تاريخ إنجلترا – 04 ويليام روفوس وهنري الأول


محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن - العدد: 7675 - 2023 / 7 / 17 - 10:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

الفصل الثامن

ويليام الثاني، روفوس، 1087-1100.


ترك ويليام الفاتح حكم نورماندي لابنه الأكبر، روبرت. وإنجلترا لابنه الثاني، ويليام، الذي ذهب ومعه رسالة، مفادها أنه يأمل أن يكون ملكا للشعب الإنجليزي.

لقد قبلوه بالفعل على مضض. إذ كانوا يعرفون سلوكه. لكن لا بأس، مادام والده أثناء حياته، كان يضعه تحت رقابته. كان شعره أحمر ووجهه ورديا. وكان أكثر حسا من شقيقه روبرت. يطلق عليه أحيانا الملك الأحمر، أو "ويليام روفوس".

ساءت الأمور بالنسبة للإنجليز في عهده، أكثر من أي وقت مضى. ويليام الفاتح، كان قد جعل الجميع يخضعون للقانون، لكن الآن، ترك ويليام روفوس جنوده القساة يفعلون ما يحلو لهم، ويعيثون في الأرض فسادا.

لم يكن هناك فائدة من الشكوى، التي كان يقابلها بالسخرية. فهو لم يكن يهتم بالرعية، وكان جل اهتمامه بالولائم والصيد.

كانت هناك ضجة كبيرة في أوروبا في ذلك الوقت. فالقدس، التي بها قبر المسيح، كان جميع المسيحيين يرغبون في الحج إليها وزيارة الأماكن المقدسة. التي كانت لفترة طويلة تحت سيطرة المسلمين.

في ذلك الوقت، عاد حاج يدعى بطرس الناسك، وحصل على إذن من البابا بالذهاب إلى الأراضي المقدسة، والقتال لإعادة القدس إلى أيدي المسيحيين مرة أخرى.

اعتاد أن يعظ في الهواء الطلق، وكان الناس الذين سمعوه متحمسين، لدرجة أنهم كانوا يهتفون جميعا : "إنها إرادة الله! إنها مشيئة الله!" وكل من تعهد بالذهاب والقتال في الشرق، تلقى صليبا من قطعة قماش حمراء أو بيضاء، لوضعها على كتفه.

تطوع عدة آلاف للذهاب في هذه الحملة الصليبية، كما أطلقوا عليها. من بينهم، روبرت ابن ويليام الفاتح، ودوق نورماندي. لكنه أهدر أمواله ، حتى أنه لم يستطع تجهيز جيشا ليأخذه معه.

لذلك عرض التخلي عن نورماندي لشقيقه ويليام أثناء رحيله، إذا سمح له ويليام بالحصول على المال الذي يريده. كان الملك الأحمر مستعدا جدا لعقد مثل هذه الصفقة. وكان يسخر من الصليبيين، ويعتقد أنهم كانوا يضيعون وقتهم وجهودهم سدى.

كان يقود الحملة الصليبية، رجل يدعى جيفري دي بوالون. وبعد جهد كبير، استطاعوا دخول القدس، واقترحوا تنصيب الدوق روبرت ملكا عليها. لكنه رفض، فصار جودفري ملكا بدلا منه. وبقي لحراسة الأماكن المقدسة، بينما انطلق الدوق روبرت عائدا إلى بلده.

في غضون ذلك الوقت، استمر الملك الأحمر، ويليام روفوس، يحكم بطريقة شرسة وشريرة كدأبه دائما. يأبى النصيحة ويزدريها، ويطرد رئيس أساقفة كانتربري، القديس أنسيلم، وكل من حاول تحذيره أو لفت نظره لسوء أفعاله.

في أحد الأيام، في عام 1100، خرج لاصطياد الغزال في الغابة الجديدة، وهو يسخر ويمزح بطريقته الخشنة. وبعد فترة وجيزة، تم العثور عليه ملقى تحت شجرة بلوط، وقد رشق قلبه سهم نافذ.

أخذ جثته قاطع أخشاب في الغابة، ووضعها في عربته، ثم انطلق بها إلى كاتدرائية وينشستر، حيث دفنت هناك.

من أطلق السهم؟ لا أحد يعرف، ولن يعرف أبدا. اعتقد البعض أنه قد يكون هو الفارس والتر تيريل، الذي أعطاه الملك ثلاثة أسهم جيدة طويلة في ذلك الصباح.

لأنه قد هرب على الفور إلى ساوثهامبتون، وذهب إلى الأرض المقدسة. لذلك من المحتمل أنه كان يعرف شيئا عن وفاة الملك. لكنه لم يخبر أحدا أبدا بحقيقة ما حدث. فهل كان الأمر مجرد حادث أم جريمة قتل؟ ومن فعل ذلك؟ على أي حال، كانت نهاية بائسة، لملك مستهتر، لم يقم بواجبه كما يجب.


الفصل التاسع

هنري الأول ، بو كليرك، 1100-1135.


كان هنري ، شقيق ويليام روفوس ، أحد أعضاء حزب الصيد. وبمجرد أن انتشرت الأخبار عبر الغابة بأن الملك قد مات مقتولا، ركب بأقصى سرعة إلى وينشستر، واستحوذ على كل كنوز أخيه.

لم يتزوج ويليام روفوس أبدا، ولم يترك أطفالا، وكان هنري هو الأقل عنفا والأكثر عقلانية بين إخوته. وعندما وعد بالحكم وفقا لقوانين إنجلترا القديمة، لم يجد صعوبة في قبول الناس له ملكا عليهم.

لم يكن رجلا كله صلاح، ويمكن أن يقال إنه كان قاسيا جدا في بعض الأحيان. وكان أيضا مخادعا وماكرا. لكنه حافظ على النظام، ولم يسمح بقيام أفعال فظيعة كالتي حدثت في زمن أخيه ويليام روفوس.

لذلك كان الإنجليز أفضل حالا في عهده. أفضل مما كانوا عليه من قبل. وكانوا يقولون إن الملك لا يسمح لأحد غيره بخرق القوانيين.

كانوا سعداء أيضا، لأن هنري قد تزوج من سيدة نصف إنجليزية، "مود"، ابنة مالكولم جريتهيد، ملك اسكتلندا، وسيدة من العائلة المالكة الإنجليزية القديمة. لقد أحبوها كثيرا، وأطلقوا عليها اسم الملكة مود الطيبة.

عاد الدوق روبرت من القدس إلى نورماندي، وحاول أن ينصب نفسه ملكا على إنجلترا. لكن هنري سرعان ما قاومه. واستمر الأخان في الشجار لعدة سنوات.

أدار روبرت نورماندي بشكل بائس، وأهدر أمواله، بحيث لم يكن لديه أحيانا ملابس يرتديها، وكان يستلقى على السرير بسبب عدم وجود ما يلزمه من ثياب.

لم يستطع بعض النورمان تحمله أكثر من ذلك، ودعوا هنري للحضور وأخذ نورماندي. فجاء مع جيش، كان الكثير منهم من الإنجليز، وخاض معركة مع روبرت والنورمان في ترينشيبراي، نورماندي.

حقق هنري انتصارا كبيرا، وتم سجن روبرت المسكين من قبل شقيقه، الذي أرسله إلى قلعة كارديف، في ويلز، حيث عاش سجينا لمدة ثمانية وعشرين عاما. ثم توفي، ودفن في كاتدرائية جلوستر. وأقيم له تمثال من خشب البلوط، موضوع فوق نصبه التذكاري.

كان لدى هنري، طفلان: "ويليام"، والابنة "مود". كانت الفتاة متزوجة من إمبراطور ألمانيا وكان من المقرر أن يكون الصبي زوج أليس، ابنة كونت أنجو، الأمير الفرنسي العظيم، الذي كانت أراضيه بالقرب من نورماندي.

كان من المعتاد أن يتزوج الأطفال في سن مبكرة جدا، قبل أن يبلغوا من العمر ما يكفي لترك والديهم وإنشاء منزل لأنفسهم. لذلك أخذ الوالد ويليام إلى أنجو، وهناك زوجه من فتاة صغيرة، ثم تركها العريس وراءه لكي يعود إلى إنجلترا مع والده.

وبينما كان هنري على وشك العودة إلى بلده، جاء رجل إلى الملك، وتوسل أن يتشرف بالركوب معه في سفينته الجديدة، المسماة السفينة البيضاء.

لم يستطع هنري تغيير خططه الخاصة. ولكن، لأن الرجل كان يتوسل بشدة، قال إن ابنه ويليام، العريس الشاب، وأصدقاءه يمكنهم الركوب مع صاحب السفينة البيضاء، إرضاء له.

أبحروا في المساء، وكان هناك فرح كبير على متن السفينة، أدار البحارة السلاف، وصاروا في حالة نشوة وسكر شديدتين، لدرجة أنهم أهملوا توجيه السفينة، فارتضمت بصخرة كبيرة.

ملأت السفينة بالماء وبدأت تغرق. فتم إنزال قارب، وضع فيه ابن الملك، ويليام، بأمان. لكن، بمجرد أن بدأ التجديف، سمع صرخات السيدات اللواتي تركن خلفهم، فعاد المجدفون بالقارب إليهن.

احتشد في القارب الكثير من البؤساء الذين كانوا على وشك الغرق، بمجرد وصوله، لدرجة أنه غرق بسبب ثقلهم، وفقدوا جميعا. ولم يبق سوى الصاري العلوي للقارب فقط فوق سطح الماء، فتشبث به جزار ومالك السفينة طوال الليل.

عندما جاء ضوء النهار، وعرف المالك أن ابن الملك قد مات غرقا بسبب خطئه، جزع وترك الصاري وغرق هو أيضا. فقط الجزار، هو الذي تم إنقاذه.

لفترة طويلة، لم يقدر أحد على إخبار الملك هنري بما حدث. أخيرا تم إرسال صبي ليركع عند قدميه، ويخبره بأن ابنه قد مات. حزن الملك حزنا بالغا، وبات رجلا كسير القلب، لم يعرف الفرح مرة أخرى بقية حياته.

أيضا، فقدت ابنته "مود" زوجها الألماني، فعادت إلى منزل والدها، الذي جعلها تتزوج من جيفري أنجو، شقيق زوجة ابنه، ودعا جميع كبار النبلاء إلى القسم بأنهم سوف يقبلونها ملكة لهم في إنجلترا، ودوقة نورماندي، بعد وفاته.

لم يعش هنري بعد ذلك طويلا. مات في عام 1135، بعد تناول كمية كبيرة من أسماك لامبري (السمك الثعبان)، ودفن في دير ريدنج.