-2- بناء تكتيك وتيار داخل الحركة، أم رسم أهداف عامة ؟


فلاح علوان
الحوار المتمدن - العدد: 6381 - 2019 / 10 / 16 - 16:13
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

كان فراغ السلطة الذي حصل إثر الإحتلال الأمريكي، أهم الروافع التي مهدت الى صعود المؤسسات الجاهزة القديمة، مثل المؤسسة الدينية والعشائرية، ووصول القوى الإسلامية الى السلطة، وبلغ الأمر حد إكساء النظام صبغة دينية عشائرية. ومع حصول أي فراغ جديد من هذا النوع ستعود نفس الفرصة أمام المؤسسات الجاهزة، والتي هي اليوم الجيش، وشبح مؤسسات النظام السابق وخبرتهم التنظيمية والسلطوية، والدور الأمريكي الذي يسعى الى ترتيب مجمل الأوضاع في إطار مصالحه وسياسته.
وحيث إن النظام الحالي لم يبن مؤسسات دولة عدا الأجهزة الأمنية والمصرفية والحزبية، واقتصر دوره على الإرتباط بالرأسمال العالمي والإحتكارات الكبرى وتنفيذ سياسة المؤسسات المالية التي تتحكم بالاقتصاد العالمي. وكان من أهم وظائفه إعادة توزيع الثروة بين الأقطاب الجديدة الصاعدة وبرزت طبقة رأسماليين طفيلية، ركزت نشاطها في حيازة المليارات وترصيدها في البنوك العالمية، فقد أصبح النظام اليوم مهدداً، فهو من الناحية الدولية والإقليمية نظام تابع لأمريكا وإيران والدول الإقليمية المجاورة، وتركيبته تتقرر من خلال توازن مصالح ممثلي الدول الإقليمية، وهو نظام بلا وظيفة في الخارطة السياسية في المنطقة والعالم. وتكاد تقتصر وظيفته على السيطرة على جماهير الشعب، وضمان تدفق الرساميل الى دورة رأس المال العالمي.
ومن الناحية الإجتماعية، أدخل النظام المجتمع في أزمة عميقة لا حل لها، من إعادة هيكلة الإقتصاد، تدمير أسس الصناعة والزراعة بحجة الإستثمار والإنفتاح على السوق العالمي وبالتالي التسبب في بطالة مليونية مزمنة، مع نقص خدمات هائل وإنهيار البنى الأساسية للاقتصاد.
إن دور إيران المتحكم بصورة كاملة في السياسة في العراق، ودور أمريكا الذي يستهدف مصالح مغايرة للمصالح الإيرانية، جعلت العراق ميداناً لتصفية حسابات دولية.
ومقابل تفرد رجال الحكومة والبرلمان بحيازة الأموال وإنهماكهم بالسيطرة على الثروة ونهب كل ما تقع عليه أيديهم، جرى تثبيتهم في الحكم طوال هذه المدة بتدخل أمريكي، إيرني سعودي تركي.
وصلت الأزمة الإجتماعية حد الإنفجار الكبير الذي لا بد منه، فانفجر، وواجهته السلطة بقمع بلغ حدوداَ صدّامية فاشية، أي انها دخلت في الحرب المعلنة مع المجتمع.
واندفع المجتمع في تظاهرات غير مسبوقة وجريئة ولكنها غير موجهة تجاه أهداف المجتمع ومصالحه ومطالبه التي انتفض من أجلها. واجه المتظاهرون آلة الموت بجرأة وشجاعة. ولكن الجموع وجدت نفسها بلا بديل بين يديها، بينما يرفع البعض مطالب مثل نظام رئاسي، تدخل أمريكي مع حل عسكري من نوع الانقلاب، إنهاء الدور الايراني... الخ.
إن من مصلحة أمريكا قيام سلطة تستطيع إيقاف النفوذ الإيراني أو إضعافه، وتشكيل نوع من السلطة الموالية أو المستندة لإمريكا. من الناحية النظرية ومن جهة المصالح السياسية المشتركة هذا وارد. إن قسماً من المؤسسة العسكرية الذي يرى في النفوذ الإيراني والحشد إضعافاً لموقعه، يمكن أن يكون موالياً للتوجهات المشار اليها.
أما الطرح السياسي الشعبي، التي يمكن أن يشكل غطاءاً أو مبرراً لتلك التوجهات، فهو توفر مجاميع سياسية وشخصيات تتحدث عن " مشروع وطني" وهو تعبير يمكن تمرير أشد السياسات خطورة تحت غطائه. تحت ستار "المشروع الوطني" يتساوى النظر الى المظلوم مع الحاكم أو المتسلط كمواطنين يتشاركان نفس البلد، ويتساوى النظر الى المعدم الجائع مع المتخم الثري، ويتساوى منظور "المشروع الوطني" للمالك المتحكم بالمملوك المستغل كشركاء في الوطن،، والمتسلط بالخاضع، أي الذين خرجوا للإحتجاج ضد السياسة التسلطية الإستغلالية وقتلوا في الشوارع، مع أصحاب السلطة والنفوذ والمال. وهكذا لأجل وصول ممثلي طبقة برجوازية بإسم الوطن والمشروع الوطني أو المدني.
إن مستوى النضج الطبقي السياسي بين فئات الشباب المحتج متأخر، لدرجة إن إنتقاد المشروع الوطني، سيعتبر من وجهة نظر الكثير خيانة وتأخير للإحتجاجات والتغيير. وتتردد عبارة "أريد وطنا" مع ما تحمله من رومانسية ومن زخم عاطفي، رغم انها لا يمكن أن تتضمن أي جواب على حياة المجتمع، ويتضح من زج هذه الشعارات وتضخيمها في الحركة، وجود تيار يبني نفسه داخل الحركة بهذه الصورة.
وبكلمة، إن الجموع المنتفضة لم تطرح من بين صفوفها بديلاً، في حين إن قوى أخرى تستعد للقطاف.
لم يحصل فراغ حكومي بعد، ولكن فراغاً سياسياً واضحاً قد تبين، وانعكس بوضوح في غياب الافق الاشتراكي في حركة عمادها فقراء المدن. وظهر اليسار وكأنه ليس خارج الحسابات السياسية فقط بل خارج الحياة، وأظهر عجزاً واضحاً عن الإندماج بالحركة وبناء تيار إشتراكي داخلها رغم إستعداد فئات واسعة جداً من الجماهير. وإكتفى البعض بالحديث عن المؤامرة أو المخططات لتبرئة نفسه من لعب أي دور بحجة وجود آفاق أخرى داخل الحركة، وهذا الطرح لا يقل خطورة عن عجز اليسار عن لعب دور سياسي.
يتبع -