لا قرار برفع الاسعار الا من حكومة دستورية وموثوقة من الشعب بانتخابات ديمقراطية


ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن - العدد: 3902 - 2012 / 11 / 5 - 20:58
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

ليس من حق الحكومة الحالية أن ترفع الاسعار بل عليها أن تراجع مدى دستورية الضرائب غير المباشرة المفروضة و كذلك عليها مراجعة الاسعار غير العادلة نتيجة جشع التجار والسياسة النيوليبرالية التي تفننت حكوماتنا بتطبيقها إرضاء للفئات التي استأثرت بالمغانم طوال السنوات الماضية على حساب الفقراء واصحاب الدخل المحدود ، وتدرك هذه الحكومة كما غيرها أن نهجها الاقتصادي مرفوض كليا وسياستها لرفع الاسعار مقابل الدفع كما تقول مرفوض فقد جربنا ذلك من قبل وكانت في مصلحة المتكرشين من اصحاب الحسابات الضخمة. فشعبنا لا ينتظر كم ستدفع الحكومة من وراء ذلك فكأنها تقول كم تريدون أن ندفع لكم مقابل أن تهلكوا وعائلاتكم على مذبح حلول قد ثبت عقمها في الاردن وسائر الدول التي انتكبت بسياسات كسياسات حكوماتنا، وليس كما يروج البعض استهتارا بشعبنا انه ينتظر كم ستدفع له الحكومة حتى يرضى عن الرفع الذي تمهد له.
تعلن الحكومة انها تدرس سيناريوهات تعويض الأسر عن إلغاء دعم الخزينة للمشتقات النفطية والكهرباء. لكن جميع هذه السيناريوهات تظل محصورة في حسابات لا تستند لقاعد علمية لحل الازمة، ولا يوجد بينها خطة تعتمد الرؤية الاقتصادية التي تاخذ بعين الاعتبار عدم تكرار نفس الازمة في السنوات اللاحقة. فقد تم تحذير المسؤولين من مغبة اتباع هذه السياسات منذ ومن طويل واعلنت المعارضة بشتى تلاوينها وخاصة التيارات اليسارية والقومية عن ذلك عندما نبهت من السياسات المنفلة في ادارة الاقتصاد وبيع مقدرات الوطن وترك الحبل على الغارب للفساد والمفسدين في أن يعيثوا فسادا بالارض كما نبهت تلك المواقف من خطر إنشاء المؤسسات المستقلة الموازية والتي جاءت لكي تقيم دولة داخل الدولة وتستهلك المليارات في صفقات مشبوهة.
لا يكاد يمر يوم او طلة تلفزيونية دون أن يدلي رئيس الوزراء ووزراء المال والاقتصاد بتصريح عن الوضع الاقتصادي الصعب. لكن الشعب بواد اخر فهو غير مقتنع بما تخرج به الحكومة الرشيد من ابداعات تصب كلها بهدف التطفل على جيوب المواطنين. والحل للوضع الصعب وهو فعلا صعب جدا كما يدركه الاقتصاديون الذين يقفون في الموقع المقابل لنهج الحكومات والذين يقفون في خندق الشعب وعبر عنه الكثير من الكتاب والصحفيين وكذلك الجبهة الوطنية للإصلاح في في برنامجها المعلن او في تصريحها اول امس.
تدور جميع التمهيدات لرفع الاسعار حكوميا حول سقف تعويضي لا يتجاوز ال300 دينار، سنويا. وهذا مبلغ ستأكله الارتفاعات القائمة في أسعار السلع والخدمات في فترة وجيزة. حيث لا تملك الحكومة أجهزة فعالة لضبط جنون الأسعار في " سوق منفلتة وغير مراقبة ويهيمن عليها اصحاب المصلحة في مثل هذه الحلول غير العاقلة.
حجم أزمة المالية العامة التي يعانيها الأردن اليوم، هو من الضخامة بحيث لا يمكن معالجتها بالاسباب التي ادت لها، وستؤول إلى الفشل الحتمي طالما ظلت الأسباب المنتجة للأزمة قائمة. ما نحتاجه اليوم هو معالجة، تأخذ بعين الاعتبار خطر انفلات التضخم وتعمّق البطالة والانكماش الاقتصادي ومراعاة مستوى الضغوط المعيشية والاجتماعية على الفئات الشعبية والتي قد تولد انفجارا لا قدرة للأردن عليه في ظل الأزمة التي تعصف في المنطقة وبتربص العدو بأوضاعنا الداخلية.
من هنا لا بد من مراجعة قانون ضريبة الدخل والذي فرضته في ليلة ظلماء حكومة الرأسماليين وممثلي القطاعات المالية كالبنوك وشركات التامين وإعادة النظر به وفقا للدستور الذي يؤكد على تصاعدية الضريبة وكذلك تحميل الفئات الأكثر ثراء الحصة العادلة من الكلفة الإجمالية للازمة وللخدمات والبنى التحتية التي تستفيد منها ويقتضي ذلك استيفاء رسوم تصاعدية على المنازل والسيارات والمزارع الترفيهية وسبل الاستهلال التظاهري الأخرى التي تتجاوز الحد المقبول لقدرة الاقتصاد الوطني خاصة وان هذه الفئات هي المستفيدة من الأوضاع الاقتصادية سواء كانت في حالة نمو او تراجع. واستعادة ما تم بيعه والتفريط به من ثروات الوطن وإعادة الأموال المنهوبة إلى الخزينة ومحاكمة الفاسدين وتخفيض نفقات الحكومات والمؤسسات المختلفة إلى حدها الأدنى الا تلك التي تدر دخلا، ويتطلب الامر اعادة هيكلة المؤسسات المستقلة ودمجها في مؤسسات الحكومة مع العمل على تخفيض النفقات.
ومن اجل حل مشكلة المواصلات بين المحافظات وداخلها لا بد من مؤسسة نقل حكومية جامعة تعمل بالكلفة وتقلل الإفراط في استخدام موارد الطاقة، بما يخفّض استهلاك المشتقات النفطية ويؤمّن حركة سهلة للعاملين يكفيهم استخدام وسائل المواصلات الخاصة. ومن اجل الاهتمام بالمستوى المعيشي للمواطن يفترض اعتماد حد من الرواتب والأجور يحفظ كرامة العاملين باجر والمتقاعدين العسكريين والمدنيين لحمايتهم من آثار عملية الإصلاح المرجوة لنه لم يعد بمقدورهم تحمل المزيد. واتخاذ سياسات وإجراءات صارمة وعاجلة لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، بما في ذلك زيادة رسوم تصاريح العمل والالتزام بيوم العمل من ثماني ساعات وتأسيس شركات توظيف عامة لتلافي الثقافة السائدة في تزويد السوق بقوة العمل المحلية . ووضع خطة تنموية إنتاجية وطنية شاملة تاخذ بعين الاعتبار المستقبل حتى يحافظ الأردن على استقلالية نسبية تسمح له بالحفاظ على إرادته المستقلة.
الحكومة الحالية جاءت لهدف معين وهو إجراء الانتخابات بغض النظر عن الموقف منها ومن مدى قدرة هذا الإجراء على إرساء أسس الحكم الديمقراطي، إلا انها أي هذه الحكومة ليست مخولة باتخاذ أية إجراءات اقتصادية كما يهيأ لها. أن الحل المقبول هو تشكيل حكومة يثق بها الشعب تدير انتخابات بإجماع وطني وقانون انتخاب متفق عليه. وعندها تكون الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب مخولة بالقيام بما يرضى عنه الناس وهذا ما نبه له الحراك طوال العامين الماضيين.