اختزال اليسار إلى دولة مدنية ديمقراطية


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 4429 - 2014 / 4 / 19 - 01:17
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

شعار الدولة المدنية الديمقراطية، ليس شعارا يساريا، بمقدار ما إن اليسار ليس بالضرورة اشتراكياً، لمجرد رفعه شعارات ضد الاستغلال والتسلط.
إن إقامة دولة مدنية مقابل الدولة العسكرية والحكم الفاشي، او مقابل دولة دينية استبدادية، هو أمر ايجابي بلا شك، بمعنى وقف الانتهاكات، فرض القانون، منع التدخل في الحياة الشخصية، ضمان قدر من الحريات..الخ. كل هذا وارد ويمكن أن يشكل أساسا لقيام العديد بالمناداة بشعار الدولة المدنية. كما إن العديد يمكن أن يؤيد قيام دولة مدنية، دون أن يتبنى الشعار علنا، مما يعني ان مطلب المدنية أصبح واقع حال في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع في العراق والتي تهدد بانزلاق المجتمع إلى الهاوية والانهيار.
ان كون امر يمكن تبريره لا يعني، بالنسبة للاشتراكيين، انه يمتلك مشروعية، او انه هو البديل والجواب على معضلات المجتمع. أصبح موضوع الدولة المدنية هو السمة التي يعرف الجمهور اليسار من خلالها في الانتخابات الجارية. يعتبر البعض ان هذا مكسبا وتقدما في مواقع اليسار في مقابل الهجمة على المدنية في العراق.
يمكن النظر للموضوع من زاويتين:
الأولى؛ هي إن هذا هو بديل وحل برجوازي للمجتمع، قابل للنجاح والفشل بنفس النسبة.
الثانية؛ ان القوى البرجوازية الحاكمة او المهيمنة، لم تستطع ان تقدم نموذج نظام سياسي لإدارة المجتمع. وبالتالي فهي غير مؤهلة تاريخيا، بكل فصائلها ولحد الان على الاقل بعد احد عشر عاما على حكمها، لتشكيل نظام سياسي لحكم البلاد. يعني انها أصلا في أزمة، لا خلاص لها، بل ان عناصر السلطة هي سبب الأزمة.
من هنا سيكون تبني الاشتراكيين لنموذج ديمقراطي مدني برجوازي، هو مساهمة في إنقاذ البرجوازية المتأزمة في العراق، أكثر مما هو بديل او سلطة" تنقذ" المجتمع من الكارثة. ان الوقائع تؤكد ميل فئات واسعة من المجتمع لقبول هذا التصور، ولكن هذا لا يعطي مصداقية لكون هذا البديل هو بديل الاشتراكيين، او انه يعبر موضوعيا عن محتوى الأزمة والسبيل العلمي لحلها، او ان هذا البديل المطروح هو خطوة باتجاه تبلور وفرز القوى الطبقية بوضوح. علما ان تركز الثروة والاستقطاب الطبقي والإفقار الواسع مقابل الثراء المهول، يشكل ركنا أساسيا لما يعرف بالعملية السياسية، أي ان الركن والأساس الطبقي لهذه السلطة اوضح وأعمق من ان تخفيه النزاعات الطائفية والقومية، بل انه في التحليل الأخير يشكل أساسها، ومنطلق الصراعات ومحورها.

لقد فرضت القوى الحاكمة الإسلامية والقومية الوضع الحالي للمجتمع كواقع حال، بحيث أصبح التفكير بالبديل الاشتراكي لدى العامل والكادح وكأنه ضرب من تطلعات متسرعة او في غير اوانها. لقد أصبح إنقاذ المجتمع هو المطلب وليس إقامة نظام سياسي بديل، وببرنامج اشتراكي. ومع هذا التراجع الذي فرضته هذه القوى على المجتمع وتطلعاته، يجري اختزال مطلب الاشتراكيين الى المدنية والديمقراطية.
كما ان شدة انعزال وبعد الاشتراكيين عن المجتمع، يجعل من قبول أي فئة من الجماهير بشعارات " يسارية" مكسباَ، ويصبح المعيار هو الرأي العام، وليس معيار الرأي العام واتجاهه هو علمية وعملية بديل الاشتراكيين للنظام السياسي.
والحال بما ان الوقائع تدل على عجز القوى البرجوازية الحاكمة عن تقديم أي حل للمجتمع، بل إنها وبكل فصائلها، السبب في الأزمة والصراعات، فان إنهاء الصراعات الطائفية والقومية والاضطراب في المجتمع، هي مهمة اليسار، ولكن من خلال منهجهم وفلسفتهم كاشتراكيين، وتقديم برنامج اشتراكي ثوري للمجتمع، وليس من خلال اخذ دور البرجوازية بالنيابة، وتمييع الحدود معها. أي الانحدار إلى مستوى فرقة برجوازية إصلاحية.
شهد التاريخ وقوف الاشتراكيين أمام مهمة الإجابة على مهام تحول ديمقراطي برجوازي، أي تصفية الإقطاع وإقامة جمهورية ديمقراطية، في روسيا القيصرية، واستطاعوا انجاز الثورة والتحول الى البديل الاشتراكي، دون الانزلاق في الأوهام وتبني بدائل برجوازية بداعي متطلبات المرحلة.
إن المقصود ليس استنساخ التجربة طبعا، ولكن المقصود إن الاشتراكيين يمكنهم تقديم بديلهم للمجتمع في أي مرحلة، وباستقلالهم عن التصورات والتطلعات البرجوازية.

18-04-2014