كورونا و ميلاد الإنسان الجديد


ماجدة منصور
الحوار المتمدن - العدد: 6912 - 2021 / 5 / 29 - 09:21
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية     

متنكرا كنت أجلس بينهم , محاولا أن أنكر ذاتي كي استطيع أن أتحملهم , محاولا إقناع نفسي و أنا أردد : إنك لا تعرف البشر أيها الأحمق.
إن المرء ينسى حقيقة الإنسان عندما يقيم بين البشر فهناك واجهات عديدة لدى كل إنسان فما نفع أن يكون للمرء بٌعد نظر و عينان تواقتان الى المدى الرحب!
و عندما ينكرونني كنت , أنا الأحمق , أضاعف من مداراتي لهم بسبب ذلك متعودا القسوة على نفسي و في الآن ذاته منتقما من نفسي في أغلب الأحيان بسبب تلك المداراة.
مدمى بلسع الحشرات السامة و مجوفا مثل صخرة مجوفة بفعل قطرات الخباثة , هكذا كنت أجلس بينهم محاولا إقناع نفسي ( بريئ هو كل حقير بسبب حقاراته).
هكذا تحدث زرادشت
ها هي صديقتي المبجلة كورونا ما زالت تحل ضيفة عزيزة في دياري و هي تعزف على أوتار قلبي و تسمعني أشجى الألحان و تطربني بعذب الكلام و تفتح بصيرتي العمياء على عهر الإنسانية و سقوطها المدوي.
كورونا المبجلة قد نزعت عن وجه الإنسانية المجوفة كطبل القرباط كل أقنعة الزيف و النفاق و الفساد و الضلال و العهر و العماء و بصقت في وجوهنا جميعا و صرخت صرخة مدوية و هي تعلن لنا قائلة:
إن الإمبراطور عريان
من لم تعلمه كورونا لن يتعلم لأبد الدهر و من لم يفهم عدالتها الخفية فقد ضلُ الطريق الى الأبد فهي قد كشفت لنا هشاشة الإنسان و ضعف الأنظمة رافسة بقرونها الحمراء المتوهج كتاج الملوك كل رذالة الأنظمة و ضعف مؤسسات الدول
التي تتشدق بالتطور و تتغنى بحقوق الإنسان في كل ثانية من ثواني عمرنا المتآكل تحت أقدام صديقتي المبجلة...كورونا.
أيا كورونا ...ها أنا أراكي كإمبراطورة كونية قد هزت بخفائها كل أنظمة الدول و زعزعت بقرونها المتألقة مؤسساته الإجتماعية و العلمية و السياسية و الطبية حيث أريتنا البشر الفقراء يموتون كحيوانات نافقة و لا تجد عوائلهم ثمن حطب
يحرقون بها جثث أحبائهم من شدة عوزهم و فقرهم.
أيا كورونا...لعمري إنك قد حطمتي رؤوس الطغاة العالميون و المحليون و فضحتي الجميع و ما زال صوتك العادل يهز الكون بصرخته و يقول لنا:
إن الإمبراطور عريان
إن الإنسان عريان
ببهاء أطل أنا برفقتك فقط أستنشق معكي هواء الجبال العالية و نرتشف خمرنا المعتق و نهمس لبعضنا بعشق نادر ...ها هي كأسي أشربها بصحتك أيتها المبجلة ..كورونا فأنتي قد أبعدتيني عن كل أصدقاء و صديقات السوء...أبعدتيني عن رذالة
البشر حين كشفتي لي عن معدن الإنسان.
فأهلا بك ضيفة حللتي أهلا و نزلتي سهلا.
لا أخفيكي القول أيتها المبجلة بأنك قد جعلتيني أستيقظ من سباتي الطويل و زرعتي بأعماقي وعيا جديدا و حررتي روحي من كل إرتباط يربطني بالبشر و نظفتي نفسي الأمارة من كل سوء و فتحتي (بصيرتي) و عيني الثالثة فأنتي لي خير معلم
و خير جليس ولا أملك سوى أن أنحني إجلالا وأشرب في صحتكي.
ما يدهشني في شخصيتكي أيتها المبجلة أنكي غير قابلة للرؤيا و لا للقياس ولا للوزن فأنتي قد تحديتي العلماء في عقر معاملهم فأنتي تبدلين من هيئتك بإستمرار و قد أصبح لكي هوية تٌعرفين بها فهناك كورونا الأفريقية و البريطانية و الهندية
الحبل على الجرار.
كيف أعبُر لكي عن إمتناني ...وتقديري!!
لقد أظهرتي أجمل ما في روحي و بلورتي أجمل أحساس لدي بقيمة الإنسان و الحياة و الموجودات كلها.
لأشرب ثانية بصحة كورونا
شيئا إنسانيا قد تبدى لي حين نزلتي ضيفة علينا منذ أكثر من عام.
لقد خلقتي مني إنسانا جديدا و وعيا مغايرا و روحا حرة من كل إيديولوجية بغيضة للروح و مضللة للوعي الإنساني.
سأبوح لكي بشعوري حينما أجبرتنا الدولة على إغلاق شامل دام لمدة 7 أشهر متتالية و كان أطول فترة إغلاق شهدته البشرية على الإطلاق فقد إضطٌررنا أن نجلس في عزلة تامة بعيدون عن اي نشاط أو تواصل بشري و أصبحنا نرى أحبتنا من
خلال أجهزتنا الإلكترونية و أصبحنا نفر من بعضنا بعضنا....حينها أصابتني الكآبة و ألقت بظلالها السوداء على نفسي...فكيف أُسجن في منزلي و أنا الإمرأة التي تتجول بين القارات طوال سنوات عمري!!!لقد أحسست بأنني عصفور مغرد قد سجنوه
في قفص و زادت حدة إكتئابي لدرجة أن تعب قلبي جدا و لم أدري بنفسي إلا و أنا أهوي على رأسي في مستشفى (( رويال ملبورن)) و هاهم جراحوا القلب قد فتحوا أبواب قلبي على مصراعيه و خضعت لعملية جراحية كبيرة جدا خرجت بعدها
و قد زرعوا في صدري جهازا صغير إسمه ((بيس ميكر)) كي ينظم ضربات قلبي الذي أصابه الجنون من العزلة الطويلة التي فرضتها علينا الحكومة الأسترالية.
أصبح جهاز __بيس ميكر__رفيقا جديدا في حياتي بالإضافة لجهاز إلكتروني صغير أعلقه في رقبتي كي يراقب نبض قلبي المجنون ليلا نهارا.
ها أنا الآن برفقتك و قد وضعت شروري كلها على كفة ميزان عادل.
إنه ميزان كورونا.
فميزانك العادل قد علمني كيف أبارك الإنسان و الحياة و علمني أيضا أن أستمر في لعن الطغاة و طغيانهم فلعنهم هو أفضل بركة لروحي التواقة للعدالة فمن ظلمهم تعلمنا العدالة و من طغيانهم إزداذ منسوب إنسانية الأحرار حول العالم و من ظلمهم
قد نبت الثوار في كل مكان كي يزلزلوا عروشهم التي بنوها على عرق الفقير و جثث البؤساء.
إنها ثورة جديدة أيها السادة
هي ثورة كورونا....هكذا و بكل بساطة.
هنا أقف
ومن هناك أمشي
و للحديث بقية