رسالة الى صديقي سمير علي


ماجدة منصور
الحوار المتمدن - العدد: 6993 - 2021 / 8 / 19 - 09:16
المحور: المجتمع المدني     

أنا لن أعود إليكم إلا عندما تكونوا قد أنكرتموني جميعا.
حقا أقول لكم: بعين أخرى سأبحث عن أولئك اللذين أضعتهم يا أخوتي , و سأحبكم عندها محبة أخرى.

بعدها إنسحب زرادشت مجددا الى الجبل و الوحدة داخل مغارته و إعتزل البشر منتظرا ظلَ هناك مثل زارع بذارا في الأرض.

لكن نفسه أصبحت مفعمة شوقا و لهفة إلى أولئك اللذين يحبهم , إذ ما يزال لديه الكثير مما يريد أن يمنحهم ، و إنه من أصعب الأمور فعلا أن يُمسك المرء عن حب يده الممدودة للعطاء و أن يظل في الوقت ذاته محافظا على الحياء فيما هو يهب.
هكذا مرًت على المتوحد أشهر و أعوام لكن حكمته كانت تنمو و تؤلمه بفائض زخمها.
(( هكذا تحدث زرادشت))
أما عني يا صديقي سمير الذي أحب أن أن أطلق عليه إسم دلع (((سمسم))) فسأتحدث لك عن حالي و أحوالي.
أنا أقبع في منزلي منذ سنة و نصف تقريبا حينما أعلنت الغزو علينا جائحة كورونا.
حينها قررت السلطات الأسترالية أن تعزلنا عن العالم أجمع فنحن ممنوع علينا الخروج أو السفر لخارج أستراليا و كذلك ممنوع الدخول الى أستراليا.
أقبع الآن في عزلة قسرية تشبه نظام سجون النافق حافظ الأسد،، أسكنه الله فسيح جهنمه،، و لا بارك الله في نسله من بعده الى يوم الدين.
أنا معزولة عن العالم شأني كشأن ملايين الإستراليون اللذين كتب عليهم ( سكوت موريسون) رئيس وزراء أستراليا الحبس و السجن و العزلة فجناب رئيس الوزراء ،، و هو بالمناسبة أعلى سلطة في قارة أستراليا ،، قرر حبسنا و عزلنا عن
بقية العالم فقام بإغلاق مطاراتنا و نوادينا و ملاهينا و مسابحنا و مساجدنا و كنائسنا و مولاتنا و بنوكنا و متاحفنا و مدارسنا و مصانعنا و مطاعمنا و منعنا من زيارة أحبابنا و أصدقاءنا و أولادنا و جيراننا ووووو أشياء أخرى كثيرة منها على سبيل
المثال لا الحصر أنه ( منع التجوال من الساعة 9 مساءا لغاية الساعة 5 صباحا0
لقد منع الشعب بأجمعه من أبسط حقوقه الإنسانية التي نصت عليها دساتير العالم أجمع.
ها هي صديقتك ماجدة أو ( جوجو) كما تحب أن تناديني تقبع في سجن كبير لا يفرق كثيرا عن سجون الشرق الأوسط السعيد بحكامه.
لقد هزلت يا سمير و كنت أظنها لا تهزل.

لقد تدهورت صحتي كثيرا خلال السنة الفائتة و أجريت جراحة في قلبي و ربما سأجري عملية أخرى في دماغي في الأسابيع القادمة.
ما زلت شابة و جميلة و قادرة على الرقص و الضحك كما عهدتني دائما يا سمسم فإرادة الحياة أقوى من كل سجون الطغاة و و رغما عن كورونا و مخترعيها.
ما زلت قادرة على صناعة الجمال و الأمل و التفاؤل و ما زالت ضحكتي كما عهدتها دائما تصدح في شرم الشيخ و الغردقة و الساحل الشمالي.
أتذكر يا سمسم قفشاتنا و ضحكاتنا و رقصنا حين كنُا نستأجر مركبا على نهر النيل العظيم و الخالد برفقة إبنتك الجميلة سمسمة و زوجتك الصابرة حنان!!!!!!!!
أتذكر حين كنت ترافقني للسياحة في أرجاء المحروسة مصر!!!
أما زلت تذكر رحلاتنا الى خان الخليلي و السيدة زينب!!
أتذكر حين أئتمنك على مئات ألوف الدولارات و كنت أسافر و أعود ثانية كي أرى أموالي بالحفظ و الصون؟؟
اين أجد صديقا مثلك يا سمسم؟؟
أنت نادر و فريد في هذا الزمن العرص حيث أرى بأم عيني كيف يسرق الأخ ...أخته...و يخون الإبن أباه ...
إنك ناصع البياض ...نقي القلب...صافي الضمير...طاهر اليدين...عفيف النفس....غني الروح....جينات النقاء و الصفاء و الشرف و الأمانة ...هي جينات أصيلة قد ورثتها عن حضرة أجدادك العظماء و أقصد بهم سادتنا الفراعنة.
أنت هو الإنسان الأسمى الذ تحدث عنه زرادشت رغم كل ظروفك المادية الصعبة التي أعلم بها جيدا.
ليحبا الإنسان الأسمى الى الأبد.
لتكن كل أيامك مقدسة ...طاهرة و نقية...فما زلت أنت صوت عصافير الكناري التي تنبؤني ببشرى سارة و هي أنه ما زال هناك مكان للشرفاء في هذا العالم الساقط بفجوره و عنفه و دمائه.
مبصرة كنت أمضي و أنا معك يملؤني الإحساس الصادق أني بحماية أخي أو أبي أو إبني.
اليوم صباحا إستيقظت على صوت عصفور الكناري و الذي يلازم نافذة غرفة نومي المطلة على حديقتي ...فصحوت لأتناول قهوتي على عجل في حديقتي.
حديقتي هي المكان الوحيد الذي أتنفس فيها هواء الحرية رغما عن رئيس وزراء أستراليا الذي أفادنا منذ 10 أيام بأن فيروس كورونا قد يقبع في مجاري الصرف الصحي.
هل تصدق جنون سكوت موريسون؟؟؟؟؟؟
يحذروننا من مياه الصرف الصحفي!!
طب نروح لمين؟؟؟؟
يكاد ( سكوت موريسون) أن يحذرنا من ظلنا!!
لقد هزلت يا سمسم
لا يريد مستر موريسون أن نموت جراء كورونا و لكنه لا يمانع إن إنتحرنا قهرا و عذابا.
بالمناسبة: لقد إزدادت نسبة الإنتحار عندنا.....فليس بالكورونا وحدها يموت الإنسان.
لقد عرفت أن الإنسان الحقيقي يموت و ينتحر حين تصادر حقه في الحياة و حقه في الموت أيضا.
سأكتب لك رسائل كثيرة في قادم الأيام يا سمير و لك أن تعلم بأن رسائلي لك هي منفذي الوحيد كي أقاوم الموت.
هنا أقف
من هناك أمشي
للحديث بقية