رد الى السيد عبد الحسين سلمان


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 6054 - 2018 / 11 / 14 - 20:58
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية     

فلاح علوان

نشر السيد عبد الحسين سلمان مقالا بعنوان مؤيد أحمد وصلاة التراويح على صفحة الحوار المتمدن، والموجود على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=615587
اورد فيه جملة احصاءات، وبنى المقال على اساس الارقام والاستشهادات من النصوص والمصادر. ليعلن بان تعابير بعينها وردت في مقابلة مؤيد احمد هي غير واقعية او غير حقيقية، وليصل الى الاستنتاج بان وجود طبقة عاملة في العراق هو طرفة او نكتة. وقد جاءت الرسالة مشبعة بتهكم يتشبه بتهكم المحترفين، عندما يمارسون الاستعلاء على الاخرين.
استعار الكاتب هذا المقطع من انجلز لتدعيم مقاله، وللبرهنة على انه ليس هنالك برجوازية في العراق ولا طبقة عاملة؛ (وتعريف إنجلز للبرجوازية هو كما جاء في ملاحظة إنجلس للطبعة الإنكليزية عام 1888 للبيان الشيوعي : "نعني بالبرجوازية طبقة الرأسماليين العصريين، مالكي وسائل الإنتاج المجتمعي، الذين يستخدمون العمل المأجور." السؤال : هل في العراق الان يوجد (مالكي وسائل الإنتاج المجتمعي، الذين يستخدمون العمل المأجور) ؟؟؟ ) انتهى الاقتباس.
وسنورد مقطعا من البيان الشيوعي الذي شارك انجلز في تحريره وبخصوص نفس النقطة التي تستشهد بها. "والعامل، ما أن يستغلّه صاحب العمل، و ما أن يدفع له أجره، حتى تنقضّ عليه القطاعات الأخرى من البرجوازية: مالك البيت و البـقّـال و المرتهن إلخ .."
اي هناك الملاك العقاري والتاجر وصاحب المصرف والمرابي وكل هؤلاء يتأتى موردهم من قسم من فائض القيمة، يحصلون عليه عن طريق التقسيم الرأسمالي للقيم والارباح والتنظيم الرأسمالي للمجتمع. وبكلمة لا تتألف الطبقة الرأسمالية من صناعيين فقط.
وبحسب التقسيم الرأسمالي العالمي للسوق، فان دولا بكاملها تبقى بدون تصنيع فعلي مهما حاولت، ويبقى دورها محدداً حسب متطلبات السوق الرأسمالية، ويبقى الرأسمال التجاري أو الخدمي هو المسيطر والمهيمن على سوقها وحركة رأس المال فيها، وبالتالي على المجتمع، ولكن دون ان يلغي وجود الطبقات.

وجاء في البيان كذلك :
"فالبرجوازية جرّدت كل الفعاليات، التي كان يُنظر إليها حتى ذلك الحين بمنظار الهيبة و الخشوع، من هالتها. فحوّلت الطبيب ورجل القانون و الكاهن و الشاعر و العالم، إلى أجراء في خدمتها."
ووفق منطق السيد عبد الحسين سلمان الذي لا يرى غير البرجوازية الصناعية ، فأي رأسمالي سيمكنه استغلال عمل المحامي او الطبيب؟ وأي بضائع او سلع يمكن للمحامي او الطبيب ان ينتجها؟
اليست هناك الدولة البرجوازية؟ وجهاز الدولة، ومؤسسات الدولة، والجيش النظامي، والاوليكارشية؟ والمحاكم والسجون؟ اليست هذه اجزاء مكونة للنظام الرأسمالي؟ والقائمون عليها اليسوا هم من جهاز البرجوازية الحاكم؟ ام ان الدولة وتنظيم المجتمع هي ليست مؤسسات طبقية؟
في كتاب تطور الرأسمالية في روسيا يتطرق لينين الى عمل التجار والمتعهدين الذين يجمعون العمل المنزلي وخاصة في القرى ليبيعوه في السوق، اي باستخدام رأس المال الربوي. فكيف يمكن ان يبيع التاجر ويربح دون وجود فائض قيمة؟ وكيف تحقق فائض القيمة عن طريق الرأسمال الربوي وليس الصناعي؟
يعلن الكاتب في مقاله ببساطة وبدون تكلف، انه ليست هناك طبقة عاملة في العراق، وهذا يقود طبعا الى انه لا توجد طبقات اخرى في المجتمع.
سأورد بالارقام بعض الامثلة عن الطبقة العاملة في العراق وعن انتاجها اليوم وليس في الثمانينيات او التسعينيات:
شركة الاسمدة الجنوبية في البصرة التي تضم مئات العمال، تنتج يوميا ما بين 800 الى 1000 طن من الاسمدة ذات المواصفات العالمية، وبكلفة تقل عن المعدلات العالمية. وقد قررت "الجهات المختصة" ايقاف الانتاج، واستيراد الاسمدة القطرية والايرانية التي يبلغ سعر الطن منها بين 750 الى 800 دولار امريكي، في حين يباع الطن من الاسمدة المنتجة محليا بـ 450 الف دينار عراقي اي اقل من 400-$-. وقد خاض العمال نضالا جديا واحبطوا محاولتين لايقاف الانتاج وانتصروا في المرتين. ثم عادت الحكومة لتوقف المعمل بحجة تسمم وتلوث المياه التي تغذي خطوط الانتاج من شط العرب.
في عام 2013 ومع الشروع بالايقاف المخطط للانتاج في الشركات الكبرى، تمهيدا للاستثمار والخصخصة، وفي منشأة اور في الناصرية التي كانت تضم 12000 اثنا عشر الف منتسب، موزعين بين شركة انتاج الالومنيوم وانتاج القابلوات وانتاج النسيج في مجمع ضخم. اعلن مسؤول التسويق انه يوجد في مخازن الشركة كيبلات متنوعة تبلغ مجموع اقيامها 59 تسعة وخمسون مليار دينار عراقي اي ما يعادل نحو 50 مليون دولار امريكي، وهي منتجات مطابقة لمواصفات شركة سيمنس، ولكن الحكومة اوقفت الطلب على منتجات الشركة وتقوم بأستيراد الاسلاك من تركيا وايران والسعودية.
في الشركة العامة للزيوت النباتية، التي تشكل عملاقا انتاجيا يمتلك حتى اراضي لزراعة محصول الذرة وبذور الكتان ومطابع ومصانع للعلب والعبوات... الخ. مع فروع للشركة في عدة مدن. يقول مسؤول احد خطوط الانتاج؛ ان الحكومة لو تعاقدت مع الشركة لتجهير زيت الحصة التموينية بدل شرائها من تركيا، فسيمكن للشركة تغطية حاجة العراق وتمويل اكثر احتياجات وزارة الصناعة المعطلة قسرا. ان هذه الاحاديث تجري خلال الاجتماعات النقابية والعمالية.
وان هنالك عشرات ومئات الامثلة من هذا النوع، وهي دليل على ان العمال في العراق، منخرطون وبدرجة ما، في صراع ضد الخصخصة وضد سلاسل التوريد التي تعمل على تقويض كل صناعة محلية. ومن هذه الامثلة صراع عمال سمنت كربلاء مع شركة لا فارج، التي تعرض حياة الاف العمال للخطر بسبب الغياب التام لشروط الصحة والسلامة، والتلوث الفظيع التي تتسبببه اعمال الشركة. وقد انتصرت الشركة اخيرا على العمال في صراعهم معها، ولكن بمعونة الادارات المحلية.
وتوجد في العراق اليوم 147 شركة كبرى، بعضها يضم عشرات المواقع والمصانع والمشاريع، يجري تعطيلها بصورة متعمدة تمهيدا للخصخصة والهيكلة.
وبدل ان يعلن "الماركسي" انه لا توجد طبقة عاملة، يتعين عليه فهم ميكانزمات الصراع هذه، ودور السياسة الاقتصادية الامبريالية في تحديد اتجاهات الاقتصاد العالمي والتقسيم العالمي للعمل.
وبعد كل هذا سيأتي من يتحدث عن ضعف اليسار في العراق، او ضعف ارتباط الطبقة العاملة باليسار. لا يمكن للطبقة العاملة ان تقترب من هذا اليسار يوما، اوالاحرى لا يمكن لهذا اليسار ان يكون اشتراكيا يوما، اذا كان من يحفظون صفحات من التراث الاشتراكي عن ظهر قلب، يعلنون ببساطة وبدون تكلف انه لا توجد طبقة عاملة. ان الملفت للنظر ان الكاتب قام باطراء بعض التعليقات المؤيدة لمقاله، رغم ان بعضها يصل الى مستوى التهريج.
ومادام كاتب المقال يستشهد بالاحصاءات، فسنقول ان الناتج الاجمالي في العراق لعام 2017 وحسب احصائيات البنك المركزي بلغ 198 USD – مئة وثمانية وتسعون مليار دولار امريكي؟ وان إجمالي الإيرادات من النفط : 59505000000 دولار. المقصود عوائد التصدير، لان الناتج لا يصدر بالكامل ويستهلك اكثر من مليون برميل محلياً، وأسعارالمحروقات المحلية تفوق الاسعار العالمية لتصدير النفط.
وجاء في التقرير كذلك "إن من أھم المشاكل التي تواجھ الاقتصاد العراقي كونه اقتصادا ریعیاً حیث يشكل انتاج النفط 61% من الناتج المحلي".
اذا كان انتاج النفط يشكل 61% من اجمالي الناتج المحلي، يعني ان ثمة 39% من الناتج يتحقق من ميادين غير النفط، وحتى اذا اخذنا في الحسبان تضخم اسعار الخدمات التي تدخل في الحسابات وترفع من الارقام، فسيبقى هناك ناتجا تحقق بالعمل الاجتماعي.
والسؤال هو؛ كيف يجري تنظيم العمل المنتج في هذه الميادين التي يعمل فيها مئات الالاف، بل الملايين، هل يجري تنظيمه وفق نظام المشاعية القديمة، العبودية، الاقطاع، الاشتراكية... غيرها تذكر كما يقولون؟
ان الريع يدخل في الاقتصاد وفي دورة رأس المال، ولكن ليس لكي يغير العلاقات الرأسمالية، وانما للتأثير في مستويات الاسعار ومستويات الاجور والارباح.
ان الريع لا يلغي الطبقات، لاننا اذا اعتمدنا هذا المنطق فستكون اميركا بلدا ريعيا بلا طبقات، فالريع الاحتكاري، المتأتي من احتكار التكنولوجيا المتقدمة، يؤثر بشكل مباشر على فائض القيمة النسبي وبمعدلات تفوق مستوى السوق العالمي وتفوق العوائد النفطية والريوع المتحققة منها بكثير.
كما ان الريوع المصرفية في بنوك اميركا، والمتحققة من الاصدار النقدي والتحكم باسعار الفائدة، واصدار الاوراق المالية وما يعرف بالمشتقات المالية، تشكل نسبا من الناتج الاجمالي في اميركا تفوق مثيلاتها من نسب الريوع في كل العالم.
ان الفجوات المالية في اسعار الوقود وخاصة البترول، والطفرات التي تحصل كل بضعة عقود، سرعات ما تبتلعها الاحتكارات العالمية وتعود الى توازن جديد، وتحل محل الريوع ديونا وقروض على البلدان ذات العوائد الريعية، تماما كما يحصل في العراق اليوم، حيث يجري تمويل الموازنة السنوية بالعجز والاقتراض. اذ ان العجز السنوي المغطى بالاقتراض يبلغ نحو 22 مليار دينار.
واذا لاحظت تخصيصات الخزينة فانها تتجه الى جهاز الدولة والاجهزة الحكومية، في حين تترك الميادين الانتاجية المعرفة بشركات التمويل الذاتي خارج التخطيط والموازنة. ليست الدولة عائلة يقوم الاب فيها بتوزيع العائد على الابناء، هذا تصور غير منطقي
ان القول بانه لا توجد طبقة عاملة في العراق، لا يقتصر على السيد عبد الحسين سلمان، وانما يتشارك فيه العديد من المثقفين ومن الشيوعيين العراقيين، الذين يتسابقون للمشاركة في التظاهرات العمالية ما ان تنطلق. ان هناك منبع سياسي لهذا المنطق، هو عدم التفاف الطبقة العاملة حول الحزب الشيوعي العراقي، وكون الحزب خارج الطبقة بالمعنى السياسي، والتنظيمي، عدا استثناءات قليلة ترجع الى ارتباط مصير العديد من كوادر الحزب بذكريات نضالية مع العمال، وعدا عن هذا فالحزب الشيوعي العراقي ليس لديه سياسة طبقية، لذا فانه يروج لمنطق عدم وجود طبقة عاملة في العراق.
اعتقد ان الحوار الصريح في هذه المسائل، يفتح باب النقد والتعرف على الدوافع الحقيقة وراء الطروحات والابحاث، والمصالح السياسة وراء كل طرح. وهذه خطوة باتجاه استخدام الميثود الجدلي بصورته الماركسية، وهو جزء من متطلبات تسلح العمال بالنظرية بوجه التصورات البرجوازية، اي انه شكل من النضال النظري.