ألاقتصادوية شلٌ لارادة الطبقة العاملة في العراق!


عصام شكري
الحوار المتمدن - العدد: 7870 - 2024 / 1 / 28 - 10:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الاقتصادوية جزء من الميول السياسية والفكرية داخل الطبقة العاملة. وبتعبير آخر هي نقابوية نظرية تهدف الى تعميم الممارسة النقابية على السياسة العمالية بشكلها العمومي. وبهذا المعنى الاخير فان الطبقة العاملة تترك الجانب الاقتصادي يرسم لها سياساتها العامة ويهمل كل الجوانب الاخرى للتدخل السياسي في الصراع على السلطة وتحديد بديلها الاشتراكي والانساني.

وحسبما ارى، فان الاقتصادوية لها اوجه متعددة تمارسها احزاب وتجمعات تدعي الماركسية - من معاداة الخصخصة (anti-privatization) الى "التوزيع العادل للثروة" الى تحقيق "العدالة الاجتماعية" وغيرها. هذا الميل الاقتصادوي يتم الترويج لها من ميول يسارية بنظري لا اشتراكية ولا عمالية - وتقزيم للماركسية.

فبدلا من ترسيخ سياسة اشتراكية-عمالية ذات ابعاد شاملة؛ سياسية اقتصادية وفلسفية وثقافية وانسانية، وبمعنى آخر ابعاد اجتماعية قادرة على خلق كلُ منسجم لسياسة شيوعية عمالية في العراق تكون بمثابة نهج ماركسي عميق يرشد الطبقة العاملة نحو طرح بديل سياسي جرئ وانساني لكل المجتمع، فان الاقتصادوية تقزم النضال العمالي ومنابر "توحيد الطبقة العاملة" الى نضال اقتصادوي لا سياسي.

ان الطفولية التي اتهمنا بها منذ زمن طويل، تتحدد اليوم بنظري في مفهومين اساسيين لا ماركسيين اراهما يبرزان في المجتمع اليوم على يد القوى الشيوعية القومية او الانتي امبريالية؛ محاربة شكل معين من اشكال الرأسمالية (السوق الحرة) لتوسل الحل في شكل آخر يعتمد على تدخل الدولة (القطاع العام او المختلط)، اي طرح بديل برجوازي "اكثر رحمة وانسانية" لا يتمحور حول نموذج الاقتصاد الحر، وأخر يريد ان يفهم العمال كيف يطالبون بحقوقهم ويتنظمون نقابيا، بدلا من محورة نضال العمال حول التدخل السياسي المستقل لقلب النظام برمته.

ويخطأ من يظن اني بنقد الاقتصادوية، اغمط حق النضال الاقتصادي للعمال من خلال الهجوم الدموي واللصوصي للبرجوازية وقواها ومنها الدولة الميليشياتية على الطبقة العاملة والملايين من الجماهير؛ من محاربة الفقر الى دعم الاستشفاء المجاني الى التعليم والصحة وبناء المساكن اللائقة الى رفع الاجور وتحسين ظروف العمل وضمانات التقاعد والشيخوخة ورفع القيود عن حق التظاهر والاضراب والتجمع وغيرها من النضالات اليومية المظطرمة. ليس هذا ما اعنيه. الاقتصادوية شئ آخر.

انها نهج سياسي ينشط داخل الحركة العمالية اليوم على يد احزاب اليسار الانتي امبريالي - اللا اجتماعي، نهج يحاول حشر نضال الطبقة العاملة في حيز البرادايم البرجوازي نفسه، بدلا من النضال لتحطيم هذا البرادايم بشكليه العادل والوحشي. هذا النهج لا يرى في الطبقة العاملة قدرة على طرح بديل سياسي وثقافي وفلسفي وايديولوجي واقتصادي ومساواتي وانساني يدخل كل تفاصيل نضالات المجتمع سواء في البنية الفوقية (ألثقافة، القوانين، الدين، الحقوق..)، والبنية التحتية اي الاقتصاد وعلاقات الانتاج. انه بديل يجرد العمال من قدرتهم السياسية.

ولمن يدعي تعقب النسخة اللينينية للماركسية والاقتداء بلينين كمرشد للنضال السياسي للعمال، ويركز في نفس الوقت على الاقتصادوية، عليه ان يسترجع اعتبار المكانة السياسية التي اولاها لينين لنضال الطبقة العاملة والتركيز على المشكلة العملية للقيادة السياسية/ والتي تدخل منصور حكمت بشكل واسع لشرح اهميتها وعمل على تحليلها وتلمس اهميتها الحاسمة في اي نضال اشتراكي؛ الحزب الشيوعي العمالي ذو البرنامج الاجتماعي الشامل.

"حشر" العمال في الرؤيا الاقتصادوية خطأ ترتكبه القوى اليسارية الانتي امبريالية والقومية التي ترى في العمال، لا قادة مجتمع ببرنامج سياسي متكامل وانساني، بل مجرد ضحايا يطالبون بعدم المس بمعاشاتهم وبتوفير شروط عمل وانتاج اكثر انسانية لهم، ومِمن؟ من حفنة ميليشيات اسلامية وقومية وحشية لا ضمير ولا انسانية لها.

ان هذه المساهمات بنظري تقوم في الواقع بالضد مما تعلنه تلك القوى - توحيد قوى الطبقة العاملة. لان حشرهم في هذه الرؤى الاقتصادوية لن يقوم سوى بوظيفة كسر الشوكة السياسية للعمال.

وان كان الشيوعيون المتحمسون يقتدون بلينين او منصور حكمت، فان القيادة السياسية للطبقة العاملة عن طريق بناء الحزب الشيوعي العمالي (او سمه ما شئت) هو الطريقة الوحيدة القادرة على خلق قيادة سياسية للطبقة العاملة مؤهلة وقادرة على تجسيد الارادة الانسانية للعمال لكل المجتمع لفرض بديلهم الانساني الشامل؛ بديلهم السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي والحقوقي والمساواتي والتحرري بأوسع اشكاله.