أبو عدنان فليطاني


ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4456 - 2014 / 5 / 17 - 15:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

اغتيل محمد فليطاني، أبو عدنان (ستين عاما) في الأول من أيار في دوما في الغوط الشرقية. القتلة أطلقوا عليه أربع رصاصات من سيارة، وصرخوا بالمارة: لا حدا يشيلو! هادا عوايني (= مخبر)! الرجل ناصري الأصل في مدينة محافظة، كان فيها حضور ناصري لافت مثل كثير من البلدات القريبة من دمشق.
في المدينة التي هي الأكبر بين ثلاث بلدات فقط في سورية كلها يتبع سكانها المذهب الفقهي الحنبلي (فضلا عن الضْمير والرحَيْبة) تيار سلفي قوي، ينتظم حول ذراع عسكري، اسمه اليوم "جيش الإسلام" (كان "سريّة الإسلام" ثم "لواء الإسلام")، يقوده زهران علوش (أبوه عبدالله علوش مقيم في السعودية، ويقال إنه واحد من عشرة أكبر رجال دين الحنابلة فيها)، وذراع ديني اسمه "مجلس الشورى"، كان يتألف وقت التأسيس في أواخر 2012 من 16 شيخا، انسحب منه ستة يوم 10 نيسان 2013 (تكلموا في بيان انسحابهم عن إقصاء وتفرد بالمنابر، وتسلط بالقوة...). وهناك ترابط عضوي بين الذراعين العسكري والديني: زهران عضو في مجلس الشورى؛ ولأول رئيس للمجلس، عبد الرحمن الكعكة، موقع في "جيش الإسلام".
كنت زرت أبا عدنان في مكتبه في "المجلس المحلي"، وسط مدينة دوما يوم 10/4/2013. وسجلت بعض الملاحظات.
تشكل المجلس المحلي في الشهر 11/2012، أي بُعيْد تحرير المدينة. وهو أول مجلس يتشكل فيها، وكان مكونا من 27 شخصا جرى التوافق عليهم.
يقول أبو عدنان إنه وصلنا مبلغ من المال من رجال أعمال سوريين في الخليج، استخدمناه في أنشطة المجلس، ومنها توفير مولدات كهرباء. كانت الكهرباء قد قطعت عن دوما نهائيا في الشهر الأول من عام 2013، قبل ذلك كانت تأتي لوقت قصير، وقد تنقطع أياما متتالية.
تشكل بعدنا مجلس الشورى: العقد والحل، واعترض عليه المجلس المحلي. نحن لا نريد الانتقال من استبداد أمني عسكري إلى استبداد ديني.
أبو عدنان قلق من ثلاثة ظاهر: 1) فوضى السلاح: هناك سلاح كثير بين أيدي المواطنين هنا؛ 2) نمو التطرف الديني؛ 3) تنامي دور المرجعيات الخارجية، مثل قطر التي تغذي كيانات وتدعم الإسلاميين.
ويرى أبو عدنان أن الإخوان المسلمين هم من يمنعون وصول المساعدات إلى الداخل السوري، وهم بحسبه مشروع قطري.
هناك اليوم خريطة عسكرية جديدة: كتائب تابعة للمشروع الخارجي تنال الدعم، تحديدا الكتائب السلفية التي تحظى بدعم سعودي، وكتائب أخرى ليس لديها طعام ولا ذخائر، وستضطر في النهاية إلى الانضمام للكتائب المدعومة.
والتجاذب الأساسي قطري سعودي.
في كل عملية تحرير دوما سقط بالكاد عشرة شهداء، بحسب أبي عدنان. كانت دوافع المقاومة تحررية ووطنية. اليوم (نيسان 2013) المواقع التي تعود بغنائم على مجموعات مسلحة تنفرد هذه المجموعات بمحاولة الاستيلاء عليها، ولا تريد التعاون مع غيرها.
ولم يعد إسقاط النظام لهدف الرئيسي لبعض المجموعات المسلحة، بسبب انشغالها بتأمين الموارد أو الاستيلاء على غنائم.
يثير سخط أبو عدنان أشخاص يتاجرون بالثورة، يسميهم مافيا وسماسرة، يعملون لمصلحة أعوان النظام السابقين ويحاولون إرجاعهم إلى المدينة.
كان الرجل ومنظمة حزبه، الاتحاد الاشتراكي، في دوما قد تركوا التنظيم المشارك في هيئة التنسيق الوطنية في 25/1/2012 بسبب موقف الحزب، وموقف الهيئة المتحفظ عن الثورة، والليّن حيال النظام.
وهو يدعو اليوم إلى تحالف وطني ديمقراطي واجتماعي.

للناصريين في دوما، وهم يسمون بالاشتراكيين، وأحيانا بالعلمانيين، موقف يتحدد بموقعهم. فهم مع الثورة ومعادون جذريون للنظام ما يضعهم عمليا خارج حزبهم، لكنهم على نفور من السلفيين الذين لا يخفون تطلعهم إلى السيطرة وإلغاء غيرهم، ولا يرتاحون للإسلاميين عموما.
في مطلع تموز 2013 نظمنا حملة تنظيف ليومين في بعض شوارع دوما. شاركت سميرة الخليل ورزان زيتونة وأسامة نصار وشبان من لجان التنسيق المحلية ومن هيئة الدفاع المدني في المدينة وبضع فتيات دومانيات. ومن بين قلة من الشخصيات المعروفة في دوما، جاء أبو عدنان فليطاني. لم يعمل بيده، لكنه كان حاضرا وساهم في تنظيم العمل وتوجيه شبان مشاركين.
خلفي، ونحن نكنس الشارع، كان هناك ولدان مراهقان يقول أحدهم عن رزان بشعرها الأشقر غير المتواري وبنطال الجنز الأبدي: هاي عواينية، مو شايف شلون شكلها؟ هنا ربما يلتقي ضرب من ضيق الأفق المحلي، فاقمته حال الحصار وجنون الارتياب المترتب عليها، وسياسة متعمدة من نخب سلفية في المدينة تشكك في الغريب والمختلف.
لا نعرف من هم قتلة أبو عدنان، وقد لا نعرف يوما، لكن هل من المرجح فعلا أنهم مختلفون عمن اختطفوا رزان وسميرة، ووائل حماة وناظم حمادي في 9/12/2013؟
إن لم يكن من قتلوا أبا عدنان عواينية" فعلا، فإنهم الأقرب في التكوين والاستعداد إلى عواينية النظام وأعوانه.
أبو عبد الرحمن الكعكة، الشيخ السلفي المشار إليه فوق، قال في جنازة أبو عدنان إنه يعيب على القاتل أنه واجه الكلمة بالرصاص!
هل في ذلك ما يقر بأن أبا عدنان قتل من قبل من ضاقوا برأيه؟ أم تراه بمثابة تحذير لأشباه أبي عدنان؟ أم هو إشفاق من طرف الكعكة من سير الأمور في درب نهاياته سوداء؟