هل تستبدل إسرائيل ب -العربان-؟


عصام شكري
الحوار المتمدن - العدد: 7813 - 2023 / 12 / 2 - 18:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ان السبب الرئيسي للوحشية الاسرائيلية الانتقامية في غزة بنظري له شقان. احدهما سياسي والآخر ديني. وبمعنى آخر سبب مادي وآخر مثالي.

ان السبب الاول هو الأفول الجيوستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط الذي كسبته على مدار عقود (من عام 1948) باعتبارها "قاعدة الامبريالية الأمريكية". اما السبب الثاني فهو حصيلة لهذه المكانة المتضعضعة اي تصاعد التطرف الديني لليمين الاسرائيلي وابراز شعاراتهم حول أحقية اليهود المطلقة في فلسطين باعتبارهم "شعب الله المختار".

اثر افول الاتحاد السوفييتي أواخر القرن العشرين وخلق الغرب للبعبع الإسلامي لإبقاء أساطيلها تجوب البحار وممارسة الهيمنة العسكرية وشن الحروب الاستباقية، بدات إسرائيل، وعلى عكس ما يقوله القوميون العرب وحلفاءهم اليساريين، بفقد مكانتها بمثابة ركيزة أمريكية بنيت في قلب سياقات الحرب الباردة لمحاربة النفوذ السوفييتي. مرد ذلك الأفول هو سقوط الانظمة القومية العربية المعادية لإسرائيل بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية او تسهيل اسقاطها وإحلال أنظمة موالية للغرب اما بالاحتلال كما في العراق او بانقلابات داخلية كما السعودية والخليج او بدعم قوى الثورة المضادة للجيش المصري كما حدث في مصر بعد ثورة التحرير .

هذه الدول التي اصبحت "شريكا امريكياً موثوقا" قد خففت إلى حد كبير من المكانة الجيوسياسية لإسرائيل باعتبارها القاعدة الأمريكية الوحيدة في الشرق الأوسط. ان تصاعد الوحشية اليمينية لحكومة نتانياهو لا يمكن مطلقا عزله عن التضعضع السياسي لإسرائيل وإمكانية امريكا التخلي عنها او على الاقل الإيحاء بذلك.

ان الاراء التي تتحدث عن ان سبب هجوم حماس الارهابي على المستوطنين في غلاف غزة هو مغامرة إيرانية تهدف لقطع اي إمكانية لايجاد سلام بين السعودية و إسرائيل وبعدها كل دول الخليج هو بنظري ليس بعيدا عن الحقيقة وفق تلك الاعتبارات وقد تم تنسيق هذا الهجوم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودعم عسكريا بشكل كامل.

ان الجمهورية الاسلامية لا تريد لاي تحالف محتمل بين إسرائيل والسعودية وعموم دول الخليج والعراق ان يتحقق. فهذا سيعني انها ستكون مطوقة بالكامل وحينها يمكن دق المسمار الأخير في نعشها الأيديولوجي السياسي الذي تحكم به جماهير ايران بالحديد والنار والمشانق لأكثر من 40 سنة اي "محاربة الاستكبار العالمي". ومن هنا ايضا نفهم سبب أحجامها عن التدخل لنصرة "اخوانهم في حماس" عسكريا تحت مختلف الذرايع بل والإيعاز إلى حسن نصر الله والصدر وبقية المجاميع الإسلامية بوقف اي تصعيد مع إسرائيل والاكتفاء بالبعبعة الفارغة والتصرف ببراكماتية.

ومن جهة اخرى استشعرت إسرائيل بوضوح بامكانية تخلي امريكا عنها لصالح شركاء اكثر غنا وشراهة وأقل تطلبا وغنجا اي المملكة السعودية ودول الخليج وحتى تركيا. فما كان الا جلب قوى اليمين الاكثر وحشية لطرح وثائق بني صهيون من جديد وابراز اقذر قاذورات الفاشية الصهيونية لبن غفير وسموتريش ونتانياهو والوحشية منقطعة النظير لجيش الدفاع ضد المدنيين في غزة. هذه اجزاء من محاولة إسرائيل الإجابة عن الأزمة "الوجودية" العميقة - إمكانية تخلي الغرب عنها وافول نفوذها الجيوسياسي وعزلها كليا وتفككها.

وفي التحليل الأخير فان ضرب الأبنية السكنية على رؤوس الأطفال وقصف المستشفيات ومنافذ هروب الجماهير في غزة من الشمال للجنوب بهذه الوحشية هو ايضا إعلان مباديء لأمريكا و الغرب، بان إسرائيل جادة و ماضية ولن تسمح مطلقا للغرب باستبدالها بحفنة من "العربان".