مقدار الاستفزاز الذي حدث لهنري، وقال إن الرعايا ليس لهم الحق في تخويف ملكهم، وبالتالي لم يكن هنري وابنه إدوارد ملزمين بالوفاء بالقسم.

بعد ذلك جمعوا جيشا معا، وكذلك فعل سيمون دي مونتفورت والبارونات. والتقيا في مكان يدعى لويس، في ساسكس. حصل إدوارد على نصر مؤقت في البداية، وركض بعيدا، وهو يدفع أعداءه أمامه.

لكن، عندما استدار وعاد، وجد أن سيمون دي مونتفورت قد هزم بقية جيشه، وأسر والده وعمه ريتشارد. في الواقع، هدد البارونات بقطع رأس ريتشارد، إذا استمر إدوارد في القتال. وكي ينقذ حياة عمه، سلم هو أيضا نفسه لهم.

أصبح سيمون دي مونتفورت الآن، هو الحاكم الفعلي لكل المملكة. كان هنري لا يزال هو الملك الرسمي، لكن لم يكن يسمح له بفعل أي شيء، وكان يراقبه عن كثب.

ظل إدوارد سجينا، أولا في قلعة، ثم أخرى. وكان سيمون رجلا طيبا وعالي التفكير. أراد فقط أن يفعل ما هو أفضل للجميع. لكن كانت لديه عائلة من الأبناء المغرورين والمتعجرفين.

كانوا يعاملون الآخرين بطريقة غير لائقة، لدرجة أساءت إلى معظم البارونات. أرسل أحد هؤلاء البارونات لإدوارد حصانا جميلا. وفي أحد الأيام عندما كان يركب من قلعة هيرفورد مع حراسه، اقترح عليهم عمل سباق للخيل بينهم.

بينما كان ينظر ليقرر أيهما أسرع، تبين له أن جيادهم باتت مجهدة للغاية. فحفز وركض بحصانه لمقابلة أصدقائه، الذين كانوا ينتظرونه.

انضم إليه جميع الذين كانوا مستائين من مونتفورت. سرعان ما كان لديه جيش كبير. سار به ضد مونتفورت، والتقى به في إيفشام.

كان الملك العجوز هنري في جيش مونتفورت. أثناء المعركة، سقط وكاد أن يقتل. لو لم ينادي: "أنقذوني، أنقذوني، أنا الملك هنري".

سمع ابنه نداءه، فهرع إلى نجدته، وحمله إلى مكان آمن بعيدا عن المعركة. كان جيشه هو الأقوى بكثير، وكان مونتفورت يعرف منذ البداية أنه لا أمل له في النصر. قال: "الله يرحم أرواحنا ، لأن أجسادنا هي ملك إدوارد". ثم مات بشجاعة في ميدان المعركة.

أعاد إدوارد والده ليحكم بكل شرف، لكنه تولى إدارة المملكة بنفسه. وسرعان ما رتب الأمور مرة أخرى، مع الحرص على مراعاة قوانين الماجنا كارتا بشكل صحيح.

عندما هدأت الأمور، وبات كل شيء على ما يرام في المملكة، انطلق في حملة صليبية مع ملك فرنسا لويس التاسع، وأثناء غيابه توفي والده، بعد حكم دام ستة وخمسين عاما.

لا يوجد سوى ثلاثة ملوك إنجليز حكموا أكثر من خمسين عاما ، ومن السهل تذكرهم ، حيث كان كل منهم هو الثالث من اسمه هنري الثالث وإدوارد الثالث وجورج الثالث.

في عهد هنري الثالث، تم تأسيس البرلمان، ومنع الملك من جمع الضرائب من الشعب ما لم يمنحه البرلمان تفويضا بذلك.

منذ ذلك الحين، يتكون البرلمان من أمراء كبار، مجلس اللوردات، وإلى جانبهم، رجال يختارهم الناس في المقاطعات، مجلس العموم، لاتخاذ القرارات نيابة عنهم.

رجال الدين، لديهم مجلس خاص بهم يسمى مجلس الدعوة. هذه المجالس الثلاثة، رجال الدين، واللوردات، والعموم، - هي أعمدة الحكم الثلاثة للمملكة.


الفصل الخامس عشر

إدوارد الأول، 1272-1307 .


عاد ابن هنري الثالث من الأراضي المقدسة، ليكون أحد أنبل وأفضل من حكم إنجلترا. هو إدوارد الأول، الذي كان يدعى لونجشانكس كنوع من المزاح، لأنه كان أطول رجل في البلاط، ستة أقدام وبوصتان، ويمتاز بأطرافه الطويلة.

كان أيضا شجاعا وعادلا وحنونا. وكانت زوجته الجميلة، إليانور من قشتالة، محبوبة من كل الأمة. لقد بنى العديد من الكنائس وكان خيّرا مثل والده، لكنه كان أكثر حرصا على جعل الرجال الصالحين فقط أساقفة، ولم يسمح بأي هدر في الأموال.

أطاع بأمانة الماجنا كارتا، وجعل الجميع يطيعون القانون. في الواقع بدأت العديد من القوانين والعادات الجيدة منذ ذلك الوقت. وكان يهتم بالنظام كشيء جيد. تحت قيادته، أصبح الإنجليز مزدهرين، يعيشون في أمن وسعادة.

مع ذلك، كان سكان ويلز لصوصا خارجين عن القانون. هم البقايا القدامى لبريطانيا. لم يتوقفوا أبدا عن التفكير في أن هذا من حقهم. وكانوا ينزلون من الجبال لحرق المنازل وسرقة ماشية الساكسون.

حاول إدوارد تكوين صداقات مع أمرائهم، لويلين وديفيد، كي يحافظوا على النظام في بلادهم. أعطى ديفيد مساحات من الأراضي في إنجلترا، وسمح لويلين بالزواج من ابنة عمه إليانور دي مونتفورت.

لكنهما نكثا بوعودهما بشكل مخجل، وفعلا أشياء وحشية للإنجليز على حدودهم. فاضطر ادوارد إلى وضع حد لها، وذهب إلى الحرب ضدهما.

أسر ديفيد واتهمه بالخيانة وتم قتله. وقابل بعض الجنود لويلين بالقرب من جسر بيلث وقتلوه، دون أن يعرفوا من هو. في غضون ذلك ، غزا إدوارد معظم البلاد. وأخبر زعماء ويلز أنهم إذا جاءوا وقابلوه في قلعة كارنارفون، فسوف يعين لهم أميرا ولد في بلادهم، ولا يعرف لغة غير لغتهم.

جاءوا جميعا، ونزل الملك إليهم وهو يحمل ابنه الرضيع بين ذراعيه، الذي ولد مؤخرا في قلعة كارنارفون. بالطبع لم يكن يعرف أي لغة على الإطلاق.

اضطر أهالي ويلز إلى قبوله أميرا عليهم. وكان لديه مربية ويلزية. ربما كانت الكلمات الأولى التي قالها هي كلمات ويلزية. فظنوا أنه سيكون لهم بمثابة الأخ الأكبر.

لكنه، بعد سنة أو سنتين، توفى. كان هو الابن الأكبر لإدوارد. ومنذ ذلك الوقت، أصبح الابن الأكبر لكل ملوك إنجلترا دائما هو أمير ويلز.

كانت هناك خطة للأمير الصغير إدوارد، من كارنارفون، للزواج من فتاة صغيرة، هي حفيدة ملك اسكتلندا. حتى يؤدي هذا الزواج، إلى أن تكون الجزيرة بأكملها تحت حكم ملك واحد. لكن لسوء الحظ، ماتت العذراء الصغيرة.

كان من الصعب جدا تحديد من يجب أن يحكم بين الأمراء، من بين جميع أبناء عمومتها، لدرجة أنهم طلبوا من الملك إدوارد الاختيار من بينهم.

وكان الجميع يعلمون أن قطعة كبيرة من اسكتلندا تنتمي إليه، تماما كما كانت دوقية أكيتاين في فرنسا، فهي أيضا تخصه. وكان ملوك اسكتلندا دائما يشيدون بملوك إنجلترا بسبب ذلك.

اختار إدوارد جون باليول، الشخص الأفضل، كي يكون رئيس لوردات. لكنه جعله يفهم أنه، بحكم وظيفته، يجب أن يحافظ على النظام في اسكتلندا، كما هو الحال في إنجلترا.

لم يكن يتدخل الملوك الإنجليز في الشؤون الاسكتلندية من قبل. لذلك، غضب الاسكتلنديون عندما اكتشفوا أنه فعل ذلك. واعتبروا أن هذا التدخل، هو إهانة لهم ولملكهم.

لم يعرف باليول المسكين ماذا يفعل، لكنه تركهم يتحدون إدوارد باسمه. فجلب هذا غضب إدوارد، الذي أرسل جيشه إلى اسكتلندا.

فتم الاستيلاء على الأماكن القوية وملئها بالجنود الإنجليز، وتم أسر باليول، وحكم عليه لأنه قد تمرد على سيده. فخسر مملكته، وتم نفيه بعيدا إلى فرنسا.

اعتقد إدوارد أنه من الأفضل للبلد بأكمله أن تنضم اسكتلندا إلى إنجلترا، وأن يحكمها بنفسه. لكن العديد من الاسكتلنديين لم يكونوا على استعداد لقبول ذلك.

بالرغم من كل العناية التي يمكن أن يتخذها إدوارد، فإن الجنود الذين يحرسون قلاعه، غالبا ما كانوا يتصرفون بشكل مخجل مع الناس حولهم.

فقد هرب رجل نبيل، يدعى ويليام والاس، ابعد أن حطم بعض الجنود منزله، إلى الغابة والتلال، وجذب الكثيرين من الاسكتلنديين حوله، وكان لديه جيش لا بأس به.

حدث قتال كبير على جسر ستيرلنج. تعرض الحكام الإنجليز للضرب والإهانة، وقاد والاس رجاله عبر الحدود إلى نورثمبرلاند، حيث قاموا بالنهب والحرق أينما ذهبوا، انتقاما لما حدث في اسكتلندا.

جمع إدوارد قواته، وجاء إلى اسكتلندا. لم يستطع الجيش الذي جمعه والاس الوقوف أمامه، وهزم في فالكيرك. وفر والاس إلى الغابة.

لكن، وعد إدوارد بالعفو عن جميع الذين يستسلمون. وقد فعل ذلك جميعهم تقريبا. لكن والاس كان لا يزال يتربص في التلال، حتى خانه أحد مواطنيه للإنجليز. فتم القبض عليه وإرساله إلى لندن لإعدامه.

بعد ذلك، بدا كل شيء هادئا. كانت الحاميات الإنجليزية، في جميع المدن والقلاع الاسكتلندية، عندما هرب روبرت بروس فجأة من البلاط الإنجليزي.

ثبت حدوة حصانه للخلف، حتى يضلل قصاصي الأثر. ثم تشاجر مع أحد أبناء عمومته في الكنيسة في دومفريز، وطعنه في قلبه، ثم ذهب إلى سكون كي يتوج نفسه ملكا على اسكتلندا.

كان إدوارد غاضبا بمرارة. فأرسل جيشا للتعامل مع هذه الانتفاضة. وانطلق ليتبعه مع ابنه، الذي كبر الآن وصار رجلا. ارتكبت أشياء مريعة في الأماكن التي تم فيها الاعتراف بروبرت بروس كملك. وتم معاملة أتباعه كخونة أينما وجدوا.

لكن بروس نفسه لم يتم القبض عليه. كان يعيش حياة برية بين البحيرات والتلال. وإدوارد، الذي صار رجلا عجوزا الآن، قد أصيب بمرض عضال في كارلايل. لدرجة أنه لم يستطع أن يأتي لكي يمارس أعباء الحكم بين رجاله.

ظل مريضا طوال فصل الشتاء. وفي الربيع، سمع أن بروس، الذي كان الاعتقاد أنه سحق تماما، قد ظهر فجأة، وهجم على الإنجليز، وهزمهم، وكان يزداد قوة يوما بعد يوم.

ارتدى إدوارد درعه وانطلق إلى اسكتلندا. ولكن في "برج أون ذا ساند"، مرض مرة أخرى، وتوفي هناك عن عمر يناهز السبعينين.

تم دفنه في دير وستمنستر، تحت كتلة كبيرة من الحجر، نقش عليها عبارة: "إدوارد الأول، 1308 - مطرقة الاسكتلنديين، حافظ على المعاهدات".

توفيت زوجته الطيبة، الملكة إليانور، قبله بسنوات عديدة، ودفنت أيضا في وستمنستر. على طول الطريق من جرانثام، في لينكولنشاير إلى لندن.