مع أعداء مثل أعدائنا، كان يلزم أصدقاء ليسوا مثل أصدقائنا


ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4224 - 2013 / 9 / 23 - 17:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

قامت الثورة السورية في سياق "الربيع العربي"، ثورات متتابعة في عدة بلدان للتخلص من دكتاتوريات مزمنة. ووجهت بالعنف منذ البداية، عنف قمعي لم يتأخر عن التحول إلى عنف حربي، وصولا إلى جريمة السلاح الكيميائي قبل شهر.
تلقى النظام دعما مخلصا من حلفائه، دعم بالرجال والمال والتخطيط من إيران، ودعم عسكري ودبلوماسي من روسيا. وتلقى السوريون الثائرون دعما غير مخلص من مجموعة "أصدقاء الشعب السوري" التي يفترض أنها تشكلت لتكون إطارا دوليا شرعيا لدعم السوريين الذين عطلت روسيا والصين بثلاث فيتوات مساعدة الأمم المتحدة لهم. طلب السوريون المساعدة الدولية مرارا وتكرارا منذ صيف 2011، حتى قبل أن يلجؤوا إلى الدفاع عن أنفسهم بالسلاح، وقبل أن يسمع أي كان بأية مجموعات جهادية.
"الأصدقاء" لم يستجيبوا. فعلوا أشيا كثيرة، ليس من بينها عون مخلص لتحقيق هدف الثورة، "إسقاط النظام"، والتوجه نحو سورية جديدة، ديمقراطية.
ومنذ مطلع 2012 انتظمت الاستقطابات الدولية حول سورية على النحو التالي: أصدقاء النظام، روسيا وإيران وحزب الله بخاصة، يبذلون كل جهد كي ينتصر حليفهم على الثورة، أما أصدقاؤنا فيبذلون جهودا كبيرة كيلا يسقط النظام على يد الثورة!
لماذا؟ على الأرجح يريدون تحولا سياسيا يتحكمون به، يطوق المفاعيل التغييرية للثورة، ويحرم الثائرين من السير بورتهم حتى النهاية. المنطق الدولتي المحافظ للقوى الغربية، والعربية، يفضل أن تبقى في سورية قوة عسكرية وبوليسية فعالة، لمواجهة ما يعتبرونها أخطارا أمنية على مصالحهم و"الاستقرار في المنطقة". ويبدو أن التفضيل يتجه إلى البوليس الذي يعرفون.
أريد القول إنه ليس صحيحا أن القوى الكبرى منقسمة كثيرا حول الصراع السوري، وليس صحيحا أيضا أن هذا الانقسام هو ما يوفر هامش مناورة واسعا للنظام، وصان قدرته على قتل محكوميه طوال أكثر من عامين ونصف. الصحيح أن هناك من يريد أن يبقى النظام، وهناك من لا يريده أن يرحل. والطرف الذي لا يريد للنظام أن يرحل، واشنطن (ومن وراء الستار إسرائيل)، تدخّل لدى قوى إقليمية ودولية لمنعها من مساعدة الثائرين السوريين جديا، تزويدهم بمضادات طيران ومضادات دروع تحديدا، بحيث يستطيعون هزيمة النظام. كان هذا أمرا ممكنا فعلا حتى الشهور الأولى من هذا العام، ولم يكن السوريون يحتاجون إلى غير عون بالسلاح، وهم من يقومون بالمهمة على أحسن وجه، دون تدخل عسكري من أحد.
محصلة سياسة أصدقاء النظام و"أصدقاء الشعب" هي صراع لا ينتهي، ودمار واسع يطال الاقتصاد والمجتمع والحياة البشرية، ما يشكل البيئة الأنسب لظهور وتوسع مراتب جهاديين متطرفين، حسب السوابق كلها.
من طرف الأميركيين، يصعب تصور سياسة أكثر تناقضا. لكن هناك سوابق أيضا. كانت واشنطن أسقطت النظام العراقي، فقطفت إيران الثمار؛ ثم ألغت الدولة العراقية، فاستفادت من ذلك الجماعات العدمية المنضوية في إطار القاعدة. وهي اليوم، عبر الحيلولة دون سقوط النظام الأسدي، تخدم روسيا وإيران. روسيا تعود بقوة إلى الساحة الدولية، وتفرض نفسها كعنوان رئيس للتفاعلات الدولية حول سورية. وإيران تنصب خطوط الدفاع عن نظامها ومصالحها بعيدا عن حدودها، في قلب سورية الممزقة، بينما صارت ملفاتها الخاصة، ومنها الملف النووي بعيدا عن بؤرة الانتباه الدولي. تخدم الجماعات الجهادية أيضا.
ثم يشكو هاملتيون كثيرون من صنف أوباما من "تعقد" الوضع السوري! ينبغي البحث، بالأحرى، عن شيء ما عفن في المملكة الأميركية.
الخاسر الأكبر من هذه السياسات اللاإنسانية هو الشعب السوري، وسورية كبلد ودولة: أكثر من نصف بالمئة قتلى، ثلث السكان مهجرون، ربع المساكن مدمرة، والجميع بلا أمل.
لكان كل شيء صعبا في سورية لو سقط النظام. لكن كان من شأن ذلك أن يوفر بداية الحل السياسي الذي تحتاجه سورية، وأن يوفر لسورية جهة عامة أو مركزا عاما يعمل على تنظيم الأمور في البلد، ويخاطب السوريين المشتتين في الداخل الخارج، ويواجه المتمردين. ولكان من أول التحديات التي تواجه سورية الجديدة ما بعد الأسدية مواجهة مجموعات عدمية، ولّدها اخراب العام وانعدام الأمل. وبقدر ما أتبين من متابعة شخصية، فإن بداية جديدة بلا أسد، وعودة الخدمات العامة، وتنشيط الحياة الاقتصادية، وظهور علائم الدولة الجديدة في البلد، ستظهر له آثار فورية على مجموعات جهادية هي أكثر رثاثة وأقل تماسكا في الواقع مما يعطي الانطباع البعيد.
وحده ما هو جيد ضد النظام الأسدي جيد ضد الجماعات العدمية المتطرفة، وليس صحيحا بحال أن ما هو سيء للنظام جيد للجهاديين، وما هو جيد للجهاديين سيء للنظام. الصحيح أن ما هو جيد للثورة، الجيش الحر والناشطين الديمقراطيين داخل البلد وخارجه، هو السيء للنظام والجهاديين معا. لقد كانت أوضاعنا صعبة طوال النصف الثاني من الثلاثين شهرا المنقضية لأن الفاعلين الكبار هندسوا من وراء الستار بقاء النظام، أي منعنا من تحقيق هدفنا وتجريدنا من قضيتنا.
كسوريين منخرطين في الثورة، نعرف جيدا أننا لا نستطيع ان نقول للأميركيين والغرب عموما اتركونا وشأننا. ليت هذا ممكن. لكن نستطيع القول باسم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، القيم المحركة للثورة: ساعدونا لتحقيق الهدف المباشر الذي تفجرت الثورة من أجله، التخلص من القاتل العام في بلدنا.
لا يجوز أن يفلت قاتل من العقاب. هل هذا "معقد"؟