ثلثا قرن على النكبة


ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4808 - 2015 / 5 / 16 - 16:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

تشغل النكبة الفلسطينية موقعا متفردا في التفكير العربي المعاصر. فإذا هي بداية تاريخ الاقتلاع والترحل واللجوء الفلسطيني، فإنها أيضا بداية تاريخ إزاحة العرب ككل إلى موقع ثانوي، لا قياسا إلى المراكز الغربية التي كانت لا تزال هنا في حينه كاستعمار مباشر، لكن حيال كيان عدائي صغير الحجم كبير الفعل، يشغل موقع الصدارة على صعيد التعاطف والحماية القانونية، فضلا عن صعد التكنولوجيا والاقتصاد والقوة العسكرية.
على أن النكبة التي جردت الفلسطينيين من وطنهم زودت العرب بقضية مركزية، فأسهمت بصنعهم كجماعة سياسية محتملة. القومية العربية هي الحركة التي تكونت حول اعتبار فاعل النكبة، إسرائيل، استعمارا من نوع خاص، مصمم لمنع توحد العرب. تحللت القومية العربية بفعل إخفاقها في الرد على النكبة. وأخفقت بفعل قصر مواجهة الاحتلال الإسرائيلي على النطاق الجيوسياسي، وفصل صراعات هذا النطاق عن كفاح عموم الفلسطنيين والعرب من أجل العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.
المركزية العربية للقضية الفلسطينية تراجعت مع فشل القومية العربية.
واليوم بفعل الثورات تندار سياسات الدول إلى دواخلها الاجتماعية، بينما تستنفر نظم الطغيان لغة وأساليب القومية العربية القديمة ومنطقها الجيوسياسي في مواجهة تمرد المجتمعات. وفي سورية التي انقلبت من "قلب العروبة النابض" إلى "سورية الأسد" جرت فلسطنة السوريين وفلسطنة مضاعفة للفلسطينيين السوريين، لكن دون وجود قوى اجتماعية وسياسية سورية وفلسطينية تعمل على تحويل نكبتي الشعبين وشرطهما الإسرائيلي إلى عمل مشترك من أجل التحرر، في فلسطين وسورية والمشرق.
هذا تحدي اليوم بعد ثلثي قرن على النكبة: ليس المطلوب تعريب الفلسطينيين ولا فلسطنة العرب، بل إظهار المحتوى التحرري المشترك لكفاح عموم الفلسطنيين وعموم العرب من أجل العدالة والحرية. في هذا، لا في غيره، نحن واحد.