الارهاب: لا يمكن للغاية ان تبرر الوسيلة!


عصام شكري
الحوار المتمدن - العدد: 7864 - 2024 / 1 / 22 - 01:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

خارج المناخ الحالي الملئ بسموم التفوقية الاخلاقية لليسار القومي وبعض الشيوعيين الحاليين ممن يجيروا التعاطف الانساني مع قضية جماهير فلسطين لامرار اجندات قومية معاصرة وليست تأريخية او يضفون طابع ماركسي على الارهاب، فان مقالتي القصيرة هذه تريد ان ترجع الى نقطة اخلاقية الارهاب في النضال التحرري.

هل ان الارهاب يتماشى مع قضية الحرية؟ هل ان الظلم القومي وسحق الحقوق على اساس قومي او ديني يمكن ان يبرر اخلاقيا التحول الى النضال الارهابي؟ هل ان هناك اي اخلاقية متفوقة في الهيجان "الجماهيري" الذي اعقب هجوم حماس الارهابي يوم 7 تشرين الاول 2023 والدعوة الى تحرير فلسطين من النهر للبحر؟ انا اتحدث من وجهة نظر القوى الانسانية لا من وجهة نظر اخلاقية ما تقوم به اسرائيل من ارهاب دولة.

بالنسبة لي ولكل القوى الانسانية فان ذلك يشكل سؤالا مركزيا، سواء كانت مدافعة عن جماهير فلسطين او عن الظلم القومي الواقع على جماهير كردستان خاصة في ايران وتركيا او اي ظلم قومي يتعرض له الملايين من قبل دولة قومية اكبر واكثر فاشية؟ هل ان محاربة الظلم القومي يمنح اي تفوق اخلاقي للقوى المعادية لهذه الدولة؟ هل هذا هو النضال التحرري المنشود؟ وهل ان الغاية تبرر الوسيلة؟

في السبعينات كانت القضية الفلسطينية تسير تحت رايات القومية العربية بسبب نهوض البرجوازية العربية تحت راية التحرر القومي من الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي. صعود البرجوازية القومية في العراق وسوريا ومصر قد جعل المنظمات الفلسطينية تحمل نفس الراية لتنال الدعم المالي والعسكري والايديولوجي من هذه القوى.

ولكن البرجوازية القومية العربية الصاعدة كانت في الاساس حركات تعتمد الارهاب السياسي وسيلة للسيطرة على السلطة من الخصم او ارعاب الجماهير. اتذكر كيف ان صدام حسين بدا متفاخرا حين تحدث في محاكمته قبل اعدامه عن محاولته اغتيال عبد الكريم قاسم بالرشاش وكيف ان ذلك كان مسألة طبيعية لا توجب اي تقريع اخلاقي حول وسائل النضال البعثي ضد صعود الحركة الشيوعية القومية في العراق. كان فخورا بذلك ولم يعتذر عن ذلك ولم يقل ان الارهاب كان خطئا.

وفي الواقع فان الارهاب كان يشكل الجوهر الفكري والفلسفي لحركة القومية العربية وكل ما يسمى باليسار في تلك الحقبة. فالشيوعيون نصبوا المشانق في الموصل للقوميين العرب وكانت هتافات الحزب الشيوعي العراقي للجنرال عبد الكريم قاسم هي في منتهى الخزي "اعدم اعدم" .

وفي المنطقة العربية كان الارهاب وتحت ذريعة محاربة الظلم القومي الذي سلطته الامبريالية الامريكية من خلال اسرائيل هو ايضا مبرر اخلاقيا. شعب مظطهد ومطرود من ارضه. خطف الطائرات او قتل المدنيين كان فعلا لا يمثل مطلقا نقطة عار على القوى التي تقوم به او تنادي بذلك النهج. من حركة فتح الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الى جماعة ابو نضال. ولكن الارهاب السياسي لم يكن حكر على قضية فلسطين بل كانت هناك حركات ارهابية فظيعة نشأت حتى في اليابان (الجيش الاحمر) وفي المانيا (بادر ماينهوف) واخرى كثيرة جدا في امريكا اللاتينية تحت سطوة الحركة الجيفارية والاستشهاد "اليسوعي" لتشي جيفارا على يد المخابرات الامريكية ووكلائها.

لقد اصبح الارهاب حينها سمة من سمات الماركسية. ليس على يد الاتحاد السوفييتي وجهاز الجيكا او الشتازي في المانيا الشرقية بل حتى لدى حركات ما يسمى "التحرر الوطني - تسمية لينين" كمنظمة التحرير وحزب العمال الكردستاني وغيرها العديد.

ان الشيوعية الماركسية لا تنادي بالارهاب كوسيلة نضالية. مطلقا. ان النضال الشيوعي نضال سياسي داخل المجتمع المدني. داخل الطبقة العاملة من اجل تنظيمها. وان كانت الطبقة العاملة تحت اختناق الاحتلال الوحشي من قبل قومية متفوقة عدديا او ماديا او عسكريا فان هذا لا يعطي مطلقا لاي منظمة معادية بان تتخذ الارهاب كوسيلة للنضال تحت الذريعة الاخلاقية التي يستخدمها اليسار الان بان "لم يكن هناك اي وسيلة اخرى لفك حصار غزة".

في الواقع فان اليسار الحالي بكل صنوفه الباهتة القومية يريد فقط ان يستحضر تراثا دمويا قوميا ويسقطه على حركة بربرية في الاساس والجوهر - حركة حماس والجهاد وحزب الله والتيار الصدري وانصار الله وعصائب اهل الحق والحشد وفيلق القدس للجمهورية الاسلامية وتنظيمات النصرة والقاعدة وداعش وغيرها. وان كان قاموس الحركة القومية استل كثيرا من الماركسية لتبرير الوحشية والاعتداء على الابرياء او التضحية بهم من خلال اختطاف الطائرات او حجز الرهائن من اجل تبادل الاسرى كان سمة من سمات الحركة القومية (اثارها الهزيلة تتضح الان في الاحزاب الشيوعية التقليدية) فان نفس الشئ لا ينطبق مطلقا على حركة الاسلام السياسي.

حركة الاسلام السياسي لم تكن مطلقا حركة "تحرر وطني" لا بالمعنى اللينيني ولا بالمعنى التأريخي لظهور برجوازية تحررية تستطيع مقارعة الاستعمار وبناء اسس دولة قومية او وطنية. حركة الاسلام السياسي هو قيح نتن يمثل جزءا لا يتجزأ من ماهية تلك الحركة. محاربة الامبريالية والصهيونية والاستعمار والاستكبار هو مجرد دعايات استلتها الحركة الاسلامية من القوميين العرب والفرس والكرد والترك بعد ان سدت كل افاق تلك الحركة في تمثيل حركة رأس المال في منطقة الشرق الاوسط واحتياج الغرب الى "شريك آخر".

القوى الانسانية والشيوعية العمالية والنسوية والمساواتية لا تلجئ الى الارهاب. لان ماهية هذه القوى انساني. ان المطالبة بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل وارجاع الهوية الانسانية للبشر بعيدا عن التصنيف القومي والعرقي والديني والطائفي والجنسي والجندري كلها اسس فلسفية وفكرية ومنطلقات لا تنسجم مطلقا مع النضال الارهابي سواء كان من اجل تحرير رقعة ارض او استعادة كرامة شعب او المعنى الاسمى - تحرير الانسانية من كابوس النظام الرأسمالي المعاصر: