تاريخ إنجلترا – 08 إدوارد الثاني والثالث


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7702 - 2023 / 8 / 13 - 23:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الفصل السادس عشر

إدوارد الثاني، 1307-1327.


كان الشاب إدوارد الثاني، على عكس والده إدوارد الأول في كل شيء. كان سخيفا وسهل القيادة، مثل جده هنري الثالث. كان لديه صديق شاب، يظن أنه مثلي الجنس، طائش ومهمل، يدعى بيرس جافستون. سبب له كثيرا من الأذى.

قام والده باستياء شديد بنفي هذا الصديق، ومنع الشابين من الالتقاء مرة أخرى. لكن في اللحظة التي مات فيها الملك الأب، عاد إدوارد من اسكتلندا، حيث كان مطلوبا، وأرسل إلى بيرس جافستون، صديقه الحميم، يطلب منه الحضور. هل العلاقة كانت جنسية، أم مجرد صداقة بريئة؟ هذا ما قد اختلف فيه المؤرخون.

في نفس الوقت، وصلت عروسه، إيزابيل، ابنة ملك فرنسا، وهي فتاة جميلة. كانت هناك وليمة زفاف رائعة. لكن الملك الجديد، إدوارد الثاني، كان مهتما بصديقه جافستون، أكثر من الملكة الشابة، التي وجدت نفسها مهملة تماما.

النبلاء، أيضا، غضبوا من سلوك جافستون نفسه. الذي لم يكن يرتدي ملابس رائعة فحسب، بل كان لديه قطار ضخم من الخدم. وكان يسيطر على الملك، ويعامل النبلاء بوقاحة، ويصفهم بأسماء مستعارة غير لائقة.

فمثلا، كان يطلق على ابن عم الملك، إيرل لانكستر، "الخنزير العجوز"، وإيرل بيمبروك، "جوزيف اليهودي"، وإبرل وارويك، "الكلب الأسود".

في هذه الأثناء، كان الملك وصديقه جافستون يبددان أموال الخزانة، ويفعلان الموبقات بجميع أنواعها. فاجتمع البارونات معا وأجبروا الملك على إرسال صديقه إلى المنفى. لكن، سرعان ما عاد جافستون إلى المملكة مرة أخرى، بينما كان ينطلق إدوارد إلى اسكتلندا.

لم يتحمل النبلاء عودة جافستون. أمسكوا به، وأحضروه إلى قلعة وارويك، وهناك عقدوا نوعا من المحاكمة، والتي بالكاد يمكن تسميتها محاكمة عادلة.

لم يكن لديهم حق قانوني على الإطلاق في الحكم عليه. توسل إليهم بشدة للإبقاء على حياته، لكنهم لم يستطيعوا نسيان إهانته لهم والأسماء التي أطلقها عليهم. فتم قطع رأسه في بلاكلو هيل.

كان إدوارد الثاني مليئا بالحزن والغضب لوفاة صديقه القاسية. لكنه اضطر إلى إخفاء ذلك، لأن جميع البارونات كانوا يحيطون به استعدادا للحرب الاسكتلندية.

بينما كان يضيع وقته، سيطر روبرت بروس على كل الأماكن القوية في اسكتلندا، باستثناء قلعة ستيرلنج. هناك، وعد الحاكم الإنجليزي بالاستسلام، إذا لم يأت العون من إنجلترا في غضون عام ويوم.

انتهى العام تقريبا عندما جاء إدوارد إلى اسكتلندا بجيش قوي من الإنجليز ومن ويلز وجاسكون من أكيتاين. لكن روبرت بروس كان جنرالا عظيما وقادرا، بينما إدوارد لم يكن جنرالا على الإطلاق.

لذلك عندما التقى الجيشان في بانوكبورن، تحت جدران ستيرلنج، تعرض الإنجليز لهزيمة أسوأ من أي وقت مضى، وفي أي مكان آخر، باستثناء هاستينجز.

فاضطر إدوارد الثاني إلى الفرار إلى إنجلترا، وبالرغم من أن بروس لم يكن إنجليزيا ليكون ملكا على اسكتلندا، إلا أنه حكم حقا، بعد أن طرد كل الإنجليز من البلاد، واستولى على جميع المدن والقلاع.

من ثم، أصبح الإنجليز خائفين جدا من الاسكتلنديين، لدرجة أن مائة من الإنجليز كانوا يفرون عندما يرون اثنين من الاسكتلنديين.

عزى الملك نفسه بصديق جديد، "هيو لو ديسبنسر"، الذي كان هو ووالده مثل جافستون. مرة أخرى نهض البارونات، وطالبوا بنفيهما. وعندما سمع إيرل لانكستر أن الأب قد عاد من المنفى، أنشأ جيشا.

غضب البارونات الآخرون عندما وجدوا أن إيرل لانكستر قد طلب من روبرت بروس مساعدته ضد الملك إدوارد. فانضموا إلى الملك ضده، وقاموا بسجنه وإعدامه، لشنه الحرب على الملك، وتكوين صداقات مع أعداء البلاد.

استعاد إدوارد "لو ديسبنسر" مرة أخرى، مما سبب استياء البلاد بأكملها، وخاصة الملكة، التي كان يهملها إدوارد دائما، بالرغم من أن لديها الآن أربعة أطفال منه.

لم يحاول إدوارد أبدا كسب حبها، وكانت تكرهه، ويزداد كرهها له أكثر فأكثر. وكانت هناك بعض الخلافات مع شقيقها، ملك فرنسا، فطلبت الذهاب مع ابنها إدوارد، الذي يبلغ الآن حوالي أربعة عشر عاما، لتسويتها.

لكن هذا كان مجرد عذر. ذهبت الملكة إلى الأمراء في الخارج، وأخبرتهم عن مدى سوء معاملتها من قبل زوجها، وطلبت المساعدة.

صدقها عدد كبير من الفرسان، وأشفقوا عليها، وجاءوا معها إلى إنجلترا للمساعدة. انضم إليها جميع الإنجليز الذين كرهوا لو ديسبنسر، وقادت الملكة الأمير الشاب ضد والده.

تم تعقب إدوارد وأصدقاءه عبر ويلز، واحدا تلو الآخر، وتم قتل ديسبنسر شر قتلة، لكن إدوارد قام بتسليم نفسه على أمل إنقاذ أصدقائه.

جعلته الملكة وأصدقاؤها يعرف أنه لا يستحق أن يحكم، وعليه أن يتخلى عن التاج لابنه. ثم ألقوه في السجن، وأخذوه من قلعة إلى أخرى، وهو في بؤس شديد.

كان يسخر منه جنود الحرس، وتوجوه بالتبن، وأعطوه ماء آسن قذر ليحلق به. وعندما وجدوا أنه بصحة جيدة، ولن يموت بسرعة من الطعام السيئ والسكن الرطب، قتلوه ذات ليلة في قلعة بيركلي، ودفن في كاتدرائية جلوستر. بعد أن حكم عشرين عاما. لقد تم خلعه عام 1327.

ثم أرادت الملكة التخلص من إدموند، إيرل كينت، الأخ الأصغر للملك. لذلك، انتشر تقرير كاذب بأن إدوارد الثاني لا يزال على قيد الحياة. وسمح لإدموند بإلقاء نظرة خاطفة على غرفة سجن الملك المظلمة.

رأى إدموند هناك رجلا، اعتقد أنه شقيقه. فحاول إثارة الأصدقاء لتحرير الملك من السجن. فاتهم بالتمرد، وتم أخذه وقطع رأسه في وينشستر من قبل مجرم محكوم عليه بالموت. لأن الحكم كان ظالما، ولم يجدوا شخصا آخر يقوم بتنفيذ الحكم الظالم سواه.


الفصل السابع عشر

إدوارد الثالث، 1327-1377.


لمدة ثلاث سنوات تقريبا، أدارت الملكة إيزابيل ومؤيدوها إنجلترا. لكن بمجرد أن فهم ابنها، إدوارد الثالث، الذي توج بدلا من والده، مدى قسوتها، وكان قويا بما يكفي للتعامل مع أنصارها، قام بسجنهم، وقتل أسوأهم، ثم أمر بسجن الملكة الأم في قلعة مدى الحياة.

كانت قرينته ملكة جيدة، تدعى فيليبا. جلبت للبلاد عمال النسيج من بلدة هينو، الآن جزء من بلجيكا، لتعليم الإنجليز المهنة. ومن ثم، باتت إنجلترا الدولة الرئيسية في العالم لصناعة الغزل والنسيج.

الملكة إيزابيل، والدة إدوارد الثالث، كانت ابنة ملك فرنسا. مات جميع إخوتها الثلاثة دون أن يتركوا ابنا، وبدأ ابن عمهم، فيليب، في الحكم بدلا منهم. ومع ذلك، اعتقد إدوارد أن من حقه وراثة تاج فرنسا، عن طريق والدته. لكنه لم يثير الأمر في الحال.

كان فيليب السادس، ملك فرنسا، أحمق. توهم أن اللورد روبرت أرتوا، كان يسحره، عن طريق رشق دبابيس في تمثال شمعي وحرقه في النار. لذلك تم طرد روبرت هذا من فرنسا، وعند مجيئه إلى إنجلترا، أغرى إدوارد بالذهاب والإطاحة بفيليب.

أمر آخر، هو أن البارونات الإنجليز قد أصبحوا مزعجين للغاية. فهم لا يقنعون بالعيش في سلام داخل الوطن، والاهتمام بممتلكاتهم الخاصة. وإذا لم تكن لديهم حروب في الخارج، فإنهم دائما ما يتسببون في مشاكل للملك في الداخل.

وكان إدوارد يحب أن يقاتلوا من أجله أفضل من القتال ضده. لذلك دعا نفسه ملكا على فرنسا وإنجلترا، وبدأ حربا استمرت لمدة مائة عام كاملة، لم يتخللها سوى فترة قصيرة من الهدوء، لم تنته إلا في زمن أحفاد من تسببوا فيها.

كانت هناك معركة بحرية كبيرة قبالة سلويز، عندما جلس الملك في سفينته، في ثوب مخملي أسود، وحقق نصرا عظيما. ثم مرت فترة طويلة قبل أن تكون هناك أي معركة كبيرة برية.

الابن الأكبر للملك، إدوارد أمير ويلز، كان يبلغ من العمر ستة عشر عاما. يطلق عليه عموما الأمير الأسود. لا أحد يعرف تماما لماذا. فقد كان أشقر الشعر، مثل كل الملوك الإنجليز القدامى، وكانت عيناه زرقاوين اللون.

لقد كان جنديا شابا مفعما بالحيوية، لدرجة أنه، عندما جاء الجيش الفرنسي بقيادة الملك فيليب، على مرأى من الجيش الإنجليزي، بالقرب من قرية كريسي، قال الملك إدوارد، إنه يجب أن يحظى بشرف اليوم، ووقف تحت طاحونة هوائية يراقب القتال، بينما قاد الأمير الجيش الإنجليزي.

لقد حقق نصرا عظيما جدا، وفي المساء، جاء وركع أمام والده قائلا، إن الثناء لا يجب أن يوجه له، بل للملك، الذي غمر الجميع بحكمته.

بعد ذلك، بينما كان يفر فيليب بعيدا، حاصر إدوارد كاليه، المدينة المقابلة لدوفر. بينما كان السكان شجعانا للغاية، صمدوا لفترة طويلة.

وبينما كان إدوارد غائبا، جاء الاسكتلنديون بقيادة ديفيد، ابن روبرت بروس، عبر الحدود، وبدأوا في الحرق والنهب في نورثمبرلاند.

كانت الملكة فيليبا شجاعة في وقت الشدة. لم ترسل لزوجها بهذه الأخبار السيئة حتى لا تزعجه. لكنها جمعت جيشا، قام بهزيمة الاسكتلنديين عند صليب نيفيل، لدرجة أن ملكهم، ديفيد نفسه، اضطر إلى تسليم نفسه لفارس إنجليزي.

لم يسلم الفارس سجينه للملكة، لكنه ركب ليلا ونهارا إلى دوفر، ثم عبر إلى كاليه ليخبر الملك، الذي أمره بتسليم الأسير إلى الملكة فيليبا. التي جاءت بنفسها إلى المخيم.

كان يتم حصار مدينة كاليه وتجويعها. قال إدوارد إنه لن يوافق على حرق المدينة، إذا أحضر له ستة من كبار السكان مفاتيح البوابات، وهم راكعين، يرتدوا قماش الخيش، والحبال حول أعناقهم، جاهزين للشنق.

بكت الملكة فيليبا عندما رأتهم، وتوسلت لإنقاذ حياتهم. وعندما أعطاهم الملك لها، نقلتهم بعيدا، وأعطت كل منهم عشاء جيدا وحلة جديدة من الملابس. إلا أن الملك أخرج جميع الفرنسيين من كاليه، وملأها بالإنجليز، وظلت مدينة إنجليزية لأكثر من 200 عام.

مات فيليب السادس، ملك فرنسا، وأصبح ابنه جون ملكا، بينما استمرت حرب المائة عام. خاض الأمير الأسود وجون معركة رهيبة في مكان يسمى بواتييه، وحقق الإنجليز انتصارا آخر.

تم أسر الملك جون وأحد أبنائه. عندما تم إحضارهما إلى الخيمة، كان وقت تناول الأمير الأسود العشاء، فجعلهما يجلسان على الطاولة أمامه، وعاملهما كما لو كانا ضيفيه، وليس سجينيه.

لقد فعل كل ما في وسعه حتى يجعل الأسر غير مؤلم لهما. وعندما أحضرهما إلى لندن، أعطى جون حصانا أبيض طويلا لركوبه، بينما ركب هو مهرا صغيرا بجانبه.

في ذلك الوقت، كان هناك اثنان من سجناء الملوك في برج لندن، وكانا يعاملان كما لو كانا زوارا أو أصدقاء. سمح لجون بالعودة إلى وطنه، بشرط أن يدفع فدية. بينما يتم الاحتفاظ بابنيه الأكبر سنا في كاليه بدلا منه.

لكنهما لم يقبلا أن يبقيا في كاليه، ولم يستطع الملك جون الحصول على مبلغ فديته. لذلك، بدلا من خداع الملك إدوارد، عاد إلى سجنه في إنجلترا مرة أخرى.

ثم توفي الملك جون بعد فترة وجيزة. وكان ابنه تشارلز رجلا أكثر ذكاء وحكمة. كان يعلم أنه من الأفضل عدم خوض معارك مع الإنجليز، لكن الهدنة أو السلام معهم كان قصيرا.

حكم الأمير الأسود إدوارد، ذلك الجزء، من جنوب فرنسا، الذي كان يخص والده. لكنه ذهب في رحلة استكشافية حمقاء إلى إسبانيا، لمساعدة ملك سيء للغاية، طرده رعاياه.

هناك أصيب بمرض لم يتعاف منه تماما. بينما كان مريضا، بدأ الملك تشارلز الحرب مرة أخرى. وبالرغم من عدم وجود معركة، عذب الإنجليز، واستولى على القلاع والبلاد التي سيطروا عليها.

حاول الأمير الأسود القتال، لكنه كان ضعيفا جدا ومريضا. فاضطر إلى العودة إلى إنجلترا، وترك الحكم لشقيقه جون، دوق لانكستر.

عاش حوالي ست سنوات بعد عودته، ثم مات وسط حزن الجميع الشديد عليه. كان والده، الملك إدوارد الثالث، الآن أكبر من أن يهتم بشؤون البلاد. وماتت الملكة فيليبا هي أيضا.

لم يكن هناك أحد ليعتني بالملك العجوز المسكين. لذلك، بات فريسة للخدم السيئين، الذين سرقوا أشياءه واهتموا بأنفسهم وأهملوا رعايته. وعندما كان يحتضر، سرقوا الخاتم من إصبعه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتركوه بمفرده، والأبواب مفتوحة، إلى أن جاء كاهن كي يصلي عليه.

لقد حكم إدوارد الثالث خمسين سنة بالضبط. من الأفضل أن نتذكر أسماء أبنائه، حيث سيأتي المزيد عن بعضهم. هم: إدوارد وليونيل وجون وإدموند وتوماس.

كان إدوارد، أمير ويلز. ليونيل، دوق كلارنس. جون، دوق لانكستر. إدموند، دوق يورك. وتوماس، دوق جلوستر. توفي كل من إدوارد وليونيل قبل والدهما. ترك إدوارد ابنا اسمه ريتشارد. بينما ترك ليونيل ابنة تدعى فيليبا.