الى الدكتور طلال الربيعي مع التحية


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 6317 - 2019 / 8 / 11 - 17:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عزيزي الدكتور طلال الربيعي
بعد التحية
تابعت مقالاتك في التحليل النفسي التي نشرتها منذ شهور، وقد أفرحني التوجه الى التحليل النفسي، وفي الحقيقة كنت اتمنى ان يتسع ويستمر مجال البحث في مقالاتك ليشمل السوسيولوجيا والادوار المتبادلة بين سيكولوجيا الفرد وتأثيرها الاجتماعي وتأثرها بالمجتمع.
كان ميدان علم النفس يوماً توجهي، خلال التسعينيات، وقد تعاظمت الرغبة لدي خصوصاً مع انخراطي في دراسة علم النفس في كلية الاداب- جامعة بغداد- الدراسات المسائية.
لقد جاء اهتمامي بدراسة علم النفس من الناحية السياسية لسببين رئيسيين؛ الاول هو، اننا كنا خلال التسعينيات بحاجة الى تكوين معرفة عن أدق تجليات الدوافع النفسية والسلوك لدى الفئات التي نتعامل معها، للتأثير فيهم ولتجنب التظاهر والاندساس بين صفوفنا من قبل ممثلي السلطة، خاصة واننا كنا نبني اللبنات الاولى لتنظيم جدي في الداخل. والثاني، وهو الأهم، هو إطلاعي يومذاك على تصريح لـ ولهلم رايش في كراس عن رايش يحمل عنوان "رايش والتحليل النفسي" أو كراس " نحو وعي طبقي بين الجماهير" على ما اتذكر، يقول " لقد انتصرت الثورة الروسية لوجود أعظم عالم أجتماع فيها على مر العصور" . ان التصريح الاخير خطير جداً، ولكنني اقتنعت به. وشرعت في الدراسة وكنت اتطلع لتوسيع دراستي وتقديم طرح متقدم في علم النفس، الا ان ظروفاً حالت دون رغبتي من جانب، ومن جانب آخر كانت سنة تخرجي هي 2003 أي خلال الاحتلال، وقد اطلق على دورتنا اسم الدورة العرجاء، بسبب عدم تقديمنا بحث تخرج وعدم قيامنا بالاستبيان وجمع المعلومات لاستحالة الامر في تلك الايام. كما ان الحركة السياسية التي كنا اعضاء فيها، قد " وجّهتنا" بان الدراسة والبحث لا لزوم لهما لدى الاعضاء، لانها تخلق اتجاه أكاديمي غير ثوري، ولان هناك مفكراً "ليدر"اً واحداً قد أجاب على كل مسائل الوجود والسياسة ولم يعد أمامنا سوى القيام بأنشطة عامة بوحي من أفكاره وأفكار اتباعه، ومن يخالف هذا الطرح يوصم بنعوت سياسية شتى بل يحارب ويجري اعتباره خارجاً على الخط. .
ولفرط ما لاحظت أشكال معقدة ومتجددة من السلوك الاجتماعي لدى الافراد الذي يسم العديد من الاوساط بميسمه، وجدت ان أشكال السلوك الشخصي ومهما بدا فردانياً وذاتياً الا انه يمكن التوصل الى معرفة دوافعه التي تحركها مصالح مادية يمكن تتبعها والتعرف عليها. ومهما بدت بعض السلوكيات بعيدة عما هو اجتماعي الا انها قابلة للتحليل على ضوء اغراضها وأهدافها.
ومن هنا رأيت ان دراسة الثقافة التي تسود الاوساط الاجتماعية وفي ابسط تظاهراتها اذا ما استخدمنا تعابير هيكًل، يمكن ان تقود الى تحليل البنى الاجتماعية وعلاقتها بتشكل الافكار والوعي. وقد باشرت بدراسة موضوع العشائرية وهيمنتها على المدينة، ودور هذه العملية في صياغة مفاهيم وأفكار الناس عن العالم والمجتمع.
وفي الحقيقة وجدت صعوبة بالغة في البحث بالرغم من أني اعطيته وقتاً لا بأس به، فقد تبين ان الصعوبة الفعلية تكمن في استخدام المنهج لتحليل واقع ملموس والخروج باستنتاج نظري. ولكني اقدمت على هذا العمل، وربما سأشرع في نشره في غضون الايام القادمة، على الرغم من اكتشافي لنواقص جدية في العديد من المواضع، والتي ساسعى التى تطويرها. أن دراسة التطور الاجتماعي لم تصبح منحى في الابحاث والدراسات أو اتجاها عاما، وهذا ما يشير اليه بوضوح الدكتور كمال مظهر في كتابة " صفحات من تاريخ العراق المعاصر".
ولكن ما يهمني بصورة رئيسية هو يتشكل تيار فكري حول تحليل التطور الاجتماعي ودوره في تشكيل المفاهيم والوعي العام وبالتال. ومن ثم التخلص من طريقة اليسار في وصف الاحداث على ضوء ارتباطها به، أو دوره فيها، وهو ما ساهم في عدم تجذر الماركسية والعلم الاجتماعي في صفوف الجمهور واقتصاره على الحلقات، وهذا ما أشرت اليه في بحثي. وبالطبع سأتحمل كل نتائج البحث الذي سأقدمه.
وفي الحقيقة اني توصلت خلال بحثي للعشائرية في جنوب العراق على الاقل، وهي سمة مشتركة بالتأكيد في البنى العشائرية في العديد من المجتمعات ولكنها على ما يبدو برزت في الجنوب بصورة اكثر وضوحا، الا وهي الانفصال بين العمل والقيادة. فالعمل اليدوي هو وظيفة المزارع أو الفلاح، وهو يتعلق بمعيشته، ولا يمكنه ان ينطلق من موقعه في العمل ليشارك في السياسة التي هي من أختصاص الزعماء، أي شيوخ القبائل. لان مؤسسة القبيلة هي مؤسسة سياسية وهي تتحكم بالفلاح وبعمله. وهذا الواقع يسري بصورة ليست اقل وضوحا على العمل في مجتمعنا المعاصر، فالعامل يعمل لتأمين لقمته ولا يستطيع التقدم من الاقتصاد الى السياسة، كون العمل يحرم عليه التنظيم وامتلاك وسيلة سياسية تحوله الى قوة موحدة تنطلق من الحاجات المعيشية الى السياسة. لذلك نرى العامل اليوم لا ينطلق في توجهه السياسي من موقعه الطبقي بل من السياسة العامة السائدة وهي سياسة الطبقات المسيطرة أو من مواقع التيارات الاصلاحية. وهذه النقطة تكاد ان تكون احدى اهم العقد في عدم تبلور الصراع الطبقي في نضال طبقي سياسي موجه.
باختصار طرح البحث عليّ مسائل غاية في التنوع اثناء محاولتي الاحاطة بجوانب الموضوع. وسأسعى الى التصدي لها بمقدار ما يمكنني استخدام المنهج في التحليل والاستنتاج.
تقبل تحياتي
فلاح علوان
10-08-2019